مقدمة:
في ظل مرحلة التحولات الجذرية التي تمر بها سورية، يأتي قرار وزارة الخارجية والمغتربين بإنشاء "الأمانة العامة للشؤون السياسية" ليُثير حواراً عميقاً حول دوره المحتمل في إعادة هيكلة المؤسسات الرسمية، وتوجيه المشهد السياسي بما يخدم المصالح الوطنية.
هذا القرار، رغم ما قد يرافقه من تساؤلات قانونية وإدارية، يحمل في طياته إشارات هامة إلى رغبة الدولة في مواكبة متطلبات المرحلة الجديدة من خلال تعزيز العمل السياسي وتنظيمه، يهدف هذا المقال لتحليل هذا القرار من منظور علمي وسياسي، مع استعراض الأبعاد الإيجابية والتحديات التي قد تواجهه، وتقديم رؤى تساهم في ترسيخ مسار يعكس تطلعات الشعب السوري نحو الاستقرار والنهضة.
تحليل:
تحليل هذا الخبر يتطلب النظر في عدة أبعاد سياسية وقانونية وإدارية، مع التركيز على صلاحيات وزارة الخارجية ودورها التقليدي مقارنة بالمهام الجديدة التي أُسندت إلى "الأمانة العامة للشؤون السياسية"، ولعلنا ننظر للخبر من زوايا خمسة:
الأولى: السياق السياسي والقانوني للقرار، فقد أعلنت وزارة الخارجية السورية عن تشكيل "الأمانة العامة للشؤون السياسية" بموجب القرار رقم (53)، الذي يُبرر إنشاءها بضرورات "تحقيق المصلحة الوطنية العليا" و"تطوير هيكلية العمل السياسي" في مرحلة ما بعد حل حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في يناير 2025، حيث يُعتبر هذا القرار جزءًا من إعادة هيكلة النظام السياسي السوري بعد مرحلة الفراغ الناجمة عن تفكيك الأحزاب التقليدية، والتي كانت تشكل العمود الفقري للسلطة لعقود، كما وتكمن أهمية هذا التشكيل في محاولة الدولة تعويض الفراغ المؤسسي الناتج عن الحل، مع إعادة توجيه الأصول والموارد السابقة لهذه الأحزاب لخدمة أهداف الدولة الجديدة.
الثانية: المهام الموكلة للأمانة بين الإشراف وإعادة التوظيف، حيث حدد القرار ثلاث مهام رئيسية لها:
- الإشراف على النشاطات السياسية الداخلية، تشمل تنظيم الفعاليات السياسية وفق القوانين، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية هذه النشاطات وطبيعة "التنظيم" المقصود، كما قد يُفسر هذا الدور كآلية لمراقبة العمل السياسي وتوجيهه لضمان توافقه مع الخط الرسمي للدولة، بدلًا من تعزيز التعددية.
- المشاركة في صياغة السياسات العامة، ومعها تُمنح الأمانة دوراً أساسياً استشاريًا في رسم السياسات، مما يعكس محاولة لدمج الخبرة السياسية السابقة (من خلال إعادة توظيف أصول الأحزاب المنحلة) مع الهيكلية الجديدة، لكن هذا يطرح إشكالية حول حدود اختصاص وزارة الخارجية في الشؤون الداخلية، والتي عادةً ما تكون من صلاحيات وزارة الداخلية أو هيئات سياسية مستقلة.
- إعادة توظيف أصول حزب البعث والجبهة الوطنية، وقد يشير هذا إلى تحويل الموارد المادية والبشرية التابعة للأحزاب المنحلة إلى أداة لخدمة الأهداف الوطنية، وهو إجراء قد يهدف إلى تجنب انهيار كامل للبنية السياسية القديمة مع الحفاظ على عناصر منها تحت سيطرة الدولة.
ويلاحظ هنا أن وزارة الخارجية، وفق الأعراف الدولية، تُعنى بإدارة العلاقات الخارجية للدولة، وتنظيم شؤون المغتربين، والمساهمة في صياغة السياسة الخارجية، أما الشؤون السياسية الداخلية، فهي عادةً من اختصاص وزارات أو هيئات أخرى، مثل وزارة الداخلية أو مؤسسات تُعنى بالتخطيط السياسي الداخلي.
الثالثة: الإطار المؤسسي والمالي للأمانة، حيث تمتلك الأمانة موازنة مستقلة ضمن وزارة الخارجية، مع خضوعها للرقابة المختصة، ويُعتبر الاستقلال المالي هذا خطوة لضمان مرونة عملها، لكنه قد يفتح الباب أمام تساؤلات حول الشفافية ومدى خضوعها للمساءلة، خاصة في ظل غياب تفاصيل عن آلية الرقابة المذكورة. كما أن ارتباطها بوزارة الخارجية يُثير تساؤلات حول تداخل الصلاحيات بين الشؤون الداخلية والخارجية، وهو أمر غير مألوف في الأنظمة السياسية التقليدية.
الرابعة: التحليل الفلسفي السياسي بين الشرعية والهيمنة، فمن منظور فلسفة السياسة، يُمكن قراءة هذا القرار عبر عدسة نظرية "الهيمنة" عند غرامشي، حيث تسعى الدولة إلى إعادة إنتاج هيمنتها عبر آليات مؤسسية جديدة بعد انهيار البنى القديمة، إذ تشكيل الأمانة قد يمثل محاولةً لخلق توافق جديد بين النخب السياسية والمجتمع، باستخدام موارد الأحزاب المنحلة كأداة لضمان الاستقرار، لكن غياب الإشارة إلى مشاركة المجتمع المدني أو الأحزاب الجديدة يُشير إلى استمرار النموذج السلطوي، مع تغيير في الشكل دون المضمون.
الخامسة: التحديات والانتقادات المحتملة، والتي نجدها في:
- الشرعية الدستورية، فهل يسمح الإطار الدستوري السوري لوزارة الخارجية بإنشاء هيئة تُعنى بالشؤون الداخلية؟ وهنا يبدو أن غياب النص الدستوري الصريح قد يُضعف شرعية القرار.
- التداخل المؤسسي، فقد يتعارض دور الأمانة مع صلاحيات وزارات أخرى (كالداخلية أو الشؤون السياسية)، مما يؤدي إلى تضارب في الاختصاصات، فإشكالية التداخل في الصلاحيات واضحة، حيث إن إنشاء "الأمانة العامة للشؤون السياسية" ضمن وزارة الخارجية يثير تساؤلات حول مدى توافق هذا القرار مع القوانين النافذة، فإذا كانت القوانين الحالية لا تمنح وزارة الخارجية صلاحيات تتعلق بالشؤون السياسية الداخلية، فإن هذا القرار قد يُعتبر تجاوزًا للصلاحيات، مما يفتح الباب أمام انتقادات قانونية وإدارية.
- المخاوف من الاستبداد الجديد، فربما إعادة توظيف أصول حزب البعث قد يُعيد إنتاج نفس النخب السياسية تحت مسميات جديدة، مع استمرار هيمنة الدولة على الحياة السياسية.
يبدو أن تشكيل "الأمانة العامة للشؤون السياسية" يعكس محاولة القيادة لإدارة مرحلة انتقالية معقدة عبر إعادة هيكلة مؤسسية تدمج بين الموارد القديمة والهياكل الجديدة.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى قدرة هذه الخطوة على تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي، أم أنها مجرد إعادة تموضع للسلطة تحت غطاء مؤسسي جديد؟.
على أن نجاح الأمانة سيعتمد على شفافيتها، واستقلاليتها الحقيقية، وقدرتها على تجاوز إرث التسلط السابق.
ضوء على الإيجابيات:
يمكن النظر إلى القرار بإنشاء "الأمانة العامة للشؤون السياسية" في وزارة الخارجية والمغتربين السورية على أنه يحمل بعض النقاط الإيجابية التي يمكن أن تعزز العمل السياسي والإداري للدولة، إذا تم تنفيذه بشكل مدروس.
في السياق السياسي، تبدو الايجابية في محاولة لسد الفراغ المؤسسي وتعزيز الاستقرار، حيث يأتي تشكيل "الأمانة العامة للشؤون السياسية" في سياق انتقالي حرج بعد حل حزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية، والذي خلَّف فراغًا في البنية السياسية والمؤسسية، فمن الناحية الإيجابية، يُمكن اعتبار هذا القرار (آلية مؤسسية لاحتواء الاضطرابات المحتملة) الناتجة عن تفكك الأحزاب التقليدية، عبر إعادة توظيف مواردها البشرية والمادية لخدمة أهداف وطنية، بدلًا من تركها تتحول إلى بؤر فوضى أو صراعات داخلية، كما أنه يُقدم نموذجًا لإدارة التغيير السياسي دون انهيار كامل للنظام، مما قد يساهم في الحفاظ على الاستقرار النسبي خلال المرحلة الانتقالية.
وفي سياق المهام تبرز أهمية توظيف الخبرات السابقة وتعزيز التنسيق الحكومي من خلال:
- الإشراف على النشاطات السياسية، أذ رغم الانتقادات المحتملة حول تقييد الحريات، إلا أن تنظيم الفعاليات السياسية عبر قنوات مؤسسية قد يُسهم في منع التشرذم السياسي وخلق إطار قانوني واضح للنشاط العام، خاصة في ظل غياب أحزاب معارضة قوية.
- إعادة توظيف أصول الأحزاب المنحلة، حيث يُعتبر هذا الإجراء فرصة لـ تحويل موارد مادية وبشرية (مقرات، كوادر، أرشيف) من أداة حزبية ضيقة إلى خدمة الصالح العام، مما قد يُقلل الهدر ويعيد الاستثمار في البنية السياسية للدولة.
- المشاركة في صياغة السياسات، حيث يبدو منح الأمانة دورًا استشاريًا قد يُسهم في دمج الخبرات القديمة (مثل كوادر حزب البعث) مع رؤى جديدة، خاصة إذا أُديرت هذه العملية بشفافية، مما قد يُعزز الاستفادة من المعرفة التاريخية في صنع القرار.
وأما في سياق الإطار المؤسسي، والتي تتجلى في المرونة المالية والإدارية، حيث تتمتع الأمانة بموازنة مستقلة ضمن وزارة الخارجية، مما يُوفر لها مرونة في تمويل المشاريع السياسية دون بيروقراطية معقدة، خاصة إذا رُبطت هذه الموازنة بأهداف استراتيجية محددة، كما أن خضوعها للرقابة المختصة (وإن كانت تفاصيلها غائبة) يُشير إلى محاولة لتحقيق توازن بين الاستقلالية والمساءلة، وهو أمر إيجابي إذا طُبِّق بجدية.
وأما في سياق التحليل الفلسفي، فتبدو في إعادة إنتاج الشرعية عبر المؤسسات، حيث من منظور فلسفة السياسة، يُمكن تفسير القرار كجزء من استراتيجية "التجديد المؤسسي" لإضفاء شرعية جديدة على النظام السياسي، عبر تبني خطاب "التحديث" و"الكفاءة" المذكور في نص القرار.
وهذا التوجه قد يُساعد في كسب تأييد فئات كانت تشكك سابقًا في أداء الأحزاب التقليدية، خاصة إذا اقترن بإصلاحات فعلية، كما أن إشراف وزارة الخارجية على الشؤون السياسية الداخلية قد يعكس محاولة لتوحيد الرؤية الاستراتيجية بين السياسة الداخلية والخارجية، وهو أمر مهم في ظل الأزمات الإقليمية التي تواجه سورية.
وفي الحديث عن سياق فُرص التحول التدريجي، ورغم المخاوف من استمرار النموذج السلطوي، إلا أن إنشاء الأمانة قد يُشكل نواة لمؤسسة سياسية دائمة قابلة للتطوير لاحقًا، خاصة إذا فُتح الباب تدريجيًّا لمشاركة أطراف جديدة (مستقلين، مجتمع مدني) في أنشطتها.
كما أن الإشارة إلى "التحديث" في نص القرار قد تُعتبر اعترافًا غير مباشر بضرورة الإصلاح، مما يُتيح فرصة للضغط من الداخل نحو مزيد من الانفتاح السياسي في المستقبل.
وباختصار جامع، يبدو أن القرار يحمل إيجابيات محتملة مرتبطة بــ:
- الاستقرار المؤسسي، عبر سد الفراغ الناجم عن حل الأحزاب القديمة.
- الاستفادة من الموارد بتوظيف أصول الأحزاب المنحلة لخدمة أهداف وطنية.
- التجديد الخطابي عبر تبني مفاهيم مثل "التحديث" و"الكفاءة"، التي قد تُشكل أساسًا لشرعية جديدة.
- التكيف مع المتغيرات كخطوة استباقية لإدارة التحولات السياسية الداخلية والخارجية.
بالمقابل، تبقى هذه النقاط الإيجابية مرتبطة بكيفية تنفيذ القرار ومدى توافقه مع القوانين والتوجهات الوطنية، كما أن أي إيجابية تعتمد بشكل مباشر على الالتزام بالشفافية والعدالة والمصلحة العامة في إدارة هذه الأمانة العامة.
تقدير موقف:
بداية، فإننا في تيار المستقبل السوري وبعد مدوارات ونقاشات داخلية، رأسها الدكتور زاهر بعدراني، رئيس التيار، نرحب بالقرار باعتباره خطوة نحو تعزيز العمل السياسي المنظم في سورية، خاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي تتطلب إعادة هيكلة المؤسسات الرسمية.
ومع ذلك، فإننا نُشدد على ضرورة أن يتم تنفيذ هذا القرار بما يضمن احترام القوانين النافذة، وتجنب أي تداخل في الصلاحيات بين المؤسسات المختلفة، مع التأكيد على أهمية الشفافية في إدارة الأمانة العامة ومهامها.
حيث نقترح لذلك إنشاء آليات واضحة للتنسيق بين "الأمانة العامة للشؤون السياسية" والجهات الأخرى المعنية بالشؤون الداخلية، مثل وزارة الداخلية والهيئات التشريعية، لضمان تكامل العمل السياسي.
إضافة لتنظيم برامج تدريبية وورش عمل لتطوير الكفاءات السياسية داخل الأمانة العامة، بما يضمن تحقيق أعلى معايير الكفاءة في صياغة السياسات العامة.
هذا ونُشدد على أهمية إشراك منظمات المجتمع المدني في صياغة السياسات العامة، لضمان تمثيل جميع الأطياف الوطنية وتعزيز الحوار السياسي.
مع أهمية تشكيل لجنة مستقلة للإشراف على إعادة توظيف أصول حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، بما يضمن استخدام هذه الموارد بشكل يخدم المصلحة الوطنية، بالتزامن مع ضمان خضوع موازنة الأمانة العامة لإشراف الجهات الرقابية المختصة، مع نشر تقارير دورية عن كيفية استخدام الموارد المالية.
وعليه فإننا في تيار المستقبل السوري يمكن أن نساهم مع غيرنا من الكيانات السياسية في ترسيخ النقاط الإيجابية لهذا القرار من خلال:
- تقديم مقترحات تشريعية لتعديل القوانين بما يضمن توافق صلاحيات الأمانة العامة مع الإطار القانوني للدولة.
- إطلاق مبادرات سياسية، ونحن في تيار المستقبل السوري كان لنا سابق خبرة في تنظيم الندوات والمؤتمرات التي تجمع مختلف الأطراف الوطنية والتي يمكن أن تُفيد هنا لمناقشة دور الأمانة العامة في تعزيز العمل السياسي، وعليه فإننا نقترح إنشاء منصة حوارية بين الأمانة والأحزاب الجديدة والمجتمع المدني، لضمان أن سياساتها تعكس تطلعات متنوعة، وليس أجندة أحادية.
- تعزيز الحوار الوطني، عبر دعم جهود الأمانة العامة في تنظيم فعاليات سياسية داخلية من خلال علاقاتنا المتنوعة والتي تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية ومواجهة التحديات المشتركة، وعليه فإننا نقترح تقديم مشروع قانون لتعديل صلاحيات الأمانة، بحيث تُخصص نسبة من مواردها لدعم تأسيس أحزاب سياسية جديدة، كجزء من تعزيز التعددية.
- التعاون مع الجهات الدولية، من خلال العمل على بناء شراكات مع منظمات دولية لدعم جهود الأمانة العامة في تطوير العمل السياسي.
- إعادة التوظيف بمعايير وطنية، وذلك عبر ما نراه من تحويل أصول الأحزاب المنحلة (مقرات، أرشيف) إلى مراكز بحثية أو أكاديمية تخدم الإنتاج الفكري والسياسي، بدلًا من حصرها في خدمة الأمانة، إضافة إلى تشجيع كوادر حزب البعث السابقين على الانخراط في العمل العام عبر آليات تكافؤ الفرص، وليس بالاعتماد على الولاءات القديمة.
- توطين التجارب الدولية، وذلك عبر طرح نماذج مقارنة من دول مرت بتحولات سياسية (مثل جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري)، حيث تم توظيف مؤسسات انتقالية لدمج القديم مع الجديد دون إقصاء.
خاتمة:
راقبنا في تيار المستقبل السوري باهتمام المواقف السورية لهذا القرار، ومن خلال رؤيتنا التي نسعى لكي تكون متوازنة دون أن يعني الحياد السلبي، بل المشاركة النشطة في تشكيل المشهد السياسي، فإننا قررنا دعم الجوانب التي تُعزز الاستقرار والاستفادة من الموارد لهذا القرار، مع نقد الثغرات التي تُهدد بالتسلط أو الفساد، وتقديم بدائل عملية لتحويل القرار من أداة هيمنة إلى فرصة للإصلاح التدريجي، وبهذا النهج، يصبح موقفنا فاعلًا رئيسيًّا مساهماً في تحويل "الأمانة العامة للشؤون السياسية" من مؤسسة انتقالية هشة إلى جسر نحو نظام سياسي أكثر انفتاحًا إن نجحنا بمسارنا، سواء باقناع القيادة به، أو بالحشد للقوى السياسية والمدنية المختلفة لدعمه، وعليه فإننا نوصي بما يأتي:
- الضغط السلمي عبر استخدام القنوات القانونية (البرلمان إذا وُجد، أو بيانات علنية) للمطالبة بتعديلات على هيكلية الأمانة.
- بناء التحالفات والتنسيق مع أحزاب أخرى ومؤسسات مجتمع مدني لتشكيل كتلة ضاغطة تدعم الإصلاح دون مواجهة مباشرة مع القيادة والنظام الجديد.
- التوعية الجماهيرية من خلال تنظيم حملات تشرح للرأي العام إيجابيات وسلبيات القرار، وتدعو إلى مشاركة فعالة في صنع السياسات.
- الاستعداد للبديل عبر إعداد رؤية بديلة لمؤسسة سياسية ديمقراطية تُدار بشكل لامركزي، كجزء من نتيجة الحوار بين القوى السياسية والمجتمع المدني مع الأمانة العامة.
ختاماً، وفي خضم التحولات السياسية التي تشهدها سورية، يبرز قرار تشكيل "الأمانة العامة للشؤون السياسية" في وزارة الخارجية كخطوة تحمل في طياتها تناقضاتٍ بين القديم والجديد، وبين الرغبة في الاستقرار واشتباهات الاستبداد، فمن ناحية، يُمكن قراءة هذا القرار كرد فعل مؤسسي لسد الفراغ الناجم عن تفكك الأحزاب التقليدية، واستثمار مواردها لخدمة مرحلة انتقالية محفوفة بالتحديات، ومن ناحية أخرى، يظل السؤال قائمًا: هل هذه الخطوة مجرد إعادة تموضع للسلطة تحت مسميات حديثة، أم أنها بذرة لإصلاح حقيقي يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع؟.
والدرس الأهم هنا هو أن نجاح أي مؤسسة انتقالية – مثل "الأمانة" – لا يعتمد على الهيكل القانوني أو الخطاب الرسمي فحسب، بل على مدى قدرتها على تجسيد قيم الشفافية والمشاركة والمساءلة، فالدولة التي تُريد بناء شرعية جديدة عليها أن تفتح أبواب الحوار أمام الأصوات المتنوعة، وأن تتحول من منطق الهيمنة الأحادية إلى فسيفساء التعددية، أما إذا اكتفت بإعادة تدوير النخب والموارد تحت شعارات التحديث، فستبقى حلقة مفرغة من الأزمات السياسية والاجتماعية.
ولهذا فإننا نرى في تيار المستقبل السوري أن "الأمانة العامة للشؤون السياسية" ليست مجرد هيكل إداري، بل هي اختبار لإرادة النظام السياسي في التعامل مع إرث الماضي ورهانات المستقبل، فإما أن تكون جسرًا نحو نظامٍ أكثر انفتاحًا يُشرك المواطن في صنع القرار، أو أن تتحول إلى مجرد غطاء لاستمرار النموذج السلطوي بأدوات أكثر دهاء، والخيار بين هذين المسارين سيحدده ليس فقط ما تفعله الأمانة، بل أيضًا ما يفعله المجتمع من ضغط سلمي ومبادرات بناءة لتحويل القرارات السياسية من فوقية إلى تفاعلية.
المكتب العلمي
جمعة محمد لهيب
مدير قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري