إبراهيم مصطفىالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالات

التغيير الديمغرافي البطيء، مخيم “بابسقا” نموذجاً

وفق فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، فإن أعداد النازحين السوريين بلغت نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية، في حين يبلغ عدد سكان المخيمات مليوناً و43 ألفاً و869 نازحاً، يعيشون ضمن 1293 مخيماً، من بينها 282 مخيماً عشوائياً أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.

وبحسب دراسة ميدانية قام بها فريقنا في الداخل السوري فإن سبب سكن النازحين السوريين بالمخيمات يعود لعدة أسباب:
1- الخوف من سيطرة النظام السوري ميليشياته على بلداتهم وقراهم، مما يضطرهم لاختيار الحياة البائسة في خيمة على سلطة النظام السوري الذي يستخدم سياسة الإرهاب والتشفي ضد الأهالي والمدنيين.
2- فقدان القدرة المالية لشراء أو استئجار منازل في القرى والمدن الآمنة نسبياً.
3- الأمل بأن يكون هناك بناء سكني مستدام بدل الخيام المؤقتة يجعل من المخيم قرية صغيرة على مثال المخيمات الفلسطينية في سورية ولبنان.
4- وجود بعض المعونات الإغاثية التي تساعد العوائل الضعيفة في معيشتها خصوصاً مع انعدام فرص العمل تقريباً في الشمال السوري.
5- اختيار المخيم يُشكل نوعاً من الأمان النسبي من التعدي العسكري للطيران والمدفعية من قبل الجيش السوري وميليشياته وروسيا وإيران.

توطينٌ لهدف تغيير ديمغرافي مقصود:
بينما تتجاوز نسبة المخيمات 1000 مخيم، تعمد السياسة العسكرية لأطراف الصراع المختلفة بالتوجه نحو تغيير ديمغرافي بنويوي للشعب السوري عبر طرد السكان الأصليين وتكيفهم مع مناطقهم الجديدة والسعي لاستيطانها مستقبلاً وديمومتها.
فالنظام السوري يسعى لكي يكون السوريون في مناطقه “متجانسين” بحسب توصيف رأس النظام السوري، وبالتالي هذا يعني أن طرد السوريين الذين لا يخضون لسيطرته حاجة ملحة لاستتباب الأمر له.
وإيرن تسعى للتغلغل الشعبي عبر سياسة التشييع السياسي ونشر ثقافتها، والاستيلاء على المناطق الحيوية خصوصاً في المنطقة الشرقية بالقرب من الحدود العراقية، مما يعطيها منفذاً وطريقاً على البحر المتوسط ولبنان، إضافة لمدينة حلب المكان التاريخي للحكم الشيعي الحمداني، وماتمثله حلب من رمزية شيعية سياسية لإيران.
تسعى تركيا لخلق بنية مجتمعية عربية على الشريط الحدودي لها، لقطع التواصل بين الأكراد في سورية وحزب العمال الكردستاني، وبالتالي يهمها نقل السوريين العرب للمناطق التي تسعى للوصاية عليها رويداً رويداً.
من هنا يمكننا اعتبار وجود حالة اتفاق بين أطراف الصراع، لقضية الاستمرار بحالة التغيير الديمغرافي عبر العمل على توجيهه نحو المصالح الاستراتيجية الديمغرافية للأطراف ذات العلاقة بالمسألة السورية.

مخيم “بابسقا” نموذجاً
في دراسة ميدانية قام بها فريق تيار المستقبل السوري لمخيم عشوائي في منطقة بابسقا، الواقعة بالشمال السوري في محافظة ادلب، والقريبة من الحدود السورية التركية، والقريب من باب الهوى من الجهة الغربية, كان خلاصتها مايلي:
١- وجدنا انتشاراً في المخيم لبعض الأعمال الخدمية اللازمة والحياتية من محل بقالة وملحمة وغيرها من البضائع الحياتية.
٢- جميع من هم في المخيم من ريف ادلب، نازحون من (معرة النعمان، حيش، عين لاروز، جرادة، كفرنبل، حاس..).
٣- يتم نقل المياه للمخيم عبر صهاريج مياه، تدعم بعضها منظمات مدنية إغاثية.
٤- تم تركيب ألواح طاقة شمسية لكافة الخيم بشكل فردي لكل خيمة، مما يجعل استجرار الكهرباء للمخيم مشروعاً مستقبلياً ممكناً.
٥- المخيم غالبه يعتمد على القماش، تم التبرع به من قبل بعض المنظمات الإغاثية، والباقي تم على حساب النازحين، مع وجود لبيوت عمل أصحابها على رفع جدران إسمنتية فيها وبسقف عبارة عن قماش سميك “جادر”.
٦- أغلب سكان المخيم من غير العاملين ضمنه، ويعتمدون على العمل في القرى والمناطق خارج المخيم، وتُعتبر قرية “الدانا” التابعة لمحافظة ادلب وجهة عمل لغالبية سكان المخيم لقربها الجغرافي وإمكانية الوصول إليها عبر وسيلة “الموتور”.
٦- المخيم بحدود خمسين خيمة، يسكنها 250 عائلة تقريبا، ما يقارب ألف نازح يقطن في المخيم، والإحصاء لم نستطع توثيقه بغير الشكل التقريبي عبر الاستفسار من بعض النازحين هناك.
٧- ينتظر أهالي المخيم جهود المنظمات الإنسانية لبناء كتل إسمنتية بدل الخيم القماشية على نفس مثال المخيمات الأخرى “مخيم مشهد روحين مثلاً”، ورغم أن المخيمات كثيرة ولكن إشاعات متقطعة تصدر كل مدة للنازحين بمخيم “بابسقا” بوصول منظمة إغاثية لعماره اسمنتياُ.
٨- هناك سواقي بدائية تمر من الخيم مرورا بالطريق نزولا حتى حفرة كبيرة يتم تجميع المياه فيها، هذه المياه تكون جراء غسيل أو استخدام للاستحمام أو جلي الاطباق، الحفرة الكبيرة والمسماة “جورة فنية” هي خلاصة تجميع هذه المياه من جهة، وخلاصة تجميع مفرزات الحمامات المشتركة والمنفردة، بعض المنظمات الاغاثية تساهم كل فترة بتنظيف هذه الحفر “الجور الفنية”، ورغم هذا الوضع المأساوي إلا أن النازحين استطاعوا التأقلم القهري مع ذلك، وهم بانتظار عمل ما، أو معونة غذائية.
وبدورنا نشجع المانحين وأهل الخير المساعدة لهذا المخيم وغيره، وبإمكاننا إيصالهم ببعض الأهالي النازحين الذين تعرفنا عليهم وشدنا مدى وعيهم الوطني والسياسي والديني والأخلاقي.

حالة دائمة:
يظهر مما تقدم أن المخيمات في الشمال السوري باتت مصلحة استراتيجية لجميع أطراف الصراع، وبالتالي يمكننا حصر ما ينقصها للسكن الدائم بما يلي:
1- استجرار الطاقة الكهربائية ولو أن الناس تكيفوا مع ألواح الطاقة باعتبارها أقل تكلفة من الكهرباء الرسمية، أو “مولدات” كهربائية مايُسمى “اشتراك”، ويمكن الاستعاضة عن ذلك ببناء مشروع للطاقة الشمسية بالقرب من المخيم وجعله مجانياً عبر برنامج تقنين مدروس وكافي بهدف المحافظة على هذه الطاقة.
2- استجرار الماء إما عن طريق حفر الآبار أو عن طريق استجرارها من القرى القريبة.
3- قلب الخيم القماشية إلى بيوت اسمنتية.
٤- تعبيد الطرقات وتجهيز بنية تحتية.
وبحسب دراستنا كان هناك اجماع من قبل من تم سؤالهم أن السكن بالمخيم سيكون دائما في حال تم تقديم هذه الإضافات الأربعة، حتى ولو تم الوصول إلى حل دائم للقضية السورية وكان بالإمكان العودة لمناطقهم الأصلية! فبحسب قناعة القاطنين بالمخيم أنها ستكون بحاجة في غالبها لبناء مُكلف بعدما خلفته الحرب، وقد تكون العودة على فترات طويلة حتى لو حصل إعادة إعمار حقيقي، ولا يمنع حسب الدراسة أن يكون المخيم منطقة بديلة أو ثانية عن المنطقة الأصلية.

خاتمة:
يبقى قرار التغيير الديمغرافي قراراً أكبر من دفاع الشعب السوري عن نفسه كما يظهر، وبالتالي فنحن أمام حالة من التأقلم مع قرار أطراف الصراع حول التغيير الديمغرافي الذي نجحوا به بنسبة كبيرة منذ ما قبل نقل الباصات الخضراء للبشر!! والذي لا يبدو أنه سيتغير في المنظور القريب.

لهذا فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري بالمساعدة في جعل المخيمات قابلة للحياة، حتى الوصول إلى حل سياسي حقيقي، وحينها يكون قرار البقاء أو العودة للمنطقة الأصلية عائداً للنازحين أنفسهم، حسبَ نسبة الدمار، وقضية إعادة الإعمار، والحالة الاجتماعية التي تعقدت كثيراً.

كما نوصي بمحاربة التغيير الديمغرافي من قبل القوى السياسية الوطنية كافة في مختلف المواقع السياسية السورية، أو على الأقل محاولة تخفيف تبعاته.

تيار المستقبل السوري إذ يأسف لهذه الحال التي وصل إليها الشعب السوري من قضية المخيمات والتغيير الديمغرافي، فإنه يشدد على ضرورة الوصول إلى الحل السياسي الشامل والذي بدوره سيعطي للسوريين مرحلة جديدة قد تسمح لهم بالعيش الصحي، ولو تم تمرير مشروع التغيير الديمغرافي بشكل كامل!!

إبراهيم المصطفى
عمار العموري
وآخرين
المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى