المكتب السياسيالمكتب العلميفريق بحث المكتب السياسيقسم البحوث و الدراساتمقالاتمقالات سياسية

زيارة الشرع للسعودية، مصالح أمنية واقتصادية، وانعكاساتها الإقليمية

شكّلت العلاقات السعودية السورية على مدى العقود مزيجاً من التحالفات الاستراتيجية والتنافسات الإقليمية، تبعاً لتقلّبات السياسة في الشرق الأوسط، وتأتي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية في ظلّ المتغيرات الجيوسياسية الحالية حيث تُعدّ حدثاً مفصلياً يستدعي قراءةً عميقةً لتداعياته على المستويين الأمني والاقتصادي، وانعكاساته على توازنات القوى الإقليمية.
إن هذه الزيارة تأتي بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية إبان اندلاع الثورة السورية عام 2011م، والتي رأت فيها السعودية آنذاك فرصةً لإسقاط النظام السوري.
لكن مع تحوّلات المشهد الإقليمي، وتصاعد النفوذ الإيراني خصوصاً، والتحديات الأمنية المشتركة، فإن الرياض كما بدا تبنّت مقاربةً جديدةً استندت إلى استعادة الحوار مع دمشق، سعياً لتعزيز مصالحها الاستراتيجية، والذي توِّج يومها بدعوة الأسد لاجتماع الجامعة العربية، في محاولة للتدخل بسورية عبر مبادرة الخطوة بخطوة والتي تحدثنا عنها بمقال سابق بعنوان: “دول الخليج العربي وسورية، إلى أين؟”.
إلا أن تحرير سورية وانتصار ثورتها، إثر عملية ردع العدوان، قد قلبت الموازين، وغيرت المشهد برمّته.

المصالح الأمنية:

بين مكافحة الإرهاب، وإعادة التوازن الإقليمي: تشترك السعودية وسورية في اهتمامات أمنية مرتبطة بمكافحة الجماعات المسلحة، مثل تنظيم “داعش” وفصائل إرهابية أخرى مرتبطة بإيران، وهي لا تزال تشكّل خطراً على الاستقرار الإقليمي، مما سيجعل من الزيارة خطوةً نحو تعاون استخباراتي وعسكري واسع، يُسهِم في تطويق بؤر التوتر، خصوصاً في المناطق الحدودية، مما يعزز الدعم الإقليمي لدمشق، وخاصة مع سعي الإدارة السورية فرض سيطرتها على كامل أراضيها، وهو ما قد تساعد به الرياض بشكلٍ ما، مقابل عودة سورية (حليف إيران) إلى المحورٍ العربيٍ بقيادة الرياض، وهذا التوازن الجديد قد يُقلص من قدرة إيران على استخدام الأراضي السورية لاحقاً لنقل الأسلحة، أو دعم الميليشيات، أو تحريك خلايا النظام المخلوع النائمة.

المصالح الاقتصادية: إعادة الإعمار والشراكات الاستراتيجية:

تتطلّب إعادة إعمار سورية التي دمّرتها الحرب، إلى استثماراتٍ كبيرةٍ تصل لمئات المليارات من الدولارات (400) مليار حسب الأمم المتحدة.
هنا، تُعدّ السعودية، بوصفها أحد أكبر الاقتصادات في المنطقة، شريكاً محتملاً لتمويل مشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والمطارات والمرافق العامة، مما يفتح باباً للشركات السعودية للدخول إلى سوقٍ واعدةٍ.
كما قد تؤدي الشراكة الاقتصادية بين البلدين إلى إحياء مشاريع الربط التجاري خاصة في مجالات الطاقة ونحوه، مثل خطوط الغاز الطبيعي أو شبكات النقل البري التي تربط الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر سورية، وهذا التكامل يُعزز من موقع الرياض كمركزٍ اقتصاديٍ إقليمي، ويُعيد لدمشق دورها التاريخي كجسرٍ بين الشرق والغرب.
وهنا لابد من الإشارة لامتلاك السعودية إلى خبراتٍ واسعةً في مجال الطاقة، بينما تحتاج سورية إلى إعادة تأهيل قطاعها النفطي المُدمَّر، وبذلك فإنه يمكن أن تشمل الاتفاقيات استثماراتٍ سعوديةً في حقول النفط السورية، أو اتفاقاتٍ لتصدير النفط السعودي عبر الموانئ السورية إلى الأسواق الأوروبية، مما يعود بمنافع متبادلة.

استشراف مستقبل العلاقات وتأثيرها على المنطقة:

تبشّر الزيارة بمرحلةٍ جديدةٍ من العلاقات السعودية السورية، وقد تُعيد تعريف التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، فإذا نجحت الرياض ودمشق في تحويل هذه المصالح الأمنية والاقتصادية إلى شراكةٍ فعّالة، فسيؤدي ذلك إلى إنهاء الارتباط السوري على محور آخر معاد أو منافس للمملكة العربية السعودية، مما يعزز النفوذ السعودي في ملفات إقليمية أخرى ذات صلة، مثل الملف اللبناني، والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

التحديات:

تظلّ التحديات قائمةً، ولعل أبرزها الموقف الدولي من النظام السوري، خصوصاً العقوبات الأمريكية والأوروبية، والتي قد تحدّ من قدرة السعودية على الاستثمار بحرية، بالإضافة إلى أن الرياض قد تواجه منافسةً من دولٍ إقليميةٍ أخرى، مثل الإمارات وتركيا وحتى قطر، والتي تسعى جميعها أيضاً لتعزيز وجودها في سورية، ويبقى عامل توازن المصالح، والرغبة الدولية في خلق نظامٍ إقليميٍ أكثر استقراراً عاملاً محورياً في رسم ملامح المرحلة المقبلة، نحو تعاون تنموي تنافسي متكاملٍ بنّاء ومفيد.

وأخيراً، نسعى في تيار المستقبل السوري لدعم كل الجهود التي من شأنها تمتين العلاقة بين سورية والسعودية، وبما يخدم مصالح البلدين، ونرى أن الظرف بات اليوم مناسباً لحلحلة جميع ملفات المنطقة، والتي تعد المملكة العربية السعودية ضابط إيقاعه لما ذكرنا من أسباب وعوامل، يُضاف لها ما لم نكن نود ذكره هنا ألا وهو تقارب سلوكيات التفكير بين رجالات الإدارة السورية الجديدة من جهة وقيادات المملكة العربية السعودية (وهذا ما سنفرد له دراسة منفصلة في حينه)
إننا في تيار المستقبل السوري نوصي بحلحلة كافة التحديات أمام هذه العلاقة الوليدة، ضمن برامج عملانية تضع ملفي “الأمن” و “الاقتصاد” كحوامل للمرحلة الجديدة، وبما يعود بالنفع على الجميع دونما استثناء.

وإننا وإذ نكتب هذا المقال فقد وجدنا من المناسب أن نضيع بياناً صدر عن الرئاسة السورية يؤكد على ما خلصنا إليه، حيث جاء فيه:

أتقدم بالشكر الجزيل لأخي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على حفاوة الاستقبال والاستضافة.
أجرينا اليوم اجتماع مطولا لمسنا وسمعنا من خلاله، رغبة حقيقية لدعم سوريا في بناء مستقبلها، وحرصا على دعمِ  إرادة الشعبِ السوريَّ ووحدة وسلامة أراضيه.
كما تناولنا اليوم خلال الاجتماع نقاشاتٍ ومحادثاتٍ موسَّعةٍ في كلِّ المجالات، وعمِلْنا على رفعِ مستوى التواصلِ والتعاونِ في كافةِ الصُّعد، لا سيما الإنسانيةِ والاقتصادية، حيث ناقشْنا خططًا مستقبليةً موسَّعة، في مجالاتِ الطاقةِ والتقانة، والتعليمِ والصحة، لنصل معًا إلى شراكةٍ حقيقية، تهدفُ إلى حفظِ السلامِ والاستقرارِ في المنطقةِ كلِّها، وتحسينِ الواقعِ الاقتصادي للشعبِ السوري، هذا بجانب استمرارِ التعاونِ السياسيِّ والدبلوماسيِّ تعزيزًا لدورِ سوريا إزاء المواقفِ والقضايا العربيةِ والعالمية، خصوصًا بعدَ النقاشاتِ التي أُجريَت في العاصمةِ السعوديةِ الرياض، خلالَ الشهرِ الفائت.
أحمد الشرع
رئيس الجمهورية العربية السورية.

المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى