واقع المياه في سورية

مقدمة:

يُعد الجفاف من أخطر التحديات البيئية في القرن الحادي والعشرين، حيث يهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على مستوى العالم.
ومع تزايد وتيرة التغير المناخي، أصبحت ندرة المياه و"حروب المياه" تهديدات ملموسة، خاصة في مناطق الشرق الأوسط المتأثرة بالصراعات مثل سورية.

يهدف هذا المقال إلى تحليل تأثير الجفاف على العالم، مع التركيز على الواقع السوري، واستعراض أسباب الأزمة، التدخلات الخارجية، والإدارة غير المستدامة للموارد المائية.
كما يقدم المقال رؤية شاملة للتحديات العالمية والمحلية، مع توصيات عملية لمعالجة الأزمة في سورية، مستندًا إلى دراسات أكاديمية وتقارير دولية حتى أغسطس 2025.

تأثير الجفاف على العالم، ندرة المياه وحروب المياه:

في السياق العالمي لأزمة المياه، وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لعام 2025، تضاعفت مساحة الأراضي المتأثرة بالجفاف عالميًا منذ عام 1900، مع انخفاض رطوبة التربة بنسبة 37% منذ عام 1980.
ويُتوقع أن يواجه ثلثا سكان العالم ندرة مياه بحلول عام 2025، مع تأثر 2-3 مليارات شخص سنويًا بنقص المياه لمدة شهر على الأقل.
هذا النقص يؤثر على الإنتاج الزراعي، حيث يقلل الجفاف من إنتاج المحاصيل الرئيسية مثل الذرة والصويا بنسبة تصل إلى 22% في السنوات الجافة، مع زيادة الخسائر الاقتصادية بنسبة 3-7.5% سنويًا.

وعلى سبيل المثال، شهدت أوروبا في صيف 2022 انخفاضًا في إنتاج القمح بنسبة 15% بسبب موجة الجفاف، مما أثر على الأسعار العالمية.

تتدهور موارد المياه مع انخفاض مستويات الخزانات الجوفية في 62% من المناطق المراقبة بين عامي 2000 و2020، إلى جانب ذوبان الجليد الذي يحتوي على 70% من المياه العذبة العالمية.
وهذه دراسة في Nature Communications تُظهر أن التغير المناخي قد غيّر دورة المياه الأرضية، مما أدى إلى ظهور ندرة المياه لأول مرة في مناطق مثل شرق آسيا وجنوبها قبل القرن العشرين، مع توقعات بتوسع هذه الظاهرة إلى أفريقيا بحلول عام 2090. هذا التغير يزيد من الضغط على الموارد المائية، مما يؤدي إلى صراعات محتملة تُعرف بـ"حروب المياه".
تُظهر الأبحاث أن الجفاف يزيد من احتمال الصراعات بنسبة 3 نقاط مئوية في المناطق الزراعية، مع تأثيرات جانبية تصل إلى 4.5% في المناطق المجاورة.

وتقرير آخر نُشر في Ambio يُشير إلى أن 94% من الصراعات المائية غير عنيفة، مثل النزاعات الدبلوماسية حول تقاسم الأنهار العابرة للحدود، لكن الصراعات العنيفة، كما في دارفور (1970-1980) ومالي (منذ 2012)، تُظهر ارتباط الجفاف بالعنف عندما يتزامن مع انعدام الأمن الغذائي. يحذر تقرير CSIS من أن سوء إدارة الموارد والطلب المتزايد يهددان بتصعيد التوترات عبر الحدود، كما في حوض نهري دجلة والفرات.

ووفقًا لـِ الغارديان، يُتوقع أن يصبح نصف إنتاج الغذاء العالمي عرضة للفشل بحلول عام 2050 ما لم تُتخذ تدابير عاجلة.

وفي الأسباب العالمية للجفاف، تشمل الأسباب الرئيسية للجفاف التغير المناخي، الذي يرفع درجات الحرارة ويقلل هطول الأمطار، والإدارة غير المستدامة للموارد المائية.
كما تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن الطلب على المياه العذبة تضاعف منذ عام 1960، بينما تدهورت جودة المياه في 80% من الأنهار العالمية بسبب التلوث.
كما أن الإفراط في استخدام المياه الجوفية، كما في الهند والشرق الأوسط، أدى إلى استنزاف الخزانات بنسبة 50% في بعض المناطق. الزراعة، التي تستهلك 70% من المياه العذبة عالميًا، تتأثر بشدة، مما يهدد الأمن الغذائي، خاصة في المناطق الفقيرة التي تعتمد على الزراعة المعيشية.

واقع المياه في سورية، أزمة مركبة:

تفاقمت في سورية أزمة المياه بسبب الصراع الممتد منذ عام 2011، والذي دمر البنية التحتية المائية، إلى جانب الجفاف المتكرر. كما شهد عام 2025 أسوأ ظروف جفاف منذ 36 عامًا، وفقًا لمنظمة الغذاء والزراعة (FAO)، حيث يعاني 10 ملايين شخص من صعوبة الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، مع عجز في إنتاج القمح يصل إلى 2.7 مليون طن، مما يؤثر على 16.2 مليون شخص.

وهذه دراسة في ScienceDirect تُظهر اتجاهًا متصاعدًا للجفاف في سورية بين عامي 1981 و2021، مع حوادث شديدة في أعوام 1999، 2010، 2014، 2017، و2021، مما أثر على الزراعة والأراضي غير الزراعية.

اقتصاديًا، انخفض الإنتاج الزراعي في شمال شرق سورية بنسبة 82% مقارنة بعام 2020، مع فشل المحاصيل المعتمدة على الأمطار وارتفاع تكاليف الري بنسبة 60% بسبب نقص الوقود.
ويشير تقرير Mercy Corps إلى هجرة 1.5 مليون مزارع بين عامي 2009 و2010 بسبب الجفاف، مع بيع العديد من الأراضي بسبب التكاليف الباهظة.

وتتجاوز معدلات التسرب في شبكات الشرب والري 45% في مناطق مثل حلب ودير الزور، مما يقلل من كفاءة توزيع المياه.

اجتماعيًا، يزيد الجفاف من التوترات الطائفية والنزوح الداخلي، حيث تُشير التوقعات إلى عودة 600 ألف إلى مليون لاجئ إلى شمال غرب سورية بحلول عام 2026، مما يضغط على الموارد المحدودة.
وفي دراسة في SCIRP تُظهر أن الصراع والجفاف قلّلا كمية المياه المتاحة في شمال غرب سورية إلى النصف، مع تدهور جودتها بسبب التلوث، مما أدى إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه بنسبة 30% في بعض المناطق.
ويحذر تقرير Carnegie من أن تغير المناخ يوسع الفجوة بين العرض والطلب على المياه في الشرق الأوسط، مما يفاقم الصراعات في سورية. وفقًا لـ360info،
ويُتوقع انخفاض إجمالي إمدادات المياه في سورية بنسبة 20% بحلول عام 2050، مما يجعل ندرة المياه عاملاً رئيسيًا في استمرار الصراع.

هذا، وتتأثر سورية بشدة بتقاسم المياه عبر الحدود، خاصة مع تركيا، التي تتحكم في تدفق نهر الفرات.
وقد انخفض تدفق الفرات بنسبة 40% منذ عام 2011 بسبب السدود التركية والجفاف، مما قلل من إنتاج الكهرباء في سد الفرات بنسبة 60%.
وهذا الوضع يزيد من التوترات السياسية، حيث تُتهم تركيا باستخدام المياه كأداة ضغط سياسي، مما يعقد جهود التعافي في سورية.
كما أن تدهور جودة المياه في نهر العاصي بسبب التلوث الصناعي والزراعي يفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب في غرب سورية.

وأيضا، التدخلات الخارجية، مثل الضربات الجوية الإسرائيلية على البنية التحتية المائية في جنوب سورية، زادت من تعقيد الأزمة. دُمرت 15% من محطات ضخ المياه في القنيطرة منذ عام 2020، مما أثر على إمدادات المياه الريفية.
كما أن العقوبات الدولية على سورية تحد من استيراد معدات إصلاح البنية التحتية، مما يعيق جهود إعادة الإعمار.

ومع ذلك، تقدم دول مثل قطر تمويلًا لمشاريع الطاقة المرتبطة بالمياه، مثل محطة جندر في حمص، التي تُنتج 800 ميغاواط، مما يُسهم في تحسين الري في المناطق المجاورة.

خاتمة:

إننا في تيار المستقبل السوري، قدمنا عدة أوراق بحثية حول أزمة المياه في سورية، منها:

  • "أزمة المياه في سورية" (10 فبراير 2024)
  • "تحليل اقتصادي عن واقع المياه من عهد الأسد إلى مرحلة ما بعد التحرير" (28 مايو 2025)
  • "أزمة المياه في سورية بين تغير المناخ واختلال الإدارة" (29 يونيو 2025)
  • وبيان حول "مشروع الاستمطار في حوض نهر اليرموك" (6 أغسطس 2025)
    تُبرز هذه الأوراق التزامنا بمعالجة أزمة المياه كجزء من رؤيتنا لإعادة إعمار سورية المستدام.
    كما يُعد الجفاف تهديدًا عالميًا ومحليًا يتطلب حلولًا مبتكرة.
    ففي سورية، يفاقم الصراع هذه الأزمة، مما يهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي.

وعليه فإننا في المكتب العلمي لـ تيار المستقبل السوري نوصي بالآتي:

  1. إعادة تأهيل البنية التحتية المائية: استثمار 500 مليون دولار بحلول 2030 لإصلاح شبكات الري والشرب، وتقليل التسرب من 45% إلى أقل من 20%، مع التركيز على المناطق الزراعية مثل الحسكة ودير الزور.
  2. تطوير الزراعة المقاومة للجفاف: اعتماد محاصيل مقاومة مثل الشعير المحسن وتقنيات الري بالتنقيط، مع تدريب 100 ألف مزارع بحلول 2028 بالتعاون مع FAO.
  3. إدارة مستدامة للمياه الجوفية: فرض قوانين صارمة على حفر الآبار غير القانونية، وإنشاء 50 محطة شحن للخزانات الجوفية بحلول 2030، مع الاستفادة من التجربة الأردنية.
  4. التعاون الإقليمي: إحياء اتفاقيات تقاسم مياه دجلة والفرات مع تركيا والعراق، بوساطة الأمم المتحدة، لضمان حصص عادلة بنسبة 40% على الأقل لسورية.
  5. تطوير تقنيات الاستمطار: توسيع مشاريع الاستمطار الصناعي، مثل مشروع حوض اليرموك، لزيادة هطول الأمطار بنسبة 10-15% في المناطق الجافة.
  6. توعية بيئية: إطلاق حملات توعية وطنية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لتعزيز كفاءة استخدام المياه، مستهدفة مليون مواطن بحلول 2027.
  7. تمويل دولي: إنشاء صندوق إعادة إعمار مائي بقيمة مليار دولار بالتعاون مع البنك الدولي ودول الخليج لدعم مشاريع الري الحديث والاستمطار، مع تخصيص 30% للمناطق الريفية.

المراجع

  1. OECD. (2025). Global Drought Outlook. Organisation for Economic Co-operation and Development.
  2. Zhao, X., et al. (2024). Timing the first emergence and disappearance of global water scarcity. Nature Communications, 15, 51302.
  3. UNESCO. (2023). Imminent risk of a global water crisis. United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization.
  4. Döring, S., & Hegger, D. (2025). Water conflicts under climate change: Research gaps and priorities. Ambio, 54, 2111-7.
  5. The Guardian. (2024, October 16). Global water crisis leaves half of world food production at risk. The Guardian.
  6. Center for Strategic and International Studies. (2024). What Causes Water Conflict? CSIS.
  7. World Wildlife Fund. (n.d.). Water Scarcity Threats. WWF.
  8. ReliefWeb. (2025). Syrian Arab Republic: Humanitarian Response Priorities for Drought. United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs.
  9. Syrian Observer. (2025). Syria gripped by drought: The urgent need for sustainable water resource management. Syrian Observer.
  10. Mercy Corps. (2025). Drought in Focus: MENA. Mercy Corps.
  11. ReliefWeb. (2025). Syria: Humanitarian Needs Overview 2025. United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs.
  12. Scientific Research Publishing. (2024). Effects of the Syrian crisis and recent drought on Northwest Syria. Journal of Water Resource and Protection, 17, 19405036.
  13. ScienceDirect. (2025). Integrating climate indices and land use practices for drought monitoring in Syria. Journal of Environmental Management, 266, 597272.
  14. Carnegie Endowment for International Peace. (2024). The Looming Climate and Water Crisis in the Middle East and North Africa. Carnegie Endowment.
  15. 360info. (2025). Why water scarcity is a key factor in Syria’s protracted conflict. 360info.
  16. Syrian Future Movement. (2024, February 10). أزمة المياه في سورية. Syrian Future Movement.
  17. Syrian Future Movement. (2025, May 28). تحليل اقتصادي عن واقع المياه من عهد الأسد إلى مرحلة ما بعد التحرير. Syrian Future Movement.
  18. Syrian Future Movement. (2025, June 29). أزمة المياه في سورية بين تغير المناخ واختلال الإدارة. Syrian Future Movement.
  19. Syrian Future Movement. (2025, August 6). مشروع الاستمطار في حوض نهر اليرموك. Syrian Future Movement.
شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع