المكتب السياسيالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتمقالات

العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية.. نظرة معتدلة

صدر بتاريخ 12/12/2023م، ما سُمي بـ ” العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، حيث يعود إقرار أول عقد اجتماعي إلى إعلان الإدارات الذاتية في مناطق الجزيرة وكوباني وعفرين عام 2014، قبل أن يتحول بعد التعديل عليه إلى ميثاق للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عقب إعلانها في العام 2018، وفي شهر تموز من سنة 2022م عقد لجنة إعادة صياغة العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، والمكونة من 158 عضوا أولى اجتماعاتها في الحسكة شمال شرقي سوريا، وانتهت بتشكيل لجنة مصغرة مكونة من 30 عضواً على أن تُنهي هذه اللجنة تعديل ميثاق الإدارة وتعتمده.
ولعل بيان المجلس الإسلامي السوري الذي صدر في 19/12/2023، أي بعد أسبوع من إعلان العقد الاجتماعي يُفهَم ضمن سياق تدخل مجلس الكنائس ورعايته لما سمي وقتها بـ “ورقة العقد الاجتماعي السوري” حيث أسفرت مطالب شخصيات سورية لمجلس الكنائس العالمي في النصف الثاني من عام 2012م، أن يرعى عقد لقاءات استغرقت من 2012م إلى 2015م، وليتم بعدها صياغة ما سمي بـ “سردية مشتركة” بعنوان: “وصية الوفاق السوري”، ثم ليتم تطوير الورقة نهاية 2016م، ولتصبح ورقة مبادئ حملت عنوان: “محددات العقد الاجتماعي السوري”، ولتُدمج الجهود التي استمرت حتى آذار 2019م في ورقة واحدة مؤلفة من 20 نقطة، بعنوان: “نحو أسس لعيش مشترك ومحددات لعقد اجتماعي سوري”.
لهذا لم يصدر موقف رسمي من قبل المعارضة السورية حول العقد الاجتماعي، خلا بعض الفصائل من الجيش الوطني، الأمر الذي يُعطي مساحة للنقاش حول إمكانية الخلوص لنقطة تلاقٍ سوريّة يتم الدفع من خلالها بفكرة “ألمانيا الغربية” التي تبناها تيار المستقبل السوري، وحيث وصف ألمانيا بـ “جدّة سورية”.
من هنا يمكن دراسة السلبيات والايجابيات لهذا العقد بشكل موضوعي، والبحث عن نقطة التقاء نحاول العمل على الوصول إليها.

أولاً: الانتقادات على العقد الاجتماعي:
تتجلى الانتقادات حول العقد الاجتماعي حول عدة أمور لعل أهمها:
1- اتهام الإدارة الذاتية بسعيها نحو انفصال مبطن، بسبب إقرارها عقداً اجتماعياً أشبه بالدستور، ووصفها للمقاطعات السبعة التي نظمتها تحت إدارتها بأنها “إقليم”.
2- رفض مصطلح “الشعوب” الذي أطلقه العقد الاجتماعي، على اعتبار أن هذا المصطلح يُطلق على شعوب خاضعة لدول متعددة، وليس لمكونات بشرية تخضع لدولة واحدة كحال الشعب السوري.
3- فرض بعض التصورات السياسية الأبوجية مثل: “الحداثة الديمقراطية”، والتي تواجه وتعادي “الحداثة الراسمالية”، وبالتالي إدخال الشعب السوري في معارك موهومة غير موجودة بالعرف الدولي.
4- إهمال ذكر المكوّن العربي في حمايته، وتخصيص المكون الكردي والسرياني فقط.

ثانياً:
نظرة ايجابية:
لاشك أن سورية مُقسمة اليوم إلى مناطق نفوذ واقعية ولو لم يتم الاعتراف الرسمي بها، وبالتالي فإن أي محاولة لتنظيم هذه المناطق نحو رؤية وطنية سورية هو أمر جيد، من هنا سيكون تنظيم مناطق النفوذ في شمال وشرق سورية عبر سن قوانين مرجعيتها تنظيمات تخضع للمشاركة الشعبية، والخضوع لقانون معروف أمام قضاء رسمي سيكون أفضل من الخضوع الميليشاوي وللعرف غير المنضبط.

ثالثاً:
نظرة متأنية:
لاشك أنّ على الإدارة الذاتية مهمة الإجابة عن كل التساؤلات المشروعة من قبل السوريين حول العقد الاجتماعي الذي أطلقته، والسعي الحثيث لإزالة كل التخوفات الانفصالية وغير الانفصالية، سواء بسبب هذا العقد أو لسبب آخر، وبالمقابل على المعارضة السورية أن تُقدم إجابات واقعية حقيقية على التخوفات المُحقة من مشروع انفصال ممكنٍ في مناطقها الخاضعة للوصاية التركية، والتي أصبح علم تركيا مرفوعاً فيها على أغلب المقرات الرسمية وغير الرسمية في المناطق الشمالية الخاضعة للمعارضة السورية.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، سنحاول النظر بشكل موضوعي (غير منحازين) للنظر في الانتقادات، وإمكانية جعلها بوابة للنقاش والحوار السوري للوصول إلى أرضية مشتركة.

  • بقراءة المواد الـ 134 للعقد الاجتماعي، يمكن ملاحظة المشاركة الشعبية في صنع القرار في المنطقة الشمالية الشرقية، وبالتالي سيكون الرهان على الشعب نفسه في مقاومة أي مشروع انفصالي من داخل بنية المنطقة.
  • تنص المادة 5 على أن “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا جزء من جمهورية سوريا الديمقراطية”، وفي المادة 133 نص مهم: “العقد قابل للتعديل في حال تم التوافق على دستور ديمقراطي في سوريا”، وبالتالي فإن التخوف من الانفصال يصبح موهوما ولو كان تخوفاً معتبراً لحالة الحرب التي تعيشها سورية.
  • لايوجد مشكلة سياسية أو قانونية من ذكر مصطلح “الشعوب” بدل مصطلح “الشعب” ضمن دولة واحدة، وهذا ما تم إقراره في المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة والذي ينص على: “تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم، مؤسَّسَةً على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها”، ويتجلى ذلك في تخصيص ذكر حقوق “الشعوب الأصلية” ضمن البلد الواحد مثلاً، حيث ذُكر في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، والذي تم اعتماده في عام 2007.
  • لاشك أن الشعب السوري غني بمواقفه السياسية الداخلية والخارجية، وبالتالي فمن حقّ كلّ جهةٍ أن تأخذ بالأفكار السياسية التي تراها، مادام المرجع لذلك هو الشعب عبر الهيكلية التنظيمية الديمقراطية.
  • فيما خص المكون العربي تظهر ثلاث مواد يمكن الاجابة من خلالها على غياب اسمه بالتخصيص بالعقد الاجتماعي وهي:
    المادة /13/ القرارات التي تمس بالمكونات بشكل مباشر يتم اعتماد مبدأ التوافق أساساً.

المادة /15/ ترسيخ قيم العيش المشترك وفق مبادئ الأمة الديمقراطية المفعمة بروح التآخي فيما بين جميع الشعوب والمجموعات في شمال وشرق سوريا، ضمن نظام مجتمعي ديمقراطي حر وعادل.

رابعاً:
بين العقد الاجتماعي وقانون الآداب العامة:
بينما كنا في تيار المستقبل السوري السباقين لدعم تفعيل مشروع ألمانيا الغريية، واعتبرناها جدَّة سورية، ودفعنا وندفع كل الأفرقاء لإنجاح هذا المشروع باعتباره بديلاً عن النظام السوري، وضريبة الالتصاق به في حال استمر الوضع على حاله لحين بلوغ الحل السياسي أو فرضه بصيغةٍ تُشرعِنُ كل الاتفاقيات التي باع من خلال النظام السوري البلدَ بسهله وساحله وجبله وداخله، بَرِّهِ وجَوّهِ، وليسريَ ذلك على المعارضة السورية كونِها جزءاً مما تم التوافق عليه، وليصبح مستقبل سورية كلِّها أكثر سوداويةً وضبابيةً حتّى بعد الحل السياسي مع النظام السوري!.

بهذا الجو العام، يظهر لدينا الحدث الأول، وهو (العقد الاجتماعي) الذي قامت عليه الإدارة الذاتية، في الشمال الشرقي لسورية.
والحدث الثاني، (مشروع قانون الآداب العامة) التي أقرته حكومة الانقاذ في الشمال الغربي لسورية.
ولنقدّر من خلالها الوضع الحقيقي الذي وصلت إليه المناطق خارج سيطرة النظام، والتباين الشديد بينها، من هنا فإننا نحاول قراءة الواقع باعتدال وعدالة، دون الانجرار مع الشعبوية والرغبوية.
فرغم كل الانتقادات للعقد الاجتماعي لدى الإدارة الذاتية، إلا أننا نلاحظ خطورة هذا التباين في طريقة التفكير، فبينما مناطق الشمال الشرقي تبحث عن صيغة تعاقد فيما بين الشعوب لديها، نجد أن الشمال الغربي يغرق بالتشتت الفصائلي، وازدياد النفور بين الفصائل، وحالة التشظّي ضمن الفصيل الواحد، الأمر الذي يجعلهم في حالة هروب مستمر من واقعهم المأزوم نحو مساحات المزاودة، ليتم إغلاق مولات، وإصدار قانون يهتم بالموسيقى والحجاب والاختلاط!!
فشتان وشتان بين إدارة ذاتية تهتم بمسؤوليتها وتهتم لتنظيم صفوفها ضمن منهج ديمقراطي، ((حتى لو كنا نخالفها))!!، وبين الصورة في المقلب الآخر لدى حكومة الإنقاذ، ثم معارضتنا الرسمية ومرحلة نضوجها السياسي المتأخر.

لاشك دوماً أن هناك من يهتم بالعمق والجوهر، وهناك من يغرق بالقشور والمظهر، لكن هذا الفارق هو ما يجعلنا نقول: المفترض أن يكون اهتمامنا جميعاً صنع عقد اجتماعي ينظم علاقتنا المستقبلية جميعاً مع دولتنا الجديدة التي نصبو ونرنو إليها من خلال أهداف ومبادئ ثورتنا السورية.

خاتمة وتوصية:
لاشك أن هناك حساسية كبيرة وتزداد تدريجياً بين السوريين، حساسية تجاه المعارضة السورية، الإدارة الذاتية، الجماعات والهيئات الإسلامية، حتى بات الواقع السوري لا يسر صديقاً، ولا يردّ عدواً، وبالتالي، فمن السهل أن نظل في مرحلة تراشق الاتهامات، وتبادل التخوينات وكراسي العمالة، ولكننا في تيار المستقبل السوري نحاول العمل بشكل واقعي عبر رؤيتنا الوطنية، والتي تبحث عن سبل التوافق الوطني ولو بالحد الأدنى منه.
ولهذا فإننا نوصي بمايلي:

  • دعم وتأييد أي عمل تنظيمي ديمقراطي في سورية، والبناء عليه، والنظر في نقاطه الإيجابية ودعمها، والخلافية لتفكيكها.
  • التشديد على محاربة الفكر الانفصالي، ومراعاة اختلاف وجهات النظر حول النظام المركزي واللامركزي والكونفدرالي والفيدرالي.
  • إيجاد تيار سوري معتدل يحاول البحث على نقاط التقاء ممكنة بين الإدارة الذاتية والمعارضة السورية، والذي نحاول أن نكون أحد روافده في تيار المستقبل السوري، وصولاً لمشروع “ألمانيا الغربية” بتوحيد المناطق خارج سيطرة النظام السوري بدعم من التحالف الدولي، وربما تركيا.
  • الاعتراف بالاختلاف السياسي والأيدلوجي، وحق الشعب السوري في اختيار حلفاءه الدوليين، وبالتالي محاولة السعي لتقريب وجهات النظر بين الادارة الذاتية والمعارضة السورية ولو بالحد الأدنى، وجعل هذه القضية مهمة وطنية مهمة ولو كانت صعبة، في محاولة لكسر استحالتها الواقعية كما يبدو.
  • الاستفادة من العلاقات الدولية للمعارضة السورية مع تركيا، ولقسد مع التحالف الدولي، في التوسط لانهاء العداء فيما بينها، خصوصاً العداء بين تركيا وحربها على قسد، والعمل على إزالة التخوفات لدى جميع الأطراف.
  • ترك القضايا الاجتماعية لمرحلة مابعد قيام الدولة، والاهتمام بفكرة التعاقد واعتبارها حقاً شرعياً للسوريين على سلطات الأمر الواقع عليهم.

جمعة محمد لهيب
مدير قسم البحوث والدراسات في المكتب العلمي لـِ تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى