البحوث والدراساتالمكتب العلميباحثون مستقلون

نظرية المؤامرة “سورياً”

في عام 2015، توصلت جامعة كامبرديج إلى أن أكثر من نصف البريطانيين على الأقل وافقوا على واحدة من قائمة تضم خمس نظريات للمؤامرة، وكانت هذه النظريات تتراوح ما بين وجود مجموعة سرية تتحكم في الأحداث العالمية، إلى مجموعة أخرى تؤمن بالكائنات الفضائية.
وبحسب البروفيسور كريس فرنتش، عالم النفس بجامعة غولدسميث في لندن فإن الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة يمثلون كل الأعمار مراهقين وشباباً وبالغين.
ولعل أكثر جانب تُغرقه نظرية المؤامرة وتترسخ به هو الجانب السياسي، الأمر الذي يستتبع عدم اهتمام في زيادة المعرفة السياسية، بل عدم التفاعل السياسي من الشعوب، لماذا؟ لأنه برأيهم كل شيء مدروس ومُخطط له فلا جدوى من المعرفة، ولا فائدة من العمل.
ومن الأمثلة لنظريات المؤامرة:
1- اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، حيث تم اعتبار القاتل ستاراً لقتلة آخرين.
2- أحداث 11 سبتمبر 2001م، والتي يسود اعتقاد كبير أن الحكومة الأمريكية هي وراء تفجير البرجين.
3- نظرية الأرض المجوفة، فهناك عالم متقدم يعيش تحت سطح الأرض، إضافة لنظرية الزواحف الحاكمة، والتي تعتبر كبار قادة العالم زواحف متخفين بأشكال بشرية.
4- طاولة التحكم بالعالم، فالمؤمنون بهذه النظرية يرون أن هناك طاولة تجمع قادة العالم الحقيقيين، وهم من يتحكمون بالطب والاقتصاد والسياسة والحروب ويخططون لمائة سنة قادمة لكل دول العالم، بل هم من يعينون الرؤوساء لكل الدول.
ولعل سبب شياع قبول نظرية المؤامرة هو ما كشفه مايكل باركون من أسباب ثلاثة لنجاحها:
1- الاقتناع أنه لا شيء يحدث بالصدفة.
2- الإيمان بأن الحقيقة لاتظهر دائماً، وما يظهر هو ما يُراد للناس معرفته فقط.
3- أن كل الأحداث تترابط ببعضها في العالم كله، فما يحدث في أمريكا مترابط مع مايحدث بأفريقيا وهكذا.
لهذا ستكون نظرية المؤامرة عبارة عن تفسيرات رغبوية، ومحاولة لتأويل الأحداث بشكل نسقي منسجم مع بعضه.
سنة 2021 تم ترجمة كتاب جان ويليم فان بروجين المعنون بـ “سيكولجية نظريات المؤامرة” حيث عالج المسألة من زاوية علم النفس، إذ يُقدم جان نماذج كثيرة من نظريات المؤامرة التي سادت في وعي جانب كبير من المجتمع ويقوم بتحليلها من منظور سيكولوجي، كما يتطرق إلى دورها في انتشار ثقافتي التدجين والاستلاب (حالة التبعية الثقافية للغير)، وأثرها على الخطاب السياسي وبروز التيارات الشعبوية في العالم التي غزت الفضاء السياسي بفضل نظريات مؤامراتية مجانبة للواقع وللحقيقة، ويمكن التوصية بالاطلاع على الكتاب ليتم الاطلاع على عديد المفاهيم والأدوات التي اعتدنا استغلالها في تحليل الواقع وتفكيكه.
لكن بالجانب الآخر، هناك حالة فوبيا من أي تفكير نقدي كاشف لمؤامرة ما، وذلك بسبب الخوف من التأثر بنظرية المؤامرة، ولعل مثال تولي حافظ أسد للسلطة يُعتبر واضحاً فيه موضوع التآمر، إذ يرفض الكثيرون الاقرار بوجود تآمر ما مِن القوى المتنفذة بالسبعينات والتي كان لها دور خفي في بروز دور حافظ الأسد عبر معطيين بارزين:
الأول، هو سرعة ترقيه بالرتب العسكرية، فحافظ أسد تخرج سنة 1955م من الكلية الحربية بحمص بعد ثلاث سنوات بدرجة بكالوريوس طيران حربي برتبة ملازم طيار، ورُقّي بعد ما سُمي بثورة الثامن من آذار في عام 1964 من رتبة مقدم طيار إلى رتبة لواء طيار دفعة واحدة، ثم ترقى لرتبة فريق جوي سنة 1968م، وسُمي وزيراً للدفاع، هذا التطور السريع بالرتب العسكرية دون خبرة يجب الحصول عليها، تُعتبر دليلاً على وجود تخطيط ما على الأقل.
الثاني، دور حافظ الأسد عندما كان وزير الدفاع في حرب حزيران 1967م، حيث أمر بإذاعة بيان سقوط القنيطرة عبر الإذاعة، قبل حدوث المواجهة مع اسرائيل، وما تبعه من هروب قائد الجبهة، أحمد المير ملحم، متنكراً على ظهر حمار، والتوجيه إلى الخطوط الأولى على الجبهة بالانسحاب الكيفي عن طريق الأراضي السورية واللبنانية، وإعادة التجمع في حمص لا في دمشق العاصمة لتزيد سيطرة حافظ الأسد على سورية بدل محاسبته على انسحابه!.

اليوم يعمد بشار الأسد إلى تغيير هيكلية نظام حكمه عبر ثلاثة اتجاهات يصفها إعلامه بالاصلاحية:
1- إنشاء الأمانة العامة للرئاسة، لتحل محل وزارة شؤون رئاسة الجمهورية، ليتسلم مهامها أمين عام مهمته تسيير الأمور الإدارية والمالية والقانونية في رئاسة الجمهورية، مايجعل منصب الرئاسة ذا سلطات متعددة مستقبلياً.
2- تغيير بنية المخابرات السورية عبر دمج بعض فروعها وتغيير قيادات عريقة مثل علي مملوك ليحل محله كفاح ملحم.
3- تغييرات وانتخابات حزب البعث العربي الاشتراكي الأخيرة والتي تُشكل تطوراً جديداً في سورية.
فهل هذه ارهاصات مؤامرة جديدة سيتم تمريرها على الشعب السوري؟ أم هي عبارة عن مخطط قد ينجح أو يفشل مثل كل المخططات السياسية؟

لاشك أن الواجب مربك، ولكن ما لا يمكن الارتباك فيه هو أن هناك مخططاً ما يتم التحضير له سورياً، ومن خلاله يمكن التوصية أن يتم استبعاد نظرية المؤامرة من التفكير السياسي! كي لا تكون سبباً بترك العمل والنضال، والاستعاضة عنها بالتخطيط المستقبلي من قبل قادة المعارضة، ووضع كافة السيناريوهات والتعامل معها، فذلك أحرى لإفشال المؤامرات إن تمت، أو الخطط الشيطانية إن رُسمت.

إدمون عيد سمعان.
باحثون مستقلون
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى