العقوبات التكنولوجية على سورية، المرض الصامت
مقدمة:
قد لا يعرف كثير من السوريين قبل غيرهم ممن يعيش خارج سورية أن العقوبات التي فرضتها الشركات الكبرى مثل جوجل على سورية تأتي في إطار العقوبات الاقتصادية والسياسية الأوسع التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية منذ بداية عام 2011م، تلك العقوبات تشمل حظر تصدير التكنولوجيا والخدمات الرقمية إلى سورية، مما يؤثر على قدرة السوريين على الوصول إلى بعض الخدمات عبر الإنترنت.
فعلى سبيل المثال، جوجل قامت بتقييد الوصول إلى بعض خدماتها ومنتجاتها في سورية، مثل متجر جوجل بلاي، مما يجعل من الصعب على المستخدمين السوريين تحميل التطبيقات أو تحديثها، كما أن خدمات مثل جوجل أدسنس وجوجل أدوردز غير متاحة للشركات السورية، مما يحد من قدرتها على الإعلان عبر الإنترنت.
نظرة عامة:
بالإضافة إلى جوجل، هناك العديد من الشركات الكبرى التي فرضت عقوبات على سورية نتيجة للأزمة المستمرة منذ عام 2011م، هذه العقوبات كما أسلفنا تأتي في إطار العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضتها دول مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، كندا، أستراليا، وسويسرا.
بعض أهم الشركات التي عاقبت سورية رقمياً:
- مايكروسوفت، حيث قامت بتقييد الوصول إلى بعض خدماتها ومنتجاتها، مثل خدمات السحابة والتحديثات البرمجية.
- آبل، أيضاً حظرت بيع منتجاتها وخدماتها في سورية، مما أثّر على قدرة المستخدمين على الوصول إلى متجر التطبيقات.
- إنتل، أوقفت بيع منتجاتها التقنية إلى سورية، مما أثر على قطاع التكنولوجيا في البلاد.
- أدوبي، كذلك منعت الوصول إلى برامجها وخدماتها السحابية في سورية، مما أثر على المحترفين في مجالات التصميم والإنتاج الإعلامي.
آثار اقتصادية عامة:
للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية منذ عام 2011م، ولها آثار كبيرة ومتعددة على الاقتصاد السوري. تشمل هذه الآثار:
- انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، حيث تسببت العقوبات في تراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي لسورية، ما أدى إلى انكماش الاقتصاد بشكل ملحوظ.
- تدهور العملة، إذ تسببت العقوبات في انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكلفة المعيشة.
- تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سورية، حيث أثر على النمو الاقتصادي وفرص العمل.
- تدهور البنية التحتية، إذ أثرت العقوبات على قدرة الحكومة السورية على استيراد المواد الأساسية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة بسبب الحرب.
- تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث زادت من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
ومما يجدر التنبيه إليه أنه كانت هذه الآثار الاقتصادية مما يُعقد من جهود إعادة الإعمار وتزيد من معاناة الشعب السوري.
آثار عميقة:
بالاضافة للآثار الاقتصادية العامة، هناك آثار عميقة لهذه العقوبات من قبل الشركات التكنولوجية والرقمية، وهي آثار متعددة تشمل الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، والتكنولوجية، وهي كالتالي:
- التأثيرات الاقتصادية: وتتمثل بـ:
- أ. تقييد الوصول إلى التكنولوجيا، حيث العقوبات تمنع الشركات السورية من الوصول إلى أحدث التقنيات والبرمجيات، مما يعيق الابتكار والتطوير في القطاعات المختلفة.
- ب. الشركات الصغيرة والمتوسطة تعاني بشكل خاص من صعوبة الوصول إلى الأدوات التكنولوجية الضرورية للنمو والتوسع.
- جـ. تقييد الاستثمارات، فالعقوبات تحد من قدرة الشركات الأجنبية على الاستثمار في سورية، مما يقلل من فرص النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل.
- التأثيرات الاجتماعية، والتي تتجلى بتأثيرين:
- أ. التأثيرات على قطاع التعليم من خلال تقييد الوصول إلى الموارد التعليمية الرقمية، مثل الدورات التدريبية عبر الإنترنت والبرمجيات التعليمية.
- ب. تعيق العقوبات الوصول إلى التكنولوجيا الطبية المتقدمة، مما يؤثر على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.
- التأثيرات التكنولوجية:
- أ. تقييد الوصول إلى البرمجيات والخدمات، فالشركات التكنولوجية مثل جوجل تمنع الوصول إلى خدماتها ومنتجاتها، مما يحد من قدرة الأفراد والشركات على استخدام أدوات مثل Google Analytics، Google Ads، وغيرها من الخدمات الأساسية للأعمال الرقمية.
- ب. إعاقة تطوير البنية التحتية الرقمية في سورية، مما يؤثر على سرعة الإنترنت وجودة الخدمات الرقمية المتاحة.
- التأثيرات على الابتكار والتطوير:
- أ. تقييد التعاون الدولي، إذ العقوبات تمنع التعاون مع الشركات والمؤسسات الدولية في مجالات البحث والتطوير، مما يحد من فرص الابتكار والتقدم التكنولوجي.
- ب. التأثير على ريادة الأعمال، حيث تجعل العقوبات من الصعب على رواد الأعمال السوريين الوصول إلى الأدوات والموارد اللازمة لتطوير مشاريعهم، مما يعيق نمو قطاع ريادة الأعمال في البلاد.
- التأثيرات على الحياة اليومية، عبر تقييد الوصول إلى التطبيقات والخدمات للعديد من التطبيقات والخدمات الرقمية كونها غير متاحة في سورية بسبب العقوبات، مما يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين الذين يعتمدون على هذه الخدمات في التواصل والعمل والترفيه.
حلول موضوعية:
العقوبات التكنولوجية والرقمية تفرض تحديات كبيرة على سورية، مما يتطلب جهوداً مضاعفة للتغلب على هذه العقبات من خلال تطوير حلول محلية وتعزيز التعاون مع الدول والشركات التي لا تخضع لهذه العقوبات.
كما من الضروري إلغاء العقوبات المفروضة على سورية بعد سقوط النظام البائد، وذلك بالاعتماد على عدة عوامل سياسية ودبلوماسية قد تؤثر على هذا القرار:
- التغيرات السياسية:
- أ. تشكيل حكومة جديدة، إذا تم تشكيل حكومة جديدة تحظى بقبول دولي وتلتزم بمعايير حقوق الإنسان والديمقراطية، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة النظر في العقوبات.
- ب. الإصلاحات الداخلية، عبر تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية قد يشجع المجتمع الدولي على تخفيف أو إلغاء العقوبات.
- المفاوضات الدولية:
- أ. المفاوضات مع الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يمكن أن يؤدي إلى إلغائها.
ب. التعاون مع المنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى قد يسهم في تحسين صورة سورية على الساحة الدولية.
- أ. المفاوضات مع الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يمكن أن يؤدي إلى إلغائها.
- الوضع الأمني والإنساني:
- أ. تحسين الوضع الأمني، إذ استقرار الوضع الأمني في البلاد يمكن أن يكون عاملاً مهماً في إلغاء العقوبات.
ب. تحسين الوضع الإنساني وتقديم المساعدات للمواطنين يمكن أن يعزز من فرص إلغاء العقوبات.
- أ. تحسين الوضع الأمني، إذ استقرار الوضع الأمني في البلاد يمكن أن يكون عاملاً مهماً في إلغاء العقوبات.
- الضغط الدولي والمحلي:
- أ. الضغط من المجتمع الدولي، خصوصا الدول الحليفة والمنظمات الدولية يمكن أن يسهم في إلغاء العقوبات.
ب. الضغط المحلي بالأخص المجتمع المدني قد يدفع الإدارة الأمريكية الجديدة للعمل على إلغاء العقوبات.
- أ. الضغط من المجتمع الدولي، خصوصا الدول الحليفة والمنظمات الدولية يمكن أن يسهم في إلغاء العقوبات.
- التزام سورية بالاتفاقيات الدولية، خصوصا الالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ونزع السلاح يمكن أن يكون شرطاً لإلغاء العقوبات.
إن إلغاء العقوبات والتي منها العقوبات التكنولوجية والرقمية ليس عملية بسيطة، بل هو جهد كبير وضخم يتطلب جهوداً دبلوماسية وسياسية كبيرة. من المهم أن تكون هناك إرادة سياسية قوية وإصلاحات حقيقية لتحقيق هذا الهدف.
خاتمة:
بعد هذه السردية التي نتمنى أن تكون وافية بهذه الدراسة السريعة، فإننا في المكتب الاقتصادي لـ تيار المستقبل السوري ننظر للعقوبات الرقمية بأنها عائق أمام التعافي وإعادة الإعمار لسورية، وبالتالي فإننا نختم بتوصيات قمنا بدراستها ومناقشتها مع بعض الأصدقاء من المختصين في الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الكلي والجزئي، والعلاقات الدولية، لنخلص بما يأتي:
التوصية الأولى: للحكومة الانتقالية والإدارة الجديدة لسورية:
- تعزيز الشفافية والمساءلة، عبر تطوير نظام شفاف لإدارة الموارد العامة لضمان استخدام الأموال بطرق تخدم التنمية وإعادة الإعمار، بالإضافة لإنشاء آليات رقابية صارمة وشفافة لضمان عدم تسرب الأموال إلى جهات فاسدة أو متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
- تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، وضرورة الالتزام بمعايير حقوق الإنسان وعدم الاستبداد، مع تنفيذ إصلاحات قانونية لتعزيز العدالة والمساواة داخل المجتمع السوري.
- التعاون مع المجتمع الدولي، خصوصا تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لتقديم الدعم الفني والمالي لإعادة الإعمار، إضافة للعمل على إعادة بناء الثقة مع الدول التي فرضت العقوبات من خلال الحوار والمفاوضات.
التوصية الثانية: للنخب السورية:
- دعم الحكومة الانتقالية وتقديم الدعم الفني والاستشاري في مجالات الإدارة والاقتصاد والسياسة، إضافة لتعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ الإصلاحات وضمان الشفافية.
- تعزيز الوحدة الوطنية والتعاون بين مختلف الفئات والطوائف لضمان استقرار البلاد. إضافة لدعم جهود المصالحة الوطنية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي السوري.
- التواصل مع المجتمع الدولي عبر بناء علاقات قوية مع الدول والمنظمات الدولية لدعم جهود رفع العقوبات. مع تقديم تقارير دورية عن التقدم المحرز في تنفيذ الإصلاحات لتعزيز الثقة الدولية.
التوصية الثالثة: للمجتمع الدولي: - دعم الحكومة الانتقالية واعتبار استقرار سورية غاية دولية داعمة للاستقرار الدولي، وذلك عبر تقديم الدعم الفني والمالي للحكومة لتنفيذ الإصلاحات وإعادة الإعمار. إضافة إلى ربط المساعدات بتقدم الحكومة في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
- تخفيف العقوبات تدريجياً بناءً على التقدم المحرز في تنفيذ الإصلاحات. مع ضرورة الإبقاء على العقوبات الفردية التي تستهدف الأفراد المرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان لضمان ملاحقتهم ومحاسبتهم.
- تعزيز التعاون الدولي مع الحكومة السورية الجديدة في مجالات التنمية والتكنولوجيا والتعليم، مع دعم جهود إعادة الإعمار من خلال تقديم المساعدات الفنية والمالية.
إن هذه التوصيات تهدف إلى خلق بيئة مواتية لرفع العقوبات الرقمية والتكنولوجية عن سورية، مما يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في البلاد بعد سقوط النظام الحالي.
المكتب الاقتصادي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري
المراجع:
- الشبكة السورية لحقوق الإنسان تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط الأسد.
- ما رؤية الحكومة السورية المؤقتة لإدارة المرحلة الانتقالية؟
- تقرير يوضح أثر العقوبات على الشركات الصغيرة والمتوسطة والمصارف في سوريا ….
- العقوبات المفروضة على سوريا.. إرث ثقيل وأسئلة مفتوحة بعد سقوط النظام.
- European Parliament.
- DIIS.
- Sanctioning Assad’s Syria. Mapping the economic, socioeconomic and ….
- Syria Sanctions – United States Department of State.