مفاضلة القبول الجامعي في سورية 2025–2026

أولاً، مقدمة:

يمثّل قطاع التعليم العالي أحد الركائز الأساسية في عملية إعادة بناء الدولة السورية، ولا سيما خلال المرحلة الانتقالية التي يمرّ بها البلد منذ عام 2024. فالجامعات لا تُعنى فقط بتأهيل الكوادر، بل تؤدي دوراً محورياً في ترميم رأس المال البشري الذي تضرر بفعل الحرب، والنزوح، والانهيار الاقتصادي. وتشير الأدبيات إلى أن التعليم في دول النزاع يعد من أكثر القطاعات هشاشة، ويحتاج إلى تدخلات مركّبة لضمان استعادته (UNESCO, 2023).
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في نوفمبر 2025 نتائج المفاضلة العامة ثم مفاضلة ملء الشواغر للعام الدراسي 2025–2026، في خطوة أثارت نقاشاً واسعاً حول جدية الإصلاحات ومدى قدرتها على تحقيق العدالة التعليمية.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل هذه الإجراءات بوصفها جزءاً من عملية إصلاح أوسع، مع ربطها بإطار العدالة الانتقالية في الدول الخارجة من النزاعات، وبيان ما إذا كانت المفاضلة الحالية تمثّل معالجة تقنية فقط، أم أنها خطوة نحو إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

ثانياً، منهجية الدراسة:
تعتمد هذه الورقة على منهجية مختلطة تشمل:

  1. تحليل البيانات المنشورة من وزارة التعليم العالي (2025).
  2. مراجعة الأدبيات الدولية المتعلقة بالتعليم في الدول الخارجة من النزاعات، خصوصاً تقارير اليونسكو (UNESCO, 2023).
  3. تحليل عينة من التفاعلات الرقمية على منصة X خلال الفترة 12–15 نوفمبر 2025، بهدف استقراء اتجاهات الرأي العام.
  4. الرجوع إلى تقارير متخصصة حول أثر النزاع في التعليم السوري، بما في ذلك تقرير المركز السوري لبحوث السياسات (SCPR, 2017).
  5. الاستناد إلى الإطار النظري للعدالة الانتقالية كما وضعته تييتل (Teitel, 2000).

تهدف هذه المنهجية إلى تقديم قراءة تحليلية متوازنة، مع الاعتراف بوجود فجوات في البيانات الرسمية نتيجة الظروف الاستثنائية.

ثالثاً، خلفية تاريخية مختصرة لنظام القبول الجامعي في سورية:

حتى عام 2011، اعتمدت سورية نموذج "المفاضلة المركزية" المبني على المعدل في الشهادة الثانوية. ورغم محدودية الطاقة الاستيعابية للجامعات، كان النظام مستقراً نسبياً، مع وصول نسبة الالتحاق إلى ما يقارب ثلثي خرّيجي المرحلة الثانوية.
لكن سنوات الحرب أدّت إلى تدهور شامل للقطاع.
فوفق المركز السوري لبحوث السياسات، تعرّض التعليم لضربات حادة شملت تدمير البنية التحتية، وتراجع جودة التعليم، وانقطاع ملايين الطلاب عن الدراسة، إضافة إلى فقدان عدد كبير من أعضاء الهيئة التدريسية (SCPR, 2017).

ومع تحسن نسبي للأوضاع عام 2025 وعودة شريحة من الطلاب والكوادر بعد التحرير وسقوط النظام البائد، واجهت الجامعات ضغطاً متزايداً على مقاعدها، ما دفع الوزارة إلى إعلان مفاضلة ملء الشواغر بعد المفاضلة العامة، في محاولة لزيادة الاستيعاب.

رابعاً، تقييم آليات مفاضلة 2025–2026:

  1. نقاط إيجابية:
    التحول الرقمي: اعتماد التقديم الإلكتروني خطوة أساسية للحد من الفساد الإداري وتسهيل الوصول.
    توسيع الفئات المستفيدة: قبول الشهادات الحديثة والقديمة، وفتح الباب لطلاب ذوي الإعاقة وبعض الاختصاصات المهنية.
    استجابة مرنة وسريعة: إصدار مفاضلة الشواغر مباشرة بعد إعلان النتائج.
  2. تحديات قائمة:
    ضيق الطاقة الاستيعابية: تتكدس الشواغر في اختصاصات أقل طلباً، بينما تبقى الكليات الطبية والهندسية الأكثر اكتظاظاً.
    تفاوت العدالة بين المحافظات: المناطق المتضررة، خاصة الشرقية والشمالية، تعاني من ضعف كبير في البنية التحتية المدرسية، مما يقلل فرص طلابها في المنافسة (SCPR, 2017).
    غياب منظومة الإرشاد الجامعي: ما ينعكس في ارتفاع نسبة الأخطاء أثناء تعبئة الرغبات.
    ضعف التواصل الرسمي: انتشار شائعات حول تأثير الشهادات القديمة على فرص خريجي 2025 يشير إلى نقص في الرسائل التوضيحية الموجّهة للجمهور.

خامساً، قراءة في اتجاهات الرأي العام:
أظهر تحليل التفاعل على وسائل التواصل 12-15/11/2025م وجود ثلاثة اتجاهات:

  1. اتجاه مؤيد:
    يركز على الإيجابيات المتعلقة بتوسيع الفرص والتحول الرقمي.
  2. اتجاه ناقد:
    يرى أن رفع الحدود الدنيا وتفاوت ظروف الدراسة بين المناطق يخلّان بمبدأ تكافؤ الفرص، وهي ملاحظة تتسق مع ما تشير إليه الدراسات الدولية حول هشاشة التعليم في البيئات المتضررة (UNESCO, 2023).
  3. اتجاه محايد/استفساري:
    تمثل في طلبات معرفة شروط التقديم والروابط الإلكترونية.
    يشير هذا التوزع إلى أن فجوة المعلومات أكثر تأثيراً من القضايا السياسية بحد ذاتها.

سادساً، التحليل السياسي–التعليمي (موقع المفاضلة ضمن إطار العدالة الانتقالية) :

تؤكد تييتل في إطارها النظري للعدالة الانتقالية أن الدول الخارجة من النزاعات تحتاج إلى مزيج من العدالة التوزيعية (الفرص المتساوية) والعدالة التصحيحية (تعويض المتضررين) لتحقيق انتقال مستقر (Teitel, 2000).
وبالنظر إلى الواقع السوري، فإن المفاضلة الحالية تميل إلى العدالة التوزيعية التقليدية، لكنها لا تزال محدودة في استجابتها للعدالة التصحيحية، رغم أهمية ذلك في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع وفي ترميم آثار الحرب على الطلاب.

سابعاً، توصيات سياساتية موجّهة لصنّاع القرار:

  1. إطلاق برنامج وطني لإصلاح التعليم العالي بمشاركة الأكاديميين والمجتمع المدني، لوضع إطار تشريعي جديد للقبول الجامعي.
  2. اعتماد نظام حصص تصحيحية (affirmative action) يخصص نسبة من المقاعد للمناطق المتضررة والنازحين، استناداً إلى الأدلة التي توثق حجم التباين في الفرص (SCPR, 2017).
  3. توسيع الطاقة الاستيعابية بخطة خمسية تشمل إعادة تأهيل الجامعات المتضررة، وتشجيع التعليم التقني وربطه ببرامج إعادة الإعمار.
  4. تعزيز الإرشاد الجامعي عبر المدارس ومنصات الوزارة، لتقليل الأخطاء في تعبئة الرغبات.
  5. ربط سياسة القبول بالأولويات الوطنية للتنمية مثل اختصاصات التكنولوجيا، الطاقة، إعادة البناء، الصحة العامة—وهي قطاعات تحتاجها الدول الخارجة من الحرب (UNESCO, 2023).

ثامناً، خاتمة:

تعكس مفاضلة القبول الجامعي لعام 2025–2026 واقعاً تتقاطع فيه الاعتبارات التقنية والاجتماعية والسياسية. ورغم ما حققته من خطوات إيجابية، إلا أنها تحتاج إلى إطار إصلاحي أشمل يرتبط بالعدالة الانتقالية وبمتطلبات إعادة بناء الدولة.
إن إصلاح نظام القبول عنصر أساسي في ترميم العقد الاجتماعي، وإعادة دمج جيل عانى من النزاع، وترسيخ الثقة في مؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية.

المراجع:

  • المركز السوري لبحوث السياسات. (2017). أثر النزاع في سورية على التعليم. المركز السوري لبحوث السياسات.
  • UNESCO. (2023). Education in Emergencies and Protracted Crises: Trends, Gaps, and Opportunities. UNESCO Publishing.
  • Teitel, Ruti G. (2000). Transitional Justice. Oxford University Press.
  • وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. (2025). بيانات المفاضلة العامة ومفاضلة ملء الشواغر (تصريحات رسمية).
  • رصد وتحليل منشورات منصة X المتعلقة بمفاضلة 2025–2026 خلال الفترة 12–15 نوفمبر 2025.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع