المكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالاتمقالات شؤون الأسرةمكتب شؤون الأسرةوهيبة المصري

السلم الأهلي وحماية الأسرة السورية

مقدمة:

السلم الأهلي حالة من الاستقرار والتعايش السلمي داخل المجتمع، حيث يتم رفض جميع أشكال العنف والتقاتل، سواء كان ذلك من خلال الدعوة إليه أو التحريض عليه أو تبريره، ويهدف السلم الأهلي إلى تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمشاركة السياسية والاقتصادية لجميع الأفراد دون تمييز.

“السلم الاهلي” فلسفيا:

هناك العديد من الأطروحات الفلسفية التي تناولت موضوع السلم الأهلي، ومن أبرز هذه الأطروحات:

  1. توماس هوبز، في كتابه “التنين” (Leviathan) الذي نُشر عام 1651، يناقش أهمية الدولة القوية لضمان السلم الأهلي. حيث يعتقد هوبز أن الطبيعة البشرية تميل إلى الصراع والعنف، ولذلك فإن وجود سلطة قوية هو السبيل الوحيد لضمان السلام والاستقرار داخل المجتمع.
  2. جون لوك، في كتابه “رسالتان عن الحكومة” (Two Treatises of Government)، حيث يعارض فكرة هوبز عن الدولة المطلقة ويؤكد على أهمية العقد الاجتماعي الذي يضمن حقوق الأفراد وحرياتهم، حيث يرى لوك أن السلم الأهلي يمكن تحقيقه من خلال حكومة تحترم حقوق الملكية والحرية الشخصية.
  3. جان جاك روسو، في كتابه “العقد الاجتماعي” (The Social Contract)، يقدم رؤية مختلفة عن العقد الاجتماعي، حيث يعتقد أن السلم الأهلي يمكن تحقيقه من خلال الإرادة العامة التي تعبر عن مصالح المجتمع ككل، وليس من خلال سلطة فردية مطلقة.
  4. جون رولز، في كتابه “نظرية العدالة” (A Theory of Justice)، يناقش كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية كوسيلة لتحقيق السلم الأهلي، حيث يقترح رولز مبدأين أساسيين: مبدأ الحرية المتساوية ومبدأ الفرق، حيث يجب أن تكون الفروقات الاجتماعية والاقتصادية مرتبة بحيث تكون لصالح الأقل حظًا في المجتمع.
  5. يورغن هابرماس، في أعماله حول الفعل التواصلي، يؤكد على أهمية الحوار والتواصل كوسيلة لتحقيق التفاهم والسلم الأهلي، حيث يرى أن التواصل العقلاني يمكن أن يؤدي إلى توافق اجتماعي وسياسي يساهم في تحقيق السلم الأهلي.
  6. نانسي فريزر، في كتاباتها حول العدالة الاجتماعية، تناقش أهمية الاعتراف والتمثيل العادل كوسيلة لتحقيق السلم الأهلي، وتؤكد فريزر على ضرورة معالجة الفروقات الثقافية والاجتماعية لتحقيق مجتمع متساوٍ وسلمي.
  7. أمارتيا سن في كتابه “فكرة العدالة” (The Idea of Justice)، يقدم رؤية شاملة للعدالة تشمل الحريات والقدرات الفردية كوسيلة لتحقيق السلم الأهلي، ويركز على أهمية تمكين الأفراد وتوفير الفرص المتساوية للجميع.
  8. كما هناك العديد من الفلاسفة المسلمين الذين تناولوا موضوع السلم الأهلي في كتاباتهم وأفكارهم. حيث يُعتبر الفارابي من أبرز الفلاسفة المسلمين الذين تناولوا موضوع السلم الأهلي بشكل مُضمر. في كتابه “المدينة الفاضلة”، يناقش الفارابي كيفية تحقيق السلم والاستقرار داخل المجتمع من خلال العدالة والحكم الرشيد والتعاون بين أفراد المجتمع في كتاباته، وقد تناول ابن رشد أهمية العقل والتفاهم في تحقيق السلم الأهلي، فهو يرى أن الفلسفة والدين يمكن أن يتعاونا لتحقيق مجتمع مستقر وسلمي. وفي كتابه “إحياء علوم الدين”، يناقش الغزالي أهمية الأخلاق والتربية الروحية في تحقيق السلم الأهلي. وأما ابن خلدون ففي مقدمته الشهيرة، تناول موضوع السلم الأهلي من خلال دراسة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر على استقرار المجتمعات، حيث يرى ابن خلدون أن العدالة والاقتصاد القوي والحكم الرشيد هي أساسيات لتحقيق السلم الأهلي.
  9. كما هناك عدد من الفلاسفة والمفكرين المسلمين في العصر الحديث الذين تناولوا موضوع السلم الأهلي في كتاباتهم وأطروحاتهم، وفي أعماله حول الفكر الإسلامي المعاصر، يتناول محمد أركون موضوع السلم الأهلي من خلال نقده للعقلية التقليدية والدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
  10. كما رأى أركون أن تحقيق السلم الأهلي يتطلب تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات والأديان. وفي كتاباته حول الفلسفة الأخلاقية، يناقش طه عبد الرحمن أهمية القيم الأخلاقية والدينية في تحقيق السلم الأهلي. حيث أكد على ضرورة تعزيز القيم الإنسانية المشتركة لتحقيق التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وقد قدم عبد الكريم سروش في أعماله حول الإصلاح الديني موضوع السلم الأهلي من خلال الدعوة إلى تجديد الفكر الديني وتعزيز التسامح والتفاهم بين مختلف الطوائف والمذاهب.

لقد كان موضوع السلم الأهلي محط نظر الفلسفة قديما وحديثا، باعتبارها المرتكز الأول للدولة والمجتمع، إضافة لكونه حجر الأساس في حفظ الأسرة من الانهيار في أتون الصراع الداخلي.

“السلم الاهلي” اجتماعيا:

يُعتبر السلم الأهلي في علم الاجتماع مفهومًا مركزيًا يشير إلى حالة من الاستقرار والتعايش السلمي داخل المجتمع، حيث يتم رفض جميع أشكال العنف والصراع، كما يهدف السلم الأهلي إلى تعزيز التفاهم والتعاون بين مختلف مكونات المجتمع، وضمان حقوق الأفراد وحرياتهم.

وتبرز أهمية السلم الأهلي من خلال:

  1. الاستقرار الاجتماعي: يُعتبر السلم الأهلي أساسًا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، حيث يساهم في تقليل النزاعات والصراعات داخل المجتمع.
  2. التنمية الاقتصادية: يعزز السلم الأهلي التنمية الاقتصادية من خلال توفير بيئة مستقرة وآمنة للاستثمار والعمل.
  3. التماسك الاجتماعي: يساعد السلم الأهلي في تعزيز التماسك الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع، مما يساهم في بناء مجتمع قوي ومترابط.
  4. العدالة الاجتماعية: يساهم السلم الأهلي في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال ضمان حقوق الأفراد والمساواة بينهم.

وانطلاقا من ذلك تبرز عوامل مساعدة لحقيق السلم الأهلي، عبر نشر ثقافة السلام والتسامح من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، وضمان تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع أفراد المجتمع دون تمييز، مع ضرورة توفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للحد من الفقر والتهميش، إضافة لتعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان لضمان حماية الأفراد من العنف والاضطهاد.

وأخيراً وليس آخراً تشجيع المشاركة السياسية الفعالة لجميع الفئات في صنع القرار.

ولعل أبرز النظريات الاجتماعية المتعلقة بالسلم الأهلي هي نظريتان:

  1. الأولى، النظرية السلوكية، والتي تركز على تأثير السلوكيات الفردية والجماعية على تحقيق السلم الأهلي. وترى هذه النظرية أن تعزيز السلوكيات الإيجابية والتعاون.
  2. الثانية، نظرية التغيير الاجتماعي، حيث تدرس كيفية تأثير التغيرات الاجتماعية على السلم الأهلي. وترى هذه النظرية أن التغيرات الاجتماعية يمكن أن تؤدي إلى تحسين أو تدهور حالة السلم الأهلي بناءً على كيفية إدارة هذه التغيرات.

السلم الأهلي وحماية الاسرة:

يلعب السلم الأهلي دورًا حيويًا في حماية الأسرة وتعزيز استقرارها، ولعل أهم الطرق التي يمكن من خلالها للسلم الأهلي أن يسهم في حماية الأسرة تعود إلى:

  1. الاستقرار الاجتماعي، حيث يساهم السلم الأهلي في خلق بيئة مستقرة وآمنة، مما يعزز الشعور بالأمان لدى أفراد الأسرة. هذا الاستقرار يساعد في تقليل التوترات والنزاعات داخل الأسرة.
  2. التعليم والتوعية، من خلال نشر ثقافة السلام والتسامح، يمكن للأسرة أن تتعلم كيفية التعامل مع النزاعات بطرق سلمية وبناءة. التعليم والتوعية يعززان القيم الأخلاقية التي تدعم التفاهم والتعاون داخل الأسرة.
  3. العدالة والمساواة، حيث يضمن السلم الأهلي تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع، مما ينعكس إيجابًا على الأسرة. فعندما يشعر الأفراد بأن حقوقهم محفوظة وأنهم يعاملون بإنصاف، يكونون أكثر قدرة على بناء علاقات أسرية صحية ومستقرة.
  4. التنمية الاقتصادية، إذ يساهم السلم الأهلي في تعزيز التنمية الاقتصادية، مما يوفر فرص عمل ويحسن الظروف المعيشية للأسر. وهذا يمكن أن يقلل من الضغوط الاقتصادية التي قد تؤدي إلى نزاعات داخل الأسرة.
  5. سيادة القانون، إذ تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان يضمن حماية الأفراد من العنف والاضطهاد، وهذا يخلق بيئة آمنة للأسر، حيث يمكنهم العيش بدون خوف من العنف أو التمييز.
  6. تشجيع المشاركة المجتمعية والسياسية يعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية لدى الأفراد، وأيضا هذا يمكن أن ينعكس إيجابًا على الأسرة، حيث يشعر الأفراد بأنهم جزء من مجتمع أكبر يدعمهم ويحميهم.

إننا نرى في مكتب شؤون الأسرة لـ تيار المستقبل السوري ومن خلال هذه العوامل، أنه يمكن للسلم الأهلي أن يلعب دورًا مهمًا في حماية الأسرة وتعزيز استقرارها، وبالتالي فإن حماية الأسرة السورية من خلال ترسيخ السلم الأهلي يتطلب اتباع مجموعة من الخطوات والإجراءات التي تعزز الاستقرار والتفاهم داخل المجتمع، والتي نوصي باتباعها، وهي:

  1. تشجيع الحوار المفتوح بين مختلف مكونات المجتمع السوري لتعزيز التفاهم المتبادل والتعاون. يمكن تنظيم ورش عمل ومبادرات مجتمعية تهدف إلى تعزيز ثقافة الحوار والتسامح.
  2. نشر ثقافة السلام والتسامح من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، حيث يمكن إدراج مواد تعليمية تركز على أهمية السلم الأهلي والتعايش السلمي في المناهج الدراسية.
  3. ضمان تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع أفراد المجتمع دون تمييز، عبر تعزيز سيادة القانون وضمان حقوق الإنسان لحماية الأفراد من العنف والاضطهاد.
  4. توفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للحد من الفقر والتهميش، مثل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوفير برامج تدريبية للشباب لتمكينهم اقتصاديًا.
  5. تشجيع المشاركة السياسية الفعالة لجميع الفئات في صنع القرار. مثل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع.
  6. يمكن للقيادات الدينية والاجتماعية أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز السلم الأهلي من خلال الدعوة إلى التسامح والتعايش السلمي، ويمكن تنظيم لقاءات ومؤتمرات تجمع بين مختلف القيادات لتعزيز التفاهم والتعاون.
  7. اعتماد نهج العدالة الانتقالية لتعزيز سيادة القانون وإنصاف الضحايا، ويمكن تنظيم محاكمات عادلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات لضمان عدم تكرارها.
  8. استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر التوعية وإلقاء الضوء على قصص واقعية تبرز مقومات العيش المشترك والأعمال الإيجابية، وذلك عبر تنظيم حملات إعلامية تهدف إلى تعزيز السلم الأهلي ونبذ العنف.

من خلال هذه الإجراءات فإننا نرى في مكتب شؤون الأسرة أنه يمكن تعزيز السلم الأهلي وحماية الأسرة السورية من التحديات التي تواجهها.

خاتمة:

يُعتبر السلم الأهلي ركيزة أساسية لحماية الأسرة السورية وتعزيز استقرارها، فمن خلال تعزيز الحوار والتفاهم، وضمان العدالة والمساواة، وتحقيق التنمية الاقتصادية، يمكن خلق بيئة آمنة ومستقرة تُمكّن الأسر من العيش بسلام وكرامة.
إن تعزيز السلم الأهلي لا يقتصر فقط على توفير الأمان الجسدي، بل يمتد ليشمل الأمان النفسي والاجتماعي، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك وقوي. لذا، يجب أن تكون جهود تعزيز السلم الأهلي أولوية قصوى في مساعي إعادة بناء سوريا، لضمان مستقبل مشرق ومستدام لجميع أفراد المجتمع.

مكتب شؤون الأسرة
وهيبة المصري
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى