أزمة المياه في سورية
تواجه سورية اليوم أزمة حادة في المياه الصالحة، بل يكاد يعيش السوريون في غالبهم على المياه غير الصالحة بسبب الجفاف الكبير في سورية، نحاول في المكتب الاقتصادي لـِ تيار المستقبل السوري توجيه عناية أصحاب القرار نحو هذه المشكلة المسكوت عنها.
مقدمة:
قبل الثورة السورية عمد النظام السوري لتأمين الحاجة من المياه من خلال بناء السدود وتطوير الزراعات المروية والتحويلات بين الحوضين، كما كانت سورية تتقاسم مياه نهر الفرات مع تركيا بموجب اتفاق تم توقيعه عام 1987م، حيث تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسورية 500 متر مكعب في الثانية كمعدل سنوي.
وقبل الثورة السورية كان 98% من سكان المدن، و 92% من سكان الريف، يتمتعون بسبل موثوقة للحصول على المياه الصالحة للشرب، لكن هذا الحال تغير بعد الثورة السورية، حيث كان لتعامل النظام السوري عسكرياً معها ما كانت نتيجته تدهوراً في البنية التحتية، وانخفاضاً لتدفق المياه من تركيا، وكما أفرز الواقع السوري الجديد عدم اهتمام بالمشاريع المائية المختلفة، حيث يذكر تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر نشر في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أن سورية تعاني نقصاً في مياه الشرب بنسبة تصل إلى 40 في المئة عما كانت عليه قبل عقدٍ من الزمان.
أسباب تدهور المياه في سورية:
حذّرت الأمم المتحدة من أن موجات الجفاف في منطقة البحر المتوسط ستزداد طولاً وشدّة، بينما اعتبر المؤشر العالمي لمخاطر الصراع لعام 2022 أن سورية أكثر البلاد عرضةً للجفاف في منطقة البحر المتوسط. وإذ يُعتبر تغير المناخ ضغطاً هائلاً على خزانات المياه والأنهار، ليُشكل الحصول على مياه صالحة للشرب تحدياً لملايين السوريين، كما أن هناك عدة أسباب ساعدت في تفاقم أزمة المياه في سورية وتأذي السوريين منها:
1- الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه وللصرف الصحي بسبب الحرب والعنف والتخريب المتعمد، إضافة لعدم الصيانة الدورية من قبل النظام السوري للتضييق على أبناء شعبه! ففي 25 أغسطس (آب) 2021، نشرت وكالة الفضاء الأوروبية صوراً ساتلية لبحيرة الأسد وسد تشرين وسد الطبقة، توضح تغيراً ملحوظاً في مستويات المياه، ما ينذر بموجات من الجفاف تصيب المناطق الشمالية من سورية.
2- نقص الموظفين الفنيين والمهندسيين المؤهلين لإدارة وتشغيل أنظمة المياه، فبعض التقارير تتحدث عن فقد المرافق المائية ما بين 30 في المئة إلى 40 في المئة من الكوادر المتخصصة بسبب السفر خارج البلاد أو الاعتقال أو الموت دون بديل متخصص.
3- تراجع تدفق المياه من تركيا عبر نهر الفرات وروافده، بسبب بناء السدود والقنوات والبحيرات الاصطناعية، حيث وصلت حصة سورية من المياه في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية.
4- الظروف المناخية القاسية والجفاف وانخفاض معدل هطول الأمطار، فقد أشارت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أن حالات الجفاف الشديد التي كانت نادرة فيما مضى، زاد احتمال حدوثها مرتين إلى ثلاث مرات بسبب الاحتباس الحراري وما نتج عنه من تداعيات. وأضاف تقرير الوكالة أنه “من المتوقع أن ينخفض الجريان السطحي للأنهار مع انخفاض هطول الأمطار على الجبال في تركيا وسورية، ما يعني زيادة الاعتماد على المياه الجوفية ومياه الأمطار”.
5- زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والنزوح الداخلي.
6- استخدام المياه كسلاح عسكري للتضييق على السوريين، عبر قطعها أو تلويثها أو السيطرة عليها، كما يظهر الحال في منطقة الحسكة بسبب الحرب بين تركيا وقسد الأمر الذي عرض نحو مليون سوري لخطر فقد المياه بحسب تقارير دولية، ففي أكتوبر 2019، سيطرت تركيا والفصائل الحليفة معها على محطة مياه “علوك”، واستخدمت تركيا محطة المياه منذ ذلك الحين في الضغط على قسد وميليشات النظام السوري، والتي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية وتستهدفها منذ سنوات.
7- تزايد عملية الحفر الجائر للآبار بشكل غير منضبط وعشوائي استجابة للاحتياجات الجديدة البشرية والزراعية والصناعية، ما أدى إلى استنزاف طبقة المياه الجوفية السطحية، وانخفاض مستوى سطح الماء داخل البئر عن المستوى المعهود.
مستقبل مخيف:
سيتم استنزاف موارد المياه في خمسة أحواض مائية: بردى والأعوج، والعاصي، والسهوب، ودجلة والخابور، واليرموك. حيث تشير الإحصاءات إلى أن المتوسط الحالي لنقص المياه يبلغ 1,727 مليون متر مكعب سنوياً، وسيصل هذا النقص إلى 6,2 مليار متر مكعب في عام 2050م، بسبب الاستهلاك المتزايد وسوء إدارة الموارد غير المتجددة إلى جانب النمو السكاني، كما سيؤدي إنخفاض الهطول المطري وتذبذبه إلى تفاقم هذا الوضع، مما سيؤدي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية، وجفاف بعض الينابيع، وانخفاض تصريف بعض الأنهار، فضلاً عن تعرض بعض الموارد المائية للتلوث من مصادر مختلفة.
خاتمة:
لاشك أن المسؤول الأول عن مشكلة المياه هو النظام السوري، والذي استقال من مهمة تأمين المستلزمات الحياتية المختلفة للسوريين، ويتحمل جزء من المسؤولية قوى الأمر الواقع في المناطق السورية الثلاثة (قسد، الحكومة المؤقتة، حكومة الانقاذ)، حيث يعتبر تأمين المياه للمواطن السوري وتحسين إدارة المياه من خلال تقليل الفاقد وتحسين الكفاءة، تحدياً كبيراً نظراً للظروف الراهنة الصعبة في البلاد.
ولكن يمكننا في تيار المستقبل السوري التوصية بعدة مقترحات كحلول مبدئية لأزمة المياه من أهمها:
- التعاون الدولي: خاصة فيما يتعلق بالمياه العابرة للحدود، حيث تقدم العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر المساعدة في تأمين المياه النظيفة للمواطنين السوريين، حيث نجحت فرق اللجنة الدولية في العمل على حلول عاجلة بديلة لمشكلة نقص المياه في مدينة الحسكة مثلا، منها: دعم هيئات المياه المحلية لمحاولة إعادة تشغيل محطة معالجة مياه؛ وتجهيز آبار لتوفير مياه شرب لنقلها بالصهاريج في بعض المواقع؛ وتنظيم نقل المياه بالصهاريج، وهو الترتيب الذي خدم السكان المقيمين، ومراكز للنازحين داخليًا، ومركز رعاية صحية، ومخبزين, الأمر الذي يمكن الاستفادة منه في باقي المناطق.
- إبرام اتفاقيات تقاسم المياه: يمكن أن يكون الحل العملي والأنفع للمنطقة هو إبرام اتفاقية تقاسم لمياه نهر الفرات بين تركيا وسورية والعراق، حيث تأتي أكثر من 70% من مياه سورية من خارج حدودها.
- تطبيق مبادىء الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM): تعزز أفضل الممارسات الدولية، مثل مبادىء دبلن، لإتباع نهج تعاوني ومشترك لتطوير وإدارة المياه المشتركة، حيث يجتمع المئات من خبراء المياه السوريين والدوليين منذ عام 2013م لوضع مبادىء توجيهية لسياسات المياه الوطنية المستقبلية في سورية، وقد تم اقتراح الموضوعات الرئيسية مثل: تطبيق مبادىء الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM) كمعيار؛ وربط الخطط الوطنية لاستخدام الأراضي بالموارد الطبيعية المتاحة؛ وتطبيق مبادىء الإدارة المتكاملة للموارد المائية للتعاون الدولي مع بلدان المشاطئة؛ وتعزيز الإطار المؤسسي والسياسي للمياه؛ وإنفاذ القوانين المتعلقة بالمياه؛ واعتماد نهج تشاركي في إدارة الموارد المائية.
المراجع:
التقرير العالمي 2024: سوريا | Human Rights Watch (hrw.org)
أزمة المياه في سوريا… جفاف وعطش | اندبندنت عربية (independentarabia.com)
ما الذي يحمله المستقبل للمياه في سوريا؟ – Fanack المياه
تحديث ميداني بشأن سورية: آثار مدمرة تطال المدنيين، وتخوّفات من شح المياه | اللجنة الدولية للصليب الأحمر (icrc.org)
أزمة المياه في سوريا – Fanack Water
الأمن المائي: أزمة تهدِّد الاستقرار في الشمال السوري – مركز الحوار السوري (sydialogue.org)
إبراهيم المصطفى
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري