د. زاهر إحسان بعدرانيرئيس التيارمقال / تصريحمكتب الرئاسة

الحرفيّون، دورٌ وأهميّة

استهلال:
الحرفيّون عماد أي مجتمع من المجتمعات، فهم واجهة تراثه وعراقته.
هم أشخاص يمارسون حرفَ معينة، تتطلب مهارة يدوية، ومعرفة تقليدية متوارثة عبر الأجيال، فهم صناع الأدوات والأشياء التي نستخدمها يوميًا، وبذلك يحافظون على التراث الثقافي والحضاري للمجتمعات، كما أنهم المتولون لزمام الخدمات العامة للمجتمع من أعمال السباكة والعمارة والخياطة والنجارة والحدادة، وغير ذلك..
كما يعتمد عمل الحرفي على فهم المواد الخام وخصائصها، وعلى معرفة التقنيات والأساليب المستخدمة في صناعة المنتجات، لهذا هم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لأي بلد، ويلعبون دورًا هامًا في نقل المعرفة والمهارات من جيل إلى آخر.
كما أنهم ينتجون سلعًا وخدمات تلبي احتياجات المجتمع على مر العصور، سواء كانت أساسية أو تكميلية أو تزينية، ويُشكل العمل الحرفي مصدر دخل لكثير من الناس، كما ويساهم في دعم الاقتصاد المحلي، والتسويق السياحي، وهم قادرون على ابتكار منتجات جديدة، وتطوير التقنيات المستخدمة، مما يساهم في تنويع الاقتصاد.

تحديات راهنة:
التحديات التي تواجه الحرفيين في عصرنا، وخاصة في سورية كثيرة، كما يواجه الحرفيون في عصرنا تحديات تهدد بقاء حرفهم وتراثهم، تلك التحديات تتفاقم في دول تعاني من صراعات وحروب، مثل سورية.

التحديات العامة التي تواجه الحرفيين:

  1. المنافسة الشديدة: حيث تواجه الحرف اليدوية منافسة قوية من المنتجات الصناعية الرخيصة والمتوفرة بسهولة.
  2. نقص العمالة الشابة: حيث يفضل الشباب العمل في القطاعات الأخرى التي توفر رواتب أعلى.
  3. صعوبة التسويق لمنتجاتهم ووصولها إلى الأسواق: خاصة الأسواق العالمية.
  4. التغيرات التكنولوجية: إذ تتطلب الحفاظ على الحرف التقليدية مواكبة التغيرات التكنولوجية، وهو ما قد يكون صعبًا على الحرفيين التقليديين.
  5. نقص المواد الخام اللازمة لإنتاج منتجاتهم: خاصة المواد الطبيعية.
  6. قلة الدعم الحكومي: فغالبًا ما تفتقر الحرف اليدوية إلى الدعم الحكومي الكافي، سواء من حيث التمويل أو التسهيلات.

وأما التحديات الخاصة التي تواجه الحرفيين في سورية:

  1. الحرب والدمار: حيث أدت الحرب في سورية إلى تدمير الكثير من الورش الحرفية وتشريد الحرفيين، مما أدى إلى فقدان الكثير من المعرفة والمهارات.
  2. تعاني سورية من أزمة اقتصادية حادة: مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
  3. بسبب الحصار والحرب: يواجه الحرفيون صعوبة في الحصول على المواد الخام اللازمة لإنتاج منتجاتهم.
  4. انقطاع التيار الكهربائي: إذ يؤثر انقطاع التيار الكهرباء بشكل كبير على عمل الحرفيين الذين يحتاجون إلى الكهرباء لتشغيل بعض الأدوات.
  5. هجرة الحرفيين: بسبب الوضع الصعب في سورية، والذي دفع الكثير من الحرفيين إلى الهجرة إلى بلدان أخرى بحثًا عن فرص عمل أفضل.

أهمية دور الحرفيين:
للحرفيين دور محوري وأساسي في المجتمع، فهم يشكلون ركيزة مهمة من ركائز التراث الثقافي والاقتصادي لأي بلد، وخاصة في بلد غني بالتاريخ والحضارة مثل سورية.

وتكمن أهمية الحرفيين بشكل عام من خلال:

  1. الحفاظ على التراث الثقافي: فالحرفيون هم حماة التراث الثقافي، فهم ينقلون مهاراتهم ومعارفهم من جيل إلى آخر، مما يساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع.
  2. التنمية الاقتصادية: حيث تساهم الحرف اليدوية في تنمية الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل وتوفير دخل للعديد من الأسر، كما أنها تساهم في تنويع مصادر الدخل.
  3. الحرفيون هم مصدر للابتكار والإبداع: فهم دائماً يبحثون عن طرق جديدة لتطوير حرفهم ومنتجاتهم.
  4. تجذب المنتجات الحرفية السياح وتساهم في تنشيط السياحة المحلية.
  5. تساهم الحرف اليدوية في تحقيق التنمية المستدامة من خلال استخدام المواد الطبيعية وتقليل النفايات.

أما عن أهمية الحرفيين في سورية بشكل خاص:

  1. حفظ الهوية الوطنية: فالحرف اليدوية السورية هي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية السورية، فهي تعكس تاريخ البلاد وحضارتها.
  2. المقاومة الثقافية في ظل الأزمات التي تمر بها سورية: حيث تُعتبر الحرف اليدوية وسيلة لمقاومة النسيان والاندثار، والحفاظ على الذاكرة الجماعية.
  3. المصدر الوحيد للدخل بالنسبة لكثير من السوريين: خاصة في المناطق الريفية.
  4. التعريف بسورية: حيث تساهم المنتجات الحرفية السورية في التعريف بسورية وحضارتها في العالم.

وعن دور الحرفيين في تغيير الواقع السياسي في سورية يمكن القول أن الحرفيين ليسوا مجرد صناع للأشياء، بل هم حافظون للتراث وحاملوا الهوية الثقافية. لكن، هل يمكن للحرفيين أن يؤثروا في الواقع السياسي؟ هذا سؤال مثير للاهتمام، خصوصاً في سياق الأحداث التي تمر بها سورية.
والإجابة برأينا ليست مباشرة أو بسيطة، ولكن يمكننا استكشاف بعض الجوانب التي تُظهر تأثيرًا غير مباشر للحرفيين على الواقع السياسي، من ذلك:

  1. المقاومة الثقافية: إذ الحفاظ على الحرف التقليدية في ظل الأزمات والصراعات هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية. فهو يؤكد على الهوية السورية واستمراريتها، ويشكل تحدياً للأنظمة التي تسعى إلى طمس الهوية وتدمير التراث.
  2. التضامن الاجتماعي من خلال تجميع الحرفيين ودعم بعضهم البعض: فمن خلال بناء شبكات اجتماعية قوية تعمل على تعزيز التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع بغض النظر عن التشظي السياسي الحاصل، بل هذه الشبكات يمكن أن تكون نواة لحركات اجتماعية أوسع.
  3. التأثير الاقتصادي: فالحرف اليدوية يمكن أن تكون مصدراً للدخل المستدام للكثير من الأسر السورية، خاصة في المناطق الريفية. هذا يمكن أن يساهم في استقرار المجتمع وتقليل الفقر، وبالتالي يقلل من التوترات الاجتماعية التي قد تؤدي إلى صراعات.
  4. السردية البديلة: إن الحرف اليدوية يمكن أن تُقدم سردية بديلة عن سورية بعيداً عن صورة الدمار والخراب التي تروج لها وسائل الإعلام. هذه السردية الإيجابية يمكن أن تساعد في بناء مستقبل أفضل للبلاد.
  5. التبادل الثقافي: من خلال المشاركة في المعارض والمهرجانات الدولية التي ندعو لتفعيلها وتنشيطها، حيث يمكن للحرفيين السوريين التعريف بحضارتهم وتراثهم، وبالتالي بناء جسور التواصل مع الشعوب الأخرى، وهذا يمكن أن يساهم في دعم القضية السورية.

لكن، يجب أن ندرك أن تأثير الحرفيين على الواقع السياسي هو تأثير غير مباشر وطويل الأمد، فلا يمكن توقع أن يقوم الحرفيون بدور ثوري مباشر، ولكن يمكنهم أن يساهموا في بناء مجتمع قوي ومتماسك، وهذا المجتمع هو الذي يمكنه، في النهاية، أن يؤثر على مسار الأحداث السياسية.

سلبيات دور الحرفيين:
السؤال عن سلبيات دور الحرفيين على الإصلاح السياسي والمجتمعي في سورية هو سؤال غير دقيق وغير واقعي لعدة أسباب:

  1. دور الحرفيين الأساسي: فدور الحرفيين هو الحفاظ على التراث الثقافي، وتوفير فرص عمل، والمساهمة في الاقتصاد المحلي. هذا الدور لا يتعارض بشكل مباشر مع الإصلاح السياسي والمجتمعي، بل قد يدعمه بشكل غير مباشر.
  2. التركيز على الجوانب الإيجابية: إذ التركيز على الجوانب السلبية لدور الحرفيين يعتبر تحيزًا، ويغفل عن الدور الكبير الذي يلعبه الحرفيون في المجتمع السوري، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد.
  3. الحرفيون ليسوا فاعلين سياسيين: فالحرفيون بشكل عام هم فئة اجتماعية تعمل على مستوى محلي، وليس لديهم أدوات أو نفوذ للتأثير بشكل مباشر على السياسات العامة.

إلا أنه لا يمكن إغفال سلبية واحدة، وهي أن يقوم الحرفيون عن قصد او غير قصد بتبني الافكار الدخيلة على مجتمعنا سواء من طرف الإيراني أو الروسي وأدواتهما، ومحاولة صهرها بشكل او بآخر بما لدينا من حرفَ تتعلق بالتراث والعراقة والقِدَم والتاريخ! وبذلك فإن تأثيرهم السلبي لن يلبث حتى يصبح ضمن منظومة أفكار الأجيال الجديدة وعقولهم، وهو مما سيعود بالضرر والأذى على الهوية السورية التاريخية الأصيلة ولو بعد حين.

وبدلاً من الحديث عن سلبيات دور الحرفيين، يمكننا طرح الأسئلة التالية:

  1. ما هي التحديات التي تواجه الحرفيين في المشاركة في عملية الإصلاح السياسي؟
  2. وكيف يمكن الاستفادة من مهارات الحرفيين في بناء مجتمع مدني قوي؟
  3. وما هي العوائق التي تحول دون مساهمة الحرفيين في عملية التنمية المستدامة؟

بدلاً من البحث عن سلبيات، يجب التركيز على كيفية دعم الحرفيين وتمكينهم من المساهمة في بناء مجتمع سوري أكثر عدالة وازدهاراً.

خاتمة:
الحرفيون جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري الأصلي والأصيل، ودورهم أساسي في الحفاظ على التراث الثقافي وتنمية الاقتصاد، ولابد من التركيز على كيفية دعمهم وتمكينهم، ليكونوا مساهمين في بناء مستقبل أفضل لسورية، وبالتالي فإننا نوصي بما يلي:

  1. الدعم الحكومي: على سلطات الأمر الواقع في سورية اليوم، والحكومة السورية الجديدة في المستقبل أن تعمل على توفير الدعم المالي واللوجستي للحرفيين، وتسهيل حصولهم على المواد الخام والتراخيص.
  2. التسويق: يجب العمل على تسويق المنتجات الحرفية السورية محليًا وعالميًا، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لها.
  3. التعليم والتدريب: يجب توفير برامج تعليم وتدريب للشباب لتعلم الحرف التقليدية ونقل الخبرات من جيل إلى آخر.
  4. إنشاء أسواق خاصة بالمنتجات الحرفية: يمكن إنشاء أسواق خاصة تعرض المنتجات الحرفية وتساعد الحرفيين على بيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين.
  5. حماية الملكية الفكرية: يجب حماية الملكية الفكرية للحرفيين ومنع تقليد منتجاتهم.

يبقى الحرفيون ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها وتطويرها، فدورهم لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يتعداه إلى الجانب الثقافي والاجتماعي، كما يواجه الحرفيون تحديات كبيرة، ولكن مع الدعم المناسب والعمل الجاد، يمكن الحفاظ على هذا التراث الثمين وتطويره.

د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى