تستعرض هذه الورقة العقوبات البريطانية المفروضة في 19 ديسمبر 2025 على ستة أفراد وثلاثة كيانات سورية متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، كما ورد في تقارير رسمية من وزارة الخارجية البريطانية ووسائل إعلام مثل "رويترز".
تهدف الورقة إلى تقييم هذه العقوبات كأداة لتعزيز العدالة الانتقالية في سورية ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مع التركيز على إيجابياتها في تعزيز المساءلة والاستقرار، وسلبياتها في التأثير على الاقتصاد والعلاقات الدولية.
وبناءً على منهجية تحليلية وصفية تعتمد على مصادر ثانوية مثل وثائق الحكومة البريطانية، وتقارير منظمات حقوقية، ودراسات أكاديمية حول العدالة الانتقالية في المجتمعات ما بعد النزاع، كما تكشف النتائج أن العقوبات تدعم تفكيك الميليشيات القمعية وتشجع على الإصلاحات الداخلية، لكنها قد تعيق إعادة الإعمار إذا لم تُدار بعناية، خاصة في ظل رفع بعض العقوبات البريطانية في أبريل 2025 لدعم قطاعات الطاقة والمالية.
فمن بين الأفراد المستهدفين: محمد حسين الجاسم (أبو عمشة)، سيف بولاد (سيف أبو بكر)، غياث دلا، مقداد فتيحة، مدلل خوري، وعماد خوري.
أما الكيانات فتشمل فرقة الحمزة، فرقة السلطان مراد، وفرقة السلطان سليمان شاه (العمشات).
وتركز التوصيات على استراتيجيات واقعية لتجاوز تأثير العقوبات، خاصة لأطراف مرتبطة بوزارة الدفاع السورية الحالية، من خلال الإصلاحات الداخلية، والتعاون الدولي، والتنويع الاقتصادي القانوني، لضمان انتقال سلمي يراعي الظروف الحساسة في سورية الجديدة.
المقدمة:
شهدت سورية تحولاً جذرياً منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مما أدى إلى بداية مرحلة انتقالية تتسم بالتحديات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة البريطانية في 19 ديسمبر 2025 فرض عقوبات جديدة على ستة أفراد وثلاثة كيانات مرتبطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما تفصل وثائق وزارة الخارجية البريطانية وتقارير إعلامية.
هذه العقوبات، التي تشمل تجميد الأصول وحظر السفر، تستهدف شخصيات مثل محمد حسين الجاسم (قائد فرقة السلطان سليمان شاه)، وسيف بولاد (قائد فرقة الحمزة)، بالإضافة إلى رجال أعمال روس-سوريين مثل مدلل خوري وعماد خوري، الذين دعموا النظام السابق مالياً.
أما الأسباب الرسمية فتشمل قمع المدنيين في أحداث الساحل السوري في مارس 2025، والانتهاكات خلال الحرب (2011-2024)، مما يعكس التزام بريطانيا بالعدالة الانتقالية كما صرحت وزيرة الخارجية يفيت كوبر: "المحاسبة والعدالة لجميع السوريين أمر حيوي لضمان تسوية سياسية ناجحة ومستدامة في سورية".
يأتي هذا القرار بعد رفع جزئي للعقوبات في أبريل 2025، الذي سمح باستثمارات في قطاعات الطاقة والتجارة لدعم إعادة الإعمار، مما يبرز سياسة متوازنة بين المساءلة والدعم.
تهدف الورقة إلى تحليل إيجابيات هذه العقوبات في تعزيز العدالة الانتقالية، مثل بناء الثقة بين المكونات السورية، وسلبياتها مثل تعقيد العلاقات مع تركيا (التي دعمت بعض الفصائل سابقاً) أو روسيا.
وهنا يأتي السؤال الأهم، كيف تساهم هذه العقوبات في العدالة الانتقالية؟ وما مخاطرها في المرحلة الانتقالية؟ وكيف يمكن تجاوز تأثيرها، خاصة لأطراف وزارة الدفاع السورية الحالية؟
تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن العقوبات الدولية في المجتمعات ما بعد النزاع تلعب دوراً مزدوجاً في العدالة الانتقالية، حيث تعزز المساءلة لكنها قد تعيق التنمية.
فعلى سبيل المثال، في بحث براهم (2004) حول تأثير العدالة الانتقالية في البيئات ما بعد الصراع، يُبرز كيف تساهم الإجراءات مثل المحاكم واللجان الحقيقية في استعادة كرامة الضحايا وبناء الثقة، لكن العقوبات الدولية تضيف طبقة إضافية من الضغط.
كما في دراسة "العدالة الانتقالية والعقوبات" (2012)، فإن هذه الإجراءات تساعد في بناء الثقة بين الجماعات المتحاربة وتعزيز التغييرات المؤسسية، لكنها تتطلب توازناً لتجنب تعزيز الاستقطاب.
في سياقات مشابهة، مثل العراق بعد 2003 أو ليبيا بعد 2011، أظهرت دراسات مثل تلك في "العدالة الانتقالية في المجتمعات ما بعد النزاع" (2005) أن العقوبات تساهم في تفكيك الهياكل القمعية، لكنها تؤثر سلباً على الاقتصاد إذا كانت شاملة.
يأتي بحث باريس (2010) ليؤكد على التأثيرات الإيجابية للعدالة الانتقالية على مستوى الدولة، مثل المحاكمات واللجان، مع الإشارة إلى أن العقوبات تعزز الردع لكنها تحتاج إلى دعم محلي. كذلك، في "العدالة الانتقالية وجودة الديمقراطية" (2013)، يُنصح بتطبيق مزيج من الإجراءات على مدى طويل (عشر سنوات أو جيل)، كما توصي الأمم المتحدة.
وبالنسبة لسورية، فقد أدت عقوبات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة منذ 2011 إلى عزل النظام، لكن تخفيفها في 2025، كما في تعديلات أبريل، يعكس تحولاً نحو دعم الإعادة الإعمار.
بينما دراسة "بين الإفلات من العقاب والعدالة" (2023) تكشف أن العقوبات تُرى كأداة لإصلاح الضرر وإعادة دمج بعض المجرمين، لكنها تحتاج إلى دعم من أصحاب المصلحة.
فالفجوات تشمل قلة الدراسات السورية المحلية حول تأثير العقوبات على الوحدة الوطنية، مما يبرر هذا البحث.
لقد اعتمدنا في الورقة هذه على نهج وصفي تحليلي، مستخدمين مصادر ثانوية مثل وثائق GOV.UK، وتقارير "رويترز"، ودراسات أكاديمية عن العدالة الانتقالية.
تم استخدام إطار SWOT لتقييم الإيجابيات والسلبيات كالتالي:
- القوى (Strengths): الجوانب الداخلية الإيجابية مثل تعزيز المساءلة.
- الضعف (Weaknesses): الجوانب الداخلية السلبية مثل التأثير الاقتصادي.
- الفرص (Opportunities): الجوانب الخارجية الإيجابية مثل التعاون الدولي.
- التهديدات (Threats): الجوانب الخارجية السلبية مثل التوترات الدبلوماسية.
وتشمل البيانات تحليل الوثائق الرسمية والمقالات، مع قيود تتعلق بحداثة الخبر (ديسمبر 2025)، مما يتطلب تحديثات مستقبلية.
كما لم يتم استخدام بيانات أولية ميدانية بسبب الظروف الأمنية، لكن الاعتماد على مصادر موثوقة يضمن الموضوعية.
النتائج والتحليل:
1- الإيجابيات:
تساهم العقوبات في تعزيز المساءلة، حيث تستهدف قادة ميليشيات مثل محمد حسين الجاسم وسيف بولاد، المتورطين في قمع المدنيين في الساحل، مما يساعد في تفكيك هذه الكيانات وتوحيد الجيش السوري الجديد تحت إشراف انتقالي.
وهذا يعكس نجاحاً في بناء الثقة، كما في تجارب أخرى حيث أدت العقوبات إلى إصلاحات مؤسسية. كذلك، تشجع على الاستثمار الدولي، خاصة بعد رفع عقوبات أبريل 2025، الذي سمح بتدفقات مالية لإعادة الإعمار، مما يعزز التنمية المستدامة ويمنع عودة الاستبداد.
على سبيل المثال، تجميد أصول رجال أعمال مثل مدلل خوري وعماد خوري يقطع التمويل عن بقايا النظام البائد، مما يدعم المصالحة الوطنية كما أكدت كوبر.
وفي السياق الأوسع، تظهر دراسات مثل باريس (2010) أن مثل هذه الإجراءات تعزز الديمقراطية على المدى الطويل.
2- السلبيات:
من جهة أخرى، قد تعيق العقوبات الاقتصاد، خاصة إذا امتدت إلى شبكات أوسع مرتبطة بوزارة الدفاع، مما يؤثر على إعادة الإعمار في مناطق مثل اللاذقية وطرطوس.
كما تثير توترات دولية، مثل مع تركيا التي دعمت فرق الحمزة والسلطان مراد سابقاً، أو روسيا بسبب جنسية مدلل وعمد خوري، مما قد يعقد الدبلوماسية في المرحلة الانتقالية. دراسات مثل براهم (2004) تحذر من أن العقوبات قد تعزز الاستقطاب إذا رُئيت كتدخل خارجي، مما يهدد الوحدة الوطنية.
في سورية، قد تؤدي إلى تباطؤ التنمية، كما حدث في حالات أخرى حيث أثرت العقوبات على الاقتصاد المدني دون التأثير الكامل على المستهدفين.
بالإضافة إلى ذلك، قد تُفسر كعقاب جماعي، مما يعيق دمج العناصر الإصلاحية في وزارة الدفاع.
3- التوصيات:
بناءً على التحليل السابق، نقترح في تيار المستقبل السوري توصيات واقعية لتجاوز تأثير العقوبات، مع التركيز على أطراف وزارة الدفاع السورية الحالية لضمان الامتثال القانوني والإصلاح:
- الإصلاحات الداخلية في وزارة الدفاع: يجب إجراء مراجعة شاملة لفصل العناصر المتورطة، مثل تلك المرتبطة بغياث دلا ومقداد فتيحة، ممن انتسبوا للقوات الرسمية دون مراعاة لارتباطاتهم أو تغافلا عنها.
وتبني برامج تدريب على القانون الدولي الإنساني.
هذا يمكن أن يؤدي إلى تقديم طلبات رفع عقوبات مدعومة بأدلة، كما في تجارب أخرى.
كذلك، إنشاء لجان داخلية لمراقبة الانتهاكات لتعزيز الشفافية. - التعاون الدولي والدبلوماسي: التنسيق مع بريطانيا والأمم المتحدة لإقامة لجان مشتركة تحقق في الانتهاكات، مما يفتح الباب لتخفيف العقوبات كما في أبريل 2025. حيث يمكن لسورية اقتراح برامج تبادل معلومات حول الميليشيات لإثبات الالتزام، مع الاستفادة من دعم منظمات مثل هيومن رايتس ووتش.
- استراتيجيات اقتصادية قانونية للتجاوز: تنويع الشراكات مع دول غير متأثرة، مثل الصين، لدعم الدفاع دون انتهاك القيود، مع التركيز على المساعدات الإنسانية المسموح بها.
كما يُنصح بتطوير آليات مالية داخلية لتجنب تجميد الأصول، مستوحى من تجارب العراق. - بناء القدرات والتوعية: تدريب الشباب في وزارة الدفاع على آليات الامتثال الدولي، ودمج دروس العدالة الانتقالية في البرامج التعليمية، لتحويل العقوبات إلى فرصة إصلاح.
إضافة لإجراء دراسات ميدانية دورية لتقييم التأثير، مع دعوة المجتمع المدني للمشاركة.
هذه التوصيات تراعي حساسية المرحلة الانتقالية، مع التركيز على الطرق القانونية لتجنب التصعيد. الخاتمة:
تمثل عقوبات ديسمبر 2025 فرصة لتعزيز العدالة، لكنها تتطلب إدارة متوازنة.
كما نرى أن التوصيات توفر إطاراً لتجاوزها، مما يدعم سورية الجديدة.
المراجع:
- UK Government. (2025). UK sanctions perpetrators of violence against civilians across Syria. Retrieved from https://www.gov.uk/government/news/uk-sanctions-perpetrators-of-violence-against-civilians-across-syria
- Reuters. (2025). UK imposes sanctions on perpetrators of violence against Syrian civilians. Retrieved from https://www.reuters.com/world/uk/uk-imposes-sanctions-perpetrators-violence-against-syrian-civilians-2025-12-19/
- GOV.UK. (2025). Syria – Financial Sanctions Notice. Retrieved from https://assets.publishing.service.gov.uk/media/69441e8e8f4636fa2c547eaa/Notice_Syria_191225.pdf
- House of Commons Library. (2025). Syria one year after Assad: Reconstruction and sanctions. Retrieved from https://commonslibrary.parliament.uk/research-briefings/cbp-10428/
- Brahm, E. (2004). The Impact of Transitional Justice in Post-Conflict Environments. Retrieved from https://conflictfieldresearch.colgate.edu/wp-content/uploads/2015/05/Brahm.pdf
- Transitional justice and sanctions. (2012). International Review of the Red Cross, 94(870). Retrieved from https://international-review.icrc.org/sites/default/files/irrc-870_12.pdf
- Between Impunity and Justice? (2023). International Journal of Transitional Justice, 17(2), 192-208. https://doi.org/10.1093/ijtj/ijad010 Retrieved from https://academic.oup.com/ijtj/article/17/2/192/7174226
- Transitional Justice in Post-Conflict Societies. (2005). Retrieved from https://www.bmlv.gv.at/pdf_pool/publikationen/10_wg12_psm_100.pdf
- Paris, R. (2010). State-Level Effects of Transitional Justice. International Journal of Transitional Justice. Retrieved from https://aix1.uottawa.ca/~rparis/ijtj.ijq012.full.pdf
- Transitional Justice and the Quality of Democracy. (2013). International Journal of Conflict and Violence, 7(2). Retrieved from https://www.ijcv.org/index.php/ijcv/article/view/3026/2999
- Transitional Justice, Civil Society, and the Development of the Rule of Law. Retrieved from https://www.icnl.org/resources/research/ijnl/transitional-justice-civil-society-and-the-development-of-the-rule-of-law-in-post-conflict-societies