قراءة في أبعاد زيارة الرئيس الشرع إلى السعودية واستحقاقات الانفتاح السوري الإقليمي

المقدمة:

شهدت العلاقات السورية الخارجية خلال السنوات الأخيرة موجات من التوتر والانقطاع، بفعل سنوات الثورة والأزمات الإقليمية المصاحبة.

وفي هذا السياق، تأتي زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية لتشكّل علامة فارقة على مستوى الانفتاح الإقليمي وإعادة بناء جسور الحوار والتعاون الاستراتيجي، فتحمل هذه الزيارة بعدين أساسيين: سياسي–استراتيجي، واقتصادي–تنموي، وتطرح أسئلة حيوية حول كيفية استفادة المجتمع السوري والمصلحة الوطنية من هذا التحول.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل أبعاد الزيارة، واستشراف انعكاساتها على السياسة السورية الداخلية والخارجية، وتقديم رؤية عملية لكيفية توظيف هذه الفرصة في تعزيز التنمية، العدالة الاجتماعية، ودمج المجتمع المدني في مشاريع إعادة الإعمار.

السياق السياسي–الاستراتيجي:

تأتي الزيارة بعد مرحلة طويلة من الانعزال السوري عن بعض العواصم الإقليمية، حيث عانى المجتمع السوري من آثار العزلة الدبلوماسية على مستوى الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي. في هذا الإطار، تعكس الزيارة عدة مؤشرات مهمة:

  1. الاعتراف بدور سورية الإقليمي: فتح باب الحوار مع المملكة السعودية يبرز رغبة المجتمع الدولي الإقليمي في إعادة سورية إلى طاولة القرار والتفاوض، وهو ما يمكن استثماره لتأكيد سيادة القرار الوطني بعيداً عن أي تبعية.
  2. فرص لتثبيت الأمن الإقليمي: من خلال التنسيق الاستراتيجي، يمكن للزيارة أن تساهم في تهدئة التوترات على الحدود وخلق مساحات تعاون مع جيران سورية، بما يخفف الضغوط الأمنية ويتيح تركيز الموارد على التنمية الداخلية.
  3. مراقبة الاستقلال الوطني: فبينما تُعد الزيارة فرصة، يجب أن يُنظر إليها من منظور وطني يضمن ألا تتحول المبادرات إلى أدوات ضغط أو محاور نفوذ، وأن تظل مصالح المواطن السوري في القلب، وأن تشكل هذه الزيارة بوصلة للحلول الداخلية لملفي (قسد، السويداء).

الأبعاد الاقتصادية والتنموية:

الزيارة لا تقتصر على التلاقي السياسي، بل تشمل مباحثات استراتيجية في المجالات الاقتصادية، الاستثمارية، والبنية التحتية.

ويمكن استخلاص النقاط التالية:

  1. إعادة تنشيط الاقتصاد: فتح العلاقات مع السعودية يمكن أن يفتح أبواباً للاستثمار في قطاعات البنى التحتية، والطاقة، والزراعة، والسياحة، وهذا يعزز فرص العمل ويخفف من البطالة، ويعيد الثقة في المؤسسات الاقتصادية السورية.
  2. استثمار الخبرات والتكنولوجيا: من خلال شراكات محتملة، يمكن نقل التكنولوجيا والخبرة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والخدمات الصحية، والتعليم، بما يرفع من كفاءة المشاريع المحلية.
  3. تعزيز الشفافية والمساءلة: حيث نقترح في تيار المستقبل السوري أن تواكب أي استثمارات آليات رقابة مدنية لضمان أن المشاريع تخدم المصلحة الوطنية ولا تستغل لمصالح نخبوية ضيقة.

البعد الاجتماعي والإنساني:

تيار المستقبل السوري يرى أن الانفتاح الخارجي يجب أن يُترجم إلى فوائد ملموسة للمواطنين.

وهنا يمكن التركيز على:

  • العدالة الاجتماعية: التأكيد على أن مشاريع الاستثمار يجب أن تراعي توزيع المنافع بين المناطق كافة، بما يقلل الفوارق الاقتصادية ويعزز التماسك الاجتماعي.
  • دعم الفئات الضعيفة: فأي تعاون أو تمويل خارجي يجب أن يشمل برامج دعم الأسر المتضررة من الحرب، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة.

  • مشاركة المجتمع المدني: إشراك الجمعيات المحلية والمجتمع المدني في متابعة تنفيذ المشاريع لضمان فعالية الإنفاق وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الخاتمة:

إن زيارة الرئيس الشرع إلى السعودية تُعد فرصة لإعادة ترتيب العلاقات الإقليمية واستثمارها في خدمة سورية والمواطن السوري، ومن منظور تيار المستقبل السوري، فإن هذا الانفتاح يشكل اختباراً لمصداقية السياسات الوطنية، وفرصة لتأكيد أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي أولوية، وأن أي تعاون خارجي يجب أن يعكس قيم العدالة، والمساواة، والمصلحة الوطنية العليا.

إننا نرى في هذا الحدث دعوة لتفعيل الفاعلية المدنية، وإشراك المجتمع، وحماية لحقوق المواطن ضمن أي مشروع وطني لإعادة إعمار سورية وبناء مستقبل مستقر ومستدام.

وعليه فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بما يأتي:

  1. إعداد ورقة متابعة رسمية: تحليل نتائج الزيارة بشكل دوري، مع توصيات للسياسات العامة التي تربط بين العلاقات الخارجية والتنمية الداخلية.
  2. إطلاق مبادرات مدنية واقتصادية: تشجيع مشاريع صغيرة ومتوسطة تعتمد على الاستثمار الخارجي، مع مراقبة الشفافية والمساءلة.
  3. تسليط الضوء الإعلامي: صياغة محتوى إعلامي يبرز كيف ينعكس الانفتاح الإقليمي على حياة المواطن السوري اليومية، بعيداً عن الخطاب السياسي الضيق.
  4. تقييم الاستقلال الوطني: التأكيد في كل المبادرات على أن القرار الوطني يبقى في يد الشعب السوري، مع حماية مصالحه من أي ضغوط خارجية.
  5. ندوات وورش تحليلية: تنظيم لقاءات بين خبراء اقتصاديين وسياسيين ومجتمع مدني لمناقشة فرص الاستثمار وإعادة الإعمار، وخلق مساحة فكرية لطرح الرؤى المستقبلية.

شاركها على:

اقرأ أيضا

منتدى الأعمال السوري الكوري

منتدى الأعمال السوري الكوري الذي أقيم في الشيراتون بحضور الدكتور زاهر بعدراني.

5 ديسمبر 2025

إدارة الموقع

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع