تأثير النزوح من لبنان إلى سورية على اقتصاد النظام السوري
تشهد المنطقة العربية بشكل عام، سورية ولبنان بشكل خاص، تحولات دراماتيكية أثرت بشكل كبير على أوضاعهما الاقتصادية والاجتماعية، فالنزوح الجماعي للبنانيين إلى سورية نتيجة القصف الاسرائيلي على لبنان ونزوح أكثر من مليون لبناني وسوري من بيوتهم حسب تصريحات الحكومة اللبنانية، جعل الأمور متفاقمة في لبنان، الأمر الذي يُمثل تطوراً جديداً يضيف المزيد من التعقيد إلى المشهد الاقتصادي لدى النظام السوري.
تحليل الوضع:
- الضغوط على الموارد:
- 1- البنية التحتية: ستتعرض البنية التحتية السورية، التي كانت تعاني أصلاً من تدهور كبير بسبب الحرب، إلى ضغوط إضافية نتيجة تدفق أعداد كبيرة من النازحين السوريين واللبنانيين من لبنان، ما قد يؤدي إلى تفاقم مشاكل المياه والكهرباء والصرف الصحي والإسكان، حيث تضرر أكثر من 40 في المائة من البنية التحتية منذ انتهاء المعارك الكبيرة 2020م، ما تسبب في خسارة حوالي 65 ملياراً، وبلغ معدل الفقر 86 في المائة بين السوريين البالغ عددهم حوالي 22 مليوناً.
- 2- الخدمات الأساسية: ستزداد الحاجة إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مما يضع المزيد من الضغط على الميزانية الحكومية المحدودة للنظام السوري، إذ قيمة الموازنة لعام 2024 في حكومة النظام السوري تعادل نحو 2 مليار و526 مليون دولار، بينما بلغت عام 2023 نحو 3.6 مليارات دولار.
- البطالة وتدني الأجور:
- 1- قد يؤدي تدفق العمالة اللبنانية إلى زيادة معدلات البطالة بين السوريين، خصوصا مع انعدام فرص عودة اللبنانيين أو أكثرهم لبلدهم حتى لو انتهت الحرب قريبا بلبنان، بسبب حصيلة الدمار الكبيرة، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والأمنية.
- 2- قد يؤدي التنافس على فرص العمل إلى انخفاض الأجور، مما يؤثر سلبًا على مستوى المعيشة للسوريين واللبنانيين على حد سواء.
- التضخم وارتفاع الأسعار:
- قد يؤدي زيادة الطلب على السلع والخدمات الأساسية إلى ارتفاع الأسعار، مما يزيد من معاناة المواطنين ويقلل من قدرتهم الشرائية، حيث سجلت أسعار كافة السلع والمواد الغذائية بين عامي 2023 و 2024 في سورية، ارتفاعات كبيرة، تجاوزت نسبة 200%.
- الاعتماد على المساعدات:
- قد يزداد اعتماد النظام السوري على المساعدات الدولية لتلبية الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية، مما يقلل من سيادتها الاقتصادية ويجعلها أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية.
- فرص اقتصادية محدودة:
- على الرغم من التحديات، قد يتيح النزوح فرصًا اقتصادية جديدة، مثل زيادة الطلب على بعض السلع والخدمات، ولكن هذه الفرص محدودة مقارنة بالتحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد السوري.
التأثيرات على النظام السوري:
- زيادة الضغوط: يواجه النظام السوري ضغوطًا متزايدة لتوفير الخدمات الأساسية للنازحين اللبنانيين، مما قد يضعف شرعيته ويؤدي إلى احتجاجات اجتماعية، فالاقتصاد السوري لنظام الأسد قد شارف على الانهيار ما ينذر إما باندلاع ثورة أو مجاعة جماعية، إذ ما يقرب من 90% من الشعب السوري بات تحت خط الفقر بحسب بيانات الأمم المتحدة.
- تحديات في إدارة الأزمة: قد يواجه النظام صعوبة في إدارة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن النزوح، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.
- فرص للتقارب مع لبنان: قد يسعى النظام إلى استغلال الأزمة لتعزيز العلاقات مع لبنان، وتقديم نفسه كحليف في مواجهة الأزمة الاقتصادية اللبنانية.
تقديرات مستقبلية:
من الصعب التنبؤ بدقة بالتأثيرات المستقبلية للنزوح اللبناني إلى سورية، ولكن من المتوقع أن تستمر هذه الأزمة في التأثير على اقتصاد النظام السوري المتهالك أصلا بشكل كبير في المدى المتوسط والطويل.
الاستنتاجات:
يعد النزوح اللبناني إلى سورية تحديًا جديدًا يضاف إلى الأزمات المتعددة التي يعاني منها الاقتصاد السوري. من المتوقع أن يؤدي هذا النزوح إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في مناطق النظام السوري، وأن يضع المزيد من الضغوط عليه.
التوصيات:
- على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والإنساني اللازم لمساعدة سورية ولبنان على التعامل مع هذه الأزمة، بطريقة تمنع استغلال النظام السوري من إعادة تعويمه، وتمنعه من إعادة تدخله في لبنان.
- يجب على النظام السوري اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وتوفير الخدمات الأساسية للنازحين، والعمل على تحقيق الاستقرار الأمني، وقبل ذلك يجب عليه العمل على إيجاد حل سياسي في سورية، باعتباره الحل الأمثل للانهيار الاقتصادي، ومحاولة الاستفادة من باب التطبيع التركي المفتوح ومبادرة الجامعة العربية التي قد لاتكون حاضرة بالمستقبل.
- يجب على الحكومة اللبنانية العمل على حل سياسي للحرب مع اسرائيل، والعمل على إعادة تنشيط مشاريع إعادة الإعمار لعودة النازحين اللبنانيين لبيوتهم، وتشجيع عودتهم إلى وطنهم بأمان.
أخيرا: هذا التقدير يعتمد على المعلومات المتاحة حاليًا، وقد تتغير الظروف والتطورات على الأرض، لهذا يجب إجراء المزيد من الدراسات والتحليلات لتقييم التأثيرات الكاملة للنزوح على الاقتصاد السوري وتجديد المعلومات بشكل متواصل، مع الاهتمام بمساعدة النازحين السوريين واللبنانيين لمنع وصولهم لمرحلة المجاعة.
جاكلين ك الشامي
المكتب الاقتصادي
مقالات
قسم البحوث والدراسات
تيار المستقبل السوري