محوران، ونحن الثالث!
يتحدث بعض السياسيين من مختلف الإتجاهات، قومية أو إسلامية في عالمنا الشرق الأوسطي عن تخندق المنطقة اضطراريا إلى محورين:
- محور المقاومة والممانعة بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران.
- محور الصهاينة ممثلاً بإسرائيل ومشروعها التطبيعي سياسياً وشعبياً.
وبالتالي فعلى جميع القوى السياسية بالشرق الأوسط الاختيار بالاصطفاف، إما.. أو.
إن رؤيتنا في المكتب السياسي لِـ تيار المستقبل السوري والمُنطقة من تموضع بلدنا وحساسيته المعقدة من جهة، ورؤية شعبنا السوري ومصلحته من جهة ثانية، تتلخص بخمس نقاط:
أولاً، لايمكن لأحد أن يفرض على السوريين رؤيته السياسية، ونحن نملك الاستطاعة والتمييز ولنا تجربة بالعمل السياسي قبل الثورة، وصار لدينا بعد الثورة السورية عمقاً سياسياً أكبر وإدراكاً لديناميكية المنظومة الدولية بشكل أصوب، عدا عن الجيوبوليتك السوري، وتعقيدات التدخلات الخارجية بوطننا، وبالتالي نستطيع رفض الإملاءات التخندقية بكل صلابة موقفية وتبريرات منطقية سياسية.
ثانيا، نرفض زجنا في محاور مُتخيلة، ونرفض توصيف الواقع أنه اضطراري، ليس علينا إلا اختيار أخف الضررين منه، سواء لمحور المقاومة أو محور الصهاينة.
ثالثا، تقف إيران ومحورها المقاوم في جبهة عدائية لشعبنا السوري، ودون مراجعة نقدية منها، ومصالحة حقيقية، وتعويض بعد اعتذار يكون تاريخياً، وكل ذلك بمبادرة من قبل إيران، تكفيراً عن سنوات تدخلاتها الطائفية والإجرامية في سورية، ودون سحب لكافة قواتها وقواعدها وميليشياتها التي ما زالت مصرة على استمرار شحذ سكاكين عدائها على مناطقنا السورية، ودون كل ذلك لايمكن مجرد التفكير في مبادرة منا لفتح صفحة جديدة مع إيران، وقد قدمنا رؤية في دراسة سابقة حملت عنوان: “ايران وخيار تخفيف العداء مع المعارضة السورية”.
رابعاً، ينطلق موقفنا من إسرائيل من سياق تاريخي رافض لها بمنطقتنا كلها، ومن عداء احتلالي للجولان السوري، ومن رغبة بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليكون بوابة سلام حقيقية وحلول مستدامة تتخلص فيها بلادنا من حالة اللا إستقرار التي يستفيد منها المستبدون والأشرار ومجانين الحرب واليمين المتطرف.
خامساً، ننظر للموازنة بين المشروعين بعين وطنية مصلحية واقعية خالصة، وبالتالي نرفض ترجيح أحد المشروعين الإيراني والإسرائيلي، بل، ونعتبرهما بدرجة واحدة من الخطورة، فإيران لا زالت تعربد في بلادنا طولاً وعرضاً، وتدعم مستبد قصر المهاجرين، وإسرائيل تهتك القانون الدولي، وتقتل المدنيين والأبرياء في غزة، وتدمر الحجر والبشر، وتملك القدرة العسكرية والرغائبية على جعل سورية كلها غزة ثانية، مع اشتراك المحورين بدعم نظام بشار الأسد سواء على الأرض كإيران وميليشياتها، أو عبر ضغط رسم خرائط المنطقة كما حصل سنة 2018م حين طلب نتنياهو بقاء بشار الأسد بضمانة روسية وتم له ذلك.
ومن خلال هذه النقاط الخمس نرسم بحرفية ومهنية غاية في الدقة موقفنا الذي يؤصل لمحور ثالث، هو محور رفض الفكر الميليشياوي الذي تدعمه إيران وكامل محورها المقاوم، ورفض تمزيق القوانين الدولية والدوس عليها التي ينتهجها المحور الإسرائيلي.
وموقفنا هذا يقوم على رافعتين:
الأولى: دعم مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، وترسيخ دور الأمم المتحدة وإيقاف العنف ومنعه.
الثانية: العمل على بناء دولة سورية وطنية قوية ديمقراطية لا تسمح لأي كان أن يجرها لمحاور تضاد المصلحة الوطنية السورية وخيار الشعب السوري.
فإن كانت منطقتنا ستسير ولابد تبعاً لإحدى هذين المشروعين، فإننا قررنا أن نختار طريق العقلانية والقانون والإنسانية.. طريقاً لا محيد عنه.
ثالثاً نتمسك به، بل وندعو إليه، ونُبشر به، ونعمل على بلوغه حمايةً لأرضنا وعِرضنا وشعبنا.