الشيخ الدكتور إحسان بعدرانيالمكتب الدينيبحوث ودراساتسلسلة القراءة المطلوبة (6)

التجديد وفقه التجديد (4) د. إحسان بعدراني

أين نحن في العصر الحديث من كلام الدكتور البوطي ردّاً على الباحث والمفكّر الأستاذ نبيل الخياط، الذي ذهب إلى (تكريس مقولات الألسنييّن منهجاً لفهم القرآن الكريم) حيث قال د. البوطي: (هو علمٌ يَحْلَمُ بأن يجعل من هذه التجربة وسيلةً خفيّة للعبَثِ بحقائق ثابتةٍ في دينِ الله وكتابه، عن طريق العبث بقواعدِ فقه اللغة) .
هل المسألةُ عند د. البوطي في الردّ على كل من يريد التجديد هي الانطلاق من قاعدة وضعها لنفسه تقول: ( إن سوء الظنّ من حُسن الفطَنْ، وصاحب التجديد متّهمٌ حتى تثبتَ براءته؟) .
فليأذن لنا سماحته أن نقول: إن قاعدتنا في الحياة هي: (حسن الظنّ من حسن الفطن، وصاحب التجديد بريء حتى تثبت إدانته) .
ثمّ أين نحن من قول الطاهر بن عاشور: (كان الشيخ أبو محمد ابن أبي يزيد قد اتخذ كلباً بداره، فقيل له: إن الإمام مالكاً كَرِهَ اتخاذَ الكلاب في الحَضَرِ، فقال: لو أدرك مالكٌ مثل هذا الزمان لاتخذَ وَحْشَاً على باب داره)، وقال: ( لا أدعو إلى إلغاء علم أصول الفقه، ولكني أرى أنه لا يكفي لمعالجة المستجدات، أو لتأصيل الجديد، وإنما أدعو إلى علم مقاصد الشريعة).
وأين نحن من قول الإمام الشافعيّ: (إذا صحّ الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عُرض الحائط).
وأين نحن من قوله أيضاً: (مذهبي صوابٌ يحتمل الخطأ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصوابَ) .
وأين نحن من قول الإمام أبي حنيفة: (هم رجالٌ ونحن رجال).
وأين نحن من قول الإمام أحمد للإمام أبي داود رضي الله عنهما: (لا تُقلّدني، ولا مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخُذ من حيث أخذوا) .
وقوله أيضاً: (من قلّة فقهِ الرجل أن يقلّد دينُه الرجال).
وأين نحن ممّا نُسِبَ إلى الشُّعَبِيّ الذي أخذ عن سعيد بن المسيب، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وداود الظاهري، والأوزاعي، وهو قوله: (ما حَدّثَكَ هؤلاء عن رسول الله فخُذْ به، وما قالوه برأيهم فألقه في الحشى) .
وأين نحن من قول الإمام أبي حنيفة لأصحاب مدرسة حرْفيّةِ النَّصِّ الذين إذا استُفْتِيَ أحدُهم قال (لا أدري)، حيث سَخِرَ منهم قائلاً: (ليقولوا لا أدري مرتين، ليستكملوا الجهل كلّه) .
وقد يتساءل متسائل: هل التجديد عند المجدّدين في الإسلام يؤول إلى ما آلَ إليه التجديد عند البروتستانت المسيحيين على محاور ثلاثة؟ وهي: 1- ربط علاقة المسيحيّ بالنصّ الإنجيلي مباشرةً .
2- فكُّ علاقة المسيحي بالكنيسة “باعتبارها المؤسسة الدينية” .
3- تكريس واعتماد العقل مرجعيةً أُولى ومطلقة.
ويتساءل المتسائل أيضاً:
كيف يتم تطبيق المحور الأول عند المجددين في الإسلام ؟
وكيف يتمُّ تطبيق المحور الثاني في الوقت الذي لا يملك المسلمون مؤسسة دينية واحدة، وإنما مدارس في الفقه والتفسير والحديث وما إلى ذلك، أو لنقل يملكون تراثاً دِيْنِيَّاً واسعاً؟
ألا يدعوهم التجديد للتحرُّرِ من التزامات هذه المدارس إلى الالتزام بالقرآن والسنة؟
ويتساءل المتسائل أخيراً :
هل المرجعية للنص أم للعقل؟
هل النصُّ يمكن أن يتعارض مع العقل؟
أم أنَّ تعارض النص مع العقل إشكالية وافِدةٌ على المسلمين مفتَعَلةٌ؟
يقول ابن القيم : (محالٌ على أحكَم الحاكمين، وأعلم العالَمين، أن تكون أفعاله مُعَطَّلةً عن الحِكَمِ والمصالح والغايات الحميدة، والقرآنُ والسنةُ والعقلُ والفِطَرُ السليمة والآياتُ شاهدةٌ ببطلانِ ذلكَ).
ونعود لنتساءل:
هل يبقى التجديد ضرورة تنظيرية أم ضرورةً واقعيةً؟ .
هل التجديد يكون من الداخل (التراث) أم من الخارج (العلماء والفقهاء والمجتهدون … )؟ .
أم مِن الداخل والخارج كِلَيهِما؟ .
لقد أشارَ الباحثُ فوزي منصور في كتابه (خروج العرب من التاريخ)، إلى حاجة الأمة إلى فقه جديد لتدخل التاريخ من جديد لأن أبوابه الحديثة لا تسمَحُ بالدخول لمن يصرُّ على الدخول بثوب قديمٍ، ووجهٍ قديمٍ وأسلوبٍ قديمٍ وفكرٍ وفهمٍ قديمين .
ونستشهد ببيتين من الشعر للمجاهد عبد القادر الجزائري:
قُل لمن لا يرى المعاصر شيئاً
ويرى للأوائل التقديمَ

إنَّ ذاك القديمَ كانَ حديثاً
وسيبقى هذا الحديث قديماً

وأمّا الباحث وحيد الدين خان فيشير في كتابه (تجديد علوم
الدين)، إلى تطهير الدين الإلهي من الغبار الذي تراكم عليه، وتقديمه في صورته الأصلية النقية الناصعة.
وأما الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه ( تجديد الفكر الإسلامي)، فيدعو إلى تصفية عقائد المسلمين ممّا علق بها من التصور الخرافي، والاتجاه البِدَعيّ، ومظاهر الشرك الجلي والخفي .
وأما الدكتور عمر فرّوخ فيرى أن التجديد يكون في المسلمين، كما هو في عنوان كتابه (تجديدٌ في المسلمين لا في الإسلام) .
وأما الكاتب محمود طحّان فيُفْهَمُ من كتابه (مفهوم التجديد بين السنة النبوية وأدعياء التجديد المعاصرين)، يُفْهَمُ منه أنّ كلّ مجدِّد مُتَّهمٌ بخروجه عمّا أقرّهُ سلفُ هذه الأمّة، ويستشهد ببيت من الشعر لأبي تمّام:
وَسِوَىْ الرُّوْمِ خَلْفَ ظَهْرِكَ رُومٌ
فَعَلى أيِّ جَانِبَيْكَ تَمِيْلُ

ونتسائل: لماذا نسعى إلى التوفيق بين السلف فيما اختلفوا فيه، ولا نسعى إلى التوفيق بين الخلف فيما اختلفوا فيه؟
لماذا نُقِرُّ ونرضى بما ذهب إليه السلف في اجتهاداتهم، ونرفُضُ ما يذهب إليه المعاصرون في اجتهاداتهم؟
يرى بعض المفكرين أن التجديد لا يكون على يد العلماء بعيداً عن أصحاب السلطة والقرار، وإنما يكون بالتعاون معهم.
ويرى آخرون أن التجديد لا يمكن أن يكون ما دام الجمهور من المسلمين وراء العلماء الجامدين، ووعَّاظ السلاطين، وخلف سطوةِ الحاكمين.
وترى فئة ثالثة أن التجديد لا يكون إلا بالجمع بين التجديد الديني والتجديد الدنيوي والتجديد السياسيّ، أي ثلاث في آنٍ واحدٍ.
ويدعو المفكّر عبد المتعالّ الصعيدي في كتابه (المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر) إلى أن يضعَ المسلمون في أذهانهم فكرة (المُجَدِّد المُنْتَظَر ) لا (المَهْدِي المُنْتَظَر).
ونتساءل أخيراً: هل (المُجَدِّد المنتظر) يكون في ميدان فهم الدين فقط، أم في كلّ ميدان؟
أليس (المُجَدِّد المنتظر) في فَهمِ الدّين هو واحدٌ من المجدّدين المُنتظَرين في كلّ ميدان؟ أي: إصلاحات في آنٍ واحدٍ.
أخيراً: قال المجاهد عبد القادر الجزائري ملخّصاً التجديد في بيت من الشعر :
كذا قضى اللهُ للأقلامِ مُذْ بُرِيَتْ
أنَّ السيوفَ لها مُذْ أُرْهِفَتْ خَدَمُ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى