الميثاق الوطني للصحة نحو سورية الدولة

الملخص التنفيذي:

وقّعت وزارتا الصحة والمالية السوريتين «الميثاق الوطني للصحة»، في 26 تشرين الثاني 2025، وهو وثيقة استراتيجية تُعلن التزام الدولة الانتقالية بتحقيق التغطية الصحية الشاملة لكل مواطن سوري بحلول عام 2030.
تُقيّم هذه الورقة أن الميثاق يمثل، لأول مرة منذ سقوط النظام البائد، مشروعاً وطنياً جامعاً يتجاوز الانقسامات السياسية والجغرافية، ويؤسس لمبدأ «الصحة كحق دستوري غير قابل للتصرف».
توصي الورقة بأن تتبنى القوى السياسية دعم الميثاق كأولوية سياسية عليا، وأن يشكّل لجنة متابعة خاصة لضمان تنفيذه، لأنه يشكّل الاختبار الحقيقي لقدرة الدولة الجديدة على تقديم خدمات عامة عادلة وشاملة.

السياق التاريخي والزمني:

  • انهيار النظام الصحي السوري كان من أبرز نتائج عقود الاستبداد والحرب: 60٪ من المستشفيات العامة مدمرة أو خارج الخدمة، هجرة أكثر من 70٪ من الأطباء، وتشتت الخدمات الصحية بين أكثر من 28 جهة محلية ودولية.
  • غياب إطار وطني موحد كان السبب الرئيسي في بقاء الدعم الدولي في إطار «المساعدات الإنسانية» بدلاً من «دعم الميزانية»، مما حال دون أي إصلاح هيكلي.

أهمية الميثاق السياسية والاستراتيجية:

  • أول وثيقة رسمية تُوقّعها وزارتا الصحة والمالية معاً، مما يعني التزاماً مالياً وسياسياً غير مسبوق.
  • أول إعلان صريح بأن الصحة حق لكل مواطن «في أي مكان على الأراضي السورية»، وهي رسالة مباشرة للمناطق خارج السيطرة المركزية بأن الباب مفتوح للانضمام دون شروط سياسية مسبقة.
  • أول إطار يحوّل المنظمات الدولية من «مقدمي خدمات بديلة عن الدولة» إلى «شركاء في بناء الدولة»، وهو المدخل الوحيد لتحويل مئات الملايين من الدولارات سنوياً إلى دعم مباشر للميزانية.

تقييم المضمون:

  • الهدف الرئيسي (تغطية صحية شاملة بحلول 2030) طموح لكنه قابل للتحقيق إذا تم تخصيص 4-6٪ من الناتج المحلي الإجمالي للصحة (مقارنة بـ 1.5٪ في 2024).
  • آليات التمويل المقترحة (ميزانية الدولة + تأمين صحي إلزامي تدريجي + شراكات دولية) تتبع النموذج الناجح في رواندا وغانا بعد الصراعات.
  • إنشاء «لجنة وطنية عليا للصحة» برئاسة مشتركة بين الوزارتين يضمن استمرارية السياسة بغض النظر عن التغييرات الحكومية.

المخاطر المحتملة وسبل معالجتها:

  • نقص التمويل المبدئي ← الحل: تحويل 30-40٪ من المنح الحالية عبر آلية «دعم القطاع» بدلاً من «دعم المشاريع».
  • ضعف القدرات الإدارية ← الحل: برنامج تدريب سريع لـ 500 كادر إداري صحي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.
  • المناطق المتنازع عليها سياسياً ← الحل: إنشاء «ممر صحي» منفصل عن الممر السياسي يبدأ بمشاريع مشتركة (لقاحات، أمراض معدية، صحة الأم والطفل).

التوصيات:
لكل ماسبق، فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بالآتي:

  • إصدار بيان رسمي فوري يرحب بالميثاق ويعلن دعمه الكامل غير المشروط من قبل جميع القوى الوطنية والمدنية لدعم هكذا قرارات وطنية وخدمية ودولاتية متفق عليها.
  • تشكيل «لجنة متابعة الميثاق الوطني للصحة» تضم خبراء صحيين واقتصاديين وممثلين عن المغتربين.
  • إطلاق حملة توعية بعنوان «الصحة حق لكل سوري» تستهدف المغتربين لتشجيعهم على العودة والمشاركة في إعادة بناء القطاع.
  • الضغط في المحافل الدولية لتحويل الدعم من «إنساني» إلى «تنموي» عبر الميثاق كإطار مرجعي.
  • اقتراح إضافة بند في الدستور الجديد ينص صراحة على «حق كل مواطن في الحصول على الرعاية الصحية الشاملة دون تمييز».

الخاتمة:

الميثاق الوطني للصحة هو أول اختبار حقيقي لمعنى «الدولة الجديدة».
إذا نجحنا في تنفيذه، فسنكون قد أثبتنا أن الثورة السورية لم تكن فقط لإسقاط طاغية، بل لبناء دولة تعيد الكرامة لمواطنيها من خلال أبسط حقوقهم وأهمها: الصحة.
وإذا فشلنا، فسنكون قد أضعنا أغلى فرصة لإعادة بناء الثقة بين السوريين ودولتهم.
الآن هو وقت الدعم الكامل، لا وقت التحفظ أو الشك.
والصحة هي الجسر الذي يمكن أن يعيد توحيد سورية قبل أي جسر آخر.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع