الذكرى الأولى لانتصار الثورة السورية: بين الفرح المشروع والبذخ المرفوض

مقدمة:

في الثامن من ديسمبر تحلّ الذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية وسقوط نظام الأسد، بعد أربعة عشر عاماً من النضال الوطني المتواصل، قدّم فيها السوريون تضحيات جسيمة في سبيل الحرية والكرامة وبناء الدولة الجديدة.

وبقدر ما يمثّل هذا اليوم من محطة تاريخية مفصلية تستحق الاعتزاز، فإنه لا يجوز التعامل معها بمنطق الاحتفالات الباذخة التي يجري الإعداد لها على مستوى المحافظات والساحات العامة، وكأننا أمام دولة استوفت التزاماتها تجاه مواطنيها وطوت آثار الحرب بكل آلامه وحسراته.

إن تيار المستقبل السوري، الذي واكب لحظةً بلحظة جميع محطات الثورة السورية وأحداثها منذ يومها الأول، يرى أن الاحتفال الحقيقي لا يكون بالمنصّات والأضواء والأموال المصروفة، بل بتحقيق العدالة وردّ الحقوق وعودة الإنسان السوري إلى ااحياة الكريمة التي يرنو لها ويصبو إليها.

لذلك، نعلن بوضوح موقفنا الرافض للتجهيزات المفرطة التي تُحضّر لها بعض المؤسسات الحكومية لإحياء الذكرى الأولى، ونوضح الأسباب التالية:

أولًا: لا يجوز الاحتفال بينما ما تزال خيام النزوح قائمة:

كيف يمكن تخصيص ملايين الليرات والموارد لإقامة الاحتفالات، في حين ما تزال آلاف العائلات السورية تعيش في خيام تفتقر إلى أساسيات الحياة؟!
وبينما يزال السوري المنهك يحتمي بقطعة قماش في مواجهة الشتاء، فإن موارد الدولة ستُنفق على مشاهد استعراضية لا تُطعم طفلاً جائعاً ولا تُعيد نازحاً إلى بيته.

ثانيًا: العدالة الانتقالية لم تُفعّل بعد:

إن انتصار الشعوب لا يكتمل إلا بإنصاف ضحاياها! ورغم سقوط نظام الأسد، فإن ملفات الانتهاكات لم تُفتح بعدُ كما يجب، والمتضررون لم يحصلوا على التعويض المستحق لهم ولذويهم، وقضايا الحقوق الخاصة والعامة بقيت دون محاسبة واضحة، ولم تبدأ بعدُ ورشة المصارحة والمصالحة الوطنية التي تضمن عدم تكرار المأساة.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح الاحتفال الرسمي مجرد قفزٍ فوق الجراح، ومحاولة لتلميع صورة استقرار غير مكتمل.

ثالثًا: مصير آلاف المعتقلين ما يزال مجهولًا:

لا يمكن لسورية (العهد الجديد) أن تفرح حقاً، وهناك آلاف العائلات تنتظر خبراً عن أبنائها الذين اختفوا في سجون النظام سابقاً أو في ساحات الحرب!.
ولا يجوز للدولة أن ترفع رايات الاحتفال قبل أن ترفع الغطاء عن السجون والمعتقلات، والمقابر الجماعية التي لم تُفتح ولم يُصرّح عنها، وملفات المفقودين التي لم تُحسم.
إن هذه القضايا ليست ثانوية، بل هي جوهر الانتصار ومقياسٌ أخلاقي للدولة الجديدة.

رابعًا: المواطن السوري ما يزال عاجزًا عن تأمين أساسيات حياته:

إنه من غير المقبول أن تُخصص الميزانيات للزينة والاحتفالات بينما أسعار السلع الأساسية ترهق الأسر، وإيجارات البيوت فوق قدرة معظم المواطنين، وفواتير الكهرباء والماء والإنترنت تثقل كاهل الناس، والخدمات العامة تعاني من ضعف شديد، والرواتب لا تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم.
إنه لاااا معنى لاحتفال دولةٍ لم تُؤدِّ بعدُ واجبها الاجتماعي تجاه مواطنيها.

خامسًا: ملف الأقليات ما يزال مفتوحاً، ووحدة سورية لم تستكمل:

إن من واجب الدولة اليوم قبل أي مظاهر فرح أن تتعامل بجدية مع الهواجس التي تعيشها بعض الأقليات ولا سيما في السويداء، وإعادة الأراضي الخارجة عن سيادة الدولة، وتعزيز الاندماج الوطني القائم على الحقوق المتساوية، وطمأنة جميع المكوّنات دونما استثناء!.
فالوحدة الوطنية لا تُصنع بالاحتفالات، بل بسياسات عادلة تُشعر كل سوري أنه جزء أصيل من هذا الوطن العزيز.

سادسًا: الأولويات الوطنية أهم من مشاهد البذخ:

إنه في المرحلة الراهنة، على مؤسسات الدولة أن تدرك أن إعادة بناء المؤسسات أولى من إقامة العروض، ودعم القضاء والرقابة والنزاهة أهم من بناء المنصّات، وإصلاح المنظومة الأمنية والخدمية أولى من تزيين الشوارع، ومعالجة البطالة والفقر أشرف من إقامة الاستعراضات.
فكلُّ احتفالٍ بلا مضمون إصلاحيٍّ حقيقيٍّ هو تزييفٌ لوعي الناس ومحاولة لشراء الرضا المؤقت.

سابعًا: موقف تيار المستقبل السوري:

  1. نبارك للشعب السوري انتصاره المجيد، فهذا يومٌ عظيمٌ، ونقطةُ تحولٍ تاريخية.
    إنه لاشك أننا نفرح ونعتز به، ونثمن التضحيات التي قدّمها شعبنا العظيم.
  2. ندعم تخليد الذكرى ضمن فعاليات رمزية بسيطة، ونبارك كل الاحتفالات المتواضعة، الصادقة، التي تعكس جوهر الثورة وروحها الإنسانية، دونما كلفة مالية من ميزانية الدولة، ودون مبالغة.
  3. نقاطع الاحتفالات الرسمية الباذخة لأنها لا تمثل وجع السوريين، ولا تعبّر عن أولويات المرحلة، ولا تنسجم مع قيم الثورة في العدالة والحرية والكرامة.
  4. ندعو لوضع خطة وطنية لمعالجة الملفات المعلّقة قبل أي احتفال، وبما يشمل عودة النازحين، وفتح ملف المعتقلين والمفقودين، والكشف عن المقابر الجماعية، وإطلاق العدالة الانتقالية، ودعم الفئات الأكثر هشاشة، وتعزيز وحدة الدولة وحماية حقوق الأقليات، وضبط الإنفاق العام وتوجيهه نحو الاحتياجات الأساسية.

خاتمة:

الانتصار مسؤولية قبل أن يكون مناسبة:

إن الثورة السورية لم تنتصر لتملأ الساحات بالمهرجانات، بل لتملأ بيوت السوريين بالأمان، والعدالة، والعيش الكريم.
فالدولة التي تحتفل قبل أن تداوي جراح شعبها، إنما تحتفل بنفسها لا ببلدها.

إننا في تيار المستقبل السوري نؤكد أن الكرامة لا تُزين، والعدالة لا تُؤجل، والانتصار لا يكتمل إلا باستعادة حقوق الناس وبناء دولة القانون.

وعليه، فإن الاحتفال الحقيقي يبدأ يوم تعود آخر خيمة إلى بيت، ويُعرف مصير آخر معتقل، وتُفتح آخر مقبرة، ويشعر آخر مواطن أنه يعيش في سورية الجديدة التي حلم بها شهداء العز والسؤدد.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع