مقدمة:
يُعتبر جيل ألفا جيلاً واكب التكنولوجيا الرقمية، إذ ترعرع في بيئة تهيمن عليها الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، يُمثله الأطفال الذين ولدوا عام 2010 وما بعده، حيث تظهر الأبحاث أن 80% من أفراد جيل ألفا يمتلكون أجهزة الكترونية، ويقضون فترة زمنية تراوح بين 2-5 ساعات يومياً بشكل وسطي أمام الشاشات ويفضلون الألعاب الإلكترونية التي تجمع بين متعة التشويق والتفاعل الاجتماعي، حيث تظهر مدى ارتفاع مستوى وعي جيل ألفا بعالم الألعاب، وإدراكه لمعنى البث المباشر، ومعرفته الشاملة بكافة الألعاب الشائعة ما دفعه لممارستها في سن مبكرة، وأضحى هذا الأمر واقعاً مفروضاً بين أفراد هذا الجيل.
لهذا سيكون تجاهل متطلبات جيل ألفا مؤثرا في المستقبل، حيث يؤكد الباحث الاجتماعي الاسترالي “مارك ماكريندل” الذي ابتدع مصطلح (جيل ألفا) أن هذا الجيل ستكون حياته مختلفة عن حياتنا بشكل نوعي.
الفرق بين جيل زد وجيل ألفا:
كانت الفروقات بين الأجيال البشرية تحتاج مدة زمنية كبيرة، وتغيرات سياسية واقتصادية ضخمة، الأمر الذي نجده مختلفاً في عصرنا بسبب تطور التكنولوجيا وتغيير الحياة بشكل أو بآخر عما كانت عليه سابقاً، لهذا يكمن فرق كبير بين الجيل الماضي الذي تحدثنا عنه في مقال سابق باسم “جيل z” وبين الجيل الجديد الحالي (جيل ألفا) ومن هذه الفروقات:
1- لا يوجد لدى جيل ألفا حالة الهوس بالتكنولوجيا مثل جيل زد، لأنهم أدمجوا التكنولوجيا في حياتهم، وبالتالي لم تعد شيئاً جديداً يجب اكتشافه كما هو حال جيل زد.
2- يملك جيل ألفا حرية كبيرة واستقلالية غير محدودة في استيعاب القيم والتطلع للمشاركة في بناء مستقبل جيد للمجتمع.
3- لا يهتم جيل ألفا بالفروقات المختلفة مهما كانت، وينظر للبشرية كلها بشكل واحد.
4- القدرة العالية على الابداع والابتكار باستخدام التكنولوجيا، بشكل يصعب معه ضبطهم أو التحكم بهم.
5- تُعتبر الألعاب فرصة للتعبير عن النفس والإبداع وإثبات المهارة لدى جيل ألفا، حيث أنه الجيل الذي صنعته الخوارزمية والذكاء الاصطناعي بحسب تقرير نشرته مؤسسة “هوت واير آند وايرد كونسلتينغ” (Hotwire and Wired Consulting’s).، والذي أشار إلى أنَّ بعض أجهزة وألعاب الذكاء الاصطناعي موجّهة تحديداً إلى “جيل ألفا”، مثل لعبة “هالو باربي” (Hello Barbie)، و”هاتشيمالز” (Hatchimals).
جيل ألفا والثورة:
يمكن القول أن هذا الجيل يحمل سمات يجب دراستها جيداً، من ذلك:
1- جيل ألفا أكثر مادية وسعياً للثراء والاهتمام بالاقتصاد على طريقته الخاصة.
2- أكثر تطلباً واحتياجاً من غيره، وأكثر سعياً للحصول على كل شيء يراه مهماً.
3- يُعتبر هذا الجيل أذكى من الأجيال السابقة لأن التكنولوجيا جعلت دماغه يتطور بشكل عملي، وهذا ماحاول مايكل مرزينيتش أستاذ علم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا تأكيده حين رفض اعتبار التكنولوجيا سبباً للغباء، بل أكد على أن دور التكنولوجيا كان عاملاً كبيراً في تطور الذكاء لأبعاد لم تتضح بعد، فالتكنولوجيا صقلت وما زالت مهارات جديدة للدماغ البشري، وتحرر العقل من المهام الصغيرة، وأتاح التركيز على مهام أكثر عمقاً.
4- أقل عنصرية وأكثر انفتاحاً من غيره من الأجيال، من ناحية قبوله للمختلف.
5- يؤمن هذا الجيل بشكل أكبر بقيم المساواة والعدالة، ويهتم بالبيئة بشكل أكبر من الأجيال السابقة.
6- تشير الدراسات أن سيطرة هذا الجيل على الواقع السياسي ستظهر سنة 2050م.
وبالتالي فإن وجود هذا الجيل ونحن في خضم الثورات التي لم تنضج بعد، سيجعل القطيعة واردة بين جيلنا وجيل ألفا من خلال مايلي:
1- لا مبالاتهم بالواقع السياسي، وابتعادهم عن الانخراط ضمن محاور تغييره، والاستعاضة عن ذلك ببناء حياتهم الشخصية ضمن رؤيتهم الخاصة وحسب.
2- اهتمامهم بالاتصال والتواصل بين مَن هم مِن جيل ألفا، مقدمٌ عن اهتمامهم بالحال السياسي الراهن، وما أفرزه من تقسيمات على الأرض وطريقة إدارتها.
3- لعل عدم نشأتهم في حالَ الاستبداد السياسي زمن نظام الأسد الابن، واستفاقتهم على حالة الحرب الفصائلية؛ لن يجعل لديهم انتماءً ثورياً كالذي يحمله جيلنا، بل سيسعون للتأقلم مع هذا الواقع دون الاهتمام بالمشكلات الوطنية العامة.
4- نظرتهم إلى قادة المعارضة السورية كنظرتهم إلى نظام بشار الأسد.
ما سيجعلنا أمام مرحلة ضعف في المشهد الوطني عموماً، والثوري خصوصاً، لنجد أنفسنا أمام جيل يبحث عن متطلباته التي ستكون أكثر مادية واقتصادية! وقد يكون بحثهم عن قيم العدل والمساواة مقيداً أو مدفوعاً بمصلحتهم ومتطلباتهم، وبالتالي لن تكون لهم مشكلة مع من يحكمهم، بل مع من يؤمّن لهم احتياجاتهم المادية!! فالعدالة وحسب نظرهم، هي عدالة الوصول لحاجاتهم المادية، والمساواة عندهم، وصول تلك المتطلبات إليهم!
وبما أن الواقع السياسي اليوم معقد بدرجة كبيرة، وهم ينظرون بشكل فرداني سطحي، فسوف يتحول اهتمامهم ليكون خارج تعقيد المشهد السياسي تفصيلاً لا جملةً، ما سيجعلهم أقلّ جيلٍ فاعلٍ ومؤثرٍ بالشأن السياسي.
سلبيات جيل ألفا:
تظهر سلبيات هذا الجيل يما يلي:
1- نفاذ الصبر وعدم تحمل ظروف الواقع بسبب عدم القدرة على تلبية جميع متطلباتهم.
2- ظهور التأثير السطحي لهذا الجيل واعتبار ما هو سطحي بالعموم أمراً مهماً لهم.
3- فقدان الانتماء الوطني والديني والتأقلم مع الليبرالية المنفتحة وغير المنضبطة.
4- بسبب تعلم مهارات متعددة بعمر مبكر فضلاً عن التعليم الدراسي، سيتم سرقة سنوات الطفولة من هذا الجيل ليصل لعمر البلوغ دون استمتاع حقيقي بمرحلة الطفولة، ماقد يجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب والتوتر.
5- التباعد المعرفي الكبير بين جيل الآباء وجيل ألفا، وبالتالي ربما فقدان التواصل بينهما.
ولعله وبعد خمس وعشرين سنة سيتولى جيل ألفا السيطرة على العالم، هذه السيطرة التي يجب أن نهتم لها ونعمل على دراستها وقراءة شكلها من الآن منعاً لان نكون نحنُ أنفسنا خارج مشهدها العام، ولكي لا نصل إلى مرحلة التحكم بنا عبر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات الالكترونية المُطوّعة بيد جيل ألفا.
خاتمة:
إن عدم الاهتمام بجيل ألفا الجديد سيكون خسارة مستقبلنا إن لم نقل وحاضرنا، لهذا فإننا بداية نوصي في مكتب شؤون الاسرة في تيار المستقبل السوري أن يكون هناك دراسات جامعية وأكاديمية اجتماعية وإحصاءات حقيقية عن واقع هذا الجيل في سورية، والاستفادة من النظرة العالمية لهذا الجيل بتقزيم دور الطائفية والعرقية والعشائرية التي نخرت بلادنا، والاهتمام بشكل كبير بتفعيل العقلية المدنية لهذا الجيل وترسيخ ما يمكله من عقلية تنموية، واهتمامه بقضايا العدالة البيئة، ما يجعل جيل ألفا عامل حل للقضية السورية وليس عاملاً محايداً أو هادماً.
كما يجب التوجيه لخطورة الذكاء الاصطناعي في تهديد سوق العمل، الأمر الذي يتطلب توجيهاً مدروساً لمهارات جديدة وطرق تفكير مختلفة، ولعل فلم T.I.M وغيره يوضح مدى خطورة الذكاء الاصطناعي التي يجب التنبه إليها، وعدم تسليم جيل ألفا لمستقبل مهني مجهول.
إضافة لما سبق فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري بما يلي:
-مشاركة الجيل الجديد في الأنشطة الاجتماعية.
- تعزيز وعي جيل ألفا حول دور وسائل التواصل الاجتماعي، ووضع قيود محددة في التعامل مع الشاشات والأجهزة الالكترونية.
- عدم ممارسة أسلوب الاستبداد التربوي، والاستعاضة عنه بالتوجيه السديد والرشيد.
- إسقاط الضوء أكثر على خطورة أزمة المناخ والتي ستواجه هذا الجيل قريباً.
- الاهتمام بمشكلات جيل زد، إضافة لحل الإشكاليات المتوقعة لجيل ألفا من الشعور بالوحدة وعدم الثقة والطموح المبالغ فيه وحب الظهور والشهرة إضافة للتصرف بشكل غير مسؤول للفت الانتباه.
أخيراً، يجب الإيمان بقدرة كل من جيلَي (زد) و (ألفا) على امتلاكهم مقومات النجاح، وتفعيل رغبتهم في إحداث تغيير ايجابي في سورية، ودعمهم لتشكيل مستقبلهم الخاص ضمن وطنهم الأم.
إلياس عبد المسيح
مكتب شؤون الأسرة
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري