الثائرون دور وأهمية
استهلال:
صحيحٌ أنه لا يوجد علم اسمه “علم الثورات”، ولا يوجد تخصصٌ أكاديميٌّ محددٌ باسم “علم الثورات”، ولكن هناك العديد من التخصصات والأفرع العلمية التي تهتم بدراسة الثورات من جوانب مختلفة، مثل علم السياسة، الذي يدرس الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى الثورات، وكذلك نتائجها على النظام السياسي والمجتمع.
وعلم الاجتماع، الذي يركز على دراسة الحركات الاجتماعية والثورات من منظور سوسيولوجي، ويدرس العوامل الاجتماعية والثقافية التي تشكل تلك الحركات.
وعلم التاريخ الذي يدرس المسار التاريخي للثورات، ويحاول فهم أسبابها ونتائجها في سياقها الزمني والمكاني.
إضافة لعلم النفس، الذي يهتم بدراسة سيكولوجية الجماهير المشاركة في الثورات، ودوافعهم وأفعالهم.
وربما يعود فقدُ علم قائم بذاته باسم “علم الثورات” إلى طبيعة الثورات المعقدة! فالثورات هي أحداث معقدة تتأثر بعوامل متعددة ومتشابكة، يصعب حصرها في تخصص واحد، ويشترك فيها عديد التخصصات، فدراسة الثورات تتطلب تضافر جهود عدة تخصصات معاً، ما يجعل من الصعب تحديد تخصص واحد يغطي جميع جوانبها.
ومع ذلك، فإن تعدد زوايا المقاربات العلمية والأكاديمية للثورات يساهم في فهم التغيير الاجتماعي وكيفية حدوث التغيير الاجتماعي الجذري وكيفية تطور المجتمعات.
كما يمكن أن تساعد دراسة أسباب الثورات في تجنب حدوث أزمات سياسية واجتماعية مستقبلية.
ويمكن أن تساعد دراسة نتائج الثورات في بناء مجتمعات أكثر عدالةً واستقرارًا وأمناً.
الثورة ضد السلطة:
الثورة الشعبية ضد النظام الحاكم يمكن تعريفها بأنها حركة جماعية واسعة النطاق يقوم بها الشعب للإطاحة بنظام سياسي قائم واستبداله بنظام جديد.
وتتضمن تلك الحركة عادة مظاهرات، احتجاجات، وإضرابات، وقد تصل إلى العنف المسلح في بعض الحالات.
ولعل الأسباب التي تدفع إلى الثورة الشعبية تكون متنوعة، ولكنها تشمل عادة:
- الظلم والاستبداد: فعندما يشعر الشعب بأن النظام الحاكم بات يمارس الظلم والقمع، ويحرمهم من حقوقهم الأساسية فإنه ينفجر في تحركه الشعبي: وكلما كانت قاعدة الظلم أكبر، كلما كان للتحرك والحراك وزنه وتأثيره نحو تكوين وخلق معالم الثورة.
- انتشار الفساد والمحسوبية في أجهزة الدولة: مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية، وتوزيعٍ غير عادل للثروة، ما يخلق مناخ الثورة.
- ارتفاع معدلات الفقر والبطالة: وعدم قدرة السلطة على توفير فرص عمل، وخدمات أساسية للمواطنين.
- انتهاك الحريات السياسية والمدنية، ومنع أو كبت المعارضة عن التعبير عن الرأي.
- الحاجة إلى التغيير عبر رغبة الشعب في تغيير نظامه السياسي القائم: وإقامة نظام جديد يضمن العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
الثائرون رافعة التغيير:
يمكن تعريف الثائر بأنه فرد أو مجموعة من الأفراد يقومون بالتمرد أو المقاومة ضد نظام سياسي أو اجتماعي قائم، وذلك سعياً لإحداث تغيير جذري في ذاك النظام.
وغالباً ما يكون التغيير نابعاً من عوامل أساسية وأخرى ثانوية تخلق باجتماعها مناخ الثورة وتهيئ الجو للمواطن الثائر.
والصفات التي تميز الثائر عادة ما تكون:
- الشجاعة والقدرة على مواجهة المخاطر والتحديات.
- الإيمان بالقضية إيماناً راسخاً، والاعتقاد بالأفكار والمبادئ التي يخرج من أجلها.
- التضحية بالراحة والمال والحياة أحياناً من أجل تحقيق أهداف الثورة.
- الوعي السياسي عبر فهم عميق للأوضاع السياسية والاجتماعية.
- القدرة على تنظيم صفوف الشعب وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف.
أنواع الثائرين:
تتنوع أشكال الثورات، أهمها:
- ثورة سياسية تستهدف تغيير النظام السياسي القائم، وبالتالي هناك ثائرون سياسيون.
- ثورة اجتماعية تستهدف تغيير النظام الاجتماعي القائم، ومنها يمكن وصف الثائرين بكونهم ثائرون اجتماعيون.
- ثورة ثقافية تستهدف تغيير القيم والمعتقدات السائدة وبالتالي هناك ثائرون ثقافيون.
- ثورة اقتصادية: تستهدف تغيير النظام الاقتصادي بالكلية أو تصحيح مساره، وبهذا يمكن وصف الثائرين بأنهم ثائرون اقتصاديون
- وقد تكون ثورة على واقعٍ فيه كل ما مرَّ أو بعضه مجتمعين، وبذلك يمكن وصفهم بأنهم ثائرون نحو التغيير العام حسب ما تُفضي لهم ثورتهم.
من هنا يتضح أن الثائر ليس عنيفاً بالضرورة، إذ قد تكون الثورات سلمية أو عنيفة، وهذا يعتمد على طبيعة النظام الحاكم ورد فعله على الاحتجاجات من جهة، وعلى طبيعة التفكير الاجتماعي العام وأفق فهم الواقع وإمكانية ضبط الحراك بمنطق العقل والحكمة والبصيرة.
كما أن الثورات ليست دائماً ناجحة، فقد تنجح الثورات في تحقيق أهدافها، وقد تفشل وتؤدي إلى نتائج عكسية، وقد تنجح في شيء مما دعت إليه بينما تفشل في تحقيق كافة مطالبها المشروعة ولو لمرحلة زمنية مؤقتة.
وأيضاً، الثوار ليسوا مثاليين، فهم بشر، وقد يرتكبون أخطاء ويقعون في تناقضات، ويفقدون رُشدهم أو يتأثروا بعوامل داخلية أو خارجية تحرك مسارهم.
(الثائر) دينمو النمو:
يُعتبر الثائر شخصية محورية وذلك لعدة أسباب:
- كونه محرك التغيير الاجتماعي: فالثورات والحركات الاحتجاجية التي يقودها الثوار هي المحرك الأساسي للتغيير الاجتماعي: إذ هم يسعون إلى تحويل الأنظمة والقيم السائدة، ما يجعل دراسة سلوكهم وأفكارهم أمرًا بالغ الأهمية لفهم ديناميكيات التغيير الاجتماعي.
- يمثل الثائر رمزًا للمقاومة ضد الظلم والاستبداد: إذ أن دراسة سيكولوجية الثوار ودوافعهم تساعد على فهم طبيعة المقاومة البشرية وكيفية استجابتها للظروف القمعية.
- مصدر للابتكار الاجتماعي: فغالبًا ما يقدم الثوار أفكارًا مبتكرة وحلولًا جديدة للمشاكل الاجتماعية والسياسية.
- كشف جوانب خفية في المجتمع مثل التناقضات الاجتماعية: والتهميش، والظلم.
- تطوير النظريات الاجتماعية: حيث ساهمت دراسة الثورات والحركات الاجتماعية في تطوير العديد من النظريات الاجتماعية، مثل نظرية الصراع، ونظرية الحشد، ونظرية الهوية الاجتماعية.
كما يساهم الثائر في خدمة مجتمعه وبلده بطرق متعددة، منها:.
- الدافع للتغيير: حيث يشكل الثائر حافزًا قويًا للتغيير الإيجابي في المجتمع، فمن خلال تحديه للوضع القائم ورفض الظلم والاستبداد، يدفع الثائر المجتمع نحو البحث عن حلول لمشاكله وتحقيق العدالة الاجتماعية.
- يمثل الثائر صوتًا للمظلومين والمهمشين في المجتمع: فهو يعبر عن آلامهم وتطلعاتهم، ويسعى إلى تحقيق حقوقهم.
- محرك للتنمية: فقد تؤدي الثورات الناجحة إلى تحفيز التنمية في مختلف المجالات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. فالثورات غالبًا ما تفتح الباب أمام أفكار جديدة وتقنيات حديثة.
- تعزيز الهوية الوطنية والشعور بالانتماء إلى الوطن: فالنضال من أجل الحرية والاستقلال يقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
- بناء مجتمع أكثر عدالة: حيث يسعى الثوار إلى بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة، يحظى الجميع فيه بفرص متساوية
ولكن يجب التنويه إلى أن تأثير الثورات على المجتمع يختلف من حالة إلى أخرى، فقد تكون له نتائج إيجابية وربما سلبية.
فبعض الثورات قد تؤدي إلى فوضى وعدم استقرار، بينما قد تؤدي ثورات أخرى إلى تقدم وتطور المجتمع.
لهذا يمكن القول أن الثائر يلعب دورًا حاسمًا في دفع عجلة التغيير بشكل عام، ولكن يجب تقييم تأثيره في كل حالة على حدة.
خاتمة:
مع الأخذ بعين الاعتبار أن السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي لكل ثورة يختلف بخصوصيات ذاتية سواء بالثائرين أنفسهم، أو بالمَثور عليه، أو بالتدخل الخارجي، أو بالاصطفاف الداخلي، لكن للاستفادة من وجود الثوار في المجتمع نرى ما يلي:
أولاً، توجيه الطاقة الإيجابية، إذ يمكن توجيه طاقة الثوار وحماسهم نحو بناء مجتمع أفضل، وذلك من خلال:
- تشجيع الثوار على المشاركة في مشاريع تطوعية تعود بالنفع على المجتمع، مثل إعادة إعمار المناطق المتضررة أو تقديم المساعدات الإنسانية.
- دعم برامج التعليم والتوعية التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي لدى المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.
- تشجيع الثوار على المساهمة في بناء مؤسسات مدنية قوية، مثل النقابات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
ثانياً، الحوار والتفاهم بين الثوار وسلطة الأمر الواقع وباقي فئات المجتمع، بدل أن يكون هناك تدخل خارجي يكون تدخله سلبيا أو غير مرضي للثائرين، وبالتالي فالهروب من هذا المجال أو إبعاد الثوار عنه قد يحرمهم من الاستفادة من تضحياتهم لمافيه فائدة إيجابية، ومسار الحوار هذا نراه من خلال:
- عقد طاولات حوار مفتوحة بين مختلف الأطراف للوصول إلى حلول توافقية، سواء فردية أو جماعية، بشكل ندي مصلحي ووطني، يجعل الثائر موجوداً على الطاولة يحقق أهدافه بمجهوداته دون استلابها وفرضها بالقوة من الخارج.
- استخدام وسائل الإعلام لنشر رسائل السلام والتسامح والحوار، وعدم ترك القطاع الإعلامي لأصحاب الغايات الماكرة.
ثالثاً، العمل على إصلاح النظام السياسي والقانوني والقضاء على الفساد، وذلك من خلال:
- سن قوانين تضمن حقوق الإنسان والحريات العامة وتكافؤ الفرص.
- مكافحة الفساد بكل أشكاله ومحاسبة الفاسدين.
- توزيع عوائد الثروة بشكل عادل بين جميع أفراد المجتمع.
رابعاً، بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وذلك من خلال:
- الاستثمار في التعليم والتدريب المهني للشباب.
- خلق فرص عمل للشباب للحد من البطالة.
- حماية البيئة والموارد الطبيعية.
ومما يجب التوصية به ليكون للثائر دوره الايجابي احترام القانون والنظام العام، وتجنب العنف والتخريب، وحتى لو تم اقحام الثائر بدوامة العنف عليه أن يكون المبادر لتنفيذ القانون بدل سياسة التوحش.
كما يجب أن تكون أي عملية إصلاح شاملة وتشمل جميع فئات المجتمع، وتوطئة النفس على أن التغيير الإيجابي يحتاج إلى وقت وجهد، ولا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، وأخيرا يجب على الثوار تعلم الدروس من الماضي وتجنب تكرار الأخطاء.
باختصار، يمكن الاستفادة من وجود الثوار في المجتمع من خلال توجيه طاقاتهم الإيجابية نحو بناء مجتمع أفضل، والحوار والتفاهم مع الأطراف الأخرى، وإصلاح النظام السياسي. المجتمعي والثقافي و.. ، وبناء مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.
الدكتور زاهر بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري