المكتب الاقتصاديالمكتب العلميدراساتقسم البحوث و الدراسات

رفع الأجور في سورية

مقدمة:
تتناول النظريات الاقتصادية المختلفة مسألة زيادة الرواتب من زوايا متعددة، على سبيل المثال تشير نظرية النمو الكلاسيكية إلى أن النمو الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الدخل، وبالتالي زيادة القدرة الشرائية للمستهلكين، وتركز النظريات الكلاسيكية الجديدة على أهمية العمل ورأس المال والتقنية في تحقيق النمو الاقتصادي، كما تناقش النظريات الاقتصادية الحديثة كيف يمكن للتطور التكنولوجي والأسواق الإلكترونية أن تغير ديناميكية العلاقة بين المنتجين والمستهلكين، مما يؤثر على قوى العرض والطلب وبالتالي على الأجور، بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أن زيادة الرواتب يمكن أن تتم دون التسبب في ارتفاع الأسعار إذا تمت مواكبتها بزيادة في الإنتاج.
وتحدثت بعض النظريات عن أهمية التخطيط والتنويع في مصادر الدخل لتحسين الرواتب.
لذلك، يمكن القول إن زيادة الرواتب في بلد ما يتطلب مقاربة متعددة الجوانب تشمل النمو الاقتصادي، التطور التكنولوجي، والسياسات الاقتصادية التي تعزز الإنتاج وتحسن الأجور.

النظرية الانتاجية:
تعد الأكثر شيوعًا لزيادة الرواتب، وتتمحور حول مفهوم الإنتاجية، حيث تقترح هذه النظرية أن الزيادة في الأجور يجب أن تتناسب مع الزيادة في إنتاجية العمل، فعندما يصبح العمال أكثر كفاءة وينتجون في نفس الوقت المزيد، حينها يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة أجورهم دون التسبب في ارتفاع التكاليف للشركة، ووفقًا لهذه النظرية، فإن يمكن للشركات أن تقدم زيادات في الرواتب بناءً على تحسينات في الإنتاجية، والتي يمكن قياسها من خلال الأداء الفردي أو الأداء الجماعي للعمال، هذا يعني أن الزيادة في الرواتب تكون مبررة اقتصاديًا ومستدامة على المدى الطويل، لأنها تعكس القيمة الحقيقية التي يضيفها العمال إلى الشركة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض النظريات الحديثة إلى أن الاستثمار في التدريب وتطوير المهارات يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وبالتالي إلى زيادة الرواتب، وتؤكد على أهمية الابتكار والتكنولوجيا في تعزيز الإنتاجية وتحسين الأجور.

لاشك، هناك نظريات اقتصادية تعارض نظرية الإنتاجية، فيما يتعلق بزيادة الرواتب، على سبيل المثال، تشير بعض النظريات إلى أن التركيز على الإنتاجية وحدها قد يتجاهل جوانب مهمة أخرى مثل الطلب على العمالة، والتي يمكن أن تؤثر أيضًا على الأجور، كما تناقش نظريات أخرى مثل النظرية الكينزية، الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسات الحكومية والتدخلات في الاقتصاد لتحفيز الطلب الكلي، والذي بدوره يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأجور.
بالإضافة إلى ذلك، تقترح النظرية الاشتراكية الليبرالية أن الأجور يمكن أن تزيد من خلال توزيع الأرباح بطرق مختلفة، مثل مكافآت الموظفين أو التمويل العام، بدلاً من الاعتماد فقط على الإنتاجية، وتؤكد نظرية الخطر الأخلاقي على أن الحوافز المالية يجب أن تُمنح بحذر لتجنب تشجيع السلوكيات الضارة.
هذه النظريات تعكس التنوع في الفكر الاقتصادي وتشير إلى أنه لا توجد إجابة واحدة مطلقة لمسألة كيفية زيادة الرواتب، ولكن يجب النظر في مجموعة متنوعة من العوامل والسياسات.

النظرية الكينزية:
نظرية وضعها الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات، تعتمد على فكرة أساسية تدعو إلى التدخل الحكومي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وهي معارضة لفكرة السوق المفتوح ومدرسة آدم سميث، تركز هذه النظرية على الإنفاق الإجمالي في الاقتصاد وآثاره على الإنتاج والتوظيف والتضخم، وتعتبر من نظريات الاقتصاد الكلي التي تناقش الطلب الكلي كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
وفقًا لكينز، يمكن للحكومات التأثير في الطلب الكلي من خلال سياسات مثل زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب لتحفيز الاقتصاد ومكافحة البطالة، خاصة في أوقات الركود الاقتصادي، يعتقد كينز أن الاقتصاد لا يميل بشكل طبيعي نحو التوظيف الكامل، وأنه قد يحتاج إلى تدخلات لتحقيق التوازن ومنع الأزمات الاقتصادية.
تُعد النظرية الكينزية مهمة لأنها قدمت تفسيرًا جديدًا للكساد العظيم، وألهمت سياسات اقتصادية جديدة تهدف إلى منع تكرار مثل تلك الأزمات في المستقبل.
لكن كيف يمكن استخدام النظرية الكينزية لتحسين مستوى الأجور؟
تقترح النظرية الكينزية أن الحكومة يمكن أن تلعب دورًا نشطًا في الاقتصاد من خلال تحفيز الطلب الكلي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاج والتوظيف، عندما تزيد الحكومة الإنفاق العام أو تخفض الضرائب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، مما يعزز النمو الاقتصادي ويخلق المزيد من فرص العمل.
ووفقًا للنظرية الكينزية، يمكن أن يؤدي تحسين الطلب الكلي إلى تحريك جمود الأجور برفع الحد الأدنى لأجر العامل، مما يمكّن العمال من زيادة إنفاقهم على السلع الاستهلاكية الأساسية، هذا الإنفاق المتزايد يمكن أن يؤدي إلى دورة إيجابية تعزز النمو الاقتصادي وتحسن مستوى الأجور.
بالإضافة إلى ذلك، تشير النظرية إلى أن خفض الأجور ليس بالضرورة الحل لمشكلة البطالة، لأن ذلك قد يؤدي إلى انخفاض الإنفاق، وبالتالي انخفاض الطلب الكلي، مما ينتج عنه انخفاض الطلب على اليد العاملة، لذلك تدعم النظرية الكينزية فكرة أن تحسين الأجور يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتحفيز الاقتصاد وتحقيق التوظيف الكامل، وغالبًا ما يتطلب تحسين مستوى الأجور إجراء تغييرات في السياسات والتشريعات الموجودة، تشمل هذه التغييرات إصلاحات في قوانين العمل، وضع سياسات أجور جديدة، وتعديلات في الضرائب والحوافز الاقتصادية.
كما يمكن أن تشمل الإصلاحات التشريعية تحسين شبكات الأمان الاجتماعي، وتعزيز المساواة في الأجور، وتشجيع الاستثمار في التدريب وتطوير المهارات لزيادة الإنتاجية، وفي بعض الحالات، قد تتضمن الإصلاحات تغييرات في السياسة الضريبية لتخفيف العبء عن الطبقات العاملة وتحسين قدرتهم الشرائية.
إن تطبيق النظرية الكينزية قد يتطلب تغييرات في السياسة المالية والنقدية لزيادة الإنفاق الحكومي وتحفيز الطلب الكلي، مما يمكن أن يؤدي إلى تحسين الأجور والتوظيف، ومع ذلك، يجب أن تكون هذه التغييرات متوازنة ومدروسة لضمان الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
النظرية الكينزية تشجع على التدخل الحكومي في الاقتصاد، وهذا يمكن أن يشمل رفع الأجور في بعض الحالات، الآن هل رفع الأجور إيجابي ؟
أظهرت دراسة -بالمراجع- لزيادة الحد الأدنى للأجور نتائج مخالفة لما كان يعتقد في السابق حول تأثيرات الحد الأدنى للأجور، ومن أبرز ما رجحت نتائج الدراسة عدم تسبب زيادة الحد الأدنى للأجور في رفع معدلات البطالة، حيث وجدت الدراسة أن التوظيف لم يتراجع في المناطق التي ارتفع فيها الحد الأدنى للأجور مقارنة بالمناطق المجاورة التي لم يرتفع فيها، بل إنه تحسن قليلا في بعض المناطق التي غطتها الدراسة وارتفعت فيها الأجور، وتدعم نتائج الدراسة فرضية إمكانية تسبب الحد الأدنى للأجور في رفع الأجور والتوظيف في الوقت نفسه.
كما وجدت الدراسة أن زيادة الحد الأدنى للأجور تزامنت مع زيادة أسعار منتجات الصناعة المستهدفة، وبنسب تزيد قليلا على حصة زيادة التكاليف، وتعود زيادة أسعار المنتجات إلى إجراءات التكيف التي تمارسها المؤسسات الإنتاجية لمواجهة رفع الأجور التي تشمل تعديلات تسعير خليط المنتجات، أو تحسين وتعديل نوعية الخدمات والمنتجات.
نتسائل بعد كل ذلك، هل تطبيق هذه النظرية في شمال سورية ممكن؟
الظاهر أن تطبيق النظرية الكينزية قد يكون معقدًا بسبب العديد من العوامل:
أولاً: الوضع الاقتصادي في شمال سورية يواجه تحديات كبيرة، فالنزاع المستمر، وارتفاع تكاليف المدخلات، وشح المياه، قد أثر سلباً على الاقتصاد، بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي نقص الوقود إلى إضعاف التصنيع، وتعطيل النقل والخدمات، بسبب العلاقة المتوترة بين غرب سورية.
ثانياً: النظرية الكينزية تعتمد على القدرة على التحكم في السياسة الاقتصادية، مثل الضرائب والإنفاق الحكومي، أما في سياق النزاع فقد يكون من الصعب تنفيذ هذه السياسات بفعالية.
ثالثاً، رفع الأجور قد يكون له تأثيرات غير مقصودة، على سبيل المثال، قد يؤدي إلى زيادة التضخم إذا لم يتم موازنته بزيادة في الإنتاج.

لذا، بينما قد تكون النظرية الكينزية مفيدة كأداة لفهم الاقتصاد، فإن تطبيقها في شمال سورية سيتطلب تحليلًا معقدًا للظروف المحلية والاقتصادية الخاصة، ورغم ذلك، يمكن الانتصار إلى أن هناك إمكانية للاستفادة من هذه النظرية في قضية رفع الأجور وجعل ذلك عامل إيقاف للتدهور الاقتصادي.

خاتمة:
رفع الأجور قد يكون له تأثيرات إيجابية وسلبية على الوضع الاقتصادي في شمال سورية:
١- الناحية الإيجابية: يمكن أن يحسن رفع الأجور مستوى المعيشة للعمال ويزيد من القدرة الشرائية، مما يمكن أن يدعم الطلب المحلي، ويحفز النمو الاقتصادي.

٢- الناحية السلبية: قد يؤدي رفع الأجور إلى زيادة التكاليف للشركات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أو تقليل فرص العمل، بالإضافة إلى ذلك، قد يكون له تأثيرات غير مقصودة مثل التضخم.

لكن يبقى الأثر النهائي لرفع الأجور يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك السياق الاقتصادي والسياسي، والقطاعات الصناعية المتأثرة، لذا، يجب أن يتم تقييم القرار بناءً على الظروف المحلية والاقتصادية الخاصة.

لهذا يمكن أن يقدم تيار المستقبل السوري توصيته بما يلي:

  • إيلاء موضوع رفع الأجور أهمية استثنائية عبر تدخل حكومي، وفرضه ليكون أمراً واقعاً، سواء للمهن الرسمية أو المنَظمة أو الحرة، وبذلك يمكن المساعدة في ضخ المزيد من الأموال ورفع سوية المنطقة اقتصاديا.
  • أن يكون هذا حلاً مؤقتاً حتى الانتقال لمرحلة الحل الشامل لكل سورية.
  • وضع دراسات عملانية لكيفية البدء برفع الاجور في المنطقة، ووضع خطط لعدم السماح بالتعدي على الحد الأدنى للأجور.

عمار العموري
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:
الحد الأدنى للأجور يرفع التوظيف (alarabiya.net)
دراسة: زيادة الرواتب وارتباطها بارتفاع الأسعار..7 مقترحات تساهم في الخروج من التردي الاقتصادي | Economy2Day
10 نظريات الأجور (iedunote.com)
النظرية الكينزية وتاريخ الاقتصاد الكينزي | بورصات (borsaat.com)
الزيادة في الأجور وتأثيرها على تحسين القدرة الشرائية ومستوى المعيشة في الجزائر The increase in salaries and its impact on improving purchasing power and the standard of living in Algeria | ASJP (cerist.dz)
Global Wage Report 2020/21: COVID-19 and wages – ILO Publications

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى