المكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالاتوهيبة المصري

الذكاء، ضرورة وحاجة في الثورة السورية

يُعرف الذكاء بأكثر من طريقة، لكنه بالعموم يشمل القدرة على حل المشكلات، وغيرها من التفكير المنطقي، إضافة إلى التكيف مع الواقع والفهم السريع والابتكار و..
ولعل العالم الأمريكي “هوارد غازدنر في كتابه “إطارات العقل ” (Frames of Mind)، سنة 1983 هو أول من طوّر نظرية “الذكاء المتعدد”، حيث جعل الذكاء أنواعاً مختلفة، إذ يستخدم عموم البشر نوعين من الذكاء بشكل عام هما: الذكاء اللغوي، والذكاء الرياضي، وقلة من الناس من يواجهون عسراً باللغة أو الحساب، فالانسان العادي يُعبر عن نفسه باللغة، ويحلل المشاكل عبر الرياضيات.

الباحث في علم التربية (رينو كيميولين) يشير إلى أن “الشخص الذي يكون لديه معدل أقل من المتوسط في أحد هذه الأنواع من الذكاء يصبح منبوذًا من المجتمع، لأنه سيحكم عليه بسرعة بأنه أقل ذكاء وأقل تكيفًا مقارنة بالآخرين”.
كما اختلف الباحثون في الذكاء هل هو أمر مُكتسب أم هو جين وراثي؟.
ولكن يمكن القول أن الذكاء ابن الجينات الذاتية والبيئة إما تُنمّيه أو تُضعفه، كما أن الذكاء سواء قلنا أنه مكتسب أم وراثي فهو قابل للتطور والنمو بالتعلم والاهتمام، وممايجدر الاشارة إليه وجود احصائيات تجعل ثلثي الذكاء سببه وراثي عبر الكروموسوم X وثلثه مكتسب، الأمر الذي يُحيل إلى أن دور جينات الأم أكبر من جينات الأب بتوريث الذكاء للأبناء، لأن جيناتها XX ، بينما جينات الأب XY.
كما تلعب عوامل متعددة في اختلاف نسب الذكاء لدى البشر، منها الوراثة والبيئة المجتمعية والتعليم، كما أنه حتى النظام الغذائي يؤثر على نسبة الذكاء.
علم النفس اليوم استطاع التوصل إلى اختبار نسبة الذكاء، والمعروف بـ اختبار IQ أو intelligence quotient الذي أسسه عالما النفس “جون ليونارد هول”، و “جون كارول”، من خلال نظرية عُرفت باسم “كاتل- هول- كارول” التي كانت تطويراً لنظرية عالم النفس الأمريكي رايموند بيرنارد كاتل، لنكون أمام أنواع عديدة من اختبارات نسبة الذكاء اليوم، من الجيد أن يتعرض لها الإنسان المعاصر، مثل ” اختبارات وودكوك جونسون للقدرات المعرفية) و (اختبارات فحص أنواع الذكاء المختلفة) و (مقياس القدرة التفاضلية) وغيرها، لكن يبقى ( اختبار نسبة الذكاء IQ) الاختبار الأشهر والمعتمد على مستوى العالم.
وقد اتفق العلماء على نسب الذكاء بحسب الهرمية الآتية:
• 140 فما فوق: عبقري.
• 140-120: ذكي جداً.
• 120-110: فوق المتوسط.
• 110-90: متوسط الذكاء.
• 90-80: دون المتوسط.
• 80-70: غبي جداً.
• 70 وما دون: ضعيف العقل.

لكن يمكن القول أن قدراتنا أكبر بكثير من أن نحددها فقط بالذكاء الفكري، والاختبارات المعلوماتية، لهذا اقترح هوارد غازدنر تسعة أنواع للذكاء وبقيت متداولة حاليا، وهي:
1- الذكاء البصري، يتمثل بالقدرة على تصور الأشياء مثل تذكر الطرق.
2- الذكاء اللغوي، حيث يتفاضل الناس بالحديث والخطابة وقص القصص بسببه.
3- الذكاء المنطقي – الرياضي، يتمثل بالقدرة على حل المعادلات الرياضية ومثلها المعضلات الحياتية والسياسية المركبة والمقعدة.
4- الذكاء الجسدي، حيث يتفاضل الناس بسببه بالرياضة والرقص والحركة والحرب.
5- الذكاء الموسيقي.
6- الذكاء العاطفي، فبعض الناس يستطيع التنبؤ بالأشخاص عبر كشف نواياهم الدفينة، ويبرعون بمهارات التواصل ويمكنهم من العمل الجماعي بكفاءة عالية.
7- الذكاء الذاتي، وهو الوعي التام بالحالة النفسية والعاطفية للانسان نفسه، ولعل الفلاسفة والمفكرين هم رواد هذا الذكاء.
8- الذكاء الطبيعي، وهم المتأثرون بالطبيعة والمهتمون بالأرض والنباتات والحيوانات.
9- الذكاء التربوي وهم القادرون على ايصال المعلومة لمن يجهلها.

ما يعيب نظرية أنماط التعلم وأنواع الذكاء هذه، هو عدم وجود الكثير من الأدلة التجريبية التي تثبت تأثيرها في كيفية التعلم، الأمر الذي أوجد علماء يرفضون هذه التصنيفات، ويستدلون على فكرة أنه لا يوجد إنسان مميز عن آخر، ولكنه التطوير الذاتي ومساعدة البيئة فقط.
جاءت لاحقاً عالمة النفس كارول دويك (Carol Dweck) في كتابها “العقلية: السيكولوجية الحديثة للنجاح” (Mindset: The New Psychology of Success) لتجعل نظريتها حول عقلية النمو، التي تقول أنَّ الذكاء لا يأتي بالفطرة، بل هو نتيجة تطوير الشخص لقدراته الأساسية.
لهذا يمكن تنمية الذكاء عبر عدة وسائل من أهمها: التفكير النقدي، والتعلم المستمر مثل تعلم لغات جديدة، وممارسة ألعاب الذكاء كالشطرنج، والأهم وهو مصادقة الأذكياء ومرافقتهم، والابحار في عالم الخيال عبر أحلام اليقظة.

أخيرا..
لم تعتمد ثورتنا حتى يومنا هذا على الاهتمام بأنواع الذكاء لدى القياديين، إذ رغم المشاكل الكثيرة التي نعانيها، يمكن تسليط الضوء على بعض السلبيات لتجاوزها مستقبلا، أو للفت الإنتباه لها.
فالأذكياء العاطفيون يمكنهم أن يقوموا بعمل جماعي ناجح، وعلينا دعمهم ليقودوا دفة العمل الجماعي، والأذكياء الذاتيون يملكون قدرة التفكير المجرد والبحث في الواقع والتنظير الفعال لمشكلاته وإيجاد الحلول لها، والأذكياء التربويون يجب دعمهم ليستلموا دفة العمل الإعلامي والتعليمي لايصال العلم للأجيال الصغيرة، وهكذا..
لهذا فإننا نوصي أن يتم ايلاء أنواع الذكاء البشري عناية خاصة، والاستفادة منه على اعتباره أمراً فريداً تُضيفه الثورة السورية، صحيح أن هذا الحديث قد لا يهتم به البعض، لكننا نرى أنه من الأهمية بمكان ربط العمل السياسي والثوري بعلم النفس، والاستفادة من نظريات الذكاء في فرز القيادات السورية.

وهيبة المصري
المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى