الملخص:
يستعرض هذا المقال تقريرَ المجلس الأطلسي حول ضرورة إنشاء "صندوق ضحايا سورية" لإعادة توجيه الأموال المصادرة من نظام بشار الأسد إلى دعم الضحايا، بعد عام من سقوط النظام في ديسمبر 2024.
ويركز البحث على الخلفية التاريخية للانتهاكات، وحجم الأموال المصادرة (أكثر من 600 مليون دولار في قضايا مرتبطة بدعم الإرهاب، بالإضافة إلى أصول مجمدة تصل إلى مئات الملايين أخرى)، واحتياجات الضحايا (أكثر من 177,000 مفقود و500,000 معتقل سابق، وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية وشبكة حقوق الإنسان السورية)، والاقتراحات للصندوق كآلية دولية للدعم المباشر.
يعتمد المقال على تقارير المجلس الأطلسي، وهيومن رايتس ووتش، والأمم المتحدة، وأمثلة تاريخية مثل صندوق التعويضات الأمريكي لضحايا الإرهاب المدعوم من الدول، مقترحاً توصيات لتعزيز العدالة الانتقالية في سورية.
ويؤكد المقال على أن هذا الصندوق يمثل فرصة تاريخية للإصلاح، لكنه يواجه تحديات لوجستية وسياسية، بما في ذلك رفع جزئي للعقوبات في 2025م الذي قد يعيق تعقب الأصول.
المقدمة:
إن سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، أنهى عقوداً من القمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية.
هذا الحدث فتح الباب أمام فرصة فريدة لتحقيق العدالة الانتقالية، خاصة مع تحرير آلاف المعتقلين من سجون مثل صيدنايا، الذي وُصف بـ"المسلخ البشري"، واكتشاف آلاف الجثث في مقابر جماعية. ومع ذلك، يظل مئات الآلاف من الضحايا بحاجة ماسة إلى الدعم الطبي، والنفسي، والقانوني، في ظل تقارير الأمم المتحدة عن استمرار حالات الاختفاء القسري حتى نوفمبر 2025.
ويركز هذا المقال على تقرير صادر عن المجلس الأطلسي في ديسمبر 2025، حيث يدعو إلى إعادة توجيه الأموال المصادرة من النظام البائد إلى صندوق دولي للضحايا، بدلاً من احتجازها في خزائن الدول الغربية.
ويهدف المقال إلى تحليل هذا الاقتراح، استناداً إلى بيانات التقرير ومصادر إضافية من هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، والأمم المتحدة، مع تقديم تحليل أعمق للتحديات والنماذج المقارنة، وتوصيات لتنفيذه.
الخلفية التاريخية:
بدأ النزاع السوري في 2011م كردّ فعل على قمع الاحتجاجات السلمية، ما أدى إلى حرب عسكرية أسفرت عن أكثر من 500,000 قتيل، وملايين النازحين، والاعتقالات التعسفية الواسعة النطاق.
وتحت حكم عائلة الأسد لأكثر من 53 عاماً، ارتكب النظام البائد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التعذيب في السجون (حيث سُجل أكثر من 177,057 حالة اختفاء قسري حتى أغسطس 2025، وفقاً لشبكة حقوق الإنسان السورية)، والقصف الكيميائي.
وبعد سقوط النظام، هرب الأسد إلى روسيا، وفر مسؤولون آخرون إلى الإمارات وغيرهما، محملين بثروات متراكمة من الفساد، وتجارة المخدرات (مثل الكبتاغون)، والتلاعب بالسوق.
وقدةكشفت الوثائق المتتابعة عن صفقات بملايين الدولارات بين رجال الأعمال والجيش السوري، خاصة الفرقة الرابعة.
ومنذ 2011، فرضت الدول الغربية عقوبات على سورية، ما أدى إلى مصادرة أموال من شركات متورطة في دعم الإرهاب أو انتهاك العقوبات، لكن رفعاً جزئياً للعقوبات في يونيو 2025 من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أدى إلى إسقاط العقوبات على 518 فرداً وكياناً، مما عقد ويعقد تعقب الأصول المتبقية.
الأموال المصادرة والضحايا:
جمعت الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مئات الملايين من الغرامات منذ 2011م، بما في ذلك أكثر من 600 مليون دولار من قضية متعلقة بدعم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، و161 مليون جنيه إسترليني مجمدة في بريطانيا مرتبطة بالنظام البائد.
كما تمت مصادرة أصول لعائلة الأسد، مثل تلك الخاصة برفعت الأسد في إسبانيا عام 2017، وأصول مجمدة أخرى تصل إلى مليارات الدولارات في الإمارات.
أما الضحايا، فيشملون أكثر من 500,000 معتقل سابق و177,000 مفقود، بالإضافة إلى الناجين من التعذيب والقبور الجماعية، حيث سجلت الأمم المتحدة نحو 100 حالة اختفاء قسري جديدة منذ يناير 2025، يحتاجون إلى رعاية طبية ونفسية متخصصة، خاصة مع اكتشاف المقابر الجماعية وتحديد هويات المفقودين عبر "ملف دمشق" الذي وثق آلاف الصور للضحايا.
وتتجاوز الاحتياجات الإنسانية العامة (مثل إزالة الذخائر غير المنفجرة، تكلفة تقدر بمليارات الدولارات) بالإضافة لتقديم الدعم القانوني والاجتماعي، في ظل انخفاض المساعدات الأمريكية بنحو 237 مليون دولار في 2025، وقطع التمويل الإنساني.
اقتراح صندوق ضحايا سورية:
يقترح المجلس الأطلسي إنشاء "صندوق ضحايا سورية" كآلية حكومية دولية لإعادة توجيه الأموال المصادرة إلى الضحايا مباشرة، مستوحى من نماذج سابقة مثل صندوق BOTA في كازاخستان (الذي عوض ضحايا الاتحاد السوفييتي)، أو نقل الأموال الروسية المجمدة إلى أوكرانيا، أو الصندوق الأمريكي لضحايا الإرهاب المدعوم من الدول (USVSST) الذي عوض آلاف الضحايا بأكثر من 10 مليارات دولار.
وسيعمل الصندوق من خلال تنسيق بين الدول (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، مجلس التعاون الخليجي) والمجتمع المدني السوري، مثل مجموعة العمل للتقاضي الاستراتيجي، لتوزيع الدعم على احتياجات فورية مثل الرعاية الطبية والنفسية، وإنشاء سجلات للضحايا، ودعم العدالة الانتقالية، وكل ذلك ليس بديلاً عن التعويضات الرسمية، بل هو إجراء مؤقت لتعزيز الشفاء، مع التركيز على تعقب الأصول غير المشروعة عبر شركات مثل ICIJ.
وفي سورية، أنشأت الحكومة الانتقالية لجنة وطنية للعدالة الانتقالية ولجنة للمفقودين، لكنها محدودة النطاق وتحتاج إلى دعم دولي، كما أشارت منظمة العفو الدولية إلى ضرورة أن تكون حقوق الناجين محور التحول.
التحديات والتوصيات:
تواجه الفكرة تحديات مثل تأخير التنفيذ بسبب التوترات الإقليمية (مثل دور روسيا في استضافة لاجئين من النظام البائد)، وهروب المسؤولين مع ثرواتهم (تقدر بمليارات)، وانخفاض المساعدات الدولية.
كما أن إعادة بناء النظام القضائي السوري، الذي كان أداة للقمع، يتطلب سنوات، مع تقارير هيومن رايتس ووتش عن فشل اللجنة الوطنية في التحقيق في جرائم النظام.
وأيضا رفع العقوبات في 2025 يعرض الأصول للانتشار، مما يتطلب تعاوناً دولياً فورياً.
وعليه فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بما يلي:
- إعادة توجيه الغرامات فوراً إلى الصندوق، مع التركيز على السنة الثانية بعد سقوط النظام، وتخصيص 600 مليون دولار من الأموال المستردة من داعش للضحايا السوريين.
- تخصيص موارد لتعقب الأصول في الملاذات الضريبية، بالتعاون مع شركات الاستخبارات وICIJ.
- تعزيز دور المجتمع المدني السوري في إدارة الصندوق لضمان الشفافية، مع دعم من الأمم المتحدة لسجلات المفقودين.
- دعم الإصلاحات القانونية في سورية، مثل إلغاء التهم الغامضة وانضمام إلى ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، مع الاستفادة من نموذج العراق في تعويض الشهداء.
- تشجيع التعاون الدولي لرفع العقوبات تدريجياً، مقابل تقدم في العدالة، مع مراقبة التحول لمنع تكرار الانتهاكات. الخاتمة:
يمثل صندوق ضحايا سورية خطوة حاسمة نحو التعافي من عقود القمع، من خلال تحويل الأموال المصادرة من عقاب إلى تعويض، كما نجحت نماذج مثل USVSST (صندوق تعويض ضحايا الإرهاب برعاية الدولة الأمريكية) في دعم الضحايا.
ومع ذلك، يعتمد نجاحه على التنسيق الدولي والالتزام السوري بالعدالة الشاملة، خاصة في ظل تقارير الأمم المتحدة عن الاختفاءات المستمرة.
وفي ظل الفرصة التاريخية الحالية، يجب على المجتمع الدولي عدم إهدار هذه النافذة، لضمان مستقبل مستقر ومزدهر لسورية، حيث يمكن للصندوق أن يعوض ليس فقط الخسائر المادية بل الجراح النفسية لأجيال كاملة.
المراجع:
- Amnesty International. (2025). A year after Assad’s fall, rights of survivors, families must guide transition. Amnesty.
- Atlantic Council. (2025). Syria Victims Fund. Strategic Litigation Project.
- Baker, E., & Helmi, A. (2025). One year after Assad’s fall, here’s what’s needed to advance justice for Syrians. Atlantic Council.
- Global Survivors Fund. (2023). Syria study on opportunities for reparations. GSF.
- Human Rights Watch. (2025). Syria: One year since Assad’s fall. HRW.
- Just Security. (2024). The US recovered over $600 million in ISIS-linked funds. Just Security.
- Springs, K., & Kmiotek, C. (2025). States shouldn’t waste the chance to establish a Syria Victims Fund. Atlantic Council.
- Syrian Network for Human Rights (SNHR). (2025). Fourteenth annual report on enforced disappearances in Syria. SNHR.
- The Washington Institute. (2025). Models for transitional justice in Syria. Washington Institute.
- United Nations OHCHR. (2025). Syria: Continued worrying reports about abductions and enforced disappearances. UN.
- U.S. Department of the Treasury. (2025). Termination of Syria sanctions. OFAC.