زيارة الشيخ مانع الجربا إلى دمشق وزيارة مظلوم عبدي إلى أربيل

التقى في 19 تشرين الثاني 2025، الرئيس أحمد الشرع بشيخ مشايخ قبيلة شمر السورية مانع حميدي الدهام الجربا في دمشق، وفي اليوم ذاته زار قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي مدينة أربيل والتقى قيادة إقليم كردستان العراق.

هاتان الزيارتان، رغم تباعد المكنين، تشكّلان وجهان لعملة واحدة هي محاولة جادة لإنهاء الانقسام الفعلي بين غرب الفرات وشرقه، وإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة تضمن الوحدة الوطنية مع احترام التنوع العرقي والثقافي.

إن سورية اليوم تقف على أعتاب «اللحظة الدستورية الأولى» في المرحلة الانتقالية، وإن نجاح هذه اللحظة مرهون بتحويل الحوار العشائري الكردي المركزي إلى مسار سياسي شامل يسبق نهاية العام 2025م.

أولاً، السياق التاريخي المختصر:
بعد أحد عشر شهراً من سقوط نظام بشار الأسد (ديسمبر 2024)، لا تزال سورية منقسمة فعلياً إلى مجالي سيطرة رئيسية:

  1. مناطق سيطرة الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع (غرب ووسط سورية + أجزاء من الجنوب).
  2. مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية (قسد + المجالس المحلية العربية-الكردية-السريانية).
    الثروة النفطية والغازية والزراعية (أكثر من 85 % من احتياطي النفط و70 % من القمح) تقع في شرق الفرات، مما يجعل إعادة توحيد الشرق ليس خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة حياتية لإعادة إعمار البلاد.

ثانياً، دلالات زيارة الشيخ مانع الجربا:

  1. أول زيارة علنية لشيخ قبيلة كبرى من الجزيرة السورية إلى دمشق منذ 2011.
  2. الزيارة تمّت بالتنسيق المسبق والصريح مع قيادة قسد، وليست انشقاقاً ولا خيانة كما يحلو لبعض أصحاب الخطاب المتشنج ترويجه.
  3. قوات الصناديد (3000–3500 مقاتل، أكبر فصيل عربي داخل قسد) تمثل الجناح العربي الأقوى في الإدارة الذاتية، وتحريكها نحو دمشق يعني عملياً تحريك ثقل عربي حقيقي داخل قسد.
  4. الرسالة المضمرة: «العشائر العربية الكبرى لن تقبل بقاء الشرق منفصلاً فعلياً، ولكنها لن تقبل أيضاً عودة المركزية القمعية».

ثالثاً، دلالات زيارة مظلوم عبدي إلى أربيل في اليوم نفسه:

  1. تنسيق مسبق واضح بين قيادة قسد وقيادة إقليم كردستان العراق.
  2. تصريحات نيجيرفان ومسعود بارزاني الأخيرة (دعوة الكرد السوريين للذهاب إلى دمشق فوراً وعدم تفويت الفرصة التاريخية) تؤكد أن أربيل باتت تعمل كوسيط إقليمي موثوق لدى واشنطن وأنقرة ودمشق معاً.
  3. الرسالة المضمرة: «قسد مستعدة للاندماج العسكري والإداري التدريجي، لكنها تريد ضمانات دستورية وسياسية قبل أي خطوة ميدانية كبرى».

رابعاً، الموقف الوطني:

من وجهة نظر تيار المستقبل السوري، نرى في هاتين الزيارتين المتزامنتين فرصة تاريخية يجب عدم إضاعتها، ونضع النقاط التالية كرؤية وطنية للمرحلة الانتقالية:

  1. الاعتراف الصريح بأن «اللامركزية التي يمكن الاتفاق على إحدى صورها» ليست تنازلاً عن الوحدة الوطنية، بل هي الضمان الوحيد لبقاء سورية موحدة فعلياً.
  2. ضرورة تحويل اتفاق 10 آذار 2025 (الشرع-عبدي) من اتفاق عسكري-أمني إلى مسار سياسي-دستوري شامل ينتهي قبل 30 حزيران 2026، يتضمن:
  • تشكيل لجنة دستورية موسعة تضم ممثلين عن كل المكونات (عرب، كرد، سريان، تركمان، دروز، إسماعيليون…).
  • الاتفاق على صيغة لامركزية دستورية (محافظات قوية أو أقاليم إدارية) مع احتفاظ الدولة المركزية بصلاحيات الدفاع والخارجية والنقد.
  • جدول زمني واضح لدمج المؤسسات العسكرية والأمنية شرق الفرات في الجيش والشرطة الوطنية خلال 3–4 سنوات.

أهمية دور العشائر العربية كجسر ثقة بين دمشق والإدارة الذاتية، وبالتالي يجب توسيع الحوار ليشمل شيوخ الجبور، العقيدات، البقارة، الطي، وغيرهم خلال الأسابيع القادمة.

إشراك المجتمع المدني والقوى الديمقراطية السورية (بما فيها تيار المستقبل السوري) في صياغة الرؤية الوطنية للشرق، حتى لا يبقى الحوار حكراً على السلاح والقبيلة فقط.

وعليه فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري بما يأتي:

تشكيل «مجلس وطني للشرق السوري» خلال كانون الأول 2025 يضم:

  • ممثلين عن رئاسة الجمهورية الانتقالية
  • ممثلين عن الإدارة الذاتية
  • شيوخ العشائر الكبرى
  • ممثلين عن المجالس المحلية المنتخبة في الرقة ودير الزور والحسكة
  • شخصيات مدنية وأكاديمية مستقلة

إعلان «خارطة طريق التوحيد الإداري» قبل نهاية 2025 يبدأ بتوحيد المناهج التربوية والخدمات المدنية ثم ينتقل إلى الملف الأمني.

دعوة الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كردستان العراق والمملكة العربية السعودية وقطر إلى رعاية هذا المسار بشكل علني، لتوفير الضمانات الدولية والإقليمية.

خاتمة:

سورية اليوم، بعد أحد عشر شهراً من الحرية، ليست في حاجة إلى انتصارات عسكرية جديدة، بل إلى انتصار سياسي واحد كبير ألا وهو توحيد أرضها وشعبها تحت سقف دولة مدنية ديمقراطية لامركزية.

إن زيارة الشيخ مانع الجربا إلى دمشق، وزيارة الجنرال مظلوم عبدي إلى أربيل في اليوم نفسه، تؤشر إلى أن القادة الميدانيين عربا وكرداً بدأوا يقرأون اللحظة التاريخية بشكل صحيح.

تبقى مهمتنا نحن كقوى مدنية وديمقراطية أن نحول هذه اللحظة الميدانية إلى لحظة وطنية جامعة، قبل أن تضيع كما ضاعت فرص كثيرة في الماضي.

إن سورية المستقبل لن تبنى في دمشق وحدها، ولن تبنى في القامشلي وحدها، بل في حوار وطني يجمع دمشق والقامشلي وحمص والرقة ودير الزور وكل مدينة وقرية سورية.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع