المؤيدون.. واقع ودور
استهلال:
قامت الثورة السورية شعبية يمثلها جمهور السوريين لتحقيق مصلحة معتبرة غير فئوية، وكان من المفترض أن يكون لشعارات تحمل دعوات التغيير والإصلاح صدىً طيباً لدى كل مكونات الشعب السوري وفئاته! لكن ما جرى هو أن بعض أبناء شعبنا من السوريين كرهوا رسم طريق الثورة الطاهر آنذاك، بل وأعلنوا العداء لها وقاموا بمحاربتها، وهؤلاء صار اسمهم منذ ذلك الحين (المؤيدون).
أسباب التأييد للسلطة الظالمة:
تختلف الأسباب لوجود فئات من الشعب تؤيد الظالم، كما لا يمكننا إحصاؤهم كونهم يدخلون ضمن دوائر العلوم الإنسانية، وهي علوم نسبية في جانب منها، ومعتمدة على الاستقراء الواقعي الذي له خصوصيته، ولكن لمعرفة أنواع المؤيدين وفهم حالتهم لابد من ذكر بعض تلك الأسباب التي نراها شاخصةً حسب تجربتنا:
- الخوف: إذ قد يخاف الناس من العقاب أو الانتقام إذا عارضوا الحاكم، وهو سببٌ كبيرٌ ومؤثر في تشكيل قاعدة المؤيدين.
- الجهل: هناك فئة من الناس يجهلون حقيقة الظلم الذي يتعرضون له، فيعتقدون أن الوضع الراهن (والذي أحدث ثورة) هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه حال البلد.
- مكاسب شخصية: بعض الشعب يُعدُّ مستفيداً من حال النظام القائم، من خلال الحصول على وظائف أو امتيازات قد يخسرها في حال تم التغيير.
- التأثير الديني أو القبلي: وهو عامل مؤثر على زرع جذر الولاء للحاكم والسلطة في العقول، حتى وإن كان ظلمه ظاهراً بيناً جلياً.
- عامل الوقت في التغيير الناعم: حيث يأمل الشعب في تغيير الحاكم أو نظام حكمه تغييراً تدريجياً مع الوقت، ويأتي دعمهم له على هذا الأساس.
- القلق من الفوضى: يفضّل بعض الناس (كما التجار مثلاً) الاستقرار النسبي، حتى لو كان تحت حكم ظالم، بدلاً من المخاطرة بالفوضى التي قد تنتج عن التغيير.
هذه الأسباب ليست شاملة، وقد تكون هناك عوامل أخرى تؤثر على موقف الأفراد، لكن من الملاحظ بحديثنا مع بعض المؤيدين ومراقبة نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا مثلاً، أن فئةً لا بأس بها ربما تدعم بقاء الحاكم الظالم أو نظام حكمه وسلطته، إلا أن دعمهم ذلك لا يبرر لديهم صور الظلم الحاصل في البلاد!
مؤيدو الأسد:
تحدثنا عن أسباب تأييد الحاكم الظالم عموماً، فماذا عن تأييد بعض السوريين لبشار الأسد ونظام حكمه بالتحديد؟!
برأيي، يمكن أن يُعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها:
- الخوف والأمان: بعض الناس قد يؤيدون الأسد خوفًا من الانتقام أو جملة العقوبات إذا عارضوه، أو لأنهم يرون في نظامه ضمانًا للأمان والاستقرار مقابل حالة الفوضى التي تعم البلاد.
- المصالح الشخصية: هناك من استفاد أو يستفيد ماديًا أو سياسيًا من دعمه المباشر أو غير المباشر للنظام السوري، سواء من خلال المناصب الحكومية أو الامتيازات الاقتصادية، ونحوهما.
- الدعاية والإعلام: إذ يستخدم النظام السوري وسائل الإعلام والدعاية لتقديم نفسه كحامٍ للوطن ضد المؤامرات الخارجية والداخلية، والإرهاب، مما يؤثر على آراء شريحة من المجتمع.
- الانتماء الطائفي: فبعض الكيانات الطائفية ترى في الأسد حاميًا لمصالحها في مواجهة تهديدات طائفية أخرى موهومة، بينما ترى بعض المذاهب والمدارس الدينية وجوب طاعة الحاكم الظالم، وإن جلد ظهرك، وسبى عرضك، وسلب مالك!
- الجهل والتضليل ونقص المعلومات: فقد يكون بعض الشعب غير مدركٍ لحجم الظلم والانتهاكات بسبب نقص المعلومات لديه واختلاطها، أو جملة التضليل الإعلامي الممنهج خاصة على الأجيال الجديدة.
- جيل ما بعد ثورة 2011: والذي لم يكن له حظٌّ في أن يعيش عقود حكم نظام الأسد الأب أو الابن، وكانت ولادته قبل بعد 2011 بقليل، فتشبّع في المدارس والجامعات بما اعتاد النظام على تكراره من نظريات المؤامرة وشعارات التأييد الأعمى.
أنواع المؤيدين السوريين:
نماذج مؤيدي الأسد ونظامه متنوعة ومتداخلة، ولكن بشكل عام يمكن تصنيفهم إلى هذه الفئات:
- المستفيدون المباشرون: هؤلاء هم الأشخاص الذين يحصلون على مكاسب مادية أو سلطوية مباشرة من النظام، مثل الوزراء والمقربين منه وأصحاب النفوذ، ثم الدوائر المحيطة بهم الأقرب فالأقرب، وغيرهم.
- الخائفون: هم من يخافون من بطش وتنكيل نظام الأسد، فيدعمونه شكلاً لا مضموناً، خوفًا على أنفسهم وأهليهم، وكذلك ممتلكاتهم.
- المخدوعون: هؤلاء هم الذين يصدّقون الدعاية التي ينشرها النظام، ويعتقدون أنه إنما يعمل لمصلحتهم، رغم أنه يستغل حاجاتهم ومشاعرهم.
- المؤمنون بأيديولوجية النظام الحاكم: قد يكون هناك من يؤمنون بأيديولوجيته، حتى لو كان ظالماً، ويعتبرون أن دعمه واجب ديني أو وطني، من باب أنه يمثل الدولة، والدولة دائما على حق!.
- المستفيدون غير المباشرين: وهم من يستفيدون بشكل غير مباشر من النظام الظالم، مثل التجار والصناعيين والفنانين، والذين يستغلون الظروف لزيادة أرباحهم، وتوفير ظروف أفضل لهم.
- ولعل هذه التصنيفات ليست حصرية، وقد يندرج شخص واحد ضمن أكثر من فئة مما ورد.
كيفية التعامل مع المؤيدين:
لاشك أن الشبيحة والعنفيين والمجرمين الذين وجدوا في عنف النظام ساحة لتنفيس أمراضهم، هم تماماً كما الفاسدون والحرامية والمنتفعين، هؤلاء لا يمكن التعويل عليهم، وبسقوط النظام سيسقطون ويُكشفون، ولا بديل عن ذلك معهم.
أما الخائفون أو المغرر بهم أو الذين يوالون نظام الأسد شكلاً، ويرفضون الظلم مضموناً، فهؤلاء يجب التفريق بينهم وبين الفئة الأولى بحذر! فهم ربما يكونوا أعمامنا أو أخوالنا أو جيراننا أو أصدقاء الصبا، لكن ظروفهم لم تمكنهم من إبداء رأيهم ولا الخروج من حاضنة الأسد فيُعلنوا موقفهم!
إذاً فهناك فئتان من المؤيدين بحسب ما تبين:
- فئة قاتلة مجرمة، لا حل معها دون إسقاط الركن الذي يتكؤون عليه وهو نظام الأسد وكافة أركانه.
- فئة ترفض الظلم، وتختار الوقوف مع النظام لأي سبب كان.
وإذا كانت الفئة الأولى صلبة لا يمكن التعامل معها، فإن الفئة الثانية مهمة في المنظور الوطني والأخلاقي، بل يمكن التواصل معهم للاستفادة من موقعهم لمصلحة وطنية أو أخلاقية حاليةٍ أو مستقبلية، حيث نرى أن التعامل معهم فيه مصلحة بعدة قضايا منها:
- التوسط لرفع بعض المظالم الشخصية داخل سورية.
- المساعدة في قضايا إدارية مثل الاستحصال على أوراق وجوازات سفر وما شابه.
- حماية الممتلكات التي يحاول النظام السيطرة عليها، عبر تأمينها بأيد ترفض الظلم، وبنفس الوقت هم بصف النظام حسب اعتقاده بالحد الأدنى.
- الاتفاق على ملاحقة المجرمين والفاسدين، وجعلهم نقطة التقاء وطنية بيننا وبين المؤيدين من الفئة الثانية.
- العمل على مستقبل للجيل القادم يكون أكثر قابلية للحياة.
- الاتفاق مع المؤيدين هؤلاء على هدف وطني، وهو الوصول لحل سياسي شامل حقيقي، وبناء دولة وطنية عادلة.
- الاستفادة منهم في مراحل الانتخابات لعدم استغلال الفاسدين للانتخابات، والصعود للسلطة.
إذاً، يمكن القول إننا بحسب منظورنا الوطني والعقلاني نرى أن المؤيدين ليسوا واحداً، ونرى إمكانية الاستفادة منهم لمصلحة وطنية وأخلاقية، ويمكن البناء عليها في الوضع الراهن والمستقبلي.
وعليه فإننا نوصي بعدم ترك الفئة الأولى من المؤيدين واستعداء الفئة الثانية، بل العمل على تكثيرها وتقويتها باعتبارها هدفا ثوريا ووطنيا يساهم بكسر عصا النظام الداخلية وتدمير بنيته الفاسدة، وهذه نقطة إيجابية قد تكون مفيدة في بنية الصراع السوري، ولمصلحة الشعب السوري نفسِه.
د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري