كلمة المكتب الاقتصادي في تيار المستقبل السوري في الحفل المركزي بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية وسقوط نظام الأسد
حضرات الحضور الكرام، الإخوة والأخوات أعضاءُ وكوادر تيار المستقبل السوري، السادة الضيوف.
نلتقي اليوم في مناسبة وطنية عظيمة أثلجت صدورنا جميعاً كسوريين، مناسبة عيد النصر والتحرير؛ هذا اليوم الاستثنائي الذي سجّل منعطفًا تاريخيًا في مسيرة وطننا وشعبنا، وبشّر بولادة سورية (العهد الجديد) بعد سنوات طويلة من التضحيات والصمود في وجه أحد أكثر الأنظمة قسوة في التاريخ المعاصر.
إن هذا اليوم ليس مجرد ذكرى للاحتفال والاحتفاء، بل هو شهادة حيّة على أن سورية عندما تتوحد إرادة شعبها مع وعي جماهيرها الوطنية، فإنها تحول المحنة إلى منحة، والألم إلى أمل، والحصار إلى قوة
وبما يدفعنا نحو الاعتماد على الذات وبناء مستقبل مستقل قائم على الكرامة التامة من جهة، والسيادة غيرٍ المنقوصة من جهة أخرى.
أيها الحضور الكرام،
يسرّني أن أخصّ بالتحية والتقدير تيار المستقبل السوري؛ تيارنا الذي لم يكن يومًا تيار شعارات أو منابر، بل كان تيار مواقفَ ثباتٍ ومسؤولية وطنية على مدار عقد ونيّف ولا يزال.
تيارٌ آمن ببناء سورية دولة وشعبًا، وتمسّك بهويتها المشتركة ووحدة ترابها، ولم يساوم يومًا على سيادتها، وبقي حاضرًا في الميدان السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والديني منسجمًا مع تطلعات شعبنا ومناصرًا للمصلحة الوطنية العليا، ومنافحاً عن أمنها القومي.
وعلى امتداد مسار التحرير والبناء، كان لرئيس التيار الدكتور زاهر بعدراني، وأعضاءِ وكوادر التيار حضور فعّال في مختلف الفعاليات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس مجردَ حضور شكلي، بل حضورٌ قادر على تحويل ما يُطرح في الورش واللقاءات والمؤتمرات إلى خطط عملية وبرامج تنفيذية قابلة للقياس والتقييم، إيمانًا بأن الوطن لا ينهض بالشعارات، بل بالمشروع وبالعمل.
أيها السيدات والسادة لقد وضع المكتب الاقتصادي رؤية واضحة للمرحلة القادمة تقوم على مجموعة من المحاور الاستراتيجية، أبرزها:
أولًا: تحقيق العدالة الاقتصادية من خلال إعادة توزيع الفرص والتنمية، وتوجيه الجهود نحو الفئات الأكثر هشاشة من عمال وصغار الكسبة والحرفيين ورواد الأعمال الشباب، باعتبارهم العمود الفقري للنمو الاقتصادي الحقيقي.
ثانيًا: تمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر
لأنها القلب النابض للاقتصاد الوطني، ورافعة أساسية لتوفير فرص العمل وتعزيز الإنتاج واستعادة عجلة الاقتصاد السوري.
ويعمل المكتب الاقتصادي على تصميم برامج دعم وتمويل وتدريب تضمن لهذه المنشآت القدرة على الإقلاع والاستمرار.
ثالثًا: بناء منظومة اقتصادية جديدة متوازنة، تسعى إلى تحقيق توازن حقيقي بين التجارة والصناعة، بين الإنتاج والاستهلاك، وبين الاستثمار الداخلي والخارجي، وبما يسمح بتعزيز الاكتفاء الذاتي وجذب رؤوس الأموال وإعادة الثقة بالبيئة الاقتصادية السورية.
رابعًا: تعزيز الشراكات الاقتصادية الإقليمية والدولية، وبما يتوافق مع موقع سورية الجديد بعد التحرير، ويسهم في إعادة دمج الاقتصاد السوري في محيطه العربي والإقليمي على أسس من الندية والاحترام المتبادل.
خامسًا: مكافحة الفساد الاقتصادي والإداري، وتحويل مفهوم الشفافية من شعار إلى ممارسة، وضمان أن تكون المرحلة المقبلة قائمة على كفاءة المؤسسات ونزاهة الكوادر.
الإخوة والأخوات، إن عيد التحرير الأول ليس مناسبة نحتفل بها فحسب، بل هو إعلان بداية مرحلة جديدة عنوانها: العمل، فالبناء، فاستعادة الدور، وتعزيز حضور سورية في محيطها العربي والإقليمي والدولي بما يليق بتاريخها ومكانتها.
واليوم، وبعد أن طوينا صفحة طويلة من المعاناة، تبدأ مرحلة المسؤولية والعمل والبذل، مرحلة تشييد ما هدمته الحرب، وإطلاق عجلة اقتصاد وطني جديد، وفتح الأبواب أمام شبابنا كي يكونوا شركاء فاعلين في التنمية، ووضع سورية على طريق الاستقرار والنهضة المستدامة.
ختامًا:
نحتفل اليوم بالنصر، لكننا نؤمن أن الحفاظ عليه أصعب من تحقيقه، وأن بناء الدولة الجديدة يتطلب وعيًا، وإرادة، وتعاونًا صادقًا بين جميع أبناء هذا الوطن.
كل عام وسورية حرة، قوية، مزدهرة.
وكل عام وأنتم سند هذا الوطن وركيزته الراسخة في مرحلة البناء القادمة.