النظام السوري والمعارضة، بين المُراوحة والمُصالحة
مقدمة:
الواقع السياسي الداخلي لسورية معقد للغاية ومتشابك، ويواجه تحديات كبيرة نتيجة للأزمة التي بدأت مع انطلاق الثورة الشعبية في عام 2011، هذه أرضية تصورية مهمة لتوصيف الواقع السوري سياسيا قبل أي شيء آخر، ومنها ننطلق بهذه الورقة.
هيكلية البناء السياسي السوري الداخلي:
يمكن تلخيص الوضع الحالي في سورية على النحو التالي:
- تعدد الأطراف: حيث يتواجد في سورية العديد من هذه الأطراف الفاعلة، بما في ذلك النظام السوري، والفصائل المعارضة الثلاثة (الاسلاميين بحكومة الانقاذ وهيئة تحرير الشام، والمعارضة بالجيش الوطني والحكومة المؤقتة، والادارة الذاتية بقوات سوريا الديمقراطية)، والقوى الإقليمية والدولية، وكل طرف لديه مصالح وأهداف مختلفة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حل سياسي.
- الانقسام الجغرافي: فسورية مقسمة إلى مناطق نفوذ مختلفة، لكل منها ديناميكياتها الخاصة.
- الأزمة الإنسانية: حيث يعاني الشعب السوري من أزمة إنسانية حادة، إذ تسبب النزاع في دمار واسع النطاق وتشريد الملايين.
وأما عن أهم التحديات التي تواجه سورية انطلاقا من هذا الواقع فتتمثل بـ:
- إعادة الإعمار والتي تتطلب موارد ضخمة وبنية تحتية جديدة: وهو ما يشكل تحدياً كبيراً في ظل الأزمة الاقتصادية.
- التسوية السياسية، فلا يزال الوصول إلى تسوية سياسية دائمة يمثل تحدياً كبيراً، حيث يتطلب ذلك التوافق بين الأطراف المتنازعة وتقديم تنازلات كبيرة.
- مكافحة الإرهاب: حيث تواجه سورية تحدي مكافحة هذه التنظيمات الإرهابية التي استغلت الأزمة لتوسيع نفوذها، سواء كانت هذه التنظيمات مع النظام السوري أو معارضة له.
- يعتبر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تحدياً كبيراً: حيث يتطلب ذلك توفير الأمن والاستقرار وتحسين الظروف المعيشية.
واقع التدخلات الخارجية:
الواقع السياسي الخارجي لسورية معقد للغاية ومتشابك أيضا، ويتأثر بعدة عوامل داخلية وخارجية. وبشكل عام، يمكن تلخيص الوضع الحالي على النحو التالي:
- تعدد الأقطاب: حيث تتعدد القوى المؤثرة على الساحة السورية، بما في ذلك الدول الإقليمية مثل إيران وتركيا وروسيا، والدول الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى بعض الدول العربية. لكل من هذه القوى أجندتها الخاصة ومصالحها المتباينة في سورية.
- التحالفات المتغيرة: من خلال ما تشهده العلاقات الدولية المتعلقة بسورية من تغييرات مستمرة، حيث تتشكل تحالفات جديدة وتنحل أخرى. هذا التغير المستمر هو ما يعقد أيضا جهود إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
- العقوبات الاقتصادية: حيث تتعرض سورية خصوصا حكومة النظام السوري لعقوبات اقتصادية من قبل العديد من الدول الغربية، مما يؤثر سلبًا على اقتصادها وقدرتها على إعادة الإعمار.
- مسألة اللاجئين: وهي هنا كما في التوصيف الداخلي مسألة خارجية، حيث يشكل وجود ملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار وأوروبا تحديًا كبيرًا، ويؤثر على العلاقات بين سورية والدول المستضيفة.
- قضية مكافحة الإرهاب: وأيضا تعتبر مكافحة الإرهاب من القضايا الرئيسية التي تؤثر على السياسة الخارجية لسورية، حيث تسعى العديد من الدول إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية الموجودة.
وبخصوص أهم التحديات التي تواجه سورية على الصعيد الخارجي:
- إعادة العلاقات الدبلوماسية: إذ تسعى سورية بكل مكوناتها إلى إعادة بناء علاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية والغربية، ولكن هذا الأمر يواجه العديد من العقبات.
- رفع العقوبات الاقتصادية: والتي تمثل عائقًا كبيرًا أمام إعادة إعمار سورية وتنمية اقتصادها.
- حل سياسي دائم: إذ لا يزال الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية يمثل تحديًا كبيرًا، حيث يتطلب ذلك التوافق بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة بالدرجة الأولى.
ايجابيات المصالحة بين النظام والمعارضة:
لاشك أن هناك بعض الإيجابيات المحتملة للمصالحة بين المعارضة السورية والنظام السوري، مع مراعاة التعقيدات الكبيرة التي تحيط بهذا الملف، ومن هذه الايجابيات:
- إنهاء الحرب والعنف: إذ أهم هدف هو وقف نزيف الدماء والمعاناة التي يعيشها الشعب السوري منذ سنوات طويلة.
- المصالحة يمكن أن تساهم في إعادة الاستقرار إلى: مما يسمح بعودة اللاجئين وبدء عملية إعادة الإعمار.
- توحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة: حيث يمكن للطرفين معًا مواجهة التحديات التي تواجه سورية مثل الإرهاب والفساد والانهيار الاقتصادي.
- حماية الوحدة الوطنية: فالمصالحة قد تساعد في الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي السوري.
ولكن، يجب أن ندرك أيضًا أن هناك تحديات كبيرة تحول دون تحقيق هذه الأهداف، منها:
- جرائم الحرب: إن المسائلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب قضية جوهرية، ولهذا يجب أن يتم التعامل معها بشكل عادل.
- الثقة المتآكلة: لهذا إعادة بناء الثقة بين الطرفين المتخاصمين سيكون عملية طويلة وشاقة.
- التدخلات الإقليمية والدولية: في الشأن السوري قد تعقد عملية المصالحة.
- مصير الفصائل المسلحة المعارضة: هو أحد القضايا الشائكة التي يجب حسمها.
- إن تحقيق المصالحة في سورية: يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي، والتي إن حصلت فسيكون بها ايجابيات كبيرة على الوطن والشعب.
سلبيات المصالحة بين النظام والمعارضة:
يمكن قراءة المشهد من زاويتين، زاوية المعارضة وزاوية النظام السوري، فلكل طرف سلبيات ندعو في المكتب السياسي لِـ تيار المستقبل السوري أن يتم قراءتها جيدا ومعالجتها.
أ. السلبيات المحتملة على المعارضة السورية في حال المصالحة مع النظام السوري:
- تآكل المبادئ والثوابت، إذ قد تضطر المعارضة للتنازل عن الكثير من مبادئها التي قاتلت من أجلها، مثل تحقيق الديمقراطية والعدالة الانتقالية، وذلك من أجل تحقيق المصالحة.
- فقدان الشرعية الشعبية، فقد تفقد المعارضة جزءًا كبيرًا من شرعيتها الشعبية إذا ما أُعتبرت أنها تخلت عن تطلعات الشعب السوري الثائر على نظام بشار الأسد.
- الاندماج في النظام، فقد يتم دمج عناصر المعارضة في مؤسسات النظام، مما يؤدي إلى فقدان هويتها المستقلة وتأثيرها السياسي.
- الملاحقة والانتقام، حيث من المرجح أن يتعرض عناصر المعارضة ومدنيون دعموها للملاحقة والانتقام من قبل النظام وأجهزته الأمنية، كما حصل ويحصل في درعا بعد تسوية ٢٠١٨م.
- تهميش المعارضة وتقسيمها إلى تيارات متناحرة، مما يضعف موقفها التفاوضي، وهو مايتقنه العقل الأمني للنظام السوري.
- تأكيد شرعية النظام، فقد تُعطي المصالحة شرعية للنظام، وتمسح جرائمه ضد الشعب السوري.
- فقدان الدعم الدولي، من المرجح أيضا أن يؤدي التقارب مع النظام السوري إلى فقدان المعارضة للدعم الدولي الذي كانت تحظى به.
- صعوبة تحقيق العدالة الانتقالية، حيث يصعب تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم في ظل نظام المصالحة.
بالإضافة إلى هذه السلبيات، هناك أيضًا مخاوف من أن تكون المصالحة مجرد صفقة سياسية تهدف إلى الحفاظ على مصالح الأطراف الدولية والإقليمية، دون تحقيق مصالح الشعب السوري، وألا تضمن المصالحة استقرارًا طويل الأمد، وقد تعود الأزمة مجددًا إذا لم يتم معالجة أسبابها الجذرية. كما أن هذه مجرد بعض السلبيات المحتملة، والوضع في سورية معقد ومتغير باستمرار، وقد تظهر سلبيات وتحديات مرافقة لها جديدة غير متوقعة.
ب. فيما خص السلبيات المحتملة على النظام السوري في حال المصالحة مع المعارضة:
- فقدان الدعم الروسي والإيراني: إذ قد يؤدي التقارب مع المعارضة إلى تراجع الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه روسيا وإيران للنظام، وهما دعامتان أساسيتان لبقائه في السلطة.
- ضغوط داخلية يواجهها النظام السوري: من قياداته العسكرية والأمنية التي قد تعارض أي تسويات مع المعارضة، خوفًا من فقدان نفوذها ومصالحها.
- قد تواجه قيادات النظام السوري اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية: مما يؤدي إلى فرض عقوبات دولية جديدة أو حتى ملاحقة قضائية دولية.
- صعوبة تحقيق مصالحة حقيقية شاملة وعميقة بين النظام السوري والمعارضة: وذلك بسبب عمق الخلافات بين الطرفين والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت خلال سنوات الحرب.
- استمرار العنف، إذ قد يشهد الوضع في سورية استمرارًا للعنف: حتى بعد التوصل إلى اتفاق مصالحة، وذلك بسبب وجود جماعات متشددة لا ترغب في التسوية، أو بسبب عدم قدرة النظام السوري على فرض سيطرته الكاملة على جميع المناطق.
- صعوبة إعادة الإعمار وذلك بسبب الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية: وتشريد الملايين من السوريين، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها النظام.
ولكن يجب ملاحظة أن طبيعة السلبيات التي قد يواجهها النظام السوري تعتمد على شروط المصالحة والضمانات التي ستُقدم للمعارضة، كما وهناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على هذا الملف المعقد، مثل مواقف الدول الإقليمية والدولية، ومستقبل التنظيمات المتشددة في سورية.
مكاسب المعارضة من عدم المصالحة مع النظام السوري:
من الضروري بعد هذه السردية أن يتم دراسة واقع عدم المصالحة بوجود بشار الأسد على رأس النظام الحاكم، وبقاء العقلية القمعية والأمنية، وبقاء النظام السوري مرتميا في حضن محور ايران (المقاومة والممانعة)، فدارسة واقع رفض المصالحة ومكاسبها عامل مهم في موازنة المصالحة أو عدمها.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها المعارضة السورية، إلا أن عدم الدخول في مصالحة مع النظام السوري قد يحقق لها بعض المكاسب، ومنها:
- الحفاظ على الشرعية الأخلاقية، حيث تحتفظ المعارضة بشرعيتها الأخلاقية وقيمها التي قاتلت من أجلها، مثل الحرية والديمقراطية، مما يمكن أن يعزز مكانتها على الساحة الدولية عند أي منعطف اقليمي أو دولي مستقبلي.
- الضغط على النظام السوري من خلال الاحتجاجات والمقاومة السلمية في مناطقه وتوسيع رقعة ذلك على شبيه مثال حراك السويداء، مما قد يجبره على تقديم تنازلات أو تغيير سياسته.
- الحفاظ على الأمل للشعب السوري، إذ إن المعارضة رغم تشتتها وضعفها تبقى رمزًا للأمل للشعب السوري في تحقيق مستقبل أفضل، مما يجعلها قادرة على الحشد حول مشروعها السياسي.
- الاستفادة من الدعم الدولي مادياً وسياسياً من الدول الداعمة للمعارضة، مما يمكنها من مواصلة نشاطها.
- منع تكرار الأخطاء السابقة (مثال درعا)، وتقوية هياكل المعارضة التنظيمية، وتطوير رؤيتها السياسية، مما يجعلها أكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
ومع ذلك، يجب أن تدرك المعارضة أن عدم المصالحة يحمل أيضًا مخاطر كبيرة، منها:
- استمرار الصراع والذي قد يؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية والمادية، وتدمير البنية التحتية، وتشريد المزيد من المدنيين.
- كما تتسبب الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية في تقسيم صفوف المعارضة وزيادة ضعفها.
- فقدان المعارضة جزءًا من دعمها الشعبي إذا لم تحقق نتائج ملموسة على الأرض.
- يمكن أن يؤدي استمرار الحرب إلى تآكل القاعدة الشعبية للمعارضة، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري.
خاتمة:
قرار المصالحة أو عدمها هو قرار صعب ومعقد، ويتطلب من المعارضة تقييمًا دقيقًا للمكاسب والخسائر المحتملة، وهو ماحاولنا تسليط الضوء عليه في هذه الورقة، كما يحتاج ايضا العمل على تطوير استراتيجية واضحة لمواجهة التحديات المستقبلية.
ويبقى أن هناك آراء مختلفة حول إيجابيات وسلبيات المصالحة، وهذا التقييم يمثل وجهة نظر فريقنا في المكتب السياسي لِـ تيار المستقبل السوري، وندعو أصحاب الفكر والرأي لتقديم تصورات داعمة لهذا الموقف التصالحي أو عدمه.
أخيرا، يعتمد نجاح أي خيار على العديد من العوامل، بما في ذلك موقف النظام السوري، والدعم الدولي، والوحدة الداخلية للمعارضة.
المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري