المكتب الاقتصاديالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتمقالات

“الكبتاغون” أوكسجين الأسد

تم فرض العديد من العقوبات الاقتصادية على النظام السوري منذ عام 2011 وحتى 2023، بعض هذه العقوبات هي:

  1. عقوبات الاتحاد الأوروبي: حيث بدأ الاتحاد الأوروبي في فرض العقوبات على النظام السوري في عام 2011، وتشمل حظر الاتجار بالسلع التي يمكن استخدامها لقمع السكان المدنيين، وفي يونيو 2023م أعلن الاتحاد الأوروبي عن تمديد العقوبات المفروضة على النظام السوري لغاية 1 حزيران 2023.
  2. عقوبات الولايات المتحدة: في أغسطس 2011، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات في النظام السوري، فضلا عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها.
  3. العقوبات الأخرى: كفرض حظر على واردات النفط، وقيود على الاستثمار، وتجميد أصول البنك المركزي السوري في الاتحاد الأوروبي، وقيود تصدير على المعدات والتقنيات التي يمكن استخدامها لقمع المدنيين أو مراقبة هواتفهم أو نشاطاتهم على الإنترنت.

العملة الصعبة:
تلعب العملة الصعبة (الدولار) دوراً حاسماً في اقتصاد الدول النامية، ومنها النظام السوري للأسباب التالية:

  1. الاستيراد: الدول النامية غالبًا ما تحتاج إلى استيراد السلع والخدمات من الدول المتقدمة، وهذه العمليات تتطلب العملة الصعبة، الأمر الذي أفقد النظام السوري القوة الشرائية بسبب العقوبات المتلاحقة.
  2. الديون الخارجية والاستثمارات: فالدول النامية غالبًا ما تستلف من الدول المتقدمة أو المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، وتتطلب هذه الديون السداد بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تعتبر مصدرًا هامًا للتمويل والتنمية، غالبًا ما تتم بالعملة الصعبة، وبما أن النظام السوري عقد اتفاقيات مع ايران وروسيا والتي سنفرد لها مقالاً آخر، فإنه بات مضطرا للدفع بالدولار لها.
  3. الاستقرار الاقتصادي: الحفاظ على احتياطيات كافية من العملة الصعبة يمكن أن يساعد في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث يمكن استخدام هذه الاحتياطيات للتدخل في الأسواق النقدية للحفاظ على قيمة العملة المحلية، الأمر الذي جعل العملة السورية تفقد قيمتها بشكل كبير.
  4. التجارة الخارجية: العملة الصعبة مطلوبة أيضاً لتسوية المعاملات التجارية الدولية، فالدول النامية التي تعتمد على الصادرات مثل السلع الأولية أو الصناعية، إنما تحصل على العملة الصعبة من خلال تلك التجارة، إذ وفقًا لتقرير البنك الدولي “مرصد الاقتصاد السوري، شتاء 2022 / 2023”، فإن الاقتصاد السوري يعاني من تدهور كبير بسبب النزاع وارتفاع تكاليف المدخلات، في ظل استيراد ما يقرب من نصف الكميات المستهلكة من النفط، وحوالي ثلث الكميات المستهلكة من الحبوب، والتي تحتاج تبادلا بالعملة الصعبة.
  5. التنمية الاقتصادية: العملة الصعبة تساعد الدول النامية على تمويل الاستثمارات في البنية التحتية والتعليم والصحة، وهي جميعًا عناصر حاسمة للتنمية الاقتصادية، الأمر الذي يحتاجه النظام للقيام بإعادة الإعمار.

موارد العملة الصعبة للنظام السوري:

  1. النفط: كان الإنتاج السوري من النفط بحدود 450 ألف برميل يومياً يزيد عن حاجة السوق المحلية، ويصدّر الفائض منه بنحو 150 ألف برميل يوميا إلى ألمانيا بالدرجة الأولى.
  2. القطن والأغنام والأبقار: كانت سورية من بين البلدان الخمسة الأولى في العالم بإنتاج القطن وتربية الأغنام والأبقار.
  3. الحبوب: حيث تراوح إنتاجها من الحبوب ما بين 3.5 إلى 6 ملايين طن سنويا، أي ما زاد على حاجة السوق المحلية في معظم السنوات.
  4. السياحة: كانت سورية بسبب رخص منتجاتها وجودة صناعاتها الاستهلاكية وعراقة تاريخها قبلة لملايين السياح سنوياً ،والذين زاد عددهم على 8 ملايين في عام 2010.

ولكل ما ذُكر من العقوبات، والحكم الاستبدادي، والحرب، وتنوع مناطق النفوذ في سورية، وخسارة النظام السوري سواء أمام أعداءه (المعارضة و قسد)، أو حلفاءه الذين حصلوا على امتيازات كبيرة جدا منه، منها الموارد والموانئ، أن تم اغلاق هذه الموراد المالية الرسمية والقانونية لدخول العملة الصعبة والاستثمارات لاقتصاد النظام السوري، وليجد في صناعة وتهريب الكبتاغون الحل الوحيد لرفد اقتصاده، وليُعتبر الكبتاغون لاحقاً المصدر الهام للدخل في اقتصاد النظام السوري، حيث تجاوزت قيمة تجارة الكبتاغون 5 مليار دولار في عام 2021م، ليؤكد تقرير معهد “نيو لاينز” الأميركي، أن النظام السوري يستخدم هذه التجارة كوسيلة للبقاء سياسياً واقتصادياً إثر العقوبات المفروضة عليه، ليصنف كأبرز مُنتِج ومصدر لتلك الحبوب، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي جو بايدن كي يوقّع في أواخر عام 2022، عقب إقرار الكونغرس، مشروع قانون لمكافحة إنتاج الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري.
وفي تصريح لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد في شهر مارس من هذا العام 2023م يوضح أن تجارة مخدّر الكبتاغون تصل قيمتها إلى 57 مليار دولار، ويقف خلفها رجال أعمال وميليشيات وأقرباء رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويضيف الوزير البريطاني أن نطاق تسويق الكبتاغون تخطى حدود الشرق الأوسط ليصل إلى أوروبا وآسيا.

وبدورها بنفس السياق أفادت وزارة الخزانة الأميركية في بيان لها بأن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت عقوبات جديدة على ستة أشخاص، منهم اثنان من أقرباء بشار الأسد، لدورهم في إنتاج مخدر الكبتاغون أو تصديره، وقالت الوزارة إن الاتجار في الكبتاغون يحقق أرباحًا تقدر بمليارات الدولارات، مشيرة إلى أن العقوبات الجديدة ستسلط الضوء على دور المهربين، وهيمنة عائلة الأسد على تجارة هذا المنشط الخطير الذي يساهم في تمويل حكومة النظام السوري.
وبحسب تقرير نشره موقع (إيكونوميست (The Economist) (البريطاني بأنه مع انهيار الاقتصاد الرسمي تحت وطأة الحرب والعقوبات والحكم القمعي، أصبحت المخدرات الصادر الرئيس لسورية الأسد، ومصدر العملة الصعبة فيها، مشيرًا إلى أن مركز تحليل العمليات والبحوث (COAR) -وهو شركة استشارية مقرّها قبرص، أفاد بأن السلطات في أماكن أخرى صادرت مخدرات سوريّة بقيمة لا تقل عن 3.4 مليارات دولار، مقارنة بأكبر تصدير قانوني لسورية، وهو زيت الزيتون الذي تبلغ قيمته نحو 122 مليون دولار في السنة.

ولهذا فإن النظام السوري لن يستسلم أمام كل الحملات بمقاومة بيعه للكبتاغون، وسيستمر بالاعتماد عليه حتى ولو تم رفع العقوبات عنه، وهو بذلك يسعى ليكون الكبتاغون سلاحاً جديداً أمام المجتمع الدولي لفرض شروطه في الحل السياسي، هذا الحل الذي لن يتم دون تنفيذ المقررات الدولية، واقناع المعارضة السورية بذلك.

لهذا فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري بتهيئة ظروف حشدٍ دوليٍّ لإنهاء ملف الكبتاغون عبر فرض حلٍّ سياسيّ في سورية، ينتقل بها نحو جعلها دولة حديثة ذات اقتصاد حر يمنع الحاجة بها إلى تصنيع وتصدير المخدرات.
وفي حال عجز المجتمع الدولي الحالي، فإننا نوصي بضرورة تدخُّل عسكري دوليّ (كعمل جراحي دقيق ومحكم)، ضمن تحالف عربي يدعم المناطق الجنوبية، لتصبح منطقة آمنة خارج سيطرة النظام السوري في مرحلة أولى، وليتم الانتقال بها لاحقا لما كنا قد اقترحناه من تطبيق تجربة (ألمانيا الغربية) والتي أسميناها بـ “جدة سورية”، عبر تنظيم المناطق خارج سيطرة النظام السوري من الشمال والشرق والجنوب ضمن كيان وطني سوري بدعم دولي وعربي، ثم ليتم فرض الحل السياسي على النظام السوري وحلفاءه فرضاً.

عمار العموري
باحث في قسم البحوث والدراسات
المكتب الاقتصادي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى