المرسوم الرئاسي رقم 114 لعام 2025 وإنشاء صندوق التنمية

الخلفية القانونية للمذكرة:


أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع في 9 تموز 2025 "المرسوم الرئاسي رقم 114″، القاضي بإنشاء مؤسسة وطنية مستقلة تُعرف باسم "صندوق التنمية"، وذلك بالتوازي مع إدخال تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021.
وقد أثار هذا القرار نقاشًا قانونيًا ودستوريًا يتعلق بمشروعيته في ضوء أحكام الإعلان الدستوري الصادر في 13 آذار 2025، والذي يُعد الإطار الحاكم للمرحلة الانتقالية في الجمهورية السورية الجديدة.

تهدف هذه المذكرة إلى تقديم تقييم قانوني بعد استشارة قانونية معمقة قام بها قسم البحوث والدراسات في المكتب العلمي لـِ تيار المستقبل السوري لمدى توافق هذا المرسوم مع النصوص الدستورية النافذة، واستعراض التحديات والمخاوف المرتبطة بتأويل صلاحيات الرئيس التنفيذية، وآليات ضبط المؤسسات الجديدة ضمن منظومة الرقابة والمساءلة الدستورية.

أولًا: تعريف المرسوم وموقعه الدستوري:


وفق المادة 31 من الإعلان الدستوري، يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن حدود الإعلان، بينما تعود السلطة التشريعية لمجلس الشعب (المادة 30)، وبالتالي فإن إصدار مراسيم تنظيمية ومؤسساتية هو من اختصاص الرئيس، بشرط ألا تُعدّل قوانين نافذة أو تُنشئ أحكامًا تشريعية جديدة خارج صلاحياته.

ومرسوم إنشاء "صندوق التنمية" يُشكّل مؤسسة مستقلة ذات طابع مالي–اقتصادي، ويُعدّ تنظيميًا إن أُنشئ بناءً على مواد قانونية قائمة.
أما التعديلات التي طالت قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، خصوصًا ما يتعلق بالإعفاءات الضريبية والتوصيف التشريعي للمشاريع، فإنها تُعدّ تعديلًا قانونيًا لا تنظيمًا إداريًا، ما يطرح إشكالية حول صلاحية الرئيس في إجرائه دون إحالة للمجلس التشريعي أو هيئة دستورية مختصة.

ثانيًا: تقييم العلاقة مع مواد الإعلان الدستوري:


تقول المادة 11 – مبدأ التنمية الاقتصادية:
"يهدف الاقتصاد الوطني إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة… وتشجع الدولة الاستثمار وتحمي المستثمرين في بيئة قانونية جاذبة."
وبالتالي فإنه يبدو أن المرسوم ينسجم مع أهداف هذه المادة من حيث تحفيز الاستثمار والتنمية، لكن ذلك لا يُكسبه صفة التشريع، وإنما يتطلب أن يُنفّذ عبر أدوات تشريعية مؤسسية مثل مجلس الشعب أو وزارة مختصة.
وفي المادة 12 – الفصل بين السلطات: "تضمن الدولة استقلال السلطات، وتخضع مؤسساتها للرقابة المتبادلة بما يضمن النزاهة والشفافية."
وبالتالي فإن ربط الصندوق بالرئاسة مباشرة، دون تبعية لهيئة تخضع للرقابة البرلمانية أو القضائية، يُعد ثغرة في بنية الفصل بين السلطات، ويُقلص قدرة المؤسسات الرقابية على مساءلة إدارة الصندوق أو مراجعة قراراته.
وفي المادة 8 – إعادة الإعمار:
"تسعى الدولة للتنسيق مع الدول والجهات ذات الصلة لدعم عملية إعادة الإعمار."
وهنا، يُمكن اعتبار إنشاء الصندوق استجابة تنظيمية لهذه المادة، لكن يجب أن يتم ذلك ضمن بنية مؤسساتية قابلة للمساءلة، لا من خلال إنشاء مؤسسة محصنة وظيفيًا ومتصلة بالرئاسة بشكل مباشر.

ثالثًا: تحليل بنية الصندوق ومخاوف الحصانة المؤسسية:
يُقرّ المرسوم بما يلي:

  • أن الصندوق مرتبط مباشرة بالرئاسة.
  • أنه يتمتع بـ استقلال إداري ومالي.
  • أنه لا يخضع لأي جهة تنفيذية أو رقابية أخرى غير الرئاسة.
    وهذا يعني أن:
  • المؤسسات التشريعية لا تمتلك صلاحية رقابية أو تقييمية دورية للصندوق.
  • لا توجد جهة مؤسساتية مستقلة قادرة على التحقيق في إدارته أو تدقيق قراراته.
  • يُمكن للمؤسسة أن تمارس وظائف مالية كبرى دون أن تخضع للمساءلة البرلمانية أو القضائية، ما يتعارض مع مبادئ الشفافية الدستورية.
    ويُنبّه ذلك إلى أن استنساخ الحصانة الرئاسية على مؤسسة اقتصادية مستقلة، يمثل تجاوزًا لمبدأ "الرقابة على المال العام" و"المسؤولية التنفيذية أمام المؤسسات التشريعية"، وينبغي إعادة النظر فيه.
    وبالمقارنة مع نماذج دستورية دولية نرى ما يأتي:
  • في تونس، لا يجوز إصدار مراسيم اقتصادية تؤثر على الاستثمار دون عرضها على المجلس التشريعي.
  • في المغرب، المؤسسات المرتبطة بالملك تُعد رمزية أو تشريفية، بينما المؤسسات الاقتصادية تخضع للبرلمان والمجلس الأعلى للحسابات.
  • في دول العدالة الانتقالية مثل الأرجنتين وجنوب إفريقيا، يتم ربط الصناديق الاقتصادية بوزارات مختصة ومجالس رقابية مستقلّة لضمان الشفافية.

توصيات قانونية:

  1. إعادة تعريف وضعية "صندوق التنمية" وربطه بوزارة التخطيط أو هيئة الاستثمار لضمان الرقابة المؤسسية.
  2. إحالة التعديلات التشريعية على قانون الاستثمار إلى المجلس التشريعي عند انعقاده لمراجعتها وإقرارها عبر القنوات الرسمية.
  3. إخضاع الصندوق لدائرة تدقيق خارجي رسمي مستقل مثل الهيئة العليا للرقابة المالية والإدارية، مع إصدار تقارير سنوية علنية.
  4. تضمين الصندوق ضمن قانون مالي موحد يُقرّه مجلس الشعب لاحقًا، يحدد اختصاصاته، وسقف إنفاقه، وآلية التوظيف والاستثمار.
  5. الاحتكام إلى المحكمة الدستورية العليا لتفسير الصلاحيات الرئاسية في تعديل قوانين الاستثمار خلال المرحلة الانتقالية.

الخاتمة:


المرسوم الرئاسي رقم 114 لعام 2025 يُجسّد خطوة مؤسساتية مهمة في سبيل إعادة بناء الاقتصاد الوطني، لكنه ينطوي على تعارضات محتملة مع نص وروح الإعلان الدستوري، خصوصًا في بنيته الإدارية وعلاقته بالسلطات الرقابية.

وإننا في تيار المستقبل السوري نرى وجوب أن لا تكون الطموحات التنموية بوابة لتجاوز القواعد الدستورية، بل وسيلة لتكريسها. فتحقيق التنمية يبدأ من شرعية المؤسسة، لا مرونة القرار فقط.

ولكل ماسبق، إن تيار المستقبل السوري يوصي بمراجعة دستورية عاجلة لهذا المرسوم، بما يُحقق الغاية الاقتصادية دون الإخلال بأسس الرقابة والمساءلة، ويُؤسّس لعقد اقتصادي وطني يُدار من خلال مؤسسات لا أفراد، ومن خلال الدستور لا الضرورات الظرفية.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع