مؤتمر بروكسل الثامن، الآمال والطموح
أوصل نظام بشار الأسد منذ عام 2011م، وحربُه المستمرة على شعبه من أجل الحفاظ على كرسي حكمه، سورية وشعبها إلى حافة الهاوية على كافة الأصعدة، مما دفع بالإتحاد الأوروبي منذ عام 2017م إلى تنظيم مؤتمر دعم مستقبل سورية والمنطقة، بغية تشجيع تعهدات المانحين، بمشاركة ممثلين عن حكومات، ومنظمات دولية وإقليمية، ومنظمات مجتمع مدني، في حين لم تُدع روسيا إلى مؤتمر العام الماضي، بسبب غزوها لأوكرانيا.
كان مؤتمر بروكسل 1، الذي عقد خلال يومي 4-5 نيسان 2017م، قد تعهدّ المانحون فيه بتقديم 5.6 مليارات يورو، و3.47 مليارات يورو كمساعدة للفترة 2018-2020.
وتعهد المانحون في مؤتمر بروكسل 2، والذي عقد خلال يومي 24-25 نيسان 2018، بتقديم 3.5 مليارات يورو.
أما في مؤتمر بروكسل 3، والذي عقد في الفترة من 12 إلى 14 آذار 2019، فقد تعهّد المانحون فيه بتقديم 6.2 مليارات يورو لعام 2019، و2.4 مليار يورو لعام 2020 وما بعده.
وفي بروكسل 4، قالت المفوضية الأوروبية، إن المشاركين في مؤتمر المانحين لمساعدة اللاجئين السوريين الذي نظّمه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في بروكسل، تعهدوا تقديم 6.9 مليارات يورو (7.7 مليارات دولار)، بينها 4.9 مليارات للعام 2020.
وفي مؤتمر بروكسل 5، الذي اشترك في رئاسته الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أيضاً، تعهد المجتمع الدولي بـ 5.3 مليارات يورو لعام 2021 وما بعده لسورية والبلدان المجاورة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين.
وخلال مؤتمر بروكسل 6، تعهّد المجتمع الدولي بتقديم قرابة 6.4 مليارات يورو لعام 2022 وما بعده، فتعهّد الاتحاد الأوروبي تقديم أكثر من 4.8 مليارات يورو منه، مع أكثر من 3.1 مليارات يورو من المفوضية الأوروبية، و1.7 مليار يورو من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ثم تعهد المجتمع الدولي، خلال مؤتمر بروكسل 7، تقديم 9.6 مليارات يورو توزع بين منح وقروض للشعب السوري والدول المستضيفة للاجئين السوريين، بينما تعهد المجتمع الدولي بما يقرب من 5.6 مليارات يورو لعام 2023 وما بعده، منها أكثر من 3.8 مليارات يورو تعهد بها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.
وأكد الاتحاد الأوروبي أنه سيواصل تعبئة جميع الأدوات المتاحة له لدعم الحل السياسي التفاوضي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وللمساعدة في تهيئة الظروف لمستقبل أفضل لجميع السوريين.
ولاشك أن هذا السخاء المعلن من قبل المانحين في مؤتمرات بروكسل يعد خطوة أولى هامة وضرورية في وجوه تقديم المساعدة والدعم المادي، ووسائل التمكين السياسي للشعب السوري وصولاً إلى حلٍ شاملٍ يتماشى مع مقررات الأمم المتحدة 2254، بلوغاً لتوافقٍ سوريٍ سوري، يضع حداً لمعاناة الشعب، ويُعيد السوريين إلى بيوتهم.
من هنا فإننا في تيار المستقبل السوري نأمل أن يتمكن مؤتمر بروكسل 8، من تحقيق أهدافه، وأن يكون شريكاً للسوريين بطريقة ما، لا أن يكتفي بتقديم الداعم فحسب! وهنا نوجز ما نطمح إليه في هذه المرحلة بالنقاط التالية :
- استمرار شريان الدعم المالي تلبية لاحتياجات الشعب السوري، وخاصة الأساسية منها، مع التشديد على ضرورة منع استفادة النظام السوري أو أحد بواباته الخلفية أو أجنحته الخفية من أوجه الدعم أياً كانت، والتقارير الرسمية تُقيد أن أكثر من ثلث الدعم المالي الذي يدخل سورية إنما يستحوذ عليه النظام السوري عبر مكائد وخطط نعرفها ونقدّرها جيداً!، وإننا في تيار المستقبل السوري مستعدون للتعاون مع الأطراف المعنية من خلال خبراتنا وتجاربنا، منعاً للنظام السوري من استغلال أو تحويل أوجه الدعم المالي لمصلحته.
- لابد من أن يكون بصورة ما، مؤدى الدعم المالي بلوغ تحقيق حل سياسي شامل يتم التوصل إليه من خلال طاولة الأمم المتحدة، وإفشال مخطط روسيا حول البيئة الآمنة والمُحايدة، التي تهدف تحييد الأمم المتحدة من رعاية الحل! ليكون روسياً بامتياز، ولهذا فإننا نخشى في تيار المستقبل السوري بقاء المجتمع الدولي بعيداً عن التفاعل السياسي مع الملف السوري مما قد يضطرنا للاستسلام للإرادة والرغبة الروسية.
إنه ما يزال أمام المجتمع الدولي فرصة كبيرة في دعم مسارٍ يمنع استحواذ الروس على سورية، عبر ضغط ما لقبول النظام السوري والمعارضة السورية حلاً سياسياً مقبولاً وممكناً، وإننا في تيار المستقبل السوري نعمل على ذلك مع شركائنا في أمريكا ودول أخرى وننتظر أن يتبلور شيء قريب نعلن عنه ونشاركه أبناء شعبنا ووطننا. - المشاركة وتعميق الحوار مع المجتمع المدني السوري والجهات المعنية الرئيسية في الأمم المتحدة ووكالاتها، وضرورة ألا ينقطع هذا التواصل والتعاون، ونحن في تيار المستقبل السوري باعتبارنا تياراً مدنياً لنا تواجد في الداخل السوري، وحاضنة شعبية في تزايد مطرد، ونتطلع لمزيد تنسيقٍ وتعاون مع الأمم المتحدة، ونُشجع على زيارتهم لمقراتنا في الداخل السوري والاطلاع على نشاطنا وأن يكونوا معنا شركاء، وإننا في تيار المستقبل السوري نسعى ونطمح لأن نكون حلقة وصل حقيقية مع التيارات السورية المدنية المختلفة من جانب، والأمم المتحدة ووكالاتها من جهة ثانية.
- ضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سورية خلال الحرب، وضمان عدم افلاتهم من العقاب، ومراقبة أصولهم المالية وكيف تُدار.
5.نعتبر مؤتمرات بروكسل السنوية بمثابة “بارقة أمل” للسوريين، وهنا فإن تيار المستقبل السوري يُحملكم رسالة الشعب السوري برمّته في الحفاظ على بارقة الأمل تلك، والبناء عليها وتطويرها، فهي تعكس رغبة الشعب السوري في السلام والاستقرار والحياة الكريمة.
5- محاربة التنظيمات المتطرفة قد تحتاج لقوةٍ عسكرية، لكن امتلاك المَلَكة العلمية هي السبيل الأمثل لمواجهة سردياتهم ومحاصرتها ثم تفكيكها، خصوصاً فيما يقوم به تيار المستقبل السوري من التركيز على الاطفال والمراهقين والشباب، لذا فإنه من الضروري مساعدتنا في مشروعنا الذي نعمل عليه منذ سنوات على الأرض، في نشر التعليم المدروس لمواجهة الفكر المتطرف، وإننا في تيار المستقبل السوري نولي أهمية كبيرة اليوم في الأطفال الأيتام والمتسربين عن مقاعد الدراسة، ونقدم لهم الرعاية العلمية والنفسية معاً، إيماناً منا أن لا ندعهم كلقمةٍ سائغة أمام رعاة ودعاة الخطاب المتطرف، وفي ذلك مصلحة متبادلة بيننا كسوريين من جانب والمجتمع الدولي من جانب آخر.
6- إن الذكورية منتشرة في سورية بشكل كبير لأسباب اجتماعية وسياسية ودينية وغيرها، وهناك حاجة لنشر المساواة بين الجنسين بشكل ناعم غير صدامي عبر برامج تعليمية مدروسة، وإننا في تيار المستقبل السوري نحاول تقديم إصلاح ناعم في هذا المجال، ومن الضروري للوكالات التي تهتم بموضوع المساواة والجندر أن يكون بيننا وبينهم تعاون نُقدمه على الأرض، وإننا مرنون أمام كل سُبل التعاون التي تُفيد تحقيق أهدافنا الإنسانية وخدمة شعبنا السوري للخروج من تبعات الحرب.
خاتمة:
إن رؤيتنا للعالم في تيار المستقبل السوري اليوم، لاتقوم على فكرة القطبية، بل تقوم على التفريق بين محور النظام الدولي القائم على مبادئ حقوق الإنسان، ومحور أنظمة الشر المتخلفة التي تريد استجرار صدامات تاريخية ودينية وسلطوية على حساب التقدم والتطور الإنساني.
ولهذا فإننا في تيار المستقبل السوري نؤمن بدورنا في دعم مسيرة محور النظام الدولي القائم على مبادئ حقوق الإنسان، ونرى أن كل الجهود مهما كانت صغيرة فهي مفيدة في تضييق الخناق على محاور الشر وبؤر التخلف المختلفة، كما نرى أن على المحور الأول (محورنا كسوريين) التكاتف والتعاون ومساعدة المجتمع الدولي للنهوض بمهامه وواجباته، تماماً كما تساعد دول محور الشر بعضها! ونرى ضرورة عدم ترك أي خطوة دون دعم وتوجيه، لهذا فإننا في تيار المستقبل السوري كما نطلب مساعدتنا بالتخطيط والاستشارات والتمويل و.. فإننا نقدم كل مانملكه من إمكانيات لتدعيم مبادئ حقوق الإنسان في سورية أولاً، حمايةً للأمن والسلم الدوليين من الانهيار والتداعي أمام محاور الشر وبؤر التخلف.
د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري