المحايدون، دور وأهمية
استهلال:
يمكن تصنيف الصراعات إلى عدة أقسام:
- الصراع الأيديولوجي والذي يتعلق بالتنافس بين الأفكار والمعتقدات المختلفة، كما يمكن أن يكون بين أيديولوجيات سياسية متناقضة، مثل الشيوعية والرأسمالية.
- الصراع الإقليمي وهو ما بين دول أو مجموعات دول في منطقة جغرافية معينة.
- الصراع الطبقي والذي ينشأ بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، مثل الطبقة العاملة والطبقة الحاكمة، ويتعلق بالتوزيع غير المتكافئ للثروة والفرص.
- الصراع الديني بين مجموعات دينية مختلفة بسبب العقائد والمدارس والممارسات الدينية المختلفة.
- الصراع الثوري الداخلي، بين الشعب والسلطة كماهي الحال في سورية.
في الحروب الداخلية والتي منها الثورات الشعبية المحقة، يُطلق على الأشخاص الذين يرفضون المشاركة فيها عدة تسميات، من بينها:
- المحايدون، وهم الأشخاص الذين يختارون عدم الانحياز لأي من الأطراف المتنازعة.
ـ اللاجئون، وهم الذين يفرون من مناطق النزاع بحثًا عن الأمان.
ـ المنشقوّن، وهم من كانوا جزءًا من أحد الأطراف المتنازعة، ثم قرروا الانسحاب.
قد يطلق على هؤلاء الأشخاص أيضًا تسميات أخرى حسب السياق الثقافي والسياسي.
مع ملاحظة أن اختيار عدم المشاركة في حرب أهلية قد يكون قرارًا صعبًا ويتطلب شجاعة كبيرة، خاصة في ظل الضغوط الاجتماعية والسياسية.
الرماديون طرف ثالث:
حيث يمكن اعتبار المحايدين أو الرماديين في بعض الحالات طرفًا ثالثًا بالمعنى السياسي، وذلك بسبب تأثيرهم على مجريات الأحداث، خاصةً إذا كانوا يمثّلون فئة كبيرة من السكان، أو يمتلكون نفوذًا اقتصاديًا أو سياسيًا، كما قد يتحول المحايدون إلى وسطاء في محاولةٍ لحل النزاع، خاصة إذا كانوا يحظون بثقة الأطراف المتنازعة، وقد يشكل المحايدون تحالفات مع أحد الأطراف المتنازعة أو مع كليهما، مما يغير من ميزان القوى.
ومع ذلك، هناك بعض العوامل التي تحدُّ من اعتبار المحايدين طرفًا ثالثًا، مثل عدم المشاركة المباشرة في القتال أو في صنع القرار السياسي، إضافة لتنوع الآراء بين المحايدين، إذ ليسوا كتلة متجانسة، بل يتضمنون مجموعة متنوعة من الآراء والمواقف، كما قد يتعرض المحايدون للضغوط من قبل الأطراف المتنازعة، مما قد يجبرهم على اتخاذ موقف أكثر وضوحًا.
بشكل عام، يمكن القول إن اعتبار المحايدين طرفًا ثالثًا يعتمد على مجموعة من العوامل، بما في ذلك السياق السياسي والاجتماعي، ونوع النزاع، وطبيعة دور المحايدين.
وفي تاريخ الصراعات الداخليّة أمثلة كثيرة لدور المحايدين، سواء كانوا أفراداً أو مجموعات أو حتى دولاً، كما تلعب منظمات مثل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر دورًا حيويًا في الوساطة وحماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية في مناطق الصراع، بل إن الحياد في الدول كان موجوداً حتى خلال الحروب العالمية، مثل سويسرا والسويد الذي ساهم حيادهما في حمايتها من التداعيات المباشرة للحرب، وفي الوقت نفسه، سمح لها بلعب دور في الوساطة والدبلوماسية، بينما لعبت الفاتيكان دورًا مهمًا في الوساطة الإنسانية.
المحايدون ليسوا أعداء!:
بينما يحاول النظام السوري وبعض الأطراف المعارضة استعداء الرماديين والمحايدين، يبقى النظام السوري هو الأكثر فجاجة وعنفاً، إلا أن تخوين وتكفير من لم يكن بصفوف الثورة والمعارضة قد نجده بشكل واضح في الطرف المقابل للنظام السوري، وإن كان أقل عنفاً من طرف النظام.
لكننا في هذا المقال نحاول تسليط الضوء على الطرف الثالث، أو الصوت الخفي، أو الشعب الساكت في سورية، والذين آثروا عدم تأييد أي طرف سواء النظام أو الثورة، أو السلطة والمعارضات بمختلف أنواعها، ساعين لأمرين:
الأول، ضرورة عدم استعداء الرماديين، وتنفيرهم من الساحة السورية.
الثاني، مساعدتهم في لعب دور إيجابي قد لا يقوم به أحد غيرهم، ولعلنا نوضح أهم مايمكنهم لعبه في الساحة السورية من خلال:
- حماية المدنيين من العنف والانتهاكات.
- بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة، وفتح قنوات للحوار.
- تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين.
- العمل كوسطاء لحل النزاعات الصغيرة، أو كوسطاء محايدين لتسهيل الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة والوصول إلى حلول.
- التواصل مع القوى والدول والمنظمات الخارجية الحيادية، لخلق لوبي ضاغط لإنهاء الصراع، أو تقليل تبعاته بالحد الأدنى على الشعب السوري.
- رصد انتهاكات حقوق الإنسان، عبر توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب خلال الصراع، مما يساهم في محاسبة المسؤولين عنها.
- الدفاع عن القانون الدولي الإنساني.
وغيرها من تلك المهام التي لا يمكن لأحد غيرهم الإضطلاع بها والعمل عليها.
على أن هناك عوامل تؤثر على دور المحايدين، إذ كلما زادت قوتهم ونفوذهم، زادت قدرتهم على التأثير في الأطراف المتصارعة، كما قد يواجهون ضغوطًا من قوى الصراع الداخلي أو من المجتمع الدولي لتغيير موقفهم.
أهمية دور المحايدين:
إذاً مما سبق، يظهر بشكل جلي أهمية دور المحايدين سواء كانوا مواطنين سوريين أو أحزاباً وقوى داخلية، أو منظمات ودولاً خارجية، حيث يساهم دور المحايدين في الحفاظ على الاستقرار في المناطق المتضررة من الصراع، ويساعدون في منع تفاقم الأزمة الإنسانية وتدهور الوضع الأمني، ويمهدون الطريق لتحقيق السلام الدائم من خلال بناء الثقة والحوار.
لهذا يجب الإهتمام بالعوامل التي تساعد الطرف الثالث “المحايدين” على الاضطلاع بدورهم الحقيقي المؤثر، خصوصاً مع جمود وتعنت الواقع السوري الحالي، فالمحايدون قد يحظون بقبول الأطراف المتنازعة، وبذلك يتمكنوا من القيام بدورهم بفعالية، كما تحتاج المنظمات والهيئات المحايدة إلى موارد كافية لتنفيذ برامجها، مثل البرامج الإغاثية أو الصحية أو غير ذلك.
إذاً، يلعب المحايدون دورًا حيويًا في حماية المدنيين وبناء السلام خلال الصراعات الداخلية، حيث كون جهودهم ربما تساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية، وتعزيز فرص تحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات المتضررة، وهذا ما يهمنا في هذا المقال التنبيه إليه.
كما ونوصي في المكتب السياسي لـِ تيار المستقبل السوري بما يلي:
- عدم استعداء المحايدين بأي شكل من الأشكال.
- العمل على دعم خيار الحياد للذين لا يريدون الذهاب للطرف المقابل، والسعي ليكون دعمهم من جميع الأطراف السورية.
- تشجيع الرماديين والمحايدين على التفاعل الايجابي مع الوضع السوري بالقضايا التي يمكنهم الاضطلاع بها.
- محاولة التوفيق بين الرماديين في الداخل والخارج، أفراداً وهيئات ودول، في محاولة لصناعة طرف إيجابي مفيد لسورية، مما يقلل من تأثير الطرف السيء، ويُوجد بديلاً عن الطرف الآخر له، لمن لا يريد الالتحاق بكليهما (نظام أو معارضة).
د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري