المكتب الاقتصاديالمكتب العلميدراساتدراسات اقتصاديةفريق بحث المكتب الاقتصاديقسم البحوث و الدراسات

واقع القطاع الزراعي في سورية، الشمال السوري نموذجاً.

مقدمة:
الزراعة قطاع رئيسي في الشمال السوري، حيث توفر أكثر من 20% من فرص العمل، و30% من الناتج المحلي الإجمالي، وتُساهم بشكل كبير في الأمن الغذائي، حيث تُنتج المنطقة ما يكفي من الموارد الزراعية لتلبية احتياجات السكان المحليين بالحد الأدنى يتبين أهمية القطاع الزراعي من خلال تحليل الإنتاجية الزراعية، وقيمة الصادرات الزراعية، وفرص العمل التي توفرها الزراعة.

كما شكّل القطاع الزارعي مصدر دخل رئيسي لأكثر من 70% من سكان تلك المناطق سواء بالزراعة أو التسويق أو النقل أو التجارة.

ويحظى شمال غرب سورية بمحاصيل زراعية متنوعة ما بين الحبوب (القمح والشعير) والخُضروات الموسمية والبقوليات، فضلًا عن الأشجار المثمرة كأشجار الزيتون والفستق الحلبي، ويعود غنى هذه البقعة بهذه المنتجات الزراعية إلى توافر مقومات عديدة، أهمها وجود عمالة زراعية والمناخ المناسب والخصوبة وتوافر المياه الجوفية، وتُقدَّر المساحة المزروعة في منطقة درع الفرات مثلا (ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي) بنحو 222 ألفًا و30 هكتارًا، 70% مزروعة بالقمح والشعير، وما يقارب 9% أشجار زيتون، في حين أن بقية الأراضي تزرع بخضروات، بطاطا، فول، حمّص، عدس، وفي عفرين، تُقدَّر المساحة المزروعة بـ 92 ألفًا و981 هكتارًا، تمثل أشجار الزيتون نسبة 90% مع عدد يقارب 14 مليون شجرة، في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الأخرى 10% تقريبًا.

وإذا استبعدنا التصدير.

يعاني القطاع الزراعي في الشمال السوري من مشكلات كبيرة نتيجة الصراع الدائر منذ سنوات، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية الزراعية حيث تضررت أنظمة الري، وتدميرت الآلات الزراعية، وتلوثت الأراضي بالمتفجرات، وبسبب الجفاف وتدمير السدود والقنوات حصل ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والبذور، مما زاد من تكاليف الإنتاج، وكان نتيجة الصراع والظروف المعيشية الصعبة هجرة المزارعين، هذا عدا عن تدهور التربة بسبب الاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية والأسمدة.

ولقد كانت التأثيرات السلبية على الاقتصاد متعددة، منها:

  1. انخفاض الإنتاج الزراعي: مما أدى إلى نقص الغذاء وارتفاع أسعاره.
  2. زيادة الفقر والبطالة: خاصة في المناطق الريفية.
  3. تدهور الأمن الغذائي: مما يهدد صحة وسلامة السكان.

التحديات وتأثيرها على الواقع الزراعي في الشمال السوري:

يمثل الشمال السوري نموذجًا صارخًا للتداخل المعقد بين السياسة والأمن والاقتصاد، حيث تتضافر عوامل عديدة لتشكل تحديات كبيرة أمام القطاع الزراعي، أحد أهم ركائز الاقتصاد المحلي.

ففي الحديث عن التحديات السياسية والعسكرية نرى عدم الاستقرار الأمني على قاسمة هذه التحديات، حيث يُشكل الصراع الدائر منذ سنوات العائق الأكبر أمام أي نوع من التنمية المستدامة، بما في ذلك الزراعة. فالتصعيد المتكرر، والعمليات العسكرية، وتغير خطوط التماس تؤثر سلبًا على المزارعين وتعيق وصولهم إلى أراضيهم ومزارعهم.
عدا عن تعدد الجهات الفاعلة، فوجود العديد من الجهات المسلحة والسياسية الفاعلة على الأرض يؤدي إلى تشتت الجهود وتعارض المصالح، مما يعقد عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالقطاع الزراعي.

إضافة إلى الفساد والمحسوبية في توزيع المساعدات والمشاريع الزراعية، مما يقلل من فاعلية هذه الجهود ويحرم الكثير من المزارعين من حقوقهم.

ويمكن اعتبار أكبر تهديد وتحدي هو غياب سياسة زراعية واضحة، فغياب رؤية واضحة واستراتيجية شاملة لتنمية القطاع الزراعي تؤدي إلى اتخاذ قرارات عشوائية وغير مدروسة.

وأما التحديات الجيوسياسية فتتمثل بالتدخلات الخارجية، حيث تتعدد التدخلات الخارجية في الشمال السوري، مما يؤثر على القرارات المتعلقة بالسياسات الزراعية ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار طويل الأمد، إضافة إلى خضوع الشمال السوري لنوع من الحصار الاقتصادي الخانق، إضافة لتأثير العقوبات على النظام السوري عليه، مما يحد من قدرة المزارعين على الحصول على المدخلات الزراعية والأسواق لمنتجاتهم.

وفي جهة تأثير تعدد القوى المسيطرة على الواقع الزراعي نرى التنافس على الموارد من هذه الجهات المسيطرة على الموارد المائية والأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى سوء توزيع هذه الموارد وعدم الاستفادة منها بشكل أمثل.

إضافة إلى تعدد الأنظمة الزراعية المختلفة والمتنافسة في المناطق المختلفة، مما يجعل من الصعب تطبيق سياسات زراعية موحدة.

عدا عن صعوبة التنسيق بين الجهات الفاعلة المختلفة، مما يعيق تنفيذ المشاريع الزراعية الكبرى.
ولهذا ستكون الآثار المترتبة على القطاع الزراعي على النحو التالي:

  1. انخفاض الإنتاج الزراعي: نتيجة للتدمير الذي لحق بالبنية التحتية الزراعية، ونقص المياه، وهجرة المزارعين.
  2. ارتفاع أسعار المواد الغذائية: بسبب نقص الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج.
  3. تدهور الأمن الغذائي: مما يهدد صحة وسلامة السكان.
  4. زيادة الفقر والبطالة: خاصة في المناطق الريفية.

إن التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي في الشمال السوري هي تحديات معقدة ومتشابكة، تتطلب حلولاً شاملة وطويلة الأجل. مما يوجب العمل على تحقيق الاستقرار الأمني، وبناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة الموارد الزراعية، وتوفير الدعم المالي والتقني للمزارعين، وتطوير السياسات الزراعية التي تأخذ في الاعتبار التحديات الجيوسياسية والاقتصادية.

فرص معالجة تحديات القطاع الزراعي في شمال سورية:
على الرغم من التحديات الجسام التي يواجهها القطاع الزراعي في شمال سورية، إلا أن هناك فرصاً حقيقية لإعادة إحيائه وتطويره. هذه الفرص تتطلب تضافر الجهود وتعاوناً دولياً وإقليمياً، وتشمل ما يلي:

  1. الاستفادة من الخبرات المحلية والمعرفة التقليدية، ويكون ذلك عبر:
    • أ. المزارعون المحليون الذين يمتلكون معرفة عميقة بالبيئة المحلية وأنواع المحاصيل المناسبة، ويمكن الاستفادة من هذه الخبرة في تطوير أساليب الزراعة المستدامة.
    • ب. التعاونيات الزراعية يمكن أن تلعب دوراً هاماً في توفير الخدمات للمزارعين وتسويق منتجاتهم.
  2. تبني الزراعة المستدامة من خلال الزراعة العضوية:
    • إذ يمكن أن تساهم في تحسين جودة التربة والمنتجات الزراعية، وتقليل الاعتماد على المواد الكيميائية الضارة.
    • إضافة إلى أن الري الحديث يمكن أن يساعد في ترشيد استخدام المياه وتقليل التكاليف.
    • كذلك تنويع المحاصيل يمكن أن يقلل من المخاطر الناجمة عن تقلبات المناخ وآفات الحشرات.
  3. دعم البحث والتطوير، ويكون عبر:
    • أ. تطوير أصناف جديدة من المحاصيل التي تتناسب مع الظروف المناخية والتربة في المنطقة.
    • ب. دراسة الآفات والأمراض وتطوير طرق مكافحتها بشكل بيولوجي.
    • جـ. تطوير تقنيات جديدة لتحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف.
  4. بناء البنية التحتية الزراعية عبر:
    • أ. إصلاح أنظمة الري وتطوير سدود وخزانات المياه.
    • ب. بناء الطرق الزراعية لتسهيل نقل المنتجات الزراعية.
    • جـ. إنشاء أسواق زراعية لتوفير مكان لبيع المنتجات الزراعية بأسعار عادلة.
  5. دعم سلاسل القيمة الزراعية من خلال ثلاثية:
    أ.
    التسويق وتطوير أساليب فعالة للمنتجات الزراعية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.
    ب. إنشاء مصانع لتجهيز المنتجات الزراعية وزيادة قيمتها المضافة.
    جـ. التعليب والتعبئة للحفاظ على المنتجات الزراعية وتسهيل نقلها وتخزينها.
  6. التعاون الإقليمي والدولي: بالاستفادة من تبادل الخبرات مع الدول الأخرى في مجال الزراعة، إضافة إلى جذب الاستثمارات لتطوير القطاع الزراعي، والحصول على المساعدات الغذائية والإنسانية والتقنية.
  7. تعزيز دور القطاع الخاص: عبر تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي من خلال توفير الحوافز الضرورية، إضافة إلى تسهيل الإجراءات المتعلقة بتسجيل الأراضي الزراعية وتأسيس الشركات الزراعية.
  8. التوعية بأهمية الزراعة: وتوعية المزارعين بأهمية تطبيق الممارسات الزراعية المستدامة، مع توعية المستهلكين بأهمية دعم المنتجات الزراعية المحلية.

خاتمة:
تبلغ مساحة سورية 18.5 مليون هكتار، وتشكل المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات حوالي 6.5 مليون هكتار، وهو ما يشكل 32.8 في المئة من المساحة الإجمالية لسورية، أما القسم المتبقي فهو عبارة عن مناطق قاحلة في البادية السورية. يشتغل في الزراعة أكثر من 20 في المئة من السوريين، حيث تزرع الحبوب والخضار، والفواكه، والزيتون، والقطن.

وتقدر قيمة الخسائر الناتجة عن تضرر القطاع الزراعي بسبب الحرب بنحو 16 مليار دولار أمريكي، حيث تقدر قيمة الأضرار التي لحقت بالأصول الزراعية ووسائل الإنتاج من معدات ومزارع وعيادات بيطرية وحظائر الحيوانات والبيوت البلاستيكية وأنظمة الري بأكثر من 3 مليارات دولار أمريكي، أما الخسائر التي لحقت بإنتاج المحاصيل فتقدر بنحو 6.3 مليار دولار أمريكي، وفي قطاع الماشية قدرت الخسائر بنحو 5.5 مليار دولار أمريكي وحوالي 80 مليون دولار أمريكي في قطاع تربية الأسماك.

إن إعادة إحياء القطاع الزراعي هدف استراتيجي، يبدأ من إحياء كل منطقة خاضعة لسلطة أمر واقع في الوقت الحالي، ولهذا فإن رؤيتنا الاستراتيجية لإحياء القطاع الزراعي في سورية ينطلق من بوتقة شمال سورية كنموذج يمكن أن نبني عليه مستقبلا، حيث إن القطاع الزراعي في سورية عموما وشمال سورية خصوصا يتطلب جهوداً متضافرة من جميع الأطراف، وهو ما أكدنا عليه بمقال سابق في المكتب الاقتصادي لِـ تيار المستقبل السوري والذي كان بعنوان: ‘الزراعة في شمال سورية، رافعةٌ للتنمية”، وبالتالي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لإحيائه بالشكل الأمثل ضمن الظرف العسكري والسياسي الراهن والمعقد. ومع ذلك، فإن الفرص المتاحة لتحقيق هذا الهدف كبيرة، ويمكن أن تساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتحسين مستوى المعيشة للسكان.

المكتب الاقتصادي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

  1. حالة المحاصيل الزراعية الرئيسية في سورية بعد عام 2010.
  2. الزراعة في شمال سورية، رافعةٌ للتنمية.
  3. زراعات هاجرت مع أصحابها النازحين إلى شمال سوريا.
  4. الدعم الزراعي للمزارعين في شمال محافظة حلب.
  5. الزراعة في الشمال السوري.. تحديات تواجه مساعي التعافي.
  6. الشمال السوري يتصحر.
  7. القطاع الزراعي.
  8. تدهور القطاع الزراعي في سورية.
  9. كيف أثرت الحرب على القطاع الزراعة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى