المكتب السياسيالمكتب العلميجمعة محمد لهيبدراساتدراسات سياسيةقسم البحوث و الدراسات

المعارضة السورية حلاً لتأزم الأسد

مقدمة:

انتهت (سكرة) مزاعم الانتصارات لمحور الأسد, لتقفز (الفكرة) الواقعية بأن هذا الانتصار للأسد لم يُنهي إلا سنوات التغافل عن التدهور الشامل للنظام السوري, من زعيم الكبتاغون بالعالم[1], إلى أن يكون نظام الأسد من أكثر الأنظمة محاصرة بالعقوبات بالعالم[2], ليُصبح هذا المُنتشي بزهوة انتصاره مُكبلاً بملفات معقدة تجعل الاقتراب منه خطراً, في هذه الورقة أحاول تقديم قراءة موضوعية للفرصة الثمينة التركية المرمية أمام عتبة النظام السوري, من خلال افتراض دور انقاذي للنظام السوري من خلال مصالحته مع المعارضة السورية, عبر منهج وصفي تحليلي, مُتجاوزاً الرغبوية والانحياز, لأحاجج عن الفرضية بعقلية باردة.

توصيف:

يمكن من خلال مناظير ثلاثة توصيف الواقع السوري أمام نظام الأسد:

1- المنظار الداخلي: فشِل النظام السوري ببسط السيادة على أكثر من ربع مساحة سورية, في حالة من التناسي لهذا الانفصال الذي بات شبه طبيعي:

– مناطق شرق الفرات والتي تصل إلى مانسبته ” 25.64% من الجغرافيا السورية، وهي النسبة التي تم تسجيلها منذ نوفمبر 2019. تشمل مناطق السيطرة أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب عام 2023″[3] , وهذه المناطق تستولي عليها (قوات سوريا الديمقراطية) والتي ” تقع تحت سيطرتها أبرز حقول النفط السورية.. وتنتشر قوات أميركية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في قواعد عدة بمناطق سيطرة الأكراد. كما توجد في جنوب سوريا في قاعدة التنف التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية إستراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق”[4].

هذه المناطق التي تُسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمدعومة من التحالف الدولي والمرعية من الولايات المتحدة الأمريكية, لدرجة أن لوبي قسد أصبح متواجدا منذ أربع سنوات عندما بدأت (قسد) بصناعة لوبي لها في أمريكا لحمايتها من تركيا ومن تبعات قانون قيصر[5], كما أن ملامح المنطقة تقوم على ثلاثية (التعليم, القوة, التنظيم).

أما التعليم فقد ” شرعت الإدارة الذاتية في فرض مناهجها التعليمية في مناطق شمال شرقي سورية، منذ العام الدراسي 2014 – 2015، درّبت نحو 600 مدرس عام 2017 على تدريس مناهجها في المدارس التابعة لها، ثم أغلقت.. المدارس والمعاهد الخاصة التي تدرس مناهج النظام السوري”[6], حيث ” تضمنت مناهج “قسد” أفكاراً حول “الدولة الكردية” وحدودها، وضرورة القتال لإقامتها بين سوريا والعراق وإيران وتركيا، باعتبارها حلم الشعب الكردي ويجب القتال لتحقيقه، إضافة إلى ذلك احتوت المناهج على أفكار وأقوال للزعيم الكردي عبد الله أوجلان، بينما أفردت المناهج مساحات واسعة للحديث عن الزعماء الكرد، في إشارة إلى ضرورة تخلي أبناء الشمال الشرقي من سوريا عن وطنهم، وزرع أفكار جديدة تناسب العقيدة الكردية الانفصالية”[7].

أما القوة فقد ” بلغ تعداد هذه القوات نحو 45 ألف مقاتل على أقل تقدير، أكثر من نصفهم من العرب حسب بيان لوزارة الدفاع الامريكية”[8] بتصريح سابق يجعل تطور القوة العسكرية اليوم أكثر توسعاً.

أما التنظيم, فقد انطلقت بعيداً في العام الماضي عندما ” أصدر المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التابع لقوت سوريا الديمقراطية “قسد”.. نسخة العقد الاجتماعي المعدل باسم (العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا), وذلك في خطوة مشابهة للصيغة المعتمدة بتوصيف كردستان العراق بـ (إقليم كردستان), واحتوى العقد الجديد المعدل على أربعة أبواب بـ 134 مادة، الباب الأولى يتحدث عن المبادئ الأساسية بـ 36 مادة. والباب الثاني من العقد يتحدث عن الحقوق والحريات الأساسية والباب الثالث عن النظام المجتمعي. أما الباب الرابع فاحتوى أحكاماً عامة”[9].

وقد فصّلتُ في بحث سابق تركيبة وبنية قوات سوريا الديمقراطية التاريخية والراهنة[10].

– مناطق غربي الفرات, والتي تمتد “على شريط حدودي يمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مرورا بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز.. ومنطقة حدودية منفصلة بطول 120 كيلومترا بين مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين”[11]. حيث تستولي على هذه المنطقة المعارضة الشرعية المتمثلة بالائتلاف الوطني والمدعومة من تركيا, لتقوم على ثلاثية (التتريك, السوق المفتوح, تجميع الثوار).

أما التتريك, فحيث تعتبر تركيا نفسها صاحبة الفضل في الحفاظ على مايتجاوز الـ 8800 كيلومتر مربع بيد المعارضة, وذلك لقيام تركيا بثلاث عمليات عسكرية (غصن الزيتون, ودرع الفرات, ونبع السلام), وبسبب ذلك توسع الحضور التركي ليصبح من أبرزملامح المنطقة “ترسيخُ تعليم اللغة وفق مناهج تركية طبعت الملايين من نسخ الكتب لتلك الغاية، وطباعة وثائق شخصية جديدة تحمل العلم التركي، مع تداول الليرة التركية إلى جانب العمليات الأجنبية الأخرى.[12]

هذا عدا عن رفع العلم التركي في كامل المنطقة تقريبا, حتى على المقار الحكومية للمعارضة, إضافة إلى تعيين الضباط وترقيتهم من قبل الأتراك أنفسهم![13].

وأما السوق المفتوح, والذي يمر عبر تركيا التي تسمح بتصدير أي مواد من الداخل السوري إلى خارج تركيا عبرها, ليتجاوز في بعض الأحيان التبادل التجاري بين الشمال السوري وتركيا الـ 700 مليون دولار[14], دون عوائق أو عقوبات سياسية أو اقتصادية, إضافة لوجود كتلة نقدية أجنبية متاحة من العملات الأجنبية على رأسها الدولار والتي يعتبرها النظام السوري رئة اقتصادية لإدخال الدولار لمناطقه بعد قطع الرئة اللبنانية بسبب أزمة المصارف, ولهذا نجد تقارير كثيرة تحدثت عن سعي النظام السوري إلى استنزاف الدولار من الشمال السوري بشكل أو بآخر[15].

وأما تجميع الثوار فمن خلال احتضان رافضي الأسد ونظامه, ورافضي الجماعات الراديكالية وقوات سوريا الديمقراطية, وذلك عبر احتواءهم تمثيليا وعسكريا.

– منطقة إدلب,  والتي تستولي عليها هيئة تحرير الشام, حيث ” باتت اليوم تسيطر على نحو نصف محافظة إدلب شمال غربي البلاد وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية, وتوجد في المنطقة أيضاً فصائل مسلحة أقل نفوذاً فضلاً عن مجموعات متشددة أخرى تراجعت قوتها تدريجاً مثل “الحزب الإسلامي التركستاني” الذي يضم مسلحين من الأويغور”[16]. هذه الجماعات السلفية والراديكالية, والتي تحظى برعاية وجودية لها كما يبدو, لسبب واحد, وهو (توطين السلفية الجهادية”إيقاف عالميتها”), مما يعني ارتباط ادلب بملفات دولية قد يجعلها عصية على أي تفكك, إذ إن انفراط عقد  (الكيان السني) الذي هندس علاقاته “أحمد موفق زيدان، المدير السابق لمكتب قناة «الجزيرة» في باكستان، والمدافع الشرس عن مشروع «الكيان السنّي» الذي تقوده «الهيئة» حالياً”[17], قد يزيد البيئة الحاضنة للجهادية العالمية, مما يجعلها تسيح في الغرب بشكل أكبر, ليكون عامل خطر جديد قد يعيد تجربة 11 سبتمبر.

وتقوم منطقة ادلب على (الحوكمة الشديدة, وترسيخ العصبية الدينية بديلا عن التمثيل الشعبي).

أما الحوكمة الشديدة, فقد “اعتمدت حكومة الإنقاذ على مفهوم الإدارة المركزية في إدارة الحكومة والمجتمع، وكان من أبرز ما فعلته لتمكين حكمها:

  • سحب كل الصلاحيات من المجالس المحلية ونقلها إلى الوزارات المختصة.
  • تسليم ملف الإغاثة إلى وزارة التنمية بعد أن كان من اختصاص المجالس المحلية
  • تسليم وزارة الإدارة المحلية ملف رخص الأبنية.
  • ضعف تمثيل المجالس على الصعيد المحلي وتعيينه من قبل وزارة الإدارة المحلية.

كما حاولت الحكومة بالتعاون مع الهيئة تمكين حكمها مجتمعيا من خلال خطوات عديدة منها:

  • إنشاء المشاريع الإستراتيجية مثل المدينة الصناعية وتنظيم الاتصالات والمياه.
  • استحدثت الهيئة جهازا باسم “الإدارة العامة للحواجز” ينتشر عناصره في مناطق سيطرتها.
  • إصلاح بعض الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي وتقديم القروض الزراعية.
  • منع انتشار السلاح والمظاهر المسلحة، وتنظيم العسكر عبر ألوية، وإنشاء كلية عسكرية.
  • ضبط فرق العمل ومنظمات المجتمع المدني واستخراج التراخيص لمزاولة العمل”[18].

وأما ترسيخ العصبية الدينية, فمن خلال ترسيخ الكيان السني, وجعله جاذباً لرؤوس الأموال.

2- المنظار الثاني: القوات الأجنبية, وتنقسم إلى ثلاثة  أنواع:

النوع الأول: حلفاء النظام, الذين أصبحوا عبئا على النظام نفسه بسببين:

– امتنناهم أنهم سبب بقاءه, وهذا ما يؤكده الايرانيون  دائماً مثل عضو مجمع مصلحة النظام في إيران، علي آغا محمدي، الذي أعلن بأن القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين همداني هو من منع بشار الأسد من الانسحاب ومغادرة سورية والهزيمة[19]، وأما روسيا فبعد حالة من تقاذف الجدال الديبلوماسي استتبع سفير روسيا لدى النظام السوري، ألكسندر يفيموف، بعد صمتٍ دام أكثر من شهر على بدء الحملة الإعلامية الروسية على الأسد سنة 2020، ليؤكد أن “الإشاعات والتلميحات” حول وجود خلافات بين روسيا والنظام “ليس لها أي أساس”[20].

– ترسيخ نفوذهم عبر الاستيلاء على مكاسب الدولة السورية من خلال عقد الاتفاقيات, وتمتين مواقعهم العسكرية وطرقهم الاستراتيجية[21].

النوع الثاني: القوات التركية التي تستفيد من شرعيتين: شرعية المعارضة السورية, وشرعية اتفاقية أضنة التي تسعى تركيا لتعديلها بما يناسب تمددها واستدامته.

النوع الثالث: قوات التحالف الدولي, الخارجة عن أي إرادة سورية, إلا اتفاقا دوليا على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”[22].

3- المنظار الثالث: العلاقة الخارجية, حاول النظام السوري العمل على فتح علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي رغم كل التناقضات التي يغرق بها, فحاول تفعيل مشاريع إعادة الإعمار, ولمّا فشل[23] حاول بمشاريع التعافي المبكر ” لأنه سيؤدي إلى ترسيخِ قوة الأطراف المُتـحاربة على الأرض _وخاصَّةً النظام_ ويُقـلِّل من فرص إيجاد حلٍّ سياسيٍّ مُسـتَدام. كذلك ستَستـفيدُ دمشق بشكلٍ غير مباشرٍ؛ حيث ستُفسِّر الدولُ الراميةُ إلى تَطبيع العلاقات مع النظام تخفيفَ القيود المَفروضة على التعافي المبكر ــ على أنه علامةٌ أخرى على تخفيف حدةِ الاعتراضات الغربِـيَّة على التَّـطبيع”[24], ولكنه لم ينجح حتى الآن بسبب العقوبات الغربية.

عربيا, لم يستطع النظام السورية التماهي مع مطالب الجامعة العربية, التي سعت لتطبيق (مايتماشى) مع مقررات جنيف خصوصا القرار 2254 القاضي بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات, عبر مبادرة الخطوة بخطوة[25], التي أصبحت مع وقف التنفيذ بعد عقد اللجنة الوزارية العربية المصطدمة بتعنت الأسد الرافض لأي نوع من إشراك المعارضة السورية معه بالسلطة, أو حتى إعادة اللاجئين دون البدء بمشاريع التعافي المبكر, والمصطدمة بدورها بالعقوبات الغربية.

لقد أصبح النظام السوري غارقا في مستنقع مُعقّد الطبقات ومُرّكب البنية, مايجعل تعقيده مانعاً من وجود حل إنقاذي رغم كل الأيادي الممتدة له, ليخرج أمامه الحل السحري الوحيد, والمُتمثل بقارب المعارضة السورية نفسها عدوته اللدودة!.

المعارضة السورية دور وأوراق:

– يلعب في المسرح السوري السياسي أربعة أطراف: النظام السوري, قوات سوريا الديمقراطية, هيئة تحرير الشام, المعارضة الشرعية.

تلعب قوات سوريا الديمقراطية دوراً فاعلاً ضمن بنية التحالف الدولي, ولكنها تفتقر للاعتراف الدولي كطرف سوري يجلس على طاولة التفاوض مع النظام السوري للوصول لتسوية وطنية, في حالة من التجاهل أو الاستسهال لدورها أو فقدان الداعم لها دوليا.

وأما هيئة تحرير الشام, فهي تتنازل طوعا عن الخوض في أي دور سياسي تحت رعاية المجتمع الدولي, سواء بسبب بُنيتها الأيدلوجية الرافضة للحل السياسي, أو بسبب وضعها على لوائح الإرهاب.

بينما تبقى المعارضة السورية تمتلك شرعية الاعتراف الدولي بالتمثيل السيادي المقابل لتمثيل النظام السوري, مما يرسم ملامح حجمها ويُؤسس لدورٍ بُنيوي في الساحة السورية.

من خلال هذا الدور؛ تملك المعارضة السورية خمسة أوراق إنقاذية للنظام السوري:

1- تملك المعارضة القدرة على إعادة تعويم النظام داخليا وخارجيا.

أما داخليا: فإن التطبيع معها سيقوم على عدة حوامل تُزيل أسباب الصراع السوري الداخلي, على رأسها إيقاف ملاحقة المطلوبين, وعودة المهجرين إلى مناطقهم, وكف يد الأجهزة الأمنية عن الحياة السياسية والاجتماعية[26].

وأما خارجيا: فلن يعود أمام المجتمع الدولي الحجة لعدم الاعتراف السياسي بالنظام, والتي امتلكته المعارضة, فمع امتلاك النظام للاعتراف القانوني[27], وامتلاك المعارضة للاعتراف السياسي[28], سيكون اتحادهما اعترافا قانونيا وسياسيا جديداً, يُخرج النظام من عزلته المميتة.

2- تملك قوات المعارضة الفيتو على طريق M5[29], إضافة لاعتبار مناطق المعارضة مفتوحة على السوق الخارجي عبر البوابة التركية, مع وجود سيولة كبيرة للدولار المحروم منه النظام السوري, ماسيُلبي حاجة النظام السوري للتموضع الجيوسياسي بفتح الطرقات الدولية, والقدرة على فتح أبواب الاستيراد والتصدير, وادخال العملة الصعبة التي  ستكون طوق النجاة للوضع الاقتصادي المتدهور بمناطق النظام السوري.

3- يقف إعادة الإعمار في قائمة الأسباب المُنقذة للنظام من ديون الحلفاء, ومع كسر غلق إعادة الإعمار بمشاركة المعارضة مع النظام في حل سياسي, سيكون البدء بإعادة رد الديون متاحا, وسببا في إيقاف قصقصة أجنحة النظام من حلفاءه[30].

4- يشكل ملف اللاجئين هاجسا ضاغطاً على النظام السوري, حيث يُعتبر من جانب مطلباً دوليا أساسيا من النظام, ومن جانب آخر لايمتلك النظام البنية التحتية والقدرة اللوجستية على عودتهم, مع امتلاك المعارضة لورقة القبول الشعبي بالعودة لسورية بعد ازالة تخوفات اللاجئين السياسية, ومع بدء مشاريع إعادة الإعمار سيتم ازالة التخوفات الاقتصادية لعودتهم, وبالتالي فإن المعارضة تملك القدرة في مساعدة النظام على حل ملف اللاجئين بشكل جذري.

5- إنهاء المسؤولية الكاملة عن الجبهة الجنوبية مع اسرائيل, وذلك عبر توحيد الموقف السوري تجاهها, مما يسمح للنظام بالتفلت من تبعات محور المقاومة نحو الاحتماء بالموقف الوطني الذي سيكون أحد مفرزات التطبيع مع المعارضة ومشاركتها بالسلطة التنفيذية والتشريعية.

تحديات:

يمكن تقسيم التحديات أمام مصالحة \ اعتراف النظام السوري بالمعارضة السورية إلى:

1- تحديات داخلية: يبدو أن فتح صفحة التحديات الداخلية له بداية دون نهاية يمكن التوقف عندها, ولعل أهم هذه التحديات:

– بنية النظام السوري نفسه[31] عصية عن قبول التعددية السياسية, لقيام جميع مؤسسات الدولة على تأليه الرئيس, خصوصا مؤسسة الجيش والمخابرات.

– وجود حاضنة شعبية كبيرة بالشمال السوري قد تقبل بأي خيار إلا خيار التطبيع مع نظام الأسد, لما أفرزته السنوات الماضية من حالات ثأر شخصي وطائفي و..

– وجود (معارضة) تبدأ خطوة التطبيع وتستطيع إكمالها, إما بسبب حالة الغرق الكبير للنظام السوري, أو بسبب قدرة الأطراف السورية الرافضة للمصالحة على القضاء عليها, خصوصا ونحن نتكلم عن أكثر من نصف مليون سوري مسلح بالشمال السوري, بين ساكن وناشط ضمن الفصائل, أو بسبب انتهاء شرعية وجودها القائم على سردية محاربة النظام.

– وجود الجماعات الاسلامية على رأسها هيئة تحرير الشام[32], الرافضة لأي نوع من أنواع المصالحة مع النظام السوري, والتي قد تستقبل دعما غربيا يُفشل المخطط التركي بل قد يقلبه ضدها!.

2- تحديات خارجية: بالمِثل يمكن القول إن التحديات الخارجية للمصالحة بين النظام والمعارضة لاحصر لها, فحالة التشظي بسبب الحالة السورية باتت نقطة انعطاف دولية تجاوزت الحدود السورية لتنفجر في أوكرانيا وغزة, مما قد يعني تغييراً في النظام الدولي ككل!.

ولعل أهم هذه التحديات خارجيا:

– العصا الأمريكية والأوربية إضافة لمواقف الأمم المتحدة والتي يمكن أن تكون عائقاً أمام السماح بإعادة تعويم بشار الأسد نفسه.

– عدم التأكد من وجود رغبة تركية حقيقية بالمصالحة, وليس تلاعبا مصلحياً من قبل الأتراك, خصوصا مع غياب الحاجة الحقيقية بنظام الأسد لتركيا بل وعجزه عن الايفاء بأي من الشروط التركية فيما خص عودة اللاجئين أو محاربة الإرهاب (قسد)[33], مما يعني إمكانية استغلال تركيا لنظام الأسد وليس العكس, إذ إن التواجد التركي في سورية لن يكون مؤقتا كما يبدو مع حالة التتريك الحاصلة.

– موقف ايران الغائم من قضية خسارة حليفها الاستراتيجي (الأسد) التي لاتهتم بغير استغلال تفرده بالسلطة لضمان حرية التنقل لميليشاتها.

فرصة ثمينة:

يمكن اعتبار الخطوة التركية الحالية بالدعوة للتطبيع مع النظام السوري فرصة ثمينة أمام النظام السوري تعوضه عن فشل مبادرة الجامعة العربية, بل وتدعمها بشكل أو بآخر حيث تمظهر الموقف العربي بترحيب الرئيس المصري (مصر ضمن الدول المشاركة باللجنة الوزارية العربية المنبثقة عن الجامعة العربية) للتقارب بين أنقرة ودمشق[34], هذه الفرصة ليست تطبيعاً مع تركيا فقط, بل مع المعارضة السورية حليفتها السورية, حيث إن غياب هذه الفرصة قد لا تأتي مرة أخرى, وذلك بسبب اتفاق (يمكن اعتباره تاريخيا) بين تركيا وقيادات المعارضة على مشوار قطار التطبيع بما يحقق الوصول لتطبيق مقررات جنيف ذات الصلة والبدء بحل سياسي حقيقي, ولعل غياب الدور التركي فيما لو ضيع النظام السوري هذه الفرصة, أو ضُيعت عليه, قد يجعل تكرارها غير مواتياً بسبب اختلاف الهوى الشعبي مع الرغبة السياسية, والذي يُعتبر تحدياً للمعارضة نفسها, لكن بمساعدة تركيا قد يكون تجاوزها أسهل من خلال خطوات متأنية تسحب البساط من تحت أقدام الرافضين للتطبيع مع النظام من السوريين, وتُقنع الحاضنة الشعبية بإمكانية الانتقال لحل حقيقي مقبول, خصوصا إذا تم حل ملف المعتقلين بشكل علني وجدي, وتم كف يد الأجهزة الأمنية المُسبب الأكبر لكل ماجرى في سورية, وتم اعتبار وجود المعارضة السورية في دمشق شرعيا, وتم دمج أو حل القوات العسكرية, لتكون مؤسسة الجيش وطنية ( يمكن أن تكون تطوعية احترافية) مدعومة من الدول الحليفة للنظام والمعارضة.

خاتمة:

لعل المنظار الوطني يدفع بتوصية صانع القرار لدى النظام السوري أن مصلحته الحقيقية لخروجه من مُستنقعه المركب هي مع مصالحة حقيقية مع المعارضة السورية ضمن البوابة التركية التي تمتلك التواصل الجاد والفاعل مع المعارضة السورية, وبل القدرة على مساعدتها على انجاح هذه المصالحة, التي سيكون أمامها تحديات ضخمة وكبيرة, ولكنها الطريق الأقصر والأسلم المرضي لجميع الأطراف.

جمعة محمد لهيب
المكتب السياسي
قسم البحوث والدراسات
دراسة
تيار المستقبل السوري


المراجع والمصادر:

[1] النواب الأميركي يقر بالأغلبية قانون “الكبتاغون 2” لمحاسبة النظام السوري (syria.tv)

[2] العقوبات على سوريا: لا شيء يدعو للبهجة (aljumhuriya.net)

[3] فريق تحرير القبة الوطنية السورية, نظرة شاملة على خريطة السيطرة في سورية حتى بداية 2024, 2024م, في (نظرة شاملة على خريطة السيطرة في سورية حتى بداية 2024 (synadome.org)).

[4] كيف تتوزع خارطة السيطرة العسكرية في سوريا؟ | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)

[5] لوبي كردي بدأ يمارس الضغط في الولايات المتحدة – RT Arabic

[6] مشاكل “تسييس التعليم” في مناطق “قسد” (alaraby.co.uk)

[7] “قسد” تغيّر ديمغرافية شمال سوريا: فرض مناهج تعليمية وهوية جغرافية جديدة | الميادين (almayadeen.net)

[8] نبذة عن قوات سوريا الديمقراطية – BBC News عربي

[9] باسم “إقليم شمال وشرق سوريا”.. الإدارة الذاتية تصدر عقدها الاجتماعي الجديد (syria.tv)

[10] انظر: جمعة محمد لهيب, قراءة موضوعية في العلاقة بين قسد والمعارضة السياسية, 2023م, في (قراءة موضوعية في العلاقة بين قسد والمعارضة السياسية – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)).

[11] كيف تتوزع خارطة السيطرة العسكرية في سوريا؟ | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)

[12] الشمال السوري “عالق” بين فزاعة التتريك وطمس الهوية | اندبندنت عربية (independentarabia.com)

[13] شمال سوريا: السلطات التركية تعمل على إعادة هيكلة «الجيش الوطني» (alquds.co.uk)

[14] تبادل تجاري بـ 700 مليون دولار بين تركيا وشمالي سوريا.. ما المواد المصدرة؟ (syria.tv)

[15] انظر على سبيل المثال تقرير العربي الجديد منذ أربع سنوات حول ذلك: استنزاف دولار الشمال السوري…كيف تصل العملة الصعبة لنظام الأسد؟ (alaraby.co.uk).

[16] كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟ | اندبندنت عربية (independentarabia.com)

[17] حسام جزماتي, أبو محمد الجولاني أمام تحديات وجودية, 2024م, موقع الجمهورية في (أبو محمد الجولاني أمام تحديات وجودية (aljumhuriya.net)).

[18] حكومة الإنقاذ السورية.. تكنوقراط يسيرون مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام | الموسوعة | الجزيرة نت (aljazeera.net)

[19] وكان نشر مذكرات بعنوان “رسالة الأسماك” للقائد الميداني للعمليات الإيرانية في سورية العميد حسين همداني الذي قتل هناك في 2015, يوضح فيه دور ايران المحوري بحماية الأسد, وانظر ايضا: إيران وضرورة بقاء الأسد (alaraby.co.uk)

[20] خلافات روسيا والنظام السوري: دوافعها، وحدودها، وآفاقها (dohainstitute.org)

[21] انظر: تعرف على أبرز الاتفاقيات والعقود التي وقعتها سورية مع روسيا وإيران في 2020‎ | مجلة المال السورية (almalsyria.com).

[22] عالج سؤال الشرعية: فؤاد خيثر, ببحثه المعنون: شرعية التدخل الدولي في الأزمة السورية الحالية, الدراسات القانونية المقارنة, جامعة حسيبة بن بوعلي, كلية الحقوق والعلوم السياسية مخبر القانون الخاص المقارن, الجزائر, 2021م, المجلد 7، العدد 1 (30 يونيو/حزيران 2021)، ص. 630-652.

[23] ترى يوجينيو داكريما أن الأسد لايهتم كثيرا بقضايا إعادة الإعمار لسببين ذكرتهما بمقالها الذي ترجمه أحمد عيشة, ولكن القضية برأيي ليست رغبة النظام بل خلفاءه, الذين يرون بمشاريع إعادة الإعمار طوق النجاة للمستنقع السوري وإعلان نهاية الصراع وبداية الاستحصال على الديون والمكتسبات, انظر مقال يوجينيو بترجمة أحمد عيشة عبر موقع حرمون: إعادة إعمار سورية: أهداف الأسد ومصالحه – مركز حرمون للدراسات المعاصرة (harmoon.org).

[24] التـعافي المُبكر وإعادة الإعـمار في سوريا بين الواقِـع والسياسة – OPC

[25] يُرجع لدراستي المعنونة بـ: قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 والاتجاه نحو طائف سوري, في: الدراسة رقم (1): قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 والاتجاه نحو طائف سوري – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org).

[26] وهذا حقيقة مطالبنا الأساسية عام 2011, وهو ما أكد عليه حراك السويداء, انظر: السويداء توسّع مطالبها: “كفّ يد الأجهزة الأمنية حق” (almodon.com).

[27] مقال مفيد بمكانه للصديق مصطفى المصطفى, انظر: عن شرعية المعارضة السورية ومبدأ الفعالية (syria.tv).

[28] أواخر عام 2012 في (مؤتمر مراكش) اعترفت أكثر من 120 دولة مشاركة في مؤتمر أصدقاء سورية بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “ممثلا وحيدا للشعب السوري”, ولا زال الأعتراف الواقعي مستمرا.

[29] طريق M5 عصب اقتصاد دولي يعبر سوريا… تعرّف على مميزاته وأهميته | ARK News

[30] يعمل الروس على رعاية قوى وشخصيات عسكرية وسياسية واقتصادية سورية، أسوةً بإيران التي لها نفوذ راسخ داخل مؤسسات النظام والمجتمع السوري، وتتبعها ميليشيات، وشخصيات عسكرية وسياسية واقتصادية، وتيارات ظاهرة وغير ظاهرة في الجيش والأجهزة الأمنية, انظر دراسة المركز العربي : خلافات روسيا والنظام السوري: دوافعها، وحدودها، وآفاقها (dohainstitute.org)

[31] استطاع رايموند هينبوش في كتابه المعنون بـ: تشكيل الدولة الشمولية في سورية البعث, ترجمة حازم نهار, مطبعة رياض الريس, بيروت, 2014م. من رسم صورة تُمكّنُ من فهم النظام السوري وحالة تصلبه.

[32] لماذا تتحدى “تحرير الشام” الانفتاح التركي على نظام الأسد؟ (alaraby.co.uk)

[33] أبرزها “قسد”.. 3 تحديات يواجهها التطبيع التركي السوري (alarabiya.net)

[34] الرئيس السيسي: أرحب بمساعي التقارب بين أنقرة ودمشق لحل الأزمة السورية – أخبار مصر – الوطن (elwatannews.com)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى