المكتب الإعلاميالمكتب العلميدراساتقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التياروهيبة المصري

الفن الثوري السوري، أثره وتأثيره

يحاجج “ايلي عبدو” في مقال عن تأثير الفن على الحراك السوري، بأن الأغاني الثورية السورية لايمكن اعتبارها فناً ملتزماً، ويستخدم أغاني مارسيل خليفة نموذجاً، خصوصاً أغنيته “منتصب القامة أمشي”، إذ برأيه أن ” معظم أغاني ما سُمّي بالفن الملتزم، امتزجت الأوهام والأحلام الطفولية بالاستعارات والرموز والكنايات، الأمر الذي جعل هذه الأغاني تساهم من دون أن يدري صُنّاعها بتوليد وعي زائف، يخدع المتأثرين به ويؤدلجهم بطريقة سلبية”.
بينما الأغاني الثورية السورية مثل أغنية “يلا ارحل يابشار” تتجنب العمومية، وتحدد اسم الخصم، حيث يعتبر أن الوضوح هو أحد الفوارق الرئيسية بين الفن الملتزم وبين أغاني الثورة السورية، ويضيف الكاتب “أن الثبات الذي تبديه أغاني الفن الملتزم والمتأتّ من جاهزية الكلام ونهائيته، تقابله أغاني الثورة السورية بمرونة كبيرة”، لهذا فإن حجم تأثير الفن الملتزم ينحصر بالتعبئة، منفصلة عن سياق القضايا وأحداثها الحارة، مايجعلها عديمة التفاعل في حدثية النضال، وارتباط سياقاتها، بينما الأغاني الثورية السورية فتبدو أقرب لوجدان الجماهير، حيث أن الأحداث هي من تصنع الأغاني، وليست اللغة أو مجازاتها الأمر الذي يجعل تأثيرها أقوى.
إضافة إلى قضية نزع المقدس بالأغاني الثورية، والتي ابتعدت عن الأيدلوجيا التي طبعت الفن الملتزم، وأدخلته عنوة في دائرة المقدس.
لكن هل استمرت الأغاني الثورية بهذه السردية؟
الحقيقة أن الأغاني الثورية السورية اشتملت أيضا على جانب من الالتزام، من ناحية تجنب تحديد الخصم، والحصر بالتعبئة، وعدم التفاعل اليومي بالنضال، خاصة لما انتقلت الثورة السورية إلى الجانب المسلح، مثل أغاني الجيش الحر، أو الأغاني العمومية مثل “جنة جنة ياوطنا”، وأغنية “اضرب يا جيش الأحرار”، ثم لاحقاً أغاني الجماعات الإسلامية والتي حملت بغالبها طابع اللحن الخليجي مثل: ” صليل الصوارم”.
لكن بالعموم، وحسب دراسة “سلطان جلبي”، فقد ” اتسمت الأغاني الثورية التي رافقت الحراك المدني ضد السلطة في سورية على أنها الأكثر تشتتًا في الخطاب الذي تبثه، وعلى الرغم من أنها في جوانب محددة من خطابها كانت الأكثر تماسكًا، مقارنة بباقي الأنماط الغنائية، كما هو الحال مع معطى صورة الآخر أو الخصم المقابل في الصراع، حيث أشارت الأغاني كلها إلى السلطة مجسدةً في نظام الأسد! إلا أن هذه الأغاني أظهرت تشتتًا أكبر في جوانب أخرى من خطابها، من مثل الكلمات الأكثر تكرارًا، والدعوات التي تتضمنها الأغاني، وكذلك الأمر في اللون الغنائي والبنية الموسيقية”.

في الجانب التمثيلي:
تظهر في السياق ندرة المسرحيات التي تنشر سردية الثورة السورية الكبيرة، رغم وجود حراك مسرحي فردي، أعمال الفنان نوار بلبل مثلاً، وأعمال فريق “صبح” الثقافي الذي يقوم عليه شباب سوريون بالداخل السوري.

أما في جانب العمل السينمائي، فتظهر أكثر في الجانب التوثيقي، مثل فلم “درب الحرية” للمخرج محمود يكن، وفلم “العودة إلى حمص” للمخرج عبد الرحمن النحاس، إضافة إلى الأفلام القصيرة مثل فلم “الملك لا يموت” للمخرج يامن المغربي.
ولكن رغم ذلك استطاع فلم “جندي مجهول” للمخرج عبد الرحمن النحاس، أن يصور حياة شباب سورية الثائر بشكل روائي.
وللناقد السينمائي “نديم جرجورة” تفصيل حول براعة السينما الثورية السورية الوثائقية وندرتها روائياً.

أما العمل الإذاعي فتمثل مسلسل “يرموك” الذي بثته هيئة الاذاعة البريطانية BBC واحداً من هذه الأعمال القليلة.

أما في جانب العمل الدرامي، فلعل الارتباط الوثيق بمسلسل “الولادة من الخاصرة” رغم مشاركة ممثلين موالين للنظام السوري، يعتبر أول المسلسلات التي تحدثت درامياً عن الثورة السورية منذ بداياتها مروراً بالعسكرة، إضافة لمسلسل “دقيقة صمت” الذي قارب بغي السلطة المخابراتية في سورية بعيون رمادية، على أنه يمكن اعتبار مسلسل “أمل” الذي يتحدث عن تعذيب السجون الأسدية على اعتباره مسلسلاً سورياً يتحدث عن الواقع السوري، كما ويعتبر مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” من أشهر المسلسلات التي تحدثت عن سلطة بشار الأسد بطريقة درامية.

في الجانب التشكيلي يمثل معرض “أساطير” في الدوحة أحد تمظهرات تأثير الثورة على الفن التشكيلي، إضافة لمعرض “رسم” والذي أقيم في مدينة اعزاز السورية.

خاتمة:
يظهر ممّا تقدم أنّ الفن استطاع في بداية الثورة السورية أن يكون متأثراً ومؤثراً في الحراك السوري، ثم بعد ذلك يمكن اعتبار باقي المنتوج الفني عبارة عن صورة متأثرة أكثر منها مؤثرة، خصوصاً الجانب التوثيقي منه.
لهذا تظهر الحاجة اليوم أكثر من أي يوم مضى أن يتم دعم الفن السوري على اعتباره عامل تأثير للواقع السوري، وليس متأثراً فقط! ولهذا فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري بما يلي:

  • دعم الفن السوري بكلّ أشكاله، الفن الذي يتماهى مع مبادئ الثورة السورية، عبر مشاركة شخصيات وأسماء فنية لها تاريخها النضالي منذ بداية الثورة السورية مع الفنانيين في الداخل السوري، ونقول هنا أننا بدأنا العمل في مقري تيار المستقبل السوري في اعزاز وعفرين على تقديم ما نستطيعه حول الدفع بدعم العمل الفني، ونقوم حاليا برسم خطط ذات صلة بهذا المجال، ونحن منفتحون على أي مقترح، وإضافة يمكن أن تفيد في خططنا هذه.
  • نقل الفن السوري من الجانب الملتزم إلى الجانب التفاعلي مع الواقع، أو الجمع بينهما بطريقة خاصة فريدة، عبر تقديم سيناريوهات مسرحية أو تمثيلية أوسينمائية تتحدث عن الواقع الراهن، خصوصا حالة الفصائلية وتعدد مناطق النفوذ، إضافة إلى مواضيع اجتماعية تهم السوريين بالداخل، وتهم السوريين في بلاد اللجوء خارج سورية، والعمل على رسم سياسة تحرير تستند إلى رؤية واستراتيجية واضحة تبتعد عن المحاصصات السياسية والأجندات المتضاربة، والطروحات المذهبية أو الطائفية، وتنأى بنفسها عن الخطاب الشعبوي أو المتطرف.
  • التعاون مع مؤسسات عالمية لإنتاج الأعمال الفنية.
  • الاهتمام بالأعمال التشكيلية والمسرحية في الداخل السوري، ونحن في تيار المستقبل السوري نقدم مانستطيعه خصوصاً في مقرينا في مدينة اعزاز وعفرين لدعم هذه الأعمال.
  • رفض الفن “الطائفي والعنفي والارهابي” الذي آذى الثورة السورية، كما حال النظام السوري.
  • الاستعانة بخبراء متخصصين لصناعة منهجية وطنية فنية قوية.
  • التركيز على مخاطبة الجمهور العربي والغربي فضلاً عن السوري لمجابهة سردية النظام السوري أو الجماعات المتطرفة، وتوثيق التعاون مع قطاع الفن العربي والغربي.
  • تشجيع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الفن الثوري ليتحرَّر من الارتهان ماليًّا لمن لا تعنيه القضية السورية معنويًّا وأخلاقيًّا، والبحث عن التمويل الذاتي، خاصة للحوامل الفنية للثورة السورية.
  • التدريب والتأهيل للوصول إلى الاحترافية واحتكاك الخبرات وتشجيع ودعم التجارب الناجحة.
  • تأسيس دار لتعليم الفن بكافة إختصاصاته في الشمال السوري، ونوصي جامعة حلب في المناطق المحررة أن تنهض بمثل هذا المشروع الرائد والمميز.

وأخيراً فإننا نوصي بشدة بمايلي:

  • تأسيس مجلس أعلى للفن الثوري السوري، وتوحيد كافة الجهود الفنية من خلالها لتنظيمها ودعمها، وتقديم رسالتنا الوطنية من خلاله للعالم أجمع.

وهيبة المصري
المكتب الإعلامي
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

مراجع
أغاني الصراع في سوريا(1): الجهاديون الأكثر حزناً وغضباً – Daraj
معرض ”رسم” في أعزاز محاكاة لواقع السوريين (rozana.fm)
مقاربة تشكيلية للثورة السورية في معرض بالدوحة | أخبار ثقافة | الجزيرة نت (ajnet.me)
مسلسل أمل – 1 : الثورة السورية.. أمل وآلام | Amal ᴴᴰ Arabic Television Drama – 1 (youtube.com)
دراما الثورة السورية (2).. الولادة من الخاصرة (ultrasawt.com)
١٠ أفلام سورية في ١٠ أعوام من الثورات… اختبارات صُورٍ واكتشافات لغة – مجلة رمان الثقافية (rommanmag.com)
فيلم “سوريا: النساء في الحرب”.. الثورة في عيون بطلاتها | فن | الجزيرة نت (aljazeera.net)
أفلام الثورة: توثيق ذاكرة السوريين خارج الرقابة (alaraby.co.uk)
أدلجة الغناء (تحليل مضمون الأنماط الغنائية في الصراع السوري) – مركز حرمون للدراسات المعاصرة (harmoon.org)
البنية الخطابية لإعلام الثورة السورية وتَمْثِيل الصراع والقيم | مركز الجزيرة للدراسات (aljazeera.net)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى