علماء الدين، دورٌ وخطورة
استهلال:
الحديث عن دور الدين في الحياة العامة، وحياة العامّة، واسعٌ ومعقد، ويتباين تفسيره وتأثيره بشكل كبير بين الثقافات والمجتمعات المختلفة.
وبشكلٍ عام، يمكن تلخيص هذا الدور في النقاط التالية:
- يساهم الدين في تشكيل القيم والمعايير الأخلاقية التي تحكم سلوك الأفراد والمجتمعات، كما يقدم الدين إجابات على الأسئلة الوجودية الكبرى مهما كانت تلك الأجوبة، ويحدد معنى الحياة والموت، مما يوفر إطارًا عامًا للسلوك الإنساني.
- يعمل الدين على توحيد المجتمعات وتقوية الروابط الاجتماعية بين أفرادها، كما يوفر هويةً مشتركةً وقيمًا تفاعلية، ما يُعزز الشعور بالانتماء والولاء للمجتمع.
- في العديد من المجتمعات، وفي كثير من المناطق السورية، لعب الدين دورًا مهمًا في تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية، نجده أسس العديد من المؤسسات الاجتماعية، مثل الزواج والأسرة، ووضع القوانين والأعراف التي تحكم سلوك الأفراد.
- في بعض الأحيان، يكون الدين قوة دافعة للتغيير الاجتماعي، فقد قادت العديد من الحركات الدينية إلى إصلاحات اجتماعية وسياسية، ودافعت عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
- ساهم الدين في تطوير التعليم والثقافة في العديد من المجتمعات، من خلال دعم الدين لتأسيس المدارس والجامعات، والحفاظ على التراث الثقافي والديني.
- في بعض الدول، يكون الدين عنصرًا مؤثرًا في السياسة، حيث يسعى بعض القادة الدينيون إلى التأثير على صنع القرار السياسي، وفي سورية دور الدين واضح خلال السنوات الماضية من الثورة والصراع.
كما وهناك أوجه أخرى لدور الدين في الحياة العامة، إذ يلجأ الكثير من الناس إلى الدين للحصول على إجابات عن أسئلتهم، والتوجيهات في حياتهم اليومية، هذا ويمكن للدين عبر رجاله أن يوحد الناس من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية.
بنفس الوقت، يمكن للدين أن يؤدي إلى الانقسامات والصراعات بين الجماعات المختلفة.
ولعل من المفيد هنا أن نذكر التحديات التي تواجه دور الدين في الحياة العامة، أهمها:
- التعددية الدينية، إذ مع تزايد التنوع الثقافي والديني في العالم، أصبح من الصعب تحقيق توافق بين مختلف المعتقدات الدينية.
- العلمانية، حيث تزايدت الدعوات إلى فصل الدين عن الدولة، مما يحد من دور الدين في الحياة العامة.
- التطرف الديني، فلقد ارتكب بعض المتطرفين من المنسوبين على المتدينين أعمال عنف باسم الدين، ما أثر سلبًا على الصورة العامة للدين في نظر الكثيرين.
إن دور الدين في الحياة العامة موضوع معقد ومتشعب، ويتطلب منا أن ننظر إليه من زوايا متعددة، كما يجب علينا أن نحترم حرية المعتقد، وأن نسعى إلى الحوار والتفاهم بين مختلف الأديان والثقافات.
ومما سبق من شرح عام لدور الدين في الحياة العامة، فإنه قد يختلف ذاك الدور باختلاف السياق الثقافي والاجتماعي، حتى ضمن البلد الواحد كسورية مثلاً، ومن المهم التفريق بين الدين المحمول بسياقات تاريخية ضخمة، والتطرف الديني الانتقائي في الاختيار ضمن هذا السياق!
دور رجال الدين في الحياة العامة:
كما الدين، فإن دور رجال الدين واسع ومعقد، ويتباين تفسيره وتأثيره بشكل كبير بين الثقافات والمجتمعات المختلفة.
تاريخياً، لعب رجال الدين أدوارًا محورية في تشكيل المجتمعات وتوجيه سلوك الأفراد، وهو دور تطور وتغير عبر العصور، وتأثر بالتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية.
أبرز الأدوار التاريخية لرجال الدين:
- القادة الروحيون: إذ كانوا بمثابة المرشدين الروحيين للمجتمع، يقدمون تفسيرات للدين، ويحددون القيم والمعايير الأخلاقية.
- المعلمون: وهم المسؤولون عن نشر المعرفة والتعليم، وتدريس الدين قراءة وكتابة.
- القضاة: وهذا ليس تاريخياً فقط، بل رأيناه في سورية بشكل واضح، إذ رأيناهم وهم يحكمون في النزاعات، ويفضون المشكلات.
- السياسيون: ففي بعض الحالات، كان رجال الدين يشاركون في الحياة السياسية، وهذا أيضاً مشهود بالحاضر ليس بالتاريخ فقط، حيث قد يتولون مناصب قيادية في الدولة أو مؤسسات المعارضة لما لمكانتهم الرمزية من جمهور وقبول شعبي.
أما عن دور رجال الدين في العصر الحديث:
في العصر الحديث، تقلص دور رجال الدين في بعض المجتمعات، بينما ظل قويًا في مجتمعات أخرى، وتختلف طبيعة هذا الدور باختلاف السياق الثقافي والسياسي.
بشكل عام، يمكن تحديد الأدوار التالية:
- الدعوة إلى الدين: وتوعية الناس بأحكامه ومبادئه.
- التوجيه الروحي من خلال تقديم المشورة: والتوجيه الروحي للأفراد والمجتمعات.
- المشاركة في الحياة الاجتماعية: وتقديم الخدمات الإنسانية.
- المشاركة في الحياة السياسية: في بعض المجتمعات، حيث يشارك رجال الدين في الحياة السياسية، ويعبرون عن آرائهم في القضايا العامة.
وأما عن آثار دور رجال الدين على المجتمع:
لاشك أن لرجال الدين دوراً ضخماً في بنية المجتمع، وقد لا يمكن حصره وعدُّه، فربما يملك الحاكم أجساد الناس، ولكن رجال الدين يملكون أرواحهم وربما عقولهم، وبالتالي يمكن جمع توصيف آثار رجال الدين على المجتمع بأمرين:
- الإيجابية: إذ يمكن لرجال الدين أن يلعبوا دورًا إيجابيًا في المجتمع من خلال تعزيز القيم الأخلاقية، والتسامح، والتعايش السلمي، وما شابه.
- السلبية: كما يمكن لرجال الدين أن يساهموا في تعزيز التطرف والتعصب، وتقويض الحريات الفردية.
خطورة رجال الدين في الحياة العامة:
هذا الموضوع تتداخل فيه العوامل الدينية والسياسية والاجتماعية، إذ يجب أن ننظر إلى الأمر من عدة زوايا:
- التاريخ: فتاريخيًا، لعب رجال الدين أدوارًا حاسمة في تشكيل المجتمعات وتوجيه سلوك الأفراد. ولكن في بعض الحالات، استغل بعض رجال الدين نفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، ما أدى إلى صراعات وحروب.
- السياسة: في بعض المجتمعات، يتداخل الدين بالسياسة بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى تقييد الحريات، وفرض أجندات دينية على الجميع.
- التطرف: استغلال بعض المتطرفين الدين لتحقيق أهدافهم، ما يؤدي إلى أعمال عنف وترويع.
- التعليم: افتقار بعض رجال الدين إلى التثقيف الكافي، ما يؤدي إلى نشر أفكار متطرفة أو غير دقيقة.
- التنوع: في مجتمعات متعددة الأديان، قد يؤدي تشدد بعض رجال الدين إلى زيادة التوتر والانقسام.
من أبرز المخاطر التي قد تنجم عن الدور السلبي لرجال الدين في الحياة العامة:
- تقييد الحريات الشخصية والفكرية: وفرض قيود على النساء والأقليات.
- امكانية انتشار: التطرف والعنف باسم الدين.
- تعطيل التنمية والتقدم: والتشجيع على المحافظة على عادات وتقاليد قديمة.
- الفساد: قد يستغل بعض رجال الدين مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية.
ولكن، يجب التأكيد على أن هذه المخاطر لا تنطبق على جميع رجال الدين، فهناك الكثير منهم يؤدون دورًا إيجابيًا في المجتمع.
وللتخفيف من تلك المخاطر، يمكن اتخاذ عدة إجراءات:
- فصل تدخل رجال الدين بالدولة والشؤون العامة: ففي بعض المجتمعات، قد يكون هذا حلاً أمثلاً لضمان المساواة بين جميع المواطنين.
- التركيز على تعليم الدين بشكل صحيح: وتشجيع الحوار بين الأديان.
- محاسبة رجال الدين: الذين ينتهكون القانون أو يروجون للكراهية.
- على الدولة أن تلعب دورًا: فعالًا في تنظيم العلاقة بين الدين والمجتمع.
أهمية دور رجال الدين في حفظ الأوطان:
لعب رجال الدين على مر التاريخ أدوارًا محوريةً في المجتمعات، خاصة في المجتمعات الشرقية، هذا الدور تجاوز الجانب الروحي إلى جوانب اجتماعية وسياسية، وكان لهم دور بارز في حفظ الأوطان وحماية المصالح الوطنية.
ولعل أبرز الأدوار التي لعبها رجال الدين في حفظ الأوطان:
- نشر قيم الوحدة والتلاحم، حيث غرس رجال الدين في نفوس الناس قيم الوحدة والتلاحم الوطني، وحثهم على التعاون والتكاتف في مواجهة الأخطار التي تهدد الوطن، وهذا ما شهدناه في مراحل كثيرة في التاريخ السوري، نحاول توصيفه دون ذكر أمثلته منعاً عن الابتعاد عن مقصد المقال.
- التوعية بأهمية الوطن، وحقوق المؤمنين وواجباتهم تجاهه، وحثهم على الدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة.
- التوسط في النزاعات وحل الخلافات، مما ساهم في الحفاظ على الاستقرار الداخلي.
- التحذير من الفتن والانقسامات التي تهدد أمن الوطن واستقراره، والتمسك بالوحدة الوطنية.
- التضحية بالنفس والمال، حيث قدم الكثير من رجال الدين تضحيات جسام من أجل وطنهم، سواء كانت تضحيات مادية أو حتى التضحية بالنفس.
- الدفاع عن العقيدة والدين، ورأوا في ذلك دفاعًا عن الوطن، لأن الدين هو جزءٌ لا يتجزأ من هوية الأمة.
خاتمة:
- إن دور رجال الدين في حفظ الأوطان والمجتمعات واضح، كما في هدم كل ذلك، واستغلالُ السياسيين لدورهم واردٌ ومعروفٌ معلوم، كما ويتأثر دور رجال الدين بالظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية، ورغم التحديات التي يواجهونها، إلا أنهم لا يزالون يلعبون دورًا هامًا في المجتمعات، ويساهمون في بناء مجتمعات قوية ومتماسكة.
- ولهذا فإنا نوصي في تيارنا “تيار المستقبل السوري” بضرورة فهم دور رجال الدين في السياق التاريخي والثقافي لكل مجتمع.
ولما يواجهه رجال الدين من تحديات كبيرة في المستقبل، تتطلب منا ومنهم إعادة النظر في أدوارهم، وتكييفها مع المتغيرات الجديدة. - ونشدد على ضرورة إيلاء دور رجال الدين الأهمية الكبرى لمكانته وخطورته على حدٍّ سواء، وإمكانية استغلال السياسيين الأشرار لدورهم، أو استغلالهم بشكل سلبي هادم، لهذا وجب دعم رجال الدين الإيجابيين، ورفدهم بكل ما يمكنهم من مواجهة الأدوار السلبية في حركة المجتمعات والأفراد معاً.
د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري