المكتب العلميجاكلين ك الشاميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالات

جامعة دمشق.. تاريخٌ عظيم، وواقعٌ أليم

نالت “جامعة دمشق” المرتبة (٦٧) من أصل (١١٥) جامعة عربية، في تصنيف أجراه “اتحاد الجامعات العربية”، أما موقع “ويبوماتريكس” فصنّف “جامعة دمشق” بالترتيب (٣١٠٨) عالمياً لعام 2023.

ولعل هذا الانحدار والتراجع لمكانة وقيمة “جامعة دمشق” لم يكن وليد لحظة الحرب، بل كان واضحاً وملحوظاً منذ استيلاء نظام الأسد الأب وثم الابن على السلطة في سورية.

جامعة دمشق:
جامعة دمشق هي أقدم وأكبر جامعةٍ في سورية، تأسست في أوائل القرن العشرين، وتعتبر الجامعة الأم التي ترجع نشأتها الأولى إلى مستهل القرن العشرين.
ولعله يمكن تلخيص تاريخ “جامعة دمشق” بالمراحل التالية:
• في عام 1901، تم إقرار إنشاء مكتب مدرسة للطب في دمشق.

• في عام 1903، تم افتتاح “المدرسة الطبية” في دمشق، والتي تعد النواة الأولى للجامعة.

• في عام 1919، تم افتتاح معهد الطب ومدرسة للحقوق في دمشق

• في عام 1923، تم تأسيس الجامعة السورية في دمشق بقرار من رئيس اتحاد الدولة السورية صبحي بركات الخالدي.

• في عام 1958، تم تغيير اسم “الجامعة السورية” إلى “جامعة دمشق”.

وتميزت جامعة دمشق عن باقي الجامعات العربية بتعريب مقرراتها التدريسية حتى الطبية منها، وكانت تيتقبل الطلاب من كافة الدول العربية، وخاصة من دول المغرب العربي، والخليج العربي، واليمن، والأردن وغيرها.
حتى عام 1970، قبل استيلاء الأسد على السلطة في سورية، كانت “جامعة دمشق” تحتل المرتبة الثانية عربيًا، بعد جامعة القاهرة، ليبدأ الانحدار رويداً رويداً رغم وجود نخبةٍ ثقافيةٍ تعليميةٍ، واستقلالٍ إداري شكلي للجامعة خلال حكم نظام الأسد، ليأتي عام 2004م فيصبح ترتيب جامعة دمشق في تصنيف (ويبومتريكس)، 48 على مستوى 100 جامعة عربية.
أما في عام 2010، فقد خرجت الجامعات السورية كافة من قائمة أول 100 جامعة عربية.
ويُذكر في السياق أن تصنيف جامعة دمشق في كيو إس (qs): جاء في المرتبة 1201+ في الترتيب الجديد لعام 2022، حيث شهدت تراجعاً عما كانت عليه في عام 2021 التي حلت فيه في المرتبة 1001+، أي بمعدل انحدار 200 نقطة خلال عام!!

وأما تصنيف جامعة دمشق في التصنيف الألماني إيديو رانك” edurank” للجامعات العالمية فقد احتلت الجامعة عالمياً المركز 3571 من بين ما يزيد على 14 ألف جامعة، شملها هذا التصنيف في العام الماضي 2022م.

وأما تصنيف جامعة دمشق بحسب موقع التايمز للهيئات التعليمية فهي خارج التصنيف العالمي!.

ولعل سبب هذا الانحدار والتراجع إنما يعود للهيمنة الأيديولوجية البعثية على المناهج التعليمية من جهة، وبخاصة دخول المواد القومية البعثية في السنة الأولى والثانية، إضافة إلى منع النشاط السياسي للأحزاب السياسية الأخرى في الجامعة، وبالتالي تم تحويل جامعة دمشق إلى أداة لنقل أفكار النظام السياسي الاستبدادي وتعميمها على الطلبة وحسب!
إضافة إلى سبب جوهري يكمن في تفريغ الجامعة من مهامها العلمية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، حيث أوجد النظام السوري مفاضلة خاصة للدخول إلى الجامعة، من خلال الانتماء إلى المظلة العسكرية: الصاعقة، الشبيبة، وأخرى حزبية: عضو عامل، نصير، وغير ذلك.

أسباب استمرار تراجع التصنيف بعد الثورة السورية:
يعود هذا الانحدار السريع بعد 2011م، إلى عدة أسباب منها:

  • عدم الاهتمام بالبحث العلمي، واختيار المرشحين لنيل الدكتوراه حسب الانتماء والولاء للنظام السوري وليس التفوق العلمي.
  • اخضاع الجامعة للرقابة الأمنية الكاملة، وتراجع الاهتمام بالجانب التعليمي على حساب تجنيد الطلاب، وتحويل الجامعة لمراكز عسكرية مُستترة، وفرض رقابة صارمة على الأساتذة والعاملين في وزارة التعليم العالي.
  • تراجع حجم الموازنة المخصصة للتعليم العالي والبحث العلمي من 10 بالمئة من الموازنة العامة عام 2010، إلى أقل من 2 بالمئة من الموازنة العامة لعام 2017، وهو ما انعكس على جودة التعليم.
  • هجرة المئات من الأكاديميين السوريين بسبب الملاحقة الأمنية، وربط التعيين والترقية بدرجة الولاء للنظام السوري، وسيطرة الأجواء الطاردة للكفاءات والقدرات.
  • إلغاء العديد من الوسائل التعليمية التطبيقية في الكليات العلمية، وتدني مخصصات البحث العلمي في الجامعات، الأمر الذي أدى إلى تراجع عدد الأبحاث العلمية والنشر في المجلات الدورية الأكاديمية، وعدم نشر تلك الأبحاث على مواقع الجامعات الإلكترونية
  • صعوبة الوصول إلى المواقع الإلكترونية بسبب عدم المواكبة للتكنولوجيا الرقمية، وعدم تحديث البيانات والمعلومات الأكاديمية للجامعة بشكل دوري، إضافة لتراجع حجم التبادل الثقافي والتعاون الدولي مع الجامعات العالمية وعدم القيام بتنظيم الفعاليات والنشاطات والندوات والمؤتمرات العلمية، وتراجع حجم البعثات العلمية إلى الجامعات الغربية، وتحويلها تلك البعثات إلى جامعات متخلفة في روسيا وإيران.
  • تراجع عدد الأساتذة الذين يشاركون في المؤتمرات العلمية الدولية، ويحصلون على جوائز عالمية، وعدم الاهتمام بالبحث العلمي باللغات الأجنبية.
  • انتشار ظاهرة تزوير الشهادات العليا بالتعاون مع متنفذين في وزارة التعليم العالي، الأمر الذي انعكس على سمعة الشهادات التي تصدر عن تلك الجامعات، إضافة إلى تخلف المناهج التعليمية وطرائق التدريس وعدم مواكبتها للتطورات التكنولوجية.
  • أخيراً، تحولت مكاتب حزب البعث العربي الاشتراكي في الجامعات السورية إلى مكاتب أمنية لتلقّي التقارير الأمنية اليومية بحق الأساتذة والطلبة المتعاطفين مع الثورة السورية وكذلك أهليهم، حيث تم تحويل العديد من الأساتذة والطلبة إلى المعتقلات ومحاكم الإرهاب، كما تم تحويل المستودعات الخاصة بالكليات إلى معتقلات تديرها الأجهزة الأمنية.

خاتمة وتوصية:
لاشك أن ما نزل من ضرر بـِ “جامعة دمشق” إنما هو دليل جلي على ما لحق بالقطاع التعليمي في مناطق النظام السوري ككل! ولتتقدم رغم كل المعوقات مثلاً “جامعة حلب الحرة” في المناطق المحررة رغم عمرها القصير، حيث نشر موقع (ويبوميتركس) أن جامعة حلب في المناطق المحررة حازت الترتيب (41) على مستوى الجامعات المحلية العامة والخاصة.

إن تحسين مستوى الجامعات السورية عموماً وجامعة دمشق خصوصاً باعتبارها مَعلَماً سورياً لكل السوريين يمثّل تاريخهم المعاصر، ويجعل الحفاظ عليها والاهتمام بها ضرورة وطنية تًهم السوريين الأحرار قبل غيرهم.

وبالتالي فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري:

  • ضرورة إبعاد التعليم عن التسييس، ورفع أيدي الأجهزة الأمنية عنه.
  • إدارة ملف الجامعات والمراكز البحثية بشكل أكاديمي وعلمي، مع زيادة الإنفاق على البحث العلمي، وضرورة المحافظة على الكفاءات والعقول السورية، وتأمين البيئة المناسبة لعودتهم .
  • تطوير قانون تنظيم الجامعات ومنحها الاستقلال المالي والإداري، وتقدير الأساتذة، واعتماد ضوابط ومعايير واضحة لترقيتهم، تعتمد على الموضوعية والكفاءة.
  • ضرورة تغيير النظام السياسي الحالي في سورية، لتحقيق كل ما ذُكر.

وفي حال تعنت النظام السوري قبول أيّ حلٍّ سياسي، فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري:

جعل ملف جامعة دمشق في عهدة جامعة الدول العربية رسمياً، أو عهدة الأمم المتحدة، على اعتبار أصالة “جامعة دمشق” وكونها همزة الوصل الوطنية الكبرى للسوريين ببلدهم ووطنهم رغم كل خلافاتهم واختلافاتهم السياسية.

جاكلين ك الشامي.
المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى