المكتب الإقتصاديبحوث ودراسات

“الدخل الأساسي الشامل”

تسليط الضوء على البديل

الدخل الأساسي الشامل هو مفهوم يقترح توفير مبلغ مالي ثابت ومنتظم لكل مواطن دون شروط أو قيود.
يهدف هذا المفهوم إلى ضمان حد أدنى من المعيشة للجميع وتحسين العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

مزايا نظام الدخل الأساسي:
يمكن أن يساهم الدخل الأساسي الشامل في تخفيف الفقر والتقليل من الاعتماد على الرفاهية الاجتماعية، بمنح كل مواطن مبلغاً يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية، يمكن تحسين مستوى المعيشة والصحة والتعليم والفرص الاقتصادية للفئات الهشة والمهمشة، كما يمكن تبسيط الإجراءات الإدارية والتقليل من التكاليف الإضافية لإدارة البرامج الاجتماعية المعقدة والمشروطة
كما يزيد الدخل الأساسي الشامل من حرية الاختيار والابتكار للمواطنين، بتوفير دخل ثابت ومضمون، يمكن للمواطنين أن يقرروا كيف ينفقون وقتهم ومواردهم بشكل أفضل، يمكن للمواطنين أن يختاروا العمل في مجالات تناسب ميولهم ومهاراتهم وطموحاتهم، أو أن يتفرغوا للتعلم أو التطوع أو الفن أو الرعاية الأسرية أو غيرها من الأنشطة المجتمعية، كما يمكن للمواطنين أن يتخذوا مخاطر أكبر ويبدعوا في ريادة الأعمال والبحث والتنمية
كما أن نظام الدخل الأساسي يمكن أن يحسن من الاستقرار والتضامن الاجتماعي، بتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتعزيز الكرامة والمساواة للجميع، كما ويساعد في تقوية الروابط الاجتماعية والثقة بين الناس والمؤسسات.
كما ويساعد هذا النظام في تقليل العنف والجريمة والتمييز والتطرف والاحتجاجات الاجتماعية.

نظام الدخل الأساسي الشامل فكرة جذابة ومفيدة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية في سورية بالخصوص وفي العالم بالعموم. ومع ذلك، فإن هذا المفهوم يواجه أيضا العديد من العقبات والانتقادات من النواحي السياسية والمالية والأخلاقية. لذلك، يجب دراسة نظام الدخل الأساسي الشامل بعناية، وتقييم تجاربه العملية وآثاره على المجتمعات المختلفة قبل تطبيقه على نطاق واسع.

نظريات اقتصادية وراء فكرة الدخل الأساسي:
هناك بعض النظريات الاقتصادية التي تدعم أو تنتقد فكرة الدخل الأساسي. منها:
• نظرية الدخل النسبي: حيث تقترح هذه النظرية أن الاستهلاك يعتمد على الدخل النسبي للأفراد، أي مقارنة دخلهم مع دخل الآخرين في المجتمع، ووفقًا لهذه النظرية يمكن أن يؤدي الدخل الأساسي إلى زيادة الاستهلاك والرفاهية للأفراد الذين يحصلون على دخل أقل من المتوسط، ولكن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تقليل الحافز للعمل والتوفير والاستثمار للأفراد الذين يحصلون على دخل أعلى من المتوسط .
• نظرية دورة الحياة: تقترح هذه النظرية أن الأفراد يخططون لاستهلاكهم وتوفيرهم على مدار حياتهم، بناءً على توقعاتهم لدخلهم في المستقبل. وفقًا لهذه النظرية، يمكن أن يؤدي الدخل الأساسي إلى زيادة الاستهلاك في المراحل الأولى من الحياة، ولكن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى زيادة التوفير في المراحل اللاحقة من الحياة، خاصة إذا كان الدخل الأساسي غير مضمون أو معرض للتغيير.
• نظرية النقدية: تقترح هذه النظرية أن النمو الاقتصادي يعتمد على العرض النقدي في الاقتصاد، وأن الحكومات يمكنها تحقيق الاستقرار الاقتصادي عن طريق التحكم في العرض النقدي. وفقًا لهذه النظرية، يمكن أن يؤدي الدخل الأساسي إلى زيادة العرض النقدي في الاقتصاد، ولكن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى زيادة التضخم والعجز المالي والتدخل الحكومي في السوق.

الدول التي قامت بتطبيق نظام الدخل الأساسي:
هناك بعض البلدان التي قامت بتجربة أو تطبيق نظام دخل أساسي شامل أو مشابه منها:
• فنلندا: في عام 2017 ، بدأت فنلندا تجربة لمدة عامين لتوفير دخل أساسي شهري قدره 560 يورو (حوالي 670 دولارًا أمريكيًا) لمجموعة عشوائية من 2000 شخص معطل عن العمل. وكان الهدف من التجربة هو قياس تأثير الدخل الأساسي على الحافز للعمل والرفاهية النفسية والاجتماعية، وأظهرت النتائج أن المستفيدين كانوا أكثر سعادة وثقة وأقل قلقًا واكتئابًا، ولكن لم يكون لهم تأثير كبير على معدلات التوظيف.
• كندا: في عام 2018 ، بدأت مقاطعتا أونتاريو وكيبيك تجربتين منفصلتين لتوفير دخل أساسي شهري للأفراد والأسر ذات الدخل المنخفض، وكان الهدف من التجربتين هو تحسين الصحة والتعليم والتمكين الاقتصادي والحد من الفقر، ومع ذلك، تم إلغاء تجربة أونتاريو بعد عام واحد فقط بسبب تغيير الحكومة والتكاليف المرتفعة، ولا تزال تجربة كيبيك مستمرة.
• إيران: في عام 2010 ، أطلقت إيران برنامجًا لتوفير دخل أساسي شهري قدره 29 دولارًا أمريكيًا لكل مواطن، وذلك كبديل للدعم الحكومي للوقود والمواد الغذائية، وكان الهدف من البرنامج هو تحسين العدالة الاجتماعية والحد من الفقر والتضخم والاستهلاك الزائد. وأظهرت الدراسات أن البرنامج لم يؤثر سلبًا على معدلات العمالة أو الإنتاجية، ولكنه زاد من الإنفاق على السلع والخدمات الأساسية والتعليم والصحة.

هناك أيضًا بلدان أخرى مثل الهند والبرازيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها التي قامت بتجارب أو مبادرات محدودة أو محلية أو خاصة في هذا المجال.
ولكن بالعموم وإن كان «الدخل الأساسي الشامل» حلاً مؤقتاً ومفيداً إلا أنه يفشل في تغيير أي شيء يتعلّق بنظام الإنتاج الكامن، فهو يقبل النظام القائم بشروطه الخاصة، لا يفعل شيئاً لتغيير مَن يسيطر على الإنتاج، وأنواع السلع والخدمات التي تُنتَج، وتحت أي ظروف، ولصالح مَن.

في سورية:
يظهر الاحتياج الكبير في سورية بسبب الحروب والنزوح، ومع تخفيف المساعدات الاغاثية، يصبح الاحتياج أكبر، لهذا يمكن اللجوء إلى برامج اقتصادية بديلة، منها هذا البرنامج، فسورية هي بلد يعاني من حرب طويلة مستمرة منذ عام 2011 ، والتي أدت إلى خسائر بشرية ومادية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية هائلة، وتواجه سورية تحديات كبيرة في مجالات الأمن والسياسة والإنسانية والإعمار والتنمية و… كما تعتمد سورية على موارد محدودة ومتناقصة، وتتأثر بالتغيرات والصراعات الإقليمية والدولية
ولهذا فإننا في المكتب الاقتصادي لـِ تيار المستقبل السوري نوصي بالآتي:

  • إيلاء فكرة “الدخل الأساسي” أولوية لدى سلطات الأمر الواقع بالداخل، ولدى الدول الاقليمية والدولية.
  • وضع خطط مصدرية للمال اللازم, سواء عبر ميزانية حكومية، أو اقتراض داخلي، أو صندوق زكوات للسوريين بالداخل والخارج يقوم عليه أشخاص معروفون بالنزاهة والشفافية.
  • تحديد المبلغ المالي الذي يستحقه كل مواطن سوري، ودراسة جعل هذا المبغ يحقق الكفاية للحد الأدنى من المعيشة عبر دراسة ميدانية اقتصادية.
  • وضع شروط وقيود للمستفيدين من الدخل الأساسي عبر آليات ومعايير يتم تقييمها بشكل دوري وفرضها ومراقبتها، إضافة إلى دراسة الآثار القانونية والادارية والسياسية والشرعية لتلك الشروط.
  • وجود توافق سياسي بداية في المناطق خارج سيطرة النظام، يبتدأ من الشمال الغربي لسورية.
  • العمل على الحصول على الدعم الدولي لهذا المشروع، ويمكن للمجتمع المدني كما ويمكننا في تيار المستقبل السوري المساعدة في ذلك.
  • التشدد على ضرورة وجود اصلاح اداري بكل ما يتعلق بنجاح نظام الدخل الأساسي.
    أخيرا، فإننا نوصي صناع الرأي والاعلاميين تسليط الضوء على نظام الدخل الأساسي.

عمار العموري
باحث في قسم البحوث والدراسات
المكتب الاقتصادي.

…………………………………………..
المراجع:
الدخل الأساسي الشامل: تمكين رواد الأعمال من تحقيق أحلامهم – FasterCapital
ويلز تجرب اعتماد دخل أساسي شامل بـ19 ألفا و200 جنيه في السنة | اندبندنت عربية (independentarabia.com)
ويلز تجرب اعتماد دخل أساسي شامل بـ19 ألفا و200 جنيه في السنة | اندبندنت عربية (independentarabia.com)
The relative income hypothesis: A comparison of methods – ScienceDirect
حدود «الدخل الأساسي الشامل» | صفر (alsifr.org)
حدود «الدخل الأساسي الشامل» | صفر (alsifr.org)
الدخل الأساسي الشامل من منظور إسلامي | جامعة حمد بن خليفة (hbku.edu.qa)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى