في الوقت الذي تخوض فيه الدولة السورية الجديدة معركة استعادة الاستقرار وبناء مؤسساتها على أسس وطنية وقانونية، تتكشف أمام الرأي العام وقائع خطيرة لا يمكن التعامل معها باعتبارها حوادث عابرة أو أخطاء فردية.
إن ما جرى من (سرقات متكررة) استهدفت المتحف الوطني في دمشق، ومراكز تابعة للمديرية العامة للآثار والمتاحف، مرتين خلال أقل من شهر، يمثل اعتداءً مباشراً على سيادة الدولة، وعلى ذاكرتها التاريخية، وعلى ثقة السوريين بمؤسساتهم!.
حيث تشير المعلومات الموثقة من بيانات رسمية وتغطيات إعلامية محلية ودولية إلى وقوع حوادث سرقة متتابعة شملت:
١_ سرقة قطع أثرية ذات قيمة تاريخية عالية من المتحف الوطني في دمشق، بعد كسر وخلع في بعض الأبواب الداخلية.
٢_ سرقات طالت مبانٍ ومراكز تابعة للمديرية العامة للآثار والمتاحف، شملت تجهيزات ومستلزمات مرتبطة بالتوثيق والعمل الإداري والفني (وربما أكثر من ذلك).
إن تكرار الحوادث خلال فترة زمنية قصيرة، يثير أسئلة جدية حول إجراءات الحماية، وسلامة الجرد، وآليات الرقابة والمحاسبة.
كما وإن خطورة هذه الوقائع لا تكمن فقط في قيمة المسروقات، بل في الرسالة السلبية التي توجَّه إلى الداخل والخارج معاً، وكأن التراث السوري ما زال مستباحاً، وكأن مؤسسات الدولة عاجزة عن حماية أكثر رموز سيادتها حساسية.
إننا نرى أن هذه السرقات تشكل:
١_ جريمة بحق الذاكرة الوطنية السورية، لأن الآثار ليست ملكاً لوزارة أو إدارة، بل ملك للشعب السوري وللإنسانية جمعاء.
٢_ مؤشراً خطيراً على خلل بنيوي في منظومة الحماية والإدارة، لا يمكن تجاهله أو تبريره بالظروف.
٣_ تهديداً مباشراً لسمعة الدولة السورية في المحافل الدولية، في وقت يُفترض فيه استعادة الثقة والتعاون مع المنظمات الأممية المعنية بالتراث.
٤_ أرضية خصبة لتفشي الفساد والإفلات من العقاب، إذا لم تُواجَه هذه القضايا بشفافية وحزم.
وانطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية، يؤكد تيار المستقبل السوري ما يلي:
١_ إن الصمت أو التهوين في قضايا نهب الآثار خيانة للثقة العامة، ولا يخدم مشروع الدولة ولا مسار الاستقرار.
٢_ إن أي محاولة لطمس الحقائق أو الاكتفاء ببيانات عامة دون نتائج واضحة ومعلنة، تُعد مشاركة غير مباشرة في الجريمة.
٣_ إن حماية المتاحف ومراكز التوثيق ليست ملفاً ثانوياً، بل جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني والسيادة الثقافية.
توصيات واضحة وعاجلة:
يدعو تيار المستقبل السوري إلى اتخاذ الإجراءات التالية دون إبطاء:
١_ فتح تحقيق قضائي مستقل وشفاف في جميع حوادث السرقة، مع إعلان نتائجه للرأي العام ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو تورطه.
٢_ إجراء جرد فوري وشامل لجميع القطع الأثرية والموجودات في المتاحف والمستودعات والمراكز التابعة للمديرية العامة للآثار والمتاحف.
٣_ إعادة تقييم منظومة الحماية الأمنية للمواقع الأثرية والمتاحف، بما يشمل الكوادر، وكاميرات المراقبة، وسلاسل المسؤولية.
٤_ إشراك جهات رقابية مستقلة وخبراء مختصين في إدارة التراث، وعدم حصر الملف ضمن دائرة إدارية مغلقة.
٥_ التواصل العاجل مع المنظمات الدولية المعنية بالتراث الثقافي، لإثبات الجدية في حماية الإرث السوري ومنع تهريبه أو الاتجار به.
٦_ اعتبار ملف الآثار والمتاحف أولوية وطنية، وربطه مباشرة بمستوى عالٍ من الإشراف الحكومي والمساءلة.
إن تيار المستقبل السوري يؤكد بوضوحٍ أنه لا دولة تُبنى فوق ذاكرة منهوبة، ولا استقراراً حقيقياً دون حماية تاريخ الأمة ورموزها.
إن ما جرى يجب أن يكون جرس إنذار حقيقي، لا مناسبة عابرة تُطوى مع الوقت.
فالمحاسبة الصارمة، والشفافية، وإعادة الاعتبار لمفهوم المسؤولية، هي الطريق الوحيد لصون التراث السوري، وحماية كرامة الدولة، واستعادة ثقة الشعب.