المكتب العلميدراساتقسم البحوث و الدراساتقسم شؤون المرأةكاتبوا التياروهيبة المصري

ما بعد اعتقالهنَّ.. “أصوات لا تتزعزع”

بات يُعتبر النظام السوري من أكثر الأنظمة الديكتاتورية في العالم التي تضطهد شعبها، فقد استخدم قبضته الأمنية في معاقبة شعبه بعد ثورته عليه، حتى عانت النساء على وجه الخصوص من ذلك، فلم يحترم مكانة المرأة لدى الوعي المجتمعي السوري، ولا القوانين الدولية الداعية لاحترام حقوق الإنسان، بل ولا القوانين السوريةذات الصلة أيضاً، ففي التقرير الأخير للشبكة السورية لحقوق الانسان (أصوات لاتتزعزع) والذي اقتبسناه بالمقال، وثّق التقرير استشهاد 115 سيدة بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية منذ آذار/ 2011 حتى 31/ كانون الأول/ 2023، وأضاف التقرير أن عام 2015 كان الأسوأ من حيث حصيلة الضحايا من السيدات بسبب التعذيب، وكانت جميع الحالات التي سُجلت فيه على يد قوات النظام السوري 23 %، وتنظيم داعش، تلاه عام 2012 ثم 2022، وطيلة هذين العامين كان النظام السوري المسؤول الوحيد عن كل حالات الوفيات بسبب التعذيب من السيدات.
كما وثق التقرير ما لا يقل عن 21 سيدة، مختفية قسرياً لدى قوات النظام السوري تم تسجيلهن على أنهن متوفيات في دوائر السجل المدني، وذلك منذ مطلع عام 2018 حتى 31/ كانون الأول/ 2023.
وسجل ما لا يقل عن 11 سيدة مختفية قسرياً لدى قوات النظام السوري تم تحديد هويتهن من خلال الصور المسربة لضحايا التعذيب من المشافي العسكرية “صور قيصر” وذلك منذ مطلع عام 2015 حتى 31/ كانون الأول/ 2023.

عانت النساء السوريات ضمن معتقلات نظام الأسد من جرائم عدّة، منها:
1- التعذيب الجسدي والنفسي، حيث يتم استخدام مختلف أنواع التعذيب كالضرب والشبح والصعق بالكهرباء والتهديد بالاغتصاب.

2- الاعتقال التعسفي، إذ شمل النساء السوريات ظلم النظام السوري الأمني المخابراتي عبر تركيب الملفات والتهم الملفقة، وغالباً ما يتم الاعتقال لفترات طويلة قد تصل إلى سنوات دون محاكمة عادلة، أو حتى توجيه تُهم، حيث كانت عمليات اعتقال النساء التي نفذتها قوات النظام السوري قد جرت بطرق متعددة، مثل: مرورهن على نقاط التفتيش والمعابر الحدودية، وتنقّلهن بين المدن، ومن خلال الكمائن الأمنية عبر استدراجهن بطرق مختلفة، للإيقاع بهن بهدف اعتقالهن، وعبر مداهمة منازلهن وأماكن إقامتهن، أو أماكن عملهن، أو جامعاتهن، وعبر اقتحام الأنشطة المُعارِضة من تظاهرات، ووقفات احتجاجية، وأثناء تأديتهن للأعمال الإنسانية كمساعدة النازحين والجرحى، أو من خلال خطفهن من الشوارع والأماكن العامة، وعبر استدعائهن للأفرع الأمنية للتحقيق ثم اعتقالهن، أو أثناء زيارتهن لمراكز الاحتجاز المدنية لرؤية أقربائهن المحتجزين/المعتقلين، وكذلك بعد خروجهن من المناطق التي شهدت عمليات حصار من قبل قوات النظام السوري، ومرورهن من المعابر التي أنشأتها قوات النظام السوري.

3- الظروف السيئة في الاحتجاز، من حيث الحرمان من الرعاية الصحية والغذاء.

4- العنف الجنسي، والذي استخدمته مخابرات النظام السوري ضد الشعب الثائر، إضافة لاستخدام الاغتصاب انتقاماً من مكوّن سوري على أساس ديني، حيث ذكر تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان أنه: منذ آذار/ 2011 حتى 31/ كانون الأول/ 2023 ارتكبت أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية ما لا يقل عن 10060 حادثة عنف جنسي استهدفت السيدات، وقال التقرير أن النظام السوري مسؤول عن قرابة 75% من حالات العنف الجنسي المسجلة، يليه تنظيم داعش،

5- الاستخدام كأداة ضغط، وهذا يشمل النساء والأطفال للكشف عن مطلوبين للمخابرات السورية.

معاناة السوريات بعد الاعتقال:
يُعتبر الخروج من معقلات النظام السوري ولادة جديدة، ولكنه خروجٌ محفوفٌ بتغيرات جسدية ونفسية وعقلية ذاتية من جهة، وتغيرات من نظرة المجتمع من ناحية ثانية، خصوصاً فيما يخص النساء، فالخروج من معتقلات النظام السوري يُعتبر معاناة ثانية خصوصاً في مجتمع ذكوري لا يتعايش مع فكرة اعتقال النساء لدى أشخاص عديمي الرحمة، وانتهاك أعراضهن في المعتقل، لهذا تبدو معاناتهن من خلال:
1- التمييز الاجتماعي، فالمرأة المُفرج عنها تمر بمرحلة توجّس مجتمعي منها، والنظرة المتخلفة لدى بعض الأنماط المجتمعية السورية تُحمِّل الضحية مسؤولية ماجرى معها.

2- توترات نفسية، فالصدمات النفسية والعقبات العاطفية، يؤدي كل ذلك إلى صعوبة تكيُّفهن مع الحياة بعد السجن.

3- التحديات القانونية، فالنظام السوري وإن أفرج عن معتقليه، إلا أنه يستمر بابتزازهن بحقوقهن المدنية، ويجعلهن يعانين من صعوبة التوظيف أو حتى إخراج وثائقهن القانونية.

4- التخوفات المستدامة من عودة الاعتقال أو الملاحقة الأمنية الدائمة عند كل حدث، ما يجعل المرأة في حالة من عدم الاستقرار فتُفكّر بالنزوح أو التخفي، وبالانتحار في بعض الأحيان، كما تحدثت بذلك عدد من التقارير.

كل تلك المعاناة وغيرها يجعل المجتمع الدولي أمام مسؤوليات أخلاقية وقانونية للوقوف مع المعقلين عموماً، والنساء المعتقلات خصوصاً، سواء ضمن الاعتقال أو بعده، فما يقدمه المجتمع الدولي من دعم إنساني لهنّ من مساعدات غذائية وطبية ضئيلة، إضافة إلى دعم قانوني من توفير حماية لبعض النساء المفرج عنهن ودعمهن بالوصول إلى المحاكم الدولية ذات الصلة، والنداءات السياسية الداعمة لحقوق المعتقلات وتقديم بعض المشاريع الصغيرة لبعض الحالات، والدعم النفسي والاجتماعي، كل ذلك لا يُعتبر كافياً لحل أزمة ما بعد الاعتقال للنساء السوريات بكل أسف!!

ما الذي يجب فعله؟
المرأة المُعتقلة أمام تحدي كبير، وأول ما يجب فعله هو الضغط على النظام السوري لإقامة محاكمات عادلة شفافة، وضمان توكيل محامين للنساء المعتقلات، والإفراج الفوري عن كافة المعقلات في الأفرع الأمنية اللواتي لا تُهم عليهن، أو يتم سجنهن للضغط على أقربائهن المطلوبين.
أما النساء اللواتي استشهدن تحت التعذيب فيجب ملاحقة القتلة المجرمين من الضباط والعناصر، وتقديمهم للعدالة وتقديم تعويضات مادية لأهلهن، فالنظام السوري انتهك العديد من المواد الخاصة بالنساء، والتي تضمنها البروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف 1977 بما فيها: الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب والاعتداء على الكرامة الشخصية وكل ما من شأنه خدش الحياء ،ما يشكل خرقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1325.
أما النساء اللواتي أفرج عنهن النظام السوري فيجب القيام بعدة خطوات ضرورية لهنّ لعل أهمها:
1- الدعم الصحي عموماً، والنفسي منه خصوصاً، وإيلاء قضية المرأة المفرج عنها أولوية قصوى لدى العيادات النفسية، ودعم الجمعيات الطبية ليكون لديها عيادات نفسية متخصصة بعلاج ما بعد الصدمة والاعتقال التعسفي.

2- الدعم الاقتصادي، عبر توفير مشاريع صغيرة أو متوسطة للراغبات باستكمال حياتهن، إضافة إلى توفير التدريب والتوطيف للنساء عموماً، والمفرج عنهن خصوصاً.
3- الدعم القانوني عبر توفير الحماية القانونية، والسعي لتنفيذ العدالة ضد الجرائم المرتكبة ضدهن.

4- الدعم الاجتماعي، وتعزيز مشاركتهن في المجتمع، ونشر التوعية الشعبية السليمة في كيفية معاملة المرأة المعتقلة.

خاتمة:
يعاني الشعب السوري بسبب السلطة المستبدة وما أفرزتها من واقع فوضوي تقسيمي للبلد، من مشاكل كثيرة، وإن اخترنا في مكتب شؤون الأسرة لـِ تيار المستقبل السوري موضوع النساء المعتقلات والمفرج عنهن بالخصوص، فذلك للدلالة على عموم معاناة الشعب السوري رجالاً ونساءً، على اعتبار أن المرأة في المجتمع السوري من الفئات المستضعفة، ولهذا فإننا نوصي بما يلي:
1- العمل على إنهاء حالة الاعتقال التعسفي في سورية، في كل المناطق الأربعة الخاضعة لسلطات الأمر الواقع، وبالخصوص مناطق سيطرة النظام السوري، باعتباره التجلي الأكبر لحالة القهر المنظم للشعب السوري.

2- تفعيل التوعية المدنية، خصوصاً في المناطق النائية والأطراف، وتوعية الشعب السوري على ضرورة إيلاء النساء المفرج عنهن معاملة خاصة ايجابية، والابتعاد عن التعاملات السلبية.

3- العمل على سن قوانين تُجرّم الأذيّة النفسيّة أو الماديّة للنساء المفرج عنهن، وإعطاءهن حقوقهن القانونية والمدنية.

4- تشجيع رجال الدين على توضيح الموقف الديني من المعاملة الحسنة مع النساء المفرج عنهن.

5- إنشاء جمعيات خاصة بالمعتقلات السوريات المفرج عنهن ودعمهن، ونحن في تيار المستقبل السوري نمد يدنا إلى كل من يريد القيام بهكذا عملٍ مؤسساتيٍّ منظّم في الداخل السوري، ونفتح مقراتنا في كل من عفرين واعزاز في خدمة أي مشروع مشابه، كما ونضع جميع إمكانياتنا لخدمة شعبنا عموماً، والمرأة السورية على وجه الخصوص، ونخصّّ منهنَّ المُعتقلات السابقات ومن لا يزلن يرزحن في السجون على امتداد سورية.

وهيبة المصري
مكتب شؤون الأسرة
تيار المستقبل السوري

مراجع:
التحديات التي تواجه النساء في شمال غربي سوريا…دراسة لوحدة المعلومات في الخوذ البيضاء – Syria Civil Defence
انتهاكات النظام ضدّ المرأة السورية وآثار النزاع المجحفة عليها – حرية برس Horrya press
المعتقلات السوريات.. ضحايا بالسجون متهمات في المجتمع | أخبار مرأة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
كيف تتعامل النساء السوريات مع المخاطر الأمنية للتوسط في النزاعات المحلية | هيئة الأمم المتحدة للمرأة – الدول العربية (unwomen.org)
معاناة المرأة السورية مستمرة في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة – البيانات الصحفية – الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية (etilaf.org)
النساء السوريات في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة (violetsyria.org)
تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين والحماية الاجتماعيّة: ماذا بعد؟ | OHCHR
المرأة عنصر أساسي في التعافي، لكن مشاركتها المنقوصة تقوّض تنفيذ أجندة المرأة للسلم والأمن | أخبار الأمم المتحدة (un.org)
المعتقلات السوريات.. ضحايا بالسجون متهمات في المجتمع | أخبار مرأة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة: التقرير السنوي العاشر عن الانتهاكات بحق الإناث في سوريا غالبيتها على يد النظام السوري | الشبكة السورية لحقوق الإنسان (snhr.org)
أصوات لا تتزعزع.. نساء سوريات واجهن محنة اعتقالهن وتحديات ما بعد الإفراج عنهن | الشبكة السورية لحقوق الإنسان (snhr.org)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى