الشيخ الدكتور إحسان بعدرانيالمكتب الدينيالمكتب العلميحاجتنا إلى فقهٍ جديددراساتدراسات دينيةسلسلة القراءة المطلوبة (6)قسم البحوث و الدراسات

4- التجديد وفقه التجديد (1): د. إحسان بعدراني

قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمّة على رَأْسِ كُلِّ مائةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِيْنَهَا } رواه أبو داود والحاكم وصححه غير واحد عن أبي هريرة.

يقرأ بعضُنا هذا الخبر عن رسول الله فيفهَمُ منه معنى التجديد، ويَفهمُ من التَّجديدِ تَغييرَ الدّين ليُلائم الزّمن! فتجده يقول: الدّين لا يُجدَّدُ! الدين ثابتٌ لا يتغيّر، ليست مهمّة الدِّين أن يلائم التطور، إنما مهمة التطور أن يلائم الدين! ثم يقول : إنّ زَعم تجديد الدّين يعني أنّنا في كلّ عصرٍ نُخرجُ منه طبعةً جديدةً منقّحةً ومَزيدةً لمبادئه وتعاليمه، تُساير حاجات النّاس، وتواكب التطوّر، وهذا قلبٌ للحقائق، فلنرفض الخبر الذي يقول هذا.

والجواب: أنّ ما قيل صحيحٌ، (لو) كان المراد بالتّجديد ما فسّره هو به، وما فهمه! وأنّ التّجديد لا يعني إلا تلبية الأهواء بعيداً عن الثوابت، وتلاعباً بالأحكام.

لكن التّجديد المراد، هو تجديدُ الفهم للدِّين والعمل به، فالتّجديد لشيءٍ ما، هو محاولةُ العودة به إلى ما كان عليه يومَ نشأ، مِن حيوية ونشاطٍ، وعطاءٍ وعملٍ، بحيث يبدو مع قِدَمِهِ كأنَّه جديدٌ، بتقويةِ ما أوهى الإنسانُ منه، والعمل بما ابتُعِدَ عنه، فيكونَ أقرب إلى صورته الأولى، وهذا ما ذهب إليه كثيرٌ من العلماء والمفكرين والكُتّاب الإسلاميين.

إذاً التّجديد ليس معناه تغيير طبيعة القديمِ، أو الاستعاضة عنه بشيءٍ آخر مستحدَثٍ مُبتكر، فهذا ليس من التّجديد في شيء.

ولفظ التّجديد، تعبيرٌ نبويٌّ، حتى ذهب أغلب شُرّاح الحديث إلى أن لفظ ( مَنْ ) في قوله النبي صلى الله عليه وسلم: ”إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمّة على رَأْسِ كُلِّ مائةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِيْنَهَا“ يعني فرداً واحداً مُعَيّناً يقوم بتجديد الدِّين، وحاول هؤلاء تعيينه في الغالب من العلماء والأئمة الأعلام مِمَّن كان في رأسِ قرنٍ مضى، مثلَ: عمر بن عبد العزيز في القرن الأول (توفي 101 هجري)، والشافعيّ في القرن الثاني (توفي 204 هجري)، واختلفوا في مجدّد القرن الثالث.

غير أن بعضهم نظر إلى أنّ لفظَ ( مَنْ ) في الحديث يصلحُ للجمع من الأفراد، كما يصلح للفرد، فيجوز أن يكون المُجَدِّدُ جماعةً لا واحداً، وهذا ما رجَّحَهُ ابن الأثير في كتابه ( جامع الأصول )، والحافظ الذهبيّ وغيرهما، وقد تكون الجماعةُ اليومَ (مَركَزَ بحثٍ) يقوم أعضاؤهُ بتجديدِ الدّين في كلِّ قرنٍ دون تقوقعٍ أو تحلُّلٍ، ودون إفراطٍ أو تفريطٍ، في الوقت الذي كان الرَّجل الواحدُ في الماضي يُمثّلُ مركزَ بحثٍ يقوم أعضاؤهُ بتجديدِ الدّين في كلِّ قرنٍ دون تقوقعٍ أو تحلُّلٍ، ودون إفراطٍ أو تفريطٍ، في الوقت الذي كان الرَّجل الواحدُ في الماضي يُمثّلُ مركزَ بحثٍ كالإمام جعفر الصادق، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى