تعليم أونلاين، حلاً لمعضلة تعليم السوريين
يُعرف التعليم الحضوري بأنه العملية التعليمية التقليدية التي تتم بشكل مباشر وجهاً لوجه بين المعلم والطالب في مكان وزمان محددين. يعتمد هذا النوع من التعليم على التفاعل المباشر، حيث يتم تبادل المعلومات والمعرفة من خلال المحاضرات، النقاشات، الأنشطة العملية، والواجبات المنزلية. ويتميز التعليم الحضوري بوجود تفاعل اجتماعي قوي بين الطلاب والمعلم، ويوفر بيئة تعليمية محفزة.
أما التعليم الافتراضي “الأونلاين” فهو العملية التعليمية التي تتم عن بعد باستخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث يتلقى الطلاب المواد الدراسية من خلال الإنترنت أو وسائل إلكترونية أخرى. يعتمد هذا النوع من التعليم على المرونة في الزمان والمكان، حيث يمكن للطالب الدراسة في أي وقت ومن أي مكان. يتميز التعليم الافتراضي بتنوع الوسائل التعليمية المستخدمة، مثل الفيديوهات، المحاضرات المسجلة، المنتديات، والأنشطة التفاعلية.
وهناك مايسمى بالتعليم المختلط الذي يجمع هذا النوع من التعليم بين مزايا التعليم الحضوري والتعليم الافتراضي، حيث يتم تقديم جزء من المادة الدراسية بشكل حضوري وجزء آخر بشكل افتراضي.
ولعل أهم أسباب صعود نجم التعليم الافتراضي هو تأثير التكنولوجيا، حيث أدت التطورات التكنولوجية إلى تحسين جودة التعليم الافتراضي وجعله أكثر جاذبية للطلاب.
بين نوعَي التعليم:
دراسات ومقالات كثيرة قدمت مقارنة موجزة بين التعليم الحضوري والتعليم الافتراضي، مع تسليط الضوء على مزايا وعيوب كل منهما، وبحسب تجربتنا في مكتب شؤون الأسرة لِـ تيار المستقبل السوري وسلسلة مدارس تواد التعليمية في الشمال السوري، فيمكن أن نخلص لما يلي:
التعليم الحضوري:
المزايا:
- تفاعل مباشر بين الطلاب والمعلم، إذ يسهل طرح الأسئلة والحصول على إجابات فورية.
- بيئة تعليمية اجتماعية تساعد على بناء علاقات شخصية وتشجيع العمل الجماعي.
- متابعة شخصية للطلاب حيث يمكن للمعلم ملاحظة صعوبات الطلاب وتقديم الدعم اللازم.
- مصادر تعليمية متنوعة إذ توفر المختبرات والمكتبات والوسائل التعليمية التقليدية.
العيوب:
- مرونة محدودة مقيد بجدول زمني ومكان محدد.
- تكاليف أعلى حيث تتطلب تكاليف نقل وإقامة في بعض الأحيان.
- خطر انتشار الأمراض خاصة في حالة التجمعات الكبيرة.
التعليم الافتراضي:
المزايا:
- مرونة عالية إذ يمكن للطلاب الدراسة في أي وقت ومن أي مكان.
- وصول أوسع يتيح الفرصة للطلاب من مختلف أنحاء العالم.
- تكاليف أقل إذ لا تتطلب تكاليف نقل أو إقامة.
- تنوع في المصادر التعليمية لتوفر منصات تعليمية غنية بالوسائط المتعددة.
العيوب:
- قلة التفاعل الاجتماعي للافتقار إلى التفاعل المباشر بين الطلاب والمعلم.
- الحاجة إلى الانضباط الذاتي حيث يتطلب من الطلاب إدارة وقتهم وجهداهم بأنفسهم.
- الاعتماد على التكنولوجيا وقد يتأثر بتعطل الإنترنت أو الأجهزة.
وفي سؤال أي منهما أفضل؟
يمكن الإجابة: بالحقيقة أن كلا النوعين من التعليم له مزاياه وعيوبه، ولا يوجد نوع واحد مثالي يناسب جميع الطلاب. الخيار الأفضل يعتمد على عدة عوامل، منها:
- أسلوب التعلم، وتفضيل الفرد نفسه للتعلم في بيئة اجتماعية أم تفضيل الاستقلالية؟
- الالتزام وهل يمكن إدارة الوقت والجهد بشكل جيد؟.
- الظروف المادية والتي تعطي إمكانية الوصول إلى الإنترنت وجهاز كمبيوتر.
- الظروف الصحية والتي تمنع من الحضور إلى الفصول
في السنوات الأخيرة، أصبح التعليم الافتراضي أكثر شيوعًا، خاصة بعد جائحة كورونا التي أجبرت العديد من المؤسسات التعليمية على الانتقال إلى التعليم عن بعد. ومع ذلك، لا يزال التعليم الحضوري يلعب دورًا هامًا، ويرى الكثير من الخبراء أن الجمع بين النوعين هو الحل الأمثل، حيث يمكن الاستفادة من مزايا كل منهما وتقليل عيوبه.
تجربة كورونا:
شكلت جائحة كورونا عاملاً محفزاً هائلاً على تسريع وتيرة التحول نحو التعليم الافتراضي حول العالم. لقد فرضت القيود المفروضة للحد من انتشار الفيروس على المؤسسات التعليمية في جميع المستويات البحث عن بدائل سريعة وفعالة لضمان استمرارية العملية التعليمية.
أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار التعليم الافتراضي بسبب كورونا:
- الإغلاق العام للمدارس والجامعات حيث أدت الإغلاقات الشاملة للمؤسسات التعليمية إلى ضرورة البحث عن بدائل للتعليم الحضوري، وكان التعليم الافتراضي هو الخيار الأكثر منطقية.
- الحاجة إلى الحفاظ على استمرارية التعليم ولهذا سعت الحكومات والمؤسسات التعليمية إلى ضمان عدم انقطاع الطلاب عن الدراسة، خاصة مع أهمية التعليم في بناء المستقبل.
- التطور التكنولوجي فالبنية التحتية التكنولوجية المتاحة قبل الجائحة كانت كافية أو مقبولة لدعم التحول السريع إلى التعليم الافتراضي.
- مرونة التعليم الافتراضي أتاح للطلاب والمعلمين مرونة أكبر في اختيار الوقت والمكان للدراسة، مما ساهم في تكييف العملية التعليمية مع الظروف الاستثنائية.
ولهذا كانت الآثار الإيجابية لانتشار التعليم الافتراضي:
- زيادة الوعي بأهمية التكنولوجيا في التعليم حيث دفعت الجائحة إلى تسريع عملية دمج التكنولوجيا في التعليم، مما ساهم في تطوير مهارات الطلاب الرقمية.
- توسيع نطاق الوصول إلى التعليم إذ أصبح التعليم متاحًا لعدد أكبر من الطلاب، خاصة في المناطق النائية أو الذين يعانون من ظروف خاصة.
- تنوع الخيارات التعليمية حيث ظهرت العديد من المنصات والبرامج التعليمية الافتراضية، مما زاد من الخيارات المتاحة للطلاب والمعلمين.
ولكننا رأينا التحديات التي واجهها التعليم الافتراضي والتي منها:
- الفجوة الرقمية إذ لم يكن جميع الطلاب والمعلمين على قدم المساواة في الحصول على الأجهزة والإنترنت اللازمة للتعليم الافتراضي.
- صعوبة تحقيق التفاعل الاجتماعي لهذا افتقد التعليم الافتراضي للتفاعل المباشر بين الطلاب والمعلم، مما أثر على الجانب الاجتماعي للتعليم.
- الحاجة إلى مهارات جديدة، إذ تطلّب الانتقال إلى التعليم الافتراضي تطوير مهارات جديدة لدى المعلمين والطلاب،
- مثل مهارات استخدام التكنولوجيا والتعلم الذاتي.
أثبتت التجربة زمن جائحة كورونا أن التعليم الافتراضي قادر على لعب دور حيوي في العملية التعليمية. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها، إلا أنه فتح آفاقًا جديدة للتعليم وساهم في تطويره. من المتوقع أن يستمر التعليم الافتراضي في التطور والنمو في السنوات القادمة، ولكن يجب معالجة التحديات القائمة لضمان فعاليته وجودته.
في الداخل السوري “الشمال” ودول اللجوء “لبنان” نموذجا:
إن السؤال حول أفضلية التعليم الافتراضي أو الحضوري في الشمال السوري هو سؤال معقد يتطلب النظر إلى عدة عوامل متداخلة:
أولاً، نستعرض بإيجاز مزايا وعيوب كل نوع من التعليم في سياق الأزمة السورية:
1- التعليم الحضوري:
المزايا:
- يوفر فرصًا أكبر للتفاعل بين الطلاب والمعلم، مما يعزز الفهم والاستيعاب.
- يوفر بيئة تعليمية اجتماعية تساعد الطلاب على التكيف مع الظروف الصعبة.
- يمكن للمعلمين متابعة تقدم الطلاب بشكل فردي وتقديم الدعم اللازم.
العيوب:
- في مناطق النزاع، قد يتعرض الطلاب والمعلمون لخطر القصف والعنف.
- قد تعاني المدارس من نقص الكتب والمواد التعليمية، بالإضافة إلى نقص الكادر التدريسي المؤهل.
- تهديد توقف الدراسة بسبب الظروف الأمنية أو نقص الوقود.
2- التعليم الافتراضي:
المزايا:
- يحمي الطلاب والمعلمين من مخاطر النزاع.
- يسمح للطلاب بالدراسة في أي وقت ومن أي مكان.
- يمكن للطلاب النازحين بالشمال أو المقيمين في مناطق يصعب الوصول إليها الاستفادة من التعليم.
العيوب:
- قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة والملل.
- كما قد لا يتوفر لدى جميع الطلاب الأجهزة والإنترنت اللازمة.
- وقد يكون من الصعب على المعلمين متابعة تقدم جميع الطلاب.
ثانياً، العوامل التي يجب مراعاتها عند اختيار نوع التعليم:
- إذا كان الوضع الأمني متدهوراً، فإن التعليم الافتراضي سيكون الخيار الأكثر أماناً.
- و يجب توفر الأجهزة والإنترنت للتعليم الافتراضي.
- وكما يجب تدريب المعلمين على استخدام التقنيات التعليمية الجديدة.
- و مراعاة الاحتياجات الفردية لكل طالب عند اختيار نوع التعليم.
ومما يظهر أنه لا يوجد جواب واحد ينطبق على جميع الحالات. قد يكون التعليم الافتراضي هو الخيار الأفضل في بعض المناطق، بينما قد يكون التعليم الحضوري أكثر ملاءمة في مناطق أخرى. الأفضل هو الجمع بين النوعين قدر الإمكان، مع التركيز على توفير بيئة تعليمية آمنة ومحفزة للطلاب.
يمكن للتعليم الافتراضي أن يكون بديلاً واعداً للتعليم الحضوري للطلاب السوريين في لبنان في ظل الظروف الحالية، خصوصا مع منع المدارس اللبنانية استقبال الطلاب السوريين بسبب طلبات اقامة شرعية تعجيزية لايملكها أكثر من ٨٠٪ من الطلاب السوريين بلنبان، كما يواجه الطلاب السوريون بلبنان تضييقات وتحديات كبيرة في استمرار تعليمهم. التعليم الافتراضي يقدم حلولاً لهذه التحديات، ومن أهمها: - يمكن للطلاب الدراسة في أي وقت ومن أي مكان، مما يمنحهم حرية أكبر في تنظيم وقتهم وتجنب المخاطر المحتملة.
- غالبًا ما يكون التعليم الافتراضي أقل تكلفة من التعليم الحضوري، خاصة وأن العديد من المنصات التعليمية تقدم دورات مجانية أو بأسعار رمزية مثل (منظمة مسارات التطوعية) ولكن بشكل بدائي دون اعتراف ودون شمولية لكافة مراحل الدراسة.
- يسهل التعليم الافتراضي على الطلاب النازحين أو المقيمين في مناطق يصعب الوصول إليها الحصول على التعليم.
- يوفر التعليم الافتراضي مجموعة واسعة من الدورات والبرامج التعليمية التي تناسب مختلف المستويات والميول.
ومع ذلك، هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها لنجاح التعليم الافتراضي في هذه الحالة: - توفير الأجهزة والإنترنت للطلاب، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الكثيرون في لبنان.
- العمل لتكون جودة الاتصال بالإنترنت كافية لضمان استمرارية العملية التعليمية.
- تدريب المعلمين على استخدام التقنيات التعليمية الجديدة وتقديم الدعم اللازم لهم.
- العمل على تعزيز التفاعل الاجتماعي بين الطلاب والمعلمين، حيث يعتبر هذا الجانب هاماً للتعلم.
خاتمة وتوصية:
مما يظهر من الوضع المزري للطلاب السوريين في الداخل السوري خصوصا بالشمال، وفي لبنان بالخصوص، أن المستقبل سلبي جدا، حيث أن منع الفئات الضعيفة والفقيرة من التعليم سيجعل الأطفال أكثر عرضة في مستقبل حياتهم لقبول التطرف أو الارهاب او الإجرام، ولن يكون مانعا لذلك إلا التربية الجيدة والتي قد تكون صعبة في بيئة يعيث بها الجهل.
لهذا فإننا نوصي في مكتب شؤون الأسرة لِـ تيار المستقبل السوري ما يلي:
- دق ناقوس الخطر لحماية أطفالنا وضمان مستقبلهم من خلال الانتقال للتعليم الافتراضي المجاني، دون دفن التعليم الحضوري، بل الاستفادة من النوعين بحسب الامكان.
- تولي الأمم المتحدة لمشروع تعليمي افتراضي للأطفال السوريين في الداخل السوري والخارج ويكون تحت رعايتها وإدارتها بالتعاون مع خبراء سوريين، بكل المراحل الدراسية الابتدائية وحتى الجامعية، وهكذا نضمن أن التعليم لايُفرّخ شهادات دون حاجة لهم بسوق العمل.
- جعل التعليم الافتراضي بديلا معترفا به قانونيا ويتم معادلة الشهادات منه رسميا باعتراف الأمم المتحدة.
- فتح صندوق مالي لدعم هذا المشروع من قبل السوريين واعتباره مشروعا وطنيا مجانيا لكل السوريين يحل لهم الاشكالات الحالية بل والمستقبلية أيضا.
وهيبة المصري
مكتب شؤون الأسرة
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري
المراجع:
- مركز مسارات التطوعي
- مقارنة بين تكنولوجيا التعليم والدراسة التقليدية
- ما الفرق بين التعليم عن بعد والتعليم الحضوري؟
- أوجه الشبه والاختلاف بين التعليم عن بعد والتعليم الحضوري
- التضييق يصل للتعليم.. “القوات اللبنانية” تطالب بعدم تسجيل الطلاب السوريين
- تعذيب الطلاب السوريين بتحصيل الإقامة.. وشروط “التربية” التعجيزية almodon