استقرار سورية، مصلحةٌ عربية وإقليمية
مقدمة:
شهدت العلاقة بين سورية والدول العربية تقلبات كبيرة وتأثيرات سلبية متعددة خلال عهد الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد المخلوع.
ففي عهد حافظ الأسد، كانت العلاقات مع الدول العربية متوترة في بعض الأحيان، خاصة مع الدول التي كانت تتبنى سياسات مختلفة أو متعارضة مع سياسات سورية.
وعلى سبيل المثال، كانت هناك توترات مع العراق خلال فترة حكم صدام حسين، ومع الأردن في بعض الفترات. ومع ذلك، حافظت سورية على علاقات قوية مع بعض الدول العربية الأخرى، مثل مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ومع السعودية في بعض الفترات.
أما في عهد الهارب المخلوع بشار الأسد، فقد ازدادت التوترات بشكل كبير بُعيد اندلاع الثورة السورية في عام 2011م، فالعديد من الدول العربية، وخاصة دول الخليج، اتخذت مواقف معارضة للنظام السوري ودعمت المعارضة السورية.
أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية وتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية.
ثم شكلت الأزمة في البلاد صورة سلبية رسمت الملامح بين سورية مع الدول العربية من نواحٍ متعددة هي:
- تدفق ملايين اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا، ما شكل ضغطًا كبيرًا على الموارد والبنية التحتية في تلك الدول.
- تصاعد التوترات الأمنية في المنطقة بسبب انتشار الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي استفادت من الفوضى في سورية.
- تأثر الاقتصادات العربية بشكل سلبي نتيجة للاضطرابات في سورية خاصة في الدول التي كانت تعتمد على التجارة مع سورية أو التي تأثرت بتدفق اللاجئين.
تأثير التأزم السوري على الدول العربية:
أثرت الأزمة السورية التي اندلعت في عام 2011م بشكل كبير على الدول العربية، وخاصة دول الخليج، من عدة نواحٍ سياسية وأمنية واستراتيجية وغير ذلك.
أما سياسيًا فتتمثل بـ :
- تدهور العلاقات الدبلوماسية: فالعديد من الدول الخليجية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سورية ودعمت المعارضة السورية، ما أدى إلى توترات سياسية في المنطقة.
- تأثير على السياسات الداخلية: أثرت الأزمة السورية على السياسات الداخلية للدول الخليجية، حيث زادت من الضغوط على الحكومات لاتخاذ مواقف حازمة تجاه النظام السوري، مما أثر على استقرارها الداخلي.
وأما أمنيًا:
- انتشار الإرهاب: حيث ساهمت الأزمة السورية وسياسات بشار الأسد الإجرامية في انتشار الجماعات الإرهابية مثل داعش، والتي استهدفت دول الخليج ونفذت هجمات إرهابية فيها.
- تدفق اللاجئين: خصوصا إلى الدول المجاورة، بما في ذلك بعض دول الخليج، مما شكل تحديات أمنية كبيرة، حيث كان من الصعب التحقق من خلفيات جميع اللاجئين وفيما إذا كانوا مثلا عملاء لمخابرات النظام يتبعون أجندات مهمات سلبية في الخارج.
- تزايد التوترات الطائفية: فقد زادت التوترات الطائفية في المنطقة، خاصة بين السنة والشيعة، وكان هذا التوتر ينعكس على دول الخليج خاصة والدول العربية عموما، والتي تضم مجتمعات متنوعة طائفياً، مما أدى إلى زيادة التوترات الداخلية والخارجية.
وأما التأثيرات الاستراتيجية فتكمن بـ:
- نفوذ إيران وروسيا الذي تمدد في سورية، مما أثار قلق دول الخليج التي تعتبر إيران منافسًا إقليميًا رئيسيًا، وهذا التغير في التوازن أدى إلى زيادة التوترات الإقليمية وتصاعد المنافسة بين القوى الإقليمية.
- التدخلات العسكرية، حيث إن بعض دول الخليج شاركت في التحالفات العسكرية في سورية مما أدى إلى استنزاف مواردها وزيادة التوترات الإقليمية، وهذه التدخلات كانت جزءًا من محاولات دول الخليج للحد من نفوذ إيران في سورية والمنطقة بشكل عام.
- التأثير على السياسات الخارجية: أثرت الأزمة السورية على سياسات دول الخليج الخارجية، حيث اضطرت هذه الدول إلى إعادة تقييم علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية، وهذا التأثير شمل تعزيز العلاقات مع بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، وزيادة التعاون الأمني والعسكري معها.
المصلحة العربية بالاستقرار:
تفترض هذه الورقة أن استقرار سورية سياسياً واقتصادياً سيكون له تأثيرات إيجابية كبيرة على الدول العربية، وخاصة دول الخليج، من نواحٍ استراتيجية وأمنية واقتصادية، ولعل أهم هذه المصالح ما يأتي:
أ. المصالح الاستراتيجية:
- تعزيز الاستقرار الإقليمي: فاستقرار سورية سيساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة بشكل عام، مما يقلل من التوترات الإقليمية ويحد من التدخلات الخارجية.
- توازن القوى: فاستقرار سورية أيضا يمكن أن يعيد توازن القوى في المنطقة، مما يقلل من النفوذ الإيراني والروسي ويعزز من دور الدول العربية في الشؤون الإقليمية.
ب. المصالح الأمنية:
- مكافحة الإرهاب: فمن المرجح جدا أن استقرار سورية سيساهم في القضاء على الجماعات الإرهابية التي استفادت من الفوضى في البلاد، مما يعزز الأمن في دول الخليج ويقلل من التهديدات الإرهابية.
- الحد من تدفق اللاجئين: فاستقرار سورية أيضاً من المتوقع أنه سيقلل من تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة، مما يخفف الضغط على الموارد الأمنية والبنية التحتية في هذه الدول.
جـ. المصالح الاقتصادية:
- إعادة الإعمار: سيفتح استقرار سورية الباب أمام فرص اقتصادية كبيرة في مجال إعادة الإعمار، حيث يمكن لدول الخليج الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والإسكان والطاقة، مما يعزز من اقتصاداتها.
- التجارة والاستثمار: استقرار سورية سيعيد فتح الطرق التجارية ويعزز من حركة التجارة بين الدول العربية، مما يساهم في نمو الاقتصادات الإقليمية.
د. المصالح الاجتماعية:
- تحسين الأوضاع الإنسانية: من المرجح جدا أن استقرار سورية سيساهم في تحسين الأوضاع الإنسانية في البلاد، مما يقلل من الضغوط على الدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين.
- تعزيز التعاون الثقافي: استقرار سورية يمكن أن يعزز من التعاون الثقافي والتعليمي بين الدول العربية، مما يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية في المنطقة.
هـ. التأثيرات الجيوسياسية:
- تقليل النفوذ الإيراني: رحيل نظام الأسد يمكن أن يقلل من النفوذ الإيراني في سورية، مما يعزز من توازن القوى في المنطقة لصالح الدول العربية.
- تعزيز التحالفات الإقليمية: استقرار سورية يمكن أن يعزز أيضا من التحالفات الإقليمية بين الدول العربية، مما يساهم في تقوية الموقف العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
- إعادة تموضع القوى الدولية: استقرار سورية قد يؤدي إلى إعادة تموضع القوى الدولية في المنطقة، مما يفتح المجال أمام الدول العربية لتعزيز دورها وتأثيرها في الشؤون الإقليمية.
و. المصالح البيئية:
- تحسين إدارة الموارد الطبيعية: فاستقرار سورية يمكن أن يساهم في تحسين إدارة الموارد الطبيعية مثل المياه والزراعة، مما يعزز من الأمن الغذائي في المنطقة ويقلل من التوترات البيئية.
- التعاون في مجال الطاقة: استقرار سورية سيفتح الباب أمام مشاريع تعاون إقليمي في مجال الطاقة، مثل خطوط الأنابيب ومشاريع الطاقة المتجددة، مما يعزز من أمن الطاقة في الدول العربية.
ز. المصالح الثقافية والتعليمية:
- تعزيز التبادل الثقافي: استقرار سورية يمكن أن يعزز من التبادل الثقافي والفني بين الدول العربية، مما يساهم في تعزيز الهوية الثقافية المشتركة وزيادة التفاهم بين الشعوب.
- التعاون الأكاديمي: استقرار سورية يمكن أن يفتح المجال أمام التعاون الأكاديمي والبحثي بين الجامعات والمؤسسات التعليمية في الدول العربية، مما يعزز من جودة التعليم والبحث العلمي في المنطقة.
حـ. المصالح الصحية:
- تحسين الأوضاع الصحية: يساهم استقرار سورية في تحسين الأوضاع الصحية في البلاد، مما يقلل من انتشار الأمراض والأوبئة التي قد تنتقل إلى الدول المجاورة.
- التعاون في مجال الرعاية الصحية: استقرار سورية يمكن أن يعزز من التعاون في مجال الرعاية الصحية بين الدول العربية، مما يساهم في تحسين الخدمات الصحية وتبادل الخبرات الطبية.
ط. المصالح الاجتماعية:
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي: استقرار سورية يمكن أن يساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي في المنطقة، مما يقلل من النزاعات الداخلية ويعزز من التماسك الاجتماعي.
- تحسين أوضاع اللاجئين: استقرار سورية يمكن أن يساهم في تحسين أوضاع اللاجئين السوريين، مما يقلل من الضغوط على الدول المستضيفة ويعزز من فرص عودتهم إلى ديارهم.
خاتمة:
يتضح مما سبق أن استقرار سورية سياسيًا واقتصاديًا يمثل مصلحة استراتيجية للدول العربية، وخاصة الخليجية، حيث يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي، ويحد من تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، كما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم سورية في تحقيق الاستقرار يعزز من مكانة الدول الخليجية كلاعبين رئيسيين في الساحة الدولية، ويعكس التزامها بمبادئ التضامن العربي والعمل المشترك لتحقيق التنمية المستدامة والسلام في المنطقة.
إذاً، فإن الاستثمار في استقرار سورية ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا للمنطقة بأسرها.
لهذا فإننا في المكتب السياسي لـ تيار المستقبل السوري ولتعزيز الاستقرار في سورية، يوصي بما يأتي:
أ. التوصيات السياسية:
- دعم جهود الأمم المتحدة والمبادرات الدولية لتحقيق حل سياسي شامل في سورية يستند إلى قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تدعو إلى وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
- تشجيع الحوار بين جميع الأطراف السورية، لضمان تمثيل جميع الفئات في العملية السياسية وتحقيق توافق وطني.
ب. التوصيات الاقتصادية:
- تقديم الدعم المالي والفني لمشاريع إعادة الإعمار في سورية، بما في ذلك البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مما يساهم في تحسين الظروف المعيشية للسوريين.
- تشجيع الشركات الخليجية على الاستثمار في سورية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والزراعة والصناعة، مما يعزز من النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل للسوريين.
جـ. التوصيات الأمنية:
- تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول العربية لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تستغل الفوضى في سورية، وتقديم الدعم للقوات المحلية في جهودها لمكافحة الإرهاب.
- تعزيز أمن الحدود لمنع تسلل الإرهابيين والأسلحة، وتقديم الدعم للدول المجاورة لسورية في جهودها لضبط الحدود.
د. التوصيات الاجتماعية:
- تقديم الدعم الإنساني للاجئين السوريين في الدول المجاورة، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية لهم، مع تشجيع العودة الطوعية للاجئين إلى ديارهم عند توفر الظروف الملائمة.
- دعم برامج التعليم والتدريب المهني للشباب السوري، مما يساعدهم على اكتساب المهارات اللازمة للمساهمة في إعادة بناء بلدهم وتحقيق التنمية المستدامة.
هـ. التوصيات الثقافية:
- تشجيع التبادل الثقافي والفني بين الدول العربية وسورية، مما يساهم في تعزيز الهوية الثقافية المشتركة وزيادة التفاهم بين الشعوب.
- دعم وسائل الإعلام المستقلة في سورية لتعزيز حرية التعبير وتوفير معلومات دقيقة وموثوقة للسوريين.
في الختام، سيُكوِّن سقوط نظام بشار الأسد مرحلة جديدة للمنطقة العربية كلها وليس لسورية فقط، وبالتالي فجميع الملفات التي أرقت المنطقة والتي كانت بيد الأسد (وعلى رأسها دعم محور المقاومة والتحكم بالجماعات الارهابية) سيكون بوابةً لربط أمن المنطقة كلها واستقرارها بأمن واستقرار سورية.
المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري
المرجع:
- دراسة حول الأزمة السورية2011-2022) والصراع الإقليمي والدولي في ….
- ماهي مواقف الدول الخليجية تجاه الأحداث المتلاحقة في سوريا؟.
- [بناء الدولة السورية.. هل هناك ضرورة لدعم عربي؟]
- [انعكاسات الأزمة السورية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية]
- [مستقبل سوريا بعد الأسد.. الدور العربي والتأثيرات الإقليمية]
- سوريا: ما هي ردود فعل العواصم العربية على انهيار نظام الأسد؟.
- [دول الخليج والأزمة السورية: مستويات التحرك وحصيلة المواقف]
- الخليج والقرن الأفريقي: الاستثمار في الأمن – Middle East Council on ….
- التحديات الاستراتيجية والبيئة الأمنية في منطقة الخليج العربي وأثرها على ….
- الأمن الخليجي: مصادر التهديد واستراتيجية الحماية.
- [الأزمة السورية وتداعياتها على الأمن القومي العربي]