ثلاثية الحلول، وسؤال تقسيم سورية، الحل الأجدى!
أعلنها صراحة المبعوث الدولي إلى سورية “غير بيدرسون” أن مسار الأحداث في سورية لاتقدم فيه، وكان كلامه تحذيريا من عودة الصراع، ولكنه أكد بكل حرف تفوه به أن الوضع السوري في حالة تحجر لا أفق معه لتغلغل أي حل.
إذاً، الحل السياسي مستحيل، هذه هي الكلمة النهائية الحقيقية والقُطبة المخفية بكلامه.
قبل ذلك حاولت جامعة الدول العربية أن تعيد تأهيل بشار الأسد عبر لجنة وزارية ولكنها مالبثت أن أوقفتها لأن الوضع السوري متحجر لا يتغلغل فيه أي حل.
كما وأن تركيا وروسيا وايران حاولوا باتفاقيات سوتشي وأستانة أن يسحبوا البساط من جنيف ومقرراته، ويحاولوا تعويم الأسد أو الوصول إلى تسوية ومصالحة سورية سورية، فاصطدموا بصخرة الجمود السوري.
بينما يسعى لبنان بالزعرنة حيناً، وبالترحيل القسري للسوريين من بلاده حيناً آخر أن يُكرهوا النظام السوري على قبول شعبه، ولكن النظام السوري مُصر على خلق شعب متجانس خاضع لبسطار مخابراته ضمن قياساته الخاصة.
كما وقد سعى وسطاء كثيرون لما أسموه (البيئة الآمنة المحايدة) والانطلاق منها نحو تعافي مبكر يعيد للدولة السورية مركزيتها عبر اقناع بشار الأسد بعمل اصلاحات حقيقية، لكنه غيّر الطرابيش وتلاعب بمصطلحات الحزب الحاكم بدل القائد، وسمى شعبه بالثيران، وجعل جل قياداته الحزبية والأمنية من العلويين!.
وفي مناطق الإدارة الذاتية يتم تسلح قوات سورية الديمقراطية بأحدث أنواع الأسلحة الأمريكية، وتقوم بعمل دستور وقوانين وتجنيد اجباري، ما يجعل تفكيكها صعباً، واطلاق حرب الصيف التركية باتت مقيدة بجبال قنديل والعراق، ولتسحب البساط من تحت أقدام من يتهم الادارة الذاتية بالانفصال ذهبت بخطوة ذكية نحو موافقتها على وثيقة المناطق الثلاثة!.
وأما مناطق الجنوب فهي تنتظر إسقاط حكومة نتنياهو لإعلان صفارة انطلاق المنطقة الآمنة برعاية أردنية أمريكية.
وفي الشمال الغربي تتربع الحكومة المؤقتة وتُثبت أقدامها بمحراث تركي لتبني أساسات قوامها العملة واللغة التركية، والتي ستبقى لعشرات السنين.
أما ادلب، فبات بلد تنظيم القاعدة بنسخته المعدلة، والذي أصبح مع تجربتها بقاءُ أبي محمد الجولاني بالنسبة لأمريكا أهم من بقاء بشار الأسد عند روسيا، فهو الذي استطاع توطين الفكر الجهادي وجعله حبيس حدود ادلب، ليُشغل المجاهدين بالمولات والأموال وتبييضها، ومن يعاند فمصيره مصير جماعة حراس الدين، وهنيئاً له الشهادة في سبيل الدين!، إضافة إلى أن الجولاني يحكم أكثر من مليوني سوري بقوانين حكومة الإنقاذ.
إذاً، فالصورة حالياً على النحو التالي:
- سورية اليوم فيها أربعة مناطق مختلفة، كل منطقة فيها حكومة ولديها قوانين خاصة داخلية.
- لا يوجد حل سياسي يجمع الحكومات الأربعة ضمن حكومة واحدة، فلا تقبل الحكومات وسلطات الأمر الواقع (نظام الأسد وقسد وإنقاذ ومؤقتة) وليس لديها الرغبة في التنازل لبعضها، سواء الحكومات خارج سيطرة النظام السوري فيما بينها، أو الحكومات الثلاثة مع النظام السوري.
- النظام السوري فقط يتفوق بعنصر الاعتراف القانوني به ممثلاً للدولة السورية.
هذه التركيبة الثلاثية تفرض ثلاثة حلول:
الحل الأول: البقاء على هذا الحال، وبما أن الدول المتدخلة الخارجية لن تسمح بخسارة مكتسباتها، وتتفق على إبعاد الصراع والحرب فيما بينها بسورية، فهذا يعني أنه لا يوجد رغبة ولا قدرة ولا سعياً لانتصار طرف على طرف، وبالتالي مع غياب الحل السياسي الكامل سيبقى الوضع على حاله لمرحلة وفاة أو التخلص من بشار الأسد على أقل تقدير، فحتى لو بقي للانتخابات الرئاسية القادمة بعد ثلاث سنوات فلن يتغير شيء بسبب رفض النظام السوري مشاركة السلطة مع الأطراف الثلاثة الأخرى.
الحل الثاني: انتصار طرف من الأطراف سواء النظام السوري أو أي طرف، بما فيها إمكانية اتفاق بين الحكومات خارج سيطرة النظام السوري إذا وافقت على ميثاق المناطق الثلاثة وفعلته مثلاً، حينها ستدخل سورية مرحلة جديدة تتجاوز الحل السياسي نحو ترسيخ حكم جديد سيكون بأدوات مختلفة وتجليات متنوعة.
الحل الثالث: نجاح الأطراف كلها لتكون على سوية واحدة بالاعتراف القانوني، بمعنى أن تكون مسؤولة عن مناطقها كدول قائمة مستقلة، وبالتالي تقسيم سورية لأربع دول مما يسمح بالتغيير الديمغرافي لكل من يريد الانتقال للمكان الذي يراه مناسبا: الإسلاميين إلى ادلب، والعلمانيين إلى شرق سورية، والثوار في الشمال الغربي، والأسديين في باقي المناطق هذا في حال لم تقم الأردن بمساعدة قاعدة التنف بعمل منطقة جنوبية سورية خاصة لتوجد دولة خامسة تدمج العرب والدروز في درعا والسويداء!
السؤال الآن: أي الحلول أفضل؟
بعيداً عن القول بالحل السياسي بما يتوافق مع مقررات جنيف، والذي بات مستحيلاً، هل بقاء الوضع على حاله جيد؟
الجواب: ممكن، والسوريون تعايشوا مع الظرف، ولكن مسألة مهمة ستفرض تحركه، وهي قضية اللاجئيين في الأردن ولبنان وتركيا، وتحرك هذا الملف سيُزحزح -دوليا- بقاء الوضع على حاله، إذ كيف ستُرسل لبنان المعارضين للشمال دون اعتراف بحكومة سوريةٍ أخرى غير حكومة الأسد؟
وأما انتصار طرف على طرف، وهو الحل الثاني، فهذا سيعني تغييراً في الاتفاقيات الدولية وهو احتمال بعيد.
إذاً، لم يبقى إلا الحل الثالث، وهو العمل على تقسيم سورية وجلب اعتراف دولي لكل حكومة أنها تمثل دولة قائمة بذاتها بشعب واحد وجغرافية واحدة وسيادة واحدة، سواء صار لكل دولة اسم خاص، أو بقيت سورية الاسم الجامع، ولكن كل حكومة يتم الاعتراف بها كونفدراليا أو فيدراليا أو بأي فتوى قانونية كانت!.
وفي الختام، يجب أن نُفرق بين الرغبويات والواقعيات، بين الواقع والمتوقع، بين الخيال والحقيقة، بين الأمل والممكن.. لنُبين الآتي:
غالب السوريين يحملون فكرا وهما وطنيا مدنيا ديمقراطيا، وانطلاقا من هذه الرغبة والتوقع والأمل نُرسخ جهودنا الفكرية والسياسية والمدنية والتعليمية.
ولكننا نحتاج لإعادة تقييم للواقع، وبحث في الممكن، حتى نستطيع الموازنة بين الخيارات، فلا الحل الجامد الذي يُبقي الحال السوري كماهو؛ جيد.
ولا نطالب بالتسليح لافوق الطاولة ولا تحتها وعودة المعارك الدموية التي تُزهق أرواح السوريين وتُحملهم مالم يعد بمقدورهم تحمله.
إذاً، حل تقسيم سورية هو الواقع المقرف، والممكن البغيض!
ولعلّ السوريون يعودون لبلدهم، كلٌّ للمنطقة التي يراها، فيتخلصوا من عبودية اللجوء في دول مسحت بكرامتهم الأرض، وليبني كل صاحب رؤية بلده كما يحب ويرى ويريد.
ولكي نتخلص من عقدة الذنب الوطنية، دعونا نأخذ جرعة تاريخية بحدود سورية الحقيقية التي تشمل فلسطين والأردن وبيروت وطرابلس وبعلبك وعكار والجولان ولواء اسكندرون.. كما انسلخت هذه المناطق منذ ١٩٢٠، وتعايشنا، فرب بإمكاننا التعايش مع واقع تقسيم سورية إلى أربعة دول! ولعلنا بذلك ننتقل من مرحلة الهدم إلى مرحلة البناء على ما هو قائم ريثما تأتي ما يخالفه أو يخلُفُه.
وحتى لا نصطدم باستحالة هذا الحل، فلنعبّد له طريقاً (كما في دراستنا هذه).
وأخيراً، إننا في تيار المستقبل السوري سنظل أوفياء لمخيالنا وأملنا الوطني بسورية واحدَةً موحّدة، انطلاقاً من إيماننا العميق أن الشعب السوري واحد، ولكننا في قسم البحوث والدراسات نحاول كسر الجليد والكتابة للتاريخ، وتمهيد الطريق لصناع القرار، ورسم مسار بين المسارات.
جمعة محمد لهيب
المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري