الاقتصاد عاملاً للتغيير السياسي في سورية
علم الاقتصاد هو فرع من فروع العلوم الاجتماعية، وهو يهتم بمشكلة الموارد النادرة أو المحدودة واستعمالها على نحو يسمح بالحصول على أكبر إشباع لحاجات المجتمع غير المحدودة.
ببساطة، يُعنى علم الاقتصاد بإدارة الموارد المحدودة لتلبية حاجات غير محدودة، كما يشمل موضوعه الثروة الاجتماعية وسلوك الإنسان الاقتصادي، ويدرس تصرفات الأفراد فيما يتعلق بالإنتاج والتوزيع والاستهلاك والتبادل، بالإضافة إلى ظواهر أخرى مثل التنمية والدخل والادخار والاستثمار والتضخم والدورات الاقتصادية والبطالة.
ويعتبر النشاط الاقتصادي واحدًا من أهم جوانب السلوك الإنساني العام، ويؤثر في مجالات متعددة مثل القانون والسياسة والفكر والمجتمع، حيث يُعد تحليل المجتمع غير كامل إذا استبعد الجانب الاقتصادي منه، وكذلك دراسة الجانب الاقتصادي للمجتمع لا تكتمل إذا استبعدت الجوانب النفسية والسياسية والقانونية والاجتماعية، ولعل التخصصات التي يشملها علم الاقتصاد تُعتبر مهمة في التأثير بالبنى الاجتماعية والسياسية، من هذه التخصصات:
- الاقتصاد الكلاسيكي والنيوكلاسيكي والذي يركز على نظريات العرض والطلب والتوازن والتحليل الاقتصادي الكلاسيكي.
- الاقتصاد السلوكي والذي يدرس سلوك الأفراد وكيف يؤثر في الاقتصاد، مثل القرارات الاستهلاكية والاستثمارية.
- الاقتصاد الإنمائي حيث يبحث في التنمية الاقتصادية والفقر والتحسين الاقتصادي للمجتمعات.
- الاقتصاد البيئي والذي يدرس تأثير النشاط الاقتصادي على البيئة والاستدامة.
- الاقتصاد السياسي الذي يربط بين الاقتصاد والسياسة، ويدرس كيف يؤثر السياسيون على القرارات الاقتصادية.
- الاقتصاد الدولي والذي بدوره يتناول التجارة الدولية والعلاقات الاقتصادية بين الدول.
- الاقتصاد العملي الذي يركز على سوق العمل والبطالة والأجور.
- الاقتصاد الصحي كذلك يدرس القرارات الاقتصادية المتعلقة بالرعاية الصحية والتأمين الصحي.
هذه مجرد نماذج من التخصصات، وهناك المزيد من الفروع والتخصصات داخل علم الاقتصاد. يمكن للأشخاص أيضًا أن يتخصصوا في مجالات محددة مثل الاقتصاد الرياضي أو الاقتصاد السلوكي التجريبي.
: Mankiw, N. G. (2018). Principles of Economics. Cengage Learning. تأثير الاقتصاد على البنى الاجتماعية:
يعكس التفاعل المعقد بين العوامل الاقتصادية والتطورات الاجتماعية دورا كبيرا للاقتصاد وتأثيرا على البنى الاجتماعية من خلال بعض النقاط المهمة: - الفقر والتوزيع غير المتكافئ للثروة، فالاقتصاد يؤثر على مستوى الفقر والتوزيع الثروة في المجتمع، إذا كان هناك تفاوت كبير في الدخل والثروة بين الطبقات الاجتماعية، فإن ذلك يؤثر على البنية الاجتماعية ويزيد من التوترات.
- أيضا الاقتصاد يؤثر على فرص التعليم والتدريب، إذا كان هناك نمو اقتصادي قوي، يمكن أن يكون هناك مزيدًا من الفرص للتعليم والتدريب، مما يؤدي إلى تحسين البنية الاجتماعية.
- كما أن الاقتصاد يؤثر على الرعاية الصحية والبنية التحتية، فنمو اقتصادي قوي يمكن أن يؤدي إلى تحسين الرعاية الصحية والبنية التحتية، مما يؤثر على جودة حياة الناس.
- إضافة إلى أن الاقتصاد يؤثر على معدلات التشغيل والبطالة، فإذا كان هناك نمو اقتصادي، يمكن أن يكون هناك مزيدًا من الوظائف وفرص العمل، مما يؤثر على البنية الاجتماعية كذلك.
- الاقتصاد يؤثر كذلك على التغييرات الاجتماعية والثقافية. على سبيل المثال، النمو الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى تحولات في القيم والعادات والتقاليد.
في سورية، تشهد البنية الاجتماعية تحديات كبيرة نتيجة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية التي يمر بها البلد، فتزايد معدلات الفقر والتضخم وغياب الاستقرار السياسي أثرت على البنية الاجتماعية وزادت من التوترات. تأثير الاقتصاد في بنية الأنظمة السياسية:
هناك دور كبير للاقتصاد في البنى السياسية للبلاد منها النمو الاقتصادي الذي يؤدي إلى استقرار سياسي، فعندما يتحسن مستوى المعيشة ويزيد الدخل الشخصي، يمكن أن يقلل ذلك من الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، وبالتالي، يمكن أن يساهم النمو الاقتصادي في تعزيز استقرار النظام السياسي، كما أن تحليل العلاقات بين القوة والاقتصاد (الاقتصادي السياسي) يساعد في فهم كيفية تأثير السياسة على الاقتصاد. ويمكن أن يكشف عن التناقضات المتأصلة في الرأسمالية ويساهم في تحديد حلول السياسات التي تعزز المساواة والعدالة الاجتماعية، كما للأبحاث دور مهم في الاقتصاد السياسي والتي تساعد في تطوير سياسات اقتصادية فاعلة تعزز الرفاهية الاجتماعية والاستدامة البيئية كما يجب أن يكون.
وفي التجربة البشرية القريبة هناك أمثلة على دور الاقتصاد في تغيير بنى الأنظمة السياسية من ذلك: - الثورة الصناعية والرأسمالية
- في القرن الثامن عشر، حيث شهدت الثورة الصناعية تحولًا اقتصاديًا كبيرًا، إذ ساهم انتقال المجتمعات من الزراعة إلى الصناعة في التأثير على الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا رأينا كيف تطورت النماذج الاقتصادية، وظهرت الطبقات الاجتماعية الجديدة، مما أثر على النظم السياسية.
- الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، والتي شهدت “فرنسا” ثورةً اجتماعية وسياسية، كانت الظروف الاقتصادية الصعبة والتفاوت في التوزيع الثروة أحد العوامل التي أدت إلى اندلاع الثورة، حيث تغيرت الهياكل الاقتصادية والسياسية بشكل جذري.
- انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر القرن العشرين، وانتهى حينها الحكم الشيوعي في العديد من الدول الشرقية الأوروبية، لقد كانت الأزمات الاقتصادية والتحولات الاقتصادية الهامة أحد العوامل الرئيسية في هذا التغيير السياسي.
هذه مجرد أمثلة قليلة، وهناك العديد من الأحداث التاريخية التي أظهرت تأثير الاقتصاد على البنية السياسية في مختلف العصور والمناطق، وإلا فالواقع شاهد بأمثلة كثيرة لاحصر لها.
دور الاقتصاد الفاعل
هناك دور مهم للاقتصاد في تشكيل الديمقراطية مثلا، حيث إن العديد من التجارب الديمقراطية العالمية تثبت أن ارتفاع مستوى الدخل والنمو الاقتصادي يساهم في تحويل البلدان إلى الديمقراطية، مثلًا، كوريا الجنوبية وإسبانيا واليونان والمكسيك هي نماذج لهذا التحول، كما أن النمو الاقتصادي السريع يؤدي أيضًا إلى الإسراع بقيام قاعدة اقتصادية تقوم عليها الديمقراطية.
ومع ذلك، ليس دائمًا يتحقق هذا السيناريو. بعض الدول المصدرة للبترول، على الرغم من كونها جزءًا من العالم النامي، تمتلك مستوى دخل أعلى من بعض الدول الرأسمالية المتقدمة، ومع ذلك فهي غير ديمقراطية. لهذا يبدو أن النمو الاقتصادي ذو قاعدة عريضة والذي يشمل درجة عالية من التصنيع يسهم في التحول إلى الديمقراطية، بينما الثراء الناتج عن المبيعات النفط لا يؤدي إلى ذلك التحول.
ومما يجب ملاحظته أنه يجب أن يتم تطوير مخطط محكم لتجاوز معوقات الدول الرأسمالية والإمبريالية الكبرى. كما يجب أن يمكن للدول الناشئة تأمين حد أدنى من متطلبات التطور والنمو العلمي والإنتاجي لتحقيق استقرار سياسي واقتصادي.
باختصار، النمو الاقتصادي يلعب دورًا مهمًا في تشكيل الديمقراطية، لكنه ليس العامل الوحيد. يجب أن يتوازن بين القوة والاقتصاد لبناء مجتمعات ديمقراطية أكثر عدالة واستدامة.
ويمكن القول أن العامل الاقتصادي كان له دور كبير في قيام الثورة في سورية سنة ٢٠١١، لعدة أسباب:
- التحول الاقتصادي والتأثير على الطبقات الاجتماعية، فقبل اندلاع الثورة، اتبع النظام السوري نهجًا اقتصاديًا يتضمن تحولًا نحو اقتصاد السوق الاجتماعي. هذا التحول أثر على الطبقات الاجتماعية بشكل مباشر، بينما استفادت بعض الفئات من هذا التحول، عانت فئات أخرى من تدهور الظروف المعيشية وارتفاع معدلات البطالة.
- الفساد والتفاوت الاقتصادي حيث زادت مشكلة الفساد في الاقتصاد السوري، كما ارتفعت مستويات الفساد وتراكمت الثروة في أيدي قلة من الأثرياء. هذا أثر على العدالة الاجتماعية وزاد من التوترات الاجتماعية.
- تدهور الظروف المعيشية والبطالة وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وتفاقمت مشكلة البطالة. كان ذلك عاملاً مهمًا في تحفيز الاحتجاجات واندلاع الثورة.
لقد كانت العوامل الاقتصادية جزءًا مهمًا من سياق اندلاع الثورة في سورية، وأثرت على الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد.
لقد تركت الثورة السورية آثارها على جميع مجالات الحياة في سورية، وغيّرت في تفاصيل دقيقة، وقلبت أخرى رأسا على عقب، ولم يكن الاقتصاد السوري في منأى عما يحدث في البلاد خلال عقد من عمر الثورة، بل كان هو الهدف المطلوب في بعض الأحيان، مع كل مرحلة جديدة تدخلها سورية، يتهاوى معها ذلك الاقتصاد، حتى بلغ العجز مبلغًا لا يمكن أن يشفى بعده البلاد إلا بسنوات طويلة.
فالاقتصاد السوري أصبح مركبًا ومعقدًا، وتحول بعد عقد على الثورة إلى اقتصاد واقع، مع محاولة النظام السوري إعطائه الشرعية من خلال قوانين تضعف قدرة الدولة على التصدي له. وكان لاقتصاد الظل دور حيث يتصدره رجال أعمال مقربون من رأس النظام السوري. هؤلاء يسيطرون على ما تبقى من اقتصاد متهالك، مع ما تشهده البلاد من ارتفاع في نسبة الفساد وزيادة أسعار السلع الغذائية وانهيار العملة ونقص البنزين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر.
بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت الصراعات بين رجال الأعمال والمسؤولين، وأثر ذلك على الاقتصاد بشكل كبير. يبدو أن النظام السوري يلقي دائمًا باللوم على العقوبات الأميركية والأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن الأمور أكثر تعقيدًا من ذلك، الاقتصاد السوري يعاني، والتحديات تبدو أكبر من أي وقت مضى، والمناطق الأخرى ليست بأحسن حال.
الاقتصاد عامل في الحل:
بعد مرور أكثر من عقد على الأزمة السورية، الوضع الاقتصادي في البلاد لا يزال يشهد تحديات كبيرة. هنا بعض النقاط التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة الاقتصادية في سورية، منها:
- تحسين الإنتاج المحلي، إذ يجب أن تركز سلطات الأمر الواقع على زيادة معدلات الإنتاج المحلي في مختلف القطاعات، مثل الزراعة والصناعة. ذلك يساهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وتحسين التوازن التجاري.
- مكافحة الفساد وتحسين بيئة الأعمال من خلال خطوات على السلطات سالفة الذكر اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحتها وتحسين بيئة الأعمال، إذ ذلك يشجع على استقطاب الاستثمارات المحلية والخارجية.
- تحسين الوضع الإنساني من خلال تلبية السلطات احتياجات السوريين بشكل عادل ودون تمييز. مع زيادة مشاريع التعافي المبكر وتوسيعها يمكن أن يساهم في تحسين الوضع الإنساني.
- التعاون الدولي والمساعدات الإنسانية والتعاون مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية والدعم المالي.
في النهاية، حل الأزمة الاقتصادية في سورية، يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية.
ولهذا فإننا في المكتب الاقتصادي لتيار المستقبل السوري، نوصي بإيلاء الجانب الاقتصادي أهمية كبيرة باعتبار إمكانية تأثيره في البنية الاجتماعية التي تنقل الوعي الجمعي السوري من حالة الحرب إلى حالة السلم، كما وتفرض الحل السياسي على سلطات الأمر الواقع بمافيها النظام السوري، أو على الأقل السلطات خارج سيطرته.
إيناس نصر الدين
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري