المكتب السياسيبحوث ودراسات

انتفاضة العشائر العربية ضد قسد.. انتصارٌ أم خسارة؟!

  • تيار المستقبل السوري
    المكتب السياسي
    قسم البحوث والدراسات
    دراسة رقم (01-09-23)
    بتاريخ 11/ 9/ 2023م

مقدمة:

في الـ 28 من شهر آب/أغسطس 2023م اعتقلت قوّات سوريّة الديمقراطيّة “قسد” أحمد الخبيل “أبو خولة”، وهو قائدُ ما يُسمّى بـِ “المجلس العسكريِّ” في محافظة دير الزور، و”أبو خولة” سيّءُ الصِّيت والسُّمعةِ في المنطقةِ بسبب أعمالهِ الفاسدة.

من أجل ذلكَ لم يكن لاعتقالهِ أيُّ ردَّة فعلٍ لدى العشائر، خصوصاً عشيرة “العكيدات”! ولكنَّ قيام “قسد” فيما بعد باقتحام مقرَّاتِ وبيوتِ “المجلس العسكري” تسبَّبَ بتطوُّر الأوضاع في شمال دير الزور، حيثُ هاجمت العشائرُ نقاطاً لـِ “قسد” وسطَ اشتباكاتٍ عنيفةٍ بين الطرفين، تمَّ استغلالها إعلامياً بشكلٍ مدروسٍ وممنهجٍ، إلاّ أنّ كلّ ذلك لم يمنع الوصول إلى هدنةٍ هشّةٍ برعاية التّحالف برئاسة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والتي حاولت عدم الاشتباك مع أيٍّ من الأطراف، رغم توضيح “قسد” عبر إعلامِها أنّ تحركها ضدّ الفاسدين، مدعومةً من قيادة التّحالف[1].

وفي هذه الدّراسة سندرسُ الأسبابَ العميقةَ لانتفاضةِ العشائر، ودوافع الاصطفافات، وثم مآل هذه الانتفاضة.

الأسباب العميقة لانتفاضة العشائر:

تعود الأسباب الظاهرةُ لانتفاضة العشائر لاعتقال “أبو خولة” والذي كادَ أن يوظّفَ شعبياً لصالح “قسد” بسبب فسادهِ وسوء سمعتهِ، إلا أنّ سوء معاملة “قسد” من ناحية، وخروج دعواتٍ وتسريباتٍ محرِّضةٍ على العرب من ناحيةٍ أخرى، كان له أثرٌ عميقٌ ومباشرٌ في حراك العشائر وانتفاضتها، ولعلّ ذلك يعود للأسباب التالية:

السبب الأول: استغلال “قسد” للعنصر العربيِّ واجهةً وسدّاً من خلال:

1- وضع المُرتزقةِ من العربِ في مقدّمةِ صفوفها.

2- عدم تمكين العرب بلوغَ مواقع قياديّة.

3- تحييد العنصر العربي عن مواقع الإدارةِ واتخاذ القرار، سواءٌ لدى قوات سورية الديمقراطيّة “قسد” أو “مسد”.

4- التّجنيد الإجباري للشّباب العربي، ومحاولة إقناع النّساء العربيّات بالانضمام لـِ قوات سورية الديمقراطية وحمايتهنّ.

السبب الثاني: إبعاد العنصر العربي عن دوائر التّأثير، عبر تفتيت المشيخات العربيّة، وجلب شيوخ عرب لا وزن لهم لدى عشائرهم وترأيسهم!

السبب الثالث: الشّعور باستغلالِ ونهبِ الموارد الاقتصادية خصوصاً النّفط.

السبب الرابع: الاحساس بوجود قيادةٍ كرديةٍ قنديليَّةٍ لدى “قسد”.

مشكلة عشائرية:

يدرسُ حيّان دخان في كتابه عن “الدولة والقبائل في سورية تحالفات وصراعات[2]، بنية المجتمع العشائري السوري وتعامل السلطات معه منذ سقوط الخلافة العثمانية وحتّى قيام الثورة السورية 2011م. لكنّ حالة التّفتيت التي عاشها الشعب السوري جراء الحرب، ونزوح كثيرٍ من السوريين داخلَ وخارجَ سوريّة، فكّك الحالة العشائريّة المترابطة، وقد بدا ذلك جلياً في الصراع الأخير بينهم وبين “قسد”! فنجدُ من العشائر من وقف ضد قسد[3]، ومنها من وقف مع “قسد”[4]، كما أنَّ هناك من وقف مع إيران والنّظام السوري[5]! في حالةٍ تُظهر تخلخلاً بنيوياً في عصب العشائر، وتجعلها (أي العشائر) عبارةً عن مُستقطبات متعددةٍ لاستراتيجياتٍ سياسيةٍ مختلفة، وبالتالي انتقال العشيرة من كونها جامعاً بنيوياً عصبياً، إلى جعلها عبارة عن أحزاب متشاكسةٍ بدائيَّة التحزُّب، تعتمد في تحركها حسب مصالحها الضيّقة، لا ضمن مصلحةِ المجموعِ كما هو الأصل!

نظرة استراتيجية:

تستقدم الولايات المتحدة الأمريكية جحافلاً من العتاد للمنطقة في محاولة لتقليم أظافر إيران، وتسعى عبر منظومة التّحالف الدوليِّ قطع الطريق الإيرانيِّ بين العراق وسورية[6]، وبالرّغم من ذلك فقد رفضت قسد المشاركة بأيّ عمليةٍ عسكريةٍ ضدّ إيران، ورفضت المقترح الأمريكيَّ بربط التّنفِ بالمنطقة الشرقيّة والشماليّة خوفاً من ربطه فيما بعد بالمنطقة الشماليّة الغربيّة، بما يعني إيجادَ علاقةٍ صحيةٍ مع تركيا، ما يرفضهُ التيّارُ القنديليُّ ضمن “قسد”! وهنا تتوجّه الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد بديلٍ عن “قسد” يتواجد على الأرض كقوى مراقبةٍ تنفيذيةٍ من أبناء المنطقةِ ممثَّلَةً بـِ العشائرِ العربيّةِ السنيَّةِ السوريَّةِ والعراقيَّة.

وهنا تتقاطع مصالح قسد مع المصالح الإيرانيّة في ضرورة إبعاد هذا السيناريو كونه سيُخسرُ إيرانَ عمقها الاستراتيجيّ مع أذرعها في سورية أو في لبنان، كما أنّ “قسد” ستخسر مكانتها وحظوتها الحاليّة، مما يترتب عليه خسارتها للمكتسبات من علاقتها مع التّحالف الدوليّ ومحاربة داعش.

لهذا عمدت قسد من خلال اعتقال “أبو خولة” استفزازَ عصبِ العشائر، بل وجرّها إلى نقطةٍ متشعِّبةٍ تُضعفها وتُشظِّيها! فالعشائرُ متوزعةُ الولاء بين “نظام الأسد” و “قسد” و “تركيا”، ولذا وبحجة محاربةِ النظام السوريّ والوضع المتوتّر مع تركيا، فإنه سيتم تشديد قبضة “قسد” على المنطقة وبدعمٍ طويل الأمد من التّحالف بعدما تكون قد ضمنت هي (قسد) ضعفَ وفشل المكوِّن العربيِّ العشائريِّ بالجملة.

مآلات:

ربما نجحت “قسد” مؤقتاً تفتيت المكوِّن العربي واضعافه وإظهارهِ عديمَ القدرة على التمأسس والانضباط، لكنها بالوقت نفسه زرعت حالةً من الغليان الذي لن ينتهي هنا، بل وسيكون له صدىً متصاعداً عبر ما يلي:

  1. استغلال الخلايا المُعادية لـِ “قسد” للقيام بعملياتِ ثأرٍ فرديةٍ “ذئاب منفردة” ممّا سيُظهرُ “قسد” مهترئة.
  2. كسبها عدواً جديداً لها (غير منضبطٍ) ويُعدُّ بالآلافِ على السّاحة السورية.
  3. 3-    وجود رديئةٍ لـِ “تنظيم داعش” تجعلهُ يتمدّد ضمن العشائرِ التي لن ترضى المهانة، واستغلال حالة الشعور بالثّأر للقيام بعملياتٍ ضدّ “قسد”.
  4. لفتُ “قسد” انتباهَ التّحالف أنها أفسدت مشروعه بربط التّنف بالشّمال، ممّا سيعطي التحالف مبررَ إعادةَ صياغة تحالفاتٍ جديدةٍ من جديد، خصوصاً وأنّ علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بتركيا (كدولتين) مستمرّة ومحوريّة، ممّا قد يمهِّدُ لمرحلة تعاونٍ أمريكيٍّ تركيٍّ أمنيٍّ خفيٍّ لن يكون في مصلحة قسد، بحيثُ لا تظهر فيه الولايات المتحدة الأمريكية في الواجهة على الإطلاق.
  5. فتح ملف حقوق الانسان التي خرقته “قسد” في هجومها الأخير، وقيامها بأعمال يعاقب عليها القانون الدوليّ، ممّا سيكون له تبعاتٌ مؤلمةٌ ومباشرةٌ عليها.
  6. 6-    خسارتها للشارع السنّيّ العربيّ في سوريّة وما سيترتبُ عليه من عزلةٍ لها.

خاتمة:

بغض النّظر عن كل التّحليلات السابقة، فإنّنا في تيار المستقبل السوريّ نرى أنّ العلاقة بين العشائر العربيّة أو بعضِها وقسد إنّما تحتاج مراجعةً وإصلاحاً من خلال محدِّداتٍ، قبل أن يزداد الوضعُ تعقيداً بما لا يخدم استقرار المنطقة، ونوجزها بما يلي:

1- إحداثُ توازنٍ ديمغرافيٍّ ما، يُشعِرُ المكوِّنَ العربيَّ بوجودهِ وأهميّتهِ جنباً إلى جنبٍ مع أهله الكُرد، ويضمنُ مشاركتهُ في منظومة القيادة الفعليّة للمنطقة.

2- إيجاد بدائل عن العنف في العلاقة بين المكونات.

3- عقد لقاء بين قيادات قسد والعشائر العربية كونهما أبناء الأرض من آلاف السنين، وقدرهما العيش معاً ضمن إطارٍ توافقيّ ينظمُ المشهد في المنطقة.

 4- إلغاء التّجنيد الإجباري.

5- وضع المقدرات الاقتصادية كافة وعلى رأسها النفطيّة تحت إشراف هيئةٍ مؤّلفةٍ من كلّ الأطراف، تنبثقُ عن انتخاباتٍ حرّةٍ ونزيهةٍ، بحيثُ يستفادُ من مواردها بما يخدم أهل المنطقة ورفاهيتهم ككلّ.

6- السّماح بعودة السورييّن إلى مناطقهم، وإلغاء قانون الكفالة.

وأخيراً، فإننا في تيار المستقبل السوري من خلال رؤيتنا الوطنيّة الجامعةِ نرى ضرورة السعي لإيجاد حلولَ تحالفيّة توافقيّة مبنيّة على عقدٍ اجتماعيٍّ صحيٍّ بين جميع المكوّنات السورية، للدّفع قُدماً نحو تنفيذ مقررات هيئة الأمم المتحدة 2254.

  • جمعة محمد لهيب
    باحث في قسم البحوث والدراسات
    المكتب السياسي
    تيار المستقبل السوري

المراجع:


[1] اشتباكات الشرق السوري.. ما أسباب ومآلات الصراع بين العشائر و”قسد”؟ | التلفزيون العربي (alaraby.com)

[2] Haian Dukhan, State and Tribes in Syria: Informal Alliances and Conflict Patterns, Routledge, 2018.

[3] نشر عبر معرفات التواصل الإجتماعي مواقف لعشائر: شمر, البكارة, البوشعبان, البكير, طيء, للوقوف مع عشيرة العيكدات ضد قسد.

[4] غالب العشائر في الرقة والحسكة وقفت مع قسد, مثلما حصل مع فصيل “الصناديد” الذي يقوده “حميدي دهام الجربا” شيخ قبيلة شمر, الذي وقف مع قسد, حيث خالف غيره من أبناء شمر القاطنين برأس العين وغيرها الذين وقفوا مع العشائر.

[5] مثل الشيخ نواف البشير شيخ عشيرة البكارة.

[6] مشروع الحزام السنّي العشائري في شرق سورية – مركز كاندل للدراسات (candlegrup.com)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى