قراءة في كتاب “سؤال المصير” لمؤلفه السوري الدكتور برهان غليون
لفتني اهتمام الدكتور زاهر بعدراني بكتاب الدكتور برهان غليون الأخير “سؤال المصير قرنان من صراع العرب من أجل السيادة والحرية”، والمنشور عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, 2023م.
كان تركيز الحوار بيني وبين د.بعدراني حول تحميل غليون للغرب المسؤوليةَ بجعل شرقنا “كسيحاً” حسب تعبير المؤلف، فمنذ سليم الأول، وإلى محمد علي باشا، وحتى صدام حسين، كان عملهم عبارة عن انعتاق من السلطة الغربية، كشرط أول حقيقي وغير منظور لدخولنا بالحداثة، وهذا ما استفاض حوله المؤلف.
على أنه رغم توصيته في خاتمة كتابه بانتهاج الحل الديمقراطي، فإننا نجده متساهلاً مع الأمثلة التي طرحها بهذا الحامل! وهو أمر جدير بالاهتمام.
فنجد في فصول كتابه الثلاثة الأولى أنه حمّل الغربَ بالدرجة الأولى مسؤولية منعنا من دخول الحداثة وذلك لأطماعه بجغرافيتنا المميزة، والتي أصبحت تشكّل لعنة علينا، ثم حمّل النُّخب المثقّفة المسؤولية، وذلك لاهتمامها بالأوهام حسب وصفه في الفصل الرابع من الكتاب، كما أنه في الفصل الخامس منه يتهّمهم بصناعة الشعب الكسيح، على غرار صناعة الغرب للشّرق الكسيح.
كثيرةٌ هي القراءات لكتاب غليون، فهو كتاب لاتكاد تمسك به حتى يُفّجر بين يديك افكاراً وأفكار، كل فكرة منه تحتاج مساءلة، كل فصلٍ منه يحتاج اشتباكاً.
لقد استطاع د.غليون أن يخلق هذا التوتر مع قرّاء كتابه حيث أسس لفكرته “الإنقلابية” التي تؤشّر للتاريخ الحديث لا القديم، للواقع السياسي لا التراثي، فالمشكلة من الأمام وليس الخلف حسب قوله، فشواهد التاريخ والحاضر تؤكد على أن أيّ أيدلوجيا متخلّفة وخرافية ما كان لها أن تنتصر في ظل قيادة سياسية حداثية! فكل القادة الحداثيون -ووصفُهم بالحداثة تابع لرؤية غليون- استطاعوا جمع المفكرين ورجال الدين إلى صفهم، مع أن التهويل والعويل كان قائما منهم أنفسهم، بل استطاعوا توظيف الدين وتطويع التراث ليكون عاملاً فاعلاً بيد أولئك الساسة.
يبقيك “غليون” في حالة من التوتر بين قبوله لفكرة المستبد المستقل عن الغرب، وتوصيته بانتهاج الديمقراطية أساسا للنُّظم السياسية، في إجابته الايجابية على سؤال إمكانية التقدم.
مما لفتني أن الدكتور بعدراني شاركني رؤيتي وقرائتي التي خلصت إليها، وأن مكمن المشكلة إنما هو بالهيمنة الغربية من جانب، والمثقفين الموهومين من جانب آخر!
فبرأينا أن الغرب ليس هو مَن جلد ظهورنا بالسّياط طوال سنوات حكم الأسد الأب والإبن، ولا هو الذي ألقى بملايين السوريين خارج منازلهم، ولا هو الذي جعل السوريين بين نازحين ولاجئين، ولا هو من رفض استقبالهم في دول الإخوة العرب وبلاد المسلمين، ثم لنجد الغرب -العنصري- كما يزعمونه، مفتِّحاً لهم أبوابه رغم صعود اليمين المتطرف، وتخوفه من أعدادهم الكبيرة المهاجرة، بل ليمنحهم جنسية بلاده بكل أريحية، وهو يعلم أنهم منتمون لبلدهم الأول..
ليس الغرب تلكم الحركات الإسلامية الجهادية التي تتمثل مخيال الخلافة الإسلامية في كينونتها، وتسعى لرفض كل صور النظم السياسية فيها، والتي وإن خرمها قائد أو سياسي إلا أنه سيظل على أقل تقدير مُنتظراً دوره بالاغتيال والتّصفية باعتباره عدواً لله وللإسلام.
والغرب ليس مفهومَ ولاية الفقيه، وليس مفهوم الميليشيات المرتبطة بمرشد أعلى أو أدنى يفتت الوطن ويحلب خيراته..
وأما المثقفون فهم أبناء الواقع، كلٌ يراه من زاويته، ولن يمكن جمعهم في إطار بنيوي واحد، سواء نظّروا لإصلاح العقل العربي، أو للتجديد الديني، أو عاشوا بأوهامهم، فلا يمكن وضعهم في سلة واحدة أبداً ثم اتهامهم بخلق شعوب كسيحة!!
على أنه وبنفس المرتبة لا يمكن التقليل من حجم المطامع الغربية، ومن أهمية امتداد نفوذهم وتلاعبهم، وبل وإدارتهم للصراع بمايخدم مصالحهم.
ولا التقليل من شأن رجال الدين والمثقفين والمفكرين الغارقين في صراع دونكشوتي لا يفيد حداثة، ولا يُحلِّق أُفقا.
انتهى حوارنا وفي رأسي هذه الأفكار التي أحببت رصفها في هذه الورقة.
لعل القارئ (أي قارئ) يُقدِّر حالة الارتباك التي جعلنا فيها د. برهان غليون في كتابه هذا، الإرتباك الذي يجعلنا بين مُبرر لرؤيته من زاوية ومُتشابك معها من زوايا أخرى، ولعل قادم الأيام يجعلنا نفرد للكتاب قراءة مفصلة متأنية، بعد هذه القراءة الكلية.
قراءة في كتاب “سؤال المصير” للدكتور برهان غليون
الباحث جمعة محمد لهيب
باحث في قسم البحوث والدراسات
المكتب العلمي
تيار المستقبل السوري
اعتقد ان قراءتكم اهملت نقطة جوهرية بل ومفصلية…تلك النقطة التي تتعلق باطباق العسكر ومن ثم حافظ الاسد على السلطة التي اطرت المجتمع وفق الصورة التي ارادتها له وهي تلك المستوحاة من المصالح الغربية والصهيونية في منطقتنا…
ان الوقوف عند محطات الهزيمة والانكسار والتفتيت لصالح السلطة المستبدة والتي ثبت عمالتها وتبعيتها…
اكبر دليل على صحة الرؤية التي توقف عندها مؤلف الكتاب…والدور الغربي الاستعماري …في نشوء حالة الكساح التي اشرتم اليها
Birdie Hampton