11- الواقع، وفقه الواقع: د. إحسان بعدراني
حين غاب الفقهاء والمحدثون عن الواقع وفقهه، انصبَّ اهتمام كلّ منهم على جانب ثانوي، فالفقهاء مثلاً اهتموا بفروع فقه العبادات وما يتعلق بظواهرها وأشكالها وهيئاتها، والمحدّثون برواية الأحاديث ومسانيدها وما إلى ذلك، وغلب على الفريقين الابتعاد عن الاصطدام بالواقع فقبلوه كما هو، واستفاضوا فيما هم فيه، وآلَ الناسُ إلى أربع فئات:
فئة انعزلت فتصوفت واشتغلت بالرّوح وانشغلت بالتربية والتزكية بالنفس، فوقع بعضها في الابتداع وخوارق العادات. وفئة عايشت الواقع ورضيت به وبما فيه، وما غيّرت منه شيئاً محافظةً على حالها ومكتسباتها. وفئة نقدَت الواقع وما صوَّبت وما كان لها إلا الرّفضُ وسوءُ الظنِّ والشكُّ بالآخر، وفئةٌ رابعة نقدت الواقعَ بالحكمة والموعظة الحسنة، وحاولت الإصلاح والتجديد من منطلقِ قاعدةٍ لها هي حُسنُ الظّنّ مِن حُسنِ الفِطَنِ، والإنسانُ بريءٌ حتّى تثبتَ إدانته، ومع هذا لم يكن لها حظٌّ عند النّاس.
قيل للحسن البصري t /21هـ – ت 110هـ / (لصٌّ مأخوذٌ إلى الحاكم)، قال: (سبحانَ الله، سارقُ السرّ يُسعى به إلى سارق العلنِ!).
يقول الشافعيُّ مشيراً إلى أنّ السُّنة لا تنفكُّ عن فقهِ الواقع: (إن السنة هي فهمُ النبي للقرآن أو نُضجُ فهمه للقرآن، فهو مرتبط به ارتباطاً تاماً في حياته (الواقع)، في ظاهره وباطنه).
قال ابن عقيل في الفنون: (جرى في جواز العمل في السلطة بالسياسة الشرعية، أنّه هو الحَزْمُ، ولا يخلو من القولِ به إمامٌ، فقال شافعيٌّ: لا سياسة إلا ما وافق الشرع، فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناسُ أقربَ إلى الصلاح، وأبعدَ عن الفساد، وإن لم يَضَعْهُ الرسولُ ولا نزلَ به وحيٌ، ومثاله: تحريقُ عثمانَ المصاحفَ، ثم يقول: وهذا موضع مزلَّةِ الأقدام، ومَضَلَّة الأفهامٍ، فرّط فيه طائفة، وجعلوا الشريعة قاصرة، لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها، ثم يقول: ولعمرُ الله إنها لم تُنافِ ما جاء به الرسول وإنْ نافَتْ ما فَهِمُوهُ من شريعته باجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك نوعُ تقصيرٍ في معرفة الشريعة، وتقصيرٍ في معرفةِ الواقعِ، وتنزيلُ أحدِهما على الآخر، فإذا ظهرَتْ أماراتُ العدلِ، وأسفرَ وجهُهُ بأيّ طريقٍ كانَ، فثَمّ شرع الله ودينه، وأيّ طريقٍ استُخرِجَ بها العدلُ والقِسطُ فهي من الدّين، وليست مخالِفَةً لهُ، ثمّ يقول: وهذا رسول الله قد عدل عن أمرٍ بعد أن قام به، حيث أمرَ بكسرِ القدور التي طُبِخَ فيها اللحم الحرام، ثمّ نسَخَ عنهم الكسرَ، وأمرهم بالغسل، وهذا عمر زادَ في الحدّ في شرب الخمر من الأربعين إلى الثمانين، ونفَى فيها.
نقول: بقدر ما نحتاج إلى فقه الواقع، بقدر ما نحتاج إلى فقه الشرع، فهما متلازمان، لا يصلح أحدهما بدون الآخر، وهما متداخلان متكاملان، لا تنفكّ حاجة الأول عن الثاني ولا حاجة الثاني عن الأول.
نحتاج إلى فقه الواقع والشرع لتحقيق مصالح العباد برتبها الثلاث، الضروريّة، والحاجيّة، والتحسينية، ففي فَقْدِ الضروريات اختلالُ نظام الحياةِ، وعموم الفوضى، وضياع المصالح، وفي فَقْدِ الحاجيات وقوع الناس في الحرج والمشقّة والعسرِ، وفي فَقْدِ التَّحسينات خروج الناس عن مقتضى الكمال والتمام الإنساني، وما تستحسنه عقول البشرِ مِن أصحابِ الفطرة السليمة.
الضّرر يُزالُ شرعاً، والضّرر لا يزال بالضّرر، ويُتحمّلُ الضّررُ الخاصّ لدفع الضرر العام، ويُرتكب أخفّ الضررين لاتِّقَاءِ أَشَدِّهِمَا، ودفعُ المضارّ مقدّم على جلب المنافع، والضرورات تبيح المحظورات، والضرورات تقدّر بقدرها، والمشقّة تجلب التيسير، والحرجُ مرفوعٌ شرعاً، والحاجات تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضروريات في إباحة المحظورات، وهكذا …
نعود فنقول: نحتاج إلى فقه الواقع كما نحتاج إلى فقه الشرع لتحقيق مصالح العباد، بعيداً عن الأحلام والخيال، بعيداً عن كلّ شيءٍ لم نُهَيِّئ وسائله وأسبابه، ولا نَقْدِرُ على تحمّله، بعيداً عن السطحية والظاهرية والأمور التنظيرية المجرّدة من الدراسة العلمية الدقيقة، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾. [ سورة النساء: 29]وقال تعالى: ﴿ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [ البقرة: 195].
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) قيل: يا رسول الله، وكيف يُذِلُّ نفسَه؟ قال: (يُحَمِّلُها مِنَ البَلاءِ مَا لا تُطِيْقُ) رواه أبو داوود.
أخبرنا أبو منصور محمد بن المنصوري بإسناده عن عمرو بن العاص قال: (احتلمت في ليلةٍ باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلِكَ، فتيمّمتُ، فصليتُ بأصحابي الصبحَ، فذكرتُ ذلك للنبيّ وأخبرته الذي منعني من الاغتسال وقلت له: سمعتُ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [ سورة النساء: 29]، فضحِكَ رسول الله ولم يقُلْ شيئاً، وهذا هو من فقه الواقع الذي أقرّه صلى الله عليه وسلم.
وعن جابرٍ أن رسول الله خرج إلى مكة عام الفتح، فصام حتى بلغَ “كُراعَ الغميم” – اسم وادٍ – وصام الناسُ معه فقيل له: إن الناسَ قد شقّ عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلتَ، فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعد العصرِ، فشرِبَ، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقال: (أُوْلَئِكَ العُصَاةُ) [رواه مسلم والنسائي والترمذي].
وعن أبي سعيد الخدري قال: سافرنا مع رسول الله إلى مكة، ونحن صيامٌ، قال: فنزلنا منزلاً، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ والفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ) فكانت رخصة، فمنّا من صامَ، ومنّا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال النبي: (إِنَّكُمْ مُصَبِّحُوا عَدُوِّكُمْ، والفِطْرُ أقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا) فكانت عَزْمةً فأفطرنا. [رواه أحمد ومسلم وأبو داود] .
وهذا كله دليلٌ على فِقْهِ الواقع والشّرع في حياة رسول الله.
ولقد أنكرَ النبي يوماً على الثلاثة الذين سألوا عن عبادته التي يؤديها، وكأنهم تَقَالُّوها، ورأوا في أنفسهم نَهْمَاً إلى التعبّد، فقال النبي: (أَمَا إِنِّي أَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَـهُ، أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَصُوْمُ وأُفْطِرُ وأَقُوْمُ وأَنَامُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّيْ)، كما أنكر النبي على عبد الله بن عمرو مبالغته في العبادات، فقال: (إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً – أي في الرّاحة – وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً – أي في النوم – ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً – أي في المعاشرة والمؤانسة – وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً – أي في الإكرام والضيافة -) [رواه البخاري في كتاب الصوم]. وهذا من فِقْهِ الواقعِ والشّرع في حياة رسول الله .
وروى جحيفة قال: آخى رسول الله بين سلمانَ وأبي الدّرداء رضي الله عنهما، فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أمّ الدرداء مُتَبذِّلةً – أي تركت صيانة نفسها – فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوكَ أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً، فقال: كُلْ فإنّي صائمٌ – صيام تَطَوُّع – فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكُل، فأكل، فلمّا كان وقتُ النّوم بعدَ العِشاءِ، ذهب أبو الدرداء يقومُ الليل، قال سلمان: نَمِ الآنَ، فنامَ، فلمّا كان آخر الليل، قال سلمانُ لأبي الدرداء: قُمِ الآن، فصلّيا، فقال له سلمان: إنّ لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ. فأتى أبو الدرداء النبيَّ فذكرَ له ذلك، فقال له: (صَدَقَ سَلْمَانُ) [حديث مرفوع] ..
وهذا من فقه الواقع والشرع في حياة رسول الله وحياة الصحابة الكرام.
وعن أبي سعيد الخدري قال: صنعتُ لرسول الله طعاماً فأتاني هو وأصحابه، فلما وُضِعَ الطعام، قال رجلٌ من القوم: إني صائمٌ – صيام تَطَوُّع – فقال النبي له: (دَعَاكُمْ أَخُوْكُمْ وتَكَلَّفَ لَكُمْ) ثم قال صلى الله عليه وسلم للرجل: (أَفْطِـرْ، وصُمْ يَوماً مَكَانَهُ إِنْ شِئْتَ) [رواه البيهقي والطبراني].
وهذا مِنْ فِقْهِ الواقع والشرع في حياة رسول الله أيضاً وهو القائل: (الصَّائِمُ المُتَطَوِّعُ أَمِيْرُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاْءَ أَفْطَرَ) [حديث صحيح، رواه أحمد والترمذي عن أم هانئ رضي الله عنها].
وعن رجلٍ من باهلةَ أنّه أتى النبيَّ فقال: يا رسول الله، أنا الرّجل الذي جئتك عام الأول، فقال النبي : (فَمَا غَيَّرَكَ وقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الهَيْئَةِ؟!) قال: ما أكلتُ طعاماً إلا بليلٍ منذ فارقتكَ، فقال النبي له: (لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ) ثم قال: (صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمَاً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) قال الرجل: زدني، فإنّ بي قوّةً، قال النبي: (صُمْ يَوْمَيْن) قال: زدني، قال النبي: (صُمْ مِنَ المُحَرَّم وَاتْرُك – كرّرها ثلاثاً – ثُمْ قالَ بأصَابَعِهِ الثَّلاثَة، فَضَمَّهَا، ثُمَّ أَرْسَلَهَا – أشار إليه بصيامِ ثلاثة وفطر ثلاثة أيام – وهكذا) ورسول الله هو القائل: (خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُون) [رواه مسلم عن أبي هريرة]، والقائل: (أحبُّ الأعمال إلى الله ما داوم عليها صاحبها وإن قلَّ) [حديث مرفوع عن عائشة رضي الله تعالى عنها].
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله: (لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَقُوْمُ اللّيلَ وتَصُوْمُ النَّهارَ)، قال: قلتُ: نعم يا رسول الله، فقال النبي: (فَصُمْ وأَفْطِرْ ، وصَلِّ ونَمْ)، يقول الصحابيُّ: فَشدَّدْتُ، فَشدَّدَ عليّ، فقلتُ: يا رسول الله إنّي أكثر قوّة، فقال النبي: (فَصُمْ من كُلّ جُمُعَةٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) فَشَدَّدْتُ، فقال النبي: (صُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللهِ دَاودَ، ولا تَزِدْ عَلَيْهِ)، قال: وما صيامه يا رسول الله؟ قال النبي: (كَانَ يَصُوْمُ يَومَاً ويُفْطِرُ يَوْمَاً) [رواه أحمد]. وهذا من فِقْهِ الواقعِ والشَّرْعِ معاً، قال تعالى:﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [ سورة التغابن: 16]. وقال رسول الله: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتَاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِيْ مُعَلِّمَاً مُيَسِّرَاً). [رواه مسلم].
إِنّه اليُسْرُ مِنْ خَصَائصِ مِنهاجِ كتابِ الله وسُنّةِ رسوله، فليس في القرآن ولا في السُّنّة ولا في السّيرة النبوية ما يُحمّل الناس فوق طاقتهم في دينهم، أو يُرهِقُهم في دنياهم، فالقرآن هدىً ورحمة من الله، والنّبوة رحمةٌ مهداةٌ للعالمين منه سبحانه، قــال صلى الله عليه وسلم: (مَا شَادَّ الدّينَ أَحَدٌ إلا غَلَبَهُ). وقال: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ ، كَمَا يكرَهُ أَنْ تُؤتَى مَعصِيتهِ)، وفي رواية: (كَمَا يُحبُّ أَنْ تُؤتَى عزائِمُهُِ)، قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [ البقرة: 185].
أخيراً: أَمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه في مكة وهم يلقون أشكال الأذى والظلم:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [ سورة النساء: 77]، إلى أن نزلت الآيات الكريمة في المدينة بعد الهجرة: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ (39) ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) ) [الحج : 39-40] .
حاجتنا اليوم: إلى فقه الواقع وفقه الشرع مُقيَّداً بكتاب الله وسُنّة رسوله، مُعتمِداً على العقل، مستنداً إلى العلم، مترجماً بالعمل، بعيداً عن المراء والجدل المذمومين، بعيداً عن الخلافات السياسية والإشكالات التاريخية، والمصالح الذاتية الشخصية، بعيداً عن الأهواء والشهوات التي فرّقت الأمة، وبدّدت قوتها، وأفرزت طوائفها وفِرَقَها وتكتّلاتها.
حاجتنا إلى فقه الواقع وفقه الشرع معاً لأنّهما وجهان لعملة واحدة، لا يقوم أحدهما إلا بقيام الآخر.