النشأة والخلفية العائلية:
وُلِد نسيب البكري في مدينة دمشق عام 1888، في أسرة دمشقية عريقة ذات حضور اجتماعي وسياسي بارز.
والده هو عطاء الله باشا البكري، أحد أبرز الشخصيات العربية التي عملت في محكمة الإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في القسطنطينية، وكان له تأثير واسع في مجلس أحياء دمشق بين عامي 1890 و1914.
وكان نسيب الابن الثاني من أصل خمسة أبناء.
تنتمي عائلة البكري إلى المذهب الإسلامي السني، ويعود نسبها من جهة الأمهات إلى النبي محمد ﷺ، ومن جهة الآباء إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق. وقد كانت العائلة من كبار مُلّاك الأراضي، وامتلكت منازل ومحال تجارية في حي الشاغور والقابون بريف الغوطة، إضافة إلى أراضٍ في جرمانا، وكانت لها علاقات متينة مع زعماء الدروز المحليين.
التحول السياسي المبكر والعلاقة مع الهاشميين:
بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني إثر ثورة تركيا الفتاة عام 1908، فقد عطاء الله البكري دعم السلطات المركزية بسبب قربه من السلطان المخلوع وانتقاده للثوار.
ومنذ ذلك الحين، مالت أسرة البكري إلى دعم التيار القومي العربي، ورفضت سياسات التتريك في الولايات العربية.
ارتبطت العائلة بعلاقات وثيقة مع الهاشميين في الحجاز، واستضاف عطاء الله البكري عام 1909 الشريف حسين بن علي، وشقيقه ناصر، وعبد الله بن الحسين، في منزله بدمشق.
التعليم والتكوين الفكري:
تلقى نسيب البكري تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة مكتب عنبر بدمشق، التي خرّجت عدداً كبيراً من النخب القومية العربية.
ثم انتقل إلى المدرسة السلطانية في بيروت، حيث تابع دراسته باللغة التركية، وتخرج منها عام 1912.
جمعية العربية الفتاة وبدايات العمل القومي:
انضم نسيب وإخوته فوزي وسامي إلى جمعية العربية الفتاة، وهي جمعية سرية سعت إلى استقلال العرب عن الدولة العثمانية.
وتولى نسيب منصب أمين الجمعية.
عند زيارة الأمير فيصل بن الحسين إلى سورية مطلع عام 1916، أقام في منزل آل البكري في القابون. وقام نسيب بدعوته للانضمام إلى جمعية العربية الفتاة، وعرّفه على نخبة من أعضائها، من بينهم شكري القوتلي، وعلي رضا الركابي، وعارف الشهابي، وعبد الغني العريسي.
الدور في الثورة العربية الكبرى:
اتفق نسيب البكري مع الأمير فيصل على شيفرة برقية لبدء الثورة العربية الكبرى.
وعند انطلاق الثورة عام 1916 من مكة المكرمة بقيادة الشريف حسين بن علي، انتقل البكري إلى الحجاز، وعمل حلقة وصل بين الجمعية في دمشق والقيادة الهاشمية.
وفي عام 1917، أرسل رسالة شهيرة إلى سلطان باشا الأطرش يُبلغه فيها بتقدم الجيش العربي وجيوش الحلفاء، داعياً إلى وحدة الصف العربي.
دخول دمشق وتأسيس الدولة العربية:
في عام 1918، كان نسيب البكري في طليعة الداخلين إلى دمشق مع الجيش العربي.
وبعد تأسيس المملكة السورية، عُيّن أميناً ثانياً للبلاط الملكي، وكان إحسان الجابري رئيس أمناء القصر.
كما شارك عام 1917 في تأسيس حزب الاستقلال، وانتُخب عضواً في المؤتمر السوري العام ممثلاً عن دمشق.
مواجهة الاحتلال الفرنسي والنفي:
بعد الاحتلال الفرنسي لسورية وسقوط المملكة عام 1920، غادر البكري إلى إمارة شرق الأردن.
وعام 1921 أصبح مستشاراً للملك عبد الله بن الحسين، قبل أن يعود إلى سورية عقب العفو الفرنسي.
الثورة السورية الكبرى ودوره الميداني:
مع اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925، انضم نسيب البكري إلى صفوفها، وساهم في نقل الثورة إلى دمشق والغوطة.
وقاد عمليات عسكرية وتنظيمية، وحافظ على علاقة وثيقة مع القائد حسن الخراط.
ورغم فشل محاولة تحرير دمشق وقصف المدينة، كان البكري من القلائل من النخبة الدمشقية الذين شاركوا مباشرة في القتال.
الحكم بالإعدام والعفو السياسي:
بعد انتهاء الثورة عام 1927، حُكم على البكري بالإعدام غيابياً، وفرّ إلى فلسطين.
وفي عام 1928 صدر عفو فرنسي عنه، رغم نفوذه القومي وعلاقته الوثيقة بالهاشميين.
العمل الدستوري والبرلماني:
شارك في تأسيس الكتلة الوطنية مع هاشم الأتاسي.
وكان عضواً في الجمعية التأسيسية عام 1928، وأسهم في صياغة الدستور السوري.
وانتُخب نائباً عن دمشق في أعوام 1932، 1936، 1943، و1947.
المناصب الحكومية والدبلوماسية:
تولى نسيب البكري عدداً من المناصب، أبرزها: محافظ جبل حوران.
وزير العدل عام 1939.
وزير الاقتصاد الوطني والزراعة عام 1941.
سفير سورية في الأردن بعد الاستقلال.
الاعتزال والوفاة:
بعد رئاسته لحزب الشعب، وعدم نجاحه في توسيع قاعدته الشعبية في دمشق، اعتزل الحياة السياسية عام 1957.
وتوفي عام 1966، ودُفن في مقبرة آل البكري بدمشق.
الأوسمة والتكريمات:
وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
شعار الجمهورية العربية السورية من إدارة التوجيه المعنوي للجيش السوري.
إطلاق اسمه على شارع في حي الروضة بدمشق.
موقف تيار المستقبل السوري:
يرى تيار المستقبل السوري أن استذكار سيرة نسيب البكري هو واجب وطني تجاه جيل المؤسسين للدولة السورية الحديثة.
ويؤكد التيار أن إرثه النضالي يشكل دعوة لاستكمال مشروع الدولة الوطنية القائمة على التنوع، والحرية، والعدالة، والمعرفة، والمشاركة السياسية، وبناء مؤسسات قوية في العهد السوري الجديد.
إن سيرة نسيب البكري، بما لها وما عليها، تبقى درساً وطنياً عميقاً في مسار التحول السياسي وبناء الدولة على أسس الحرية والكرامة وسيادة القانون.