الملخص التنفيذي:
تتناول هذه الورقة دور السياسات الضريبية في تحسين الأجور وتحفيز النمو الاقتصادي في سورية، في ظل مرحلة انتقالية حرجة تتطلب إصلاحات مالية عاجلة.
وتنطلق الورقة من فرضية أن النظام الضريبي الحالي يعاني من اختلالات بنيوية تحدّ من قدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتُضعف أثره في دعم الاستقرار الاقتصادي والمعيشي.
في الفصل الأول، تم استعراض الإطار النظري للضرائب، مع التركيز على العلاقة بين الضرائب والأجور والنمو الاقتصادي، مستندًا إلى مفاهيم الاقتصاد الكلي ونظرية ابن خلدون ومنحنى لافر.
أما الفصل الثاني، فقد قدّم تحليلًا دقيقًا للواقع السوري، موضحًا ضعف التصاعدية الضريبية، وتراجع القدرة الشرائية، وانكماش الأجور، إلى جانب التحديات المؤسسية التي تعيق الإصلاح.
الفصل الثالث استعرض تجارب دولية ناجحة مثل ماليزيا، البرازيل، ألمانيا، ورواندا، في استخدام الضرائب كأداة لتحسين الأجور وتحفيز الاقتصاد، مع استخلاص دروس قابلة للتطبيق في السياق السوري.
وفي الفصل الرابع، تم تقديم مجموعة من المقترحات العملية لإصلاح النظام الضريبي، شملت إعادة الهيكلة، وتعزيز العدالة، وتحفيز الاستثمار، وربط الإيرادات بتحسين الأجور، مع دمج توصيات تيار المستقبل السوري التي تؤكد على ضرورة بناء نظام ضريبي عادل، شفاف، ومحفّز للنمو.
تخلص الورقة في خاتمتها إلى أن الإصلاح الضريبي ليس مجرد إجراء مالي، بل هو مدخل سياسي واجتماعي لإعادة بناء الدولة السورية على أسس حديثة، تحقق الكرامة الاقتصادية للمواطن، وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطى، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد قائم على العدالة والمواطنة.
المقدمة:
في ظل التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه سورية اليوم، تبرز الحاجة الملحة إلى أدوات فعالة لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وبينما تتعدد السياسات الممكنة، تبقى الضرائب من أبرز الأدوات التي تمتلكها الدولة لإعادة توزيع الموارد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا حادًا في القدرة الشرائية للمواطن السوري، نتيجة التضخم، وتدهور سعر صرف العملة، وارتفاع تكاليف المعيشة.
وفي المقابل، لا تزال الأجور في القطاعين العام والخاص دون المستوى المطلوب، مما يخلق فجوة خطيرة بين الدخل الفعلي واحتياجات المواطن الأساسية.
من هنا، تأتي هذه الورقة لتطرح رؤية إصلاحية عاجلة، تعتمد على إعادة هيكلة النظام الضريبي ليكون أكثر عدالة وفعالية، بحيث يُستخدم كأداة مباشرة لتحسين الأجور، وتحفيز الإنتاج، وتعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي.
كما تسعى الورقة إلى تقديم مقترحات عملية مستندة إلى التجارب الدولية، ومبنية على تحليل الواقع السوري، بهدف دعم صناع القرار في تبني سياسات ضريبية تواكب المرحلة وتلبي تطلعات المواطنين.
الفصل الأول، الإطار النظري للضرائب وعلاقتها بالأجور والنمو الاقتصادي:
تُعد الضرائب من أبرز أدوات السياسة المالية التي تستخدمها الحكومات لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة، من بينها تمويل الإنفاق العام، إعادة توزيع الدخل، وتحفيز النمو الاقتصادي.
وفي السياق السوري، حيث يواجه الاقتصاد تحديات هيكلية حادة، تبرز الضرائب كأداة مركزية يمكن توظيفها بفعالية لإعادة ضبط التوازن الاقتصادي وتحسين مستويات الأجور.
أولًا: مفهوم الضرائب ووظائفها الاقتصادية
الضريبة هي اقتطاع مالي إلزامي تفرضه الدولة على الأفراد والمؤسسات، دون مقابل مباشر، بهدف تمويل الإنفاق العام. وتتنوع الضرائب بين مباشرة (مثل ضريبة الدخل) وغير مباشرة (مثل ضريبة المبيعات)، ولكل نوع منها أثر مختلف على السلوك الاقتصادي للأفراد والشركات.
فمن الناحية الاقتصادية، تؤدي الضرائب وظائف متعددة، منها:
١- الوظيفة التمويلية: تأمين الموارد المالية اللازمة لتغطية الإنفاق الحكومي.
٢- الوظيفة التوزيعية: تقليص الفجوات بين الطبقات الاجتماعية عبر أنظمة ضريبية تصاعدية.
٣- الوظيفة التحفيزية أو التقييدية: التأثير على سلوك المستهلكين والمستثمرين من خلال الحوافز أو القيود الضريبية.
ثانيًا: العلاقة بين الضرائب والأجور
ترتبط الضرائب بالأجور من خلال عدة قنوات مباشرة وغير مباشرة، فعلى المستوى المباشر، تؤثر الضرائب على دخل الأفراد الصافي، مما ينعكس على قدرتهم الشرائية، أما على المستوى غير المباشر، فإن السياسات الضريبية تؤثر على قدرة الدولة على تمويل زيادات الأجور في القطاع العام، كما تؤثر على تكاليف التشغيل في القطاع الخاص، وبالتالي على قرارات التوظيف ومستوى الأجور المعروض.
في الأنظمة الضريبية التصاعدية، حيث يدفع أصحاب الدخول المرتفعة نسبة أكبر من دخل الطبقة الوسطى أو الدنيا، كضرائب، ويمكن للدولة أن تعيد توزيع هذه الإيرادات لتمويل زيادات في الأجور الدنيا أو دعم الخدمات الاجتماعية، مما يخلق بيئة أكثر عدالة واستقرارًا.
ثالثًا: الضرائب والنمو الاقتصادي
تُعد العلاقة بين الضرائب والنمو الاقتصادي من أكثر العلاقات تعقيدًا في الاقتصاد الكلي. فبينما توفر الضرائب الموارد اللازمة للاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى تقليص الحوافز الإنتاجية إذا فُرضت بشكل غير مدروس.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن:
- الضرائب المرتفعة على الدخل قد تثبط الاستثمار الخاص وتقلل من الادخار.
- الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة، تؤثر على الاستهلاك، وقد تكون أكثر عبئًا على الفئات ذات الدخل المحدود.
- الحوافز الضريبية مثل الإعفاءات أو التخفيضات، يمكن أن تشجع الاستثمار في القطاعات الحيوية، وتخلق فرص عمل جديدة، مما ينعكس إيجابًا على الأجور والنمو.
رابعًا: نظرية ابن خلدون في الضرائب
من اللافت أن المفكر العربي ابن خلدون قد تناول العلاقة بين الضرائب والنمو الاقتصادي قبل قرون، حيث أشار إلى أن "كثرة الجباية تُضعف الدولة"، مؤكدًا أن انخفاض معدلات الضرائب يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي، وبالتالي إلى ارتفاع الإيرادات العامة على المدى الطويل.
هذه الرؤية تتقاطع مع ما يعرف اليوم بـ"منحنى لافر"، الذي يوضح أن هناك مستوى مثالي للضريبة يحقق أعلى إيراد دون أن يثبط النشاط الاقتصادي.
خامسًا: الضرائب كأداة إصلاحية في المرحلة الانتقالية
في سياق اقتصادي هش مثل سورية، يمكن للضرائب أن تلعب دورًا إصلاحيًا حاسمًا إذا ما أُعيد تصميمها لتكون أكثر عدالة وفعالية، فبدلًا من التركيز على الضرائب غير المباشرة التي تثقل كاهل المواطن، يمكن توسيع قاعدة الضرائب المباشرة، وتحسين آليات التحصيل، وربط الإيرادات الضريبية مباشرة ببرامج تحسين الأجور والخدمات العامة.
الفصل الثاني، تحليل الواقع الضريبي ومستويات الأجور والقدرة الشرائية في سورية:
تُعد دراسة الواقع الاقتصادي والمالي في سورية شرطًا أساسيًا لفهم مدى فعالية السياسات الضريبية المقترحة، وتحديد مدى قدرتها على تحسين الأجور وتحفيز النمو الاقتصادي، فبعد انتصار الثورة على النظام البائد، وحدنا أن الاقتصاد السوري يعاني من اختلالات هيكلية عميقة، أبرزها تراجع الإيرادات العامة، وضعف الإنتاج، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
في هذا الفصل، نحلل النظام الضريبي السوري، مستويات الأجور، والقدرة الشرائية، مع إبراز التحديات التي تعيق الإصلاح المالي.
أولًا: ملامح النظام الضريبي السوري
يتسم النظام الضريبي السوري بخصائص مركبة، منها:
١- الاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية، والتي تُعد أقل عدالة اجتماعية مقارنة بالضرائب المباشرة.
٢- ضعف التصاعدية الضريبية، حيث لا تُفرض نسب أعلى على الدخول المرتفعة بشكل فعّال، مما يحد من قدرة الدولة على إعادة توزيع الدخل.
٣- التهرب الضريبي الواسع، نتيجة ضعف الرقابة، وتعقيد الإجراءات، وغياب الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية.
٤- تعدد الجهات الضريبية، مما يؤدي إلى ازدواجية في التحصيل، وتضارب في السياسات، ويُضعف كفاءة النظام ككل.
وقد أفرزت الحرب تراجعًا حادًا في الإيرادات الضريبية، نتيجة لانكماش النشاط الاقتصادي، وتدمير البنية التحتية، وهجرة رؤوس الأموال.
ثانيًا: ضريبة الرواتب والأجور
تُعد ضريبة الرواتب والأجور من أكثر الضرائب استقرارًا في سورية، نظرًا لصعوبة التهرب منها، وارتباطها المباشر بالقطاع العام. إلا أن هذه الضريبة تعاني من عدة إشكاليات:
١- نسب الاقتطاع غير متناسبة مع مستويات الدخل، مما يثقل كاهل الموظفين ذوي الدخل المحدود.
٢- غياب المرونة في الشرائح الضريبية، حيث لا يتم تحديثها بما يتناسب مع التضخم وتغيرات السوق.
٣- عدم ربط الإيرادات الضريبية بتحسين الأجور أو الخدمات الاجتماعية، مما يضعف الثقة في النظام الضريبي ويزيد من الشعور بالغبن.
وفي دراستنا تبين أن 49.23% من العاملين في سورية هم من فئة الأجر، مما يجعل ضريبة الرواتب والأجور أداة مركزية في أي إصلاح ضريبي مستقبلي.
ثالثًا: مستويات الأجور والقدرة الشرائية
تشير البيانات إلى أن متوسط الأجور في سورية لا يغطي سوى جزء ضئيل من تكاليف المعيشة، خاصة في ظل التضخم المتسارع. على سبيل المثال:
١- الحد الأدنى للأجور في القطاع العام لا يتجاوز 500,000 ألف ليرة سورية شهريًا، في حين أن تكلفة المعيشة لأسرة صغيرة تتجاوز 1.5 مليون ليرة شهريًا.
٣ـ القطاع الخاص يعاني من تفاوت كبير في الأجور، مع غياب الحد الأدنى الفعلي، وغياب الرقابة على الالتزام بالمعايير.
٣- القدرة الشرائية تراجعت بنسبة تزيد عن 80% خلال العقد الأخير، نتيجة لانخفاض قيمة العملة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
هذا التدهور في الأجور والقدرة الشرائية يخلق بيئة اقتصادية غير مستقرة، ويؤدي إلى تراجع الاستهلاك، وانكماش الطلب المحلي، مما يعيق النمو الاقتصادي ويزيد من معدلات الفقر.
رابعًا: التحديات البنيوية أمام الإصلاح الضريبي
رغم الحاجة الملحة لإصلاح النظام الضريبي، إلا أن هناك عدة تحديات تعيق ذلك، منها:
١- ضعف البنية الإدارية والرقابية في المؤسسات المالية.
٢- غياب قاعدة بيانات دقيقة للدخل الحقيقي للأفراد والمؤسسات.
٣- الاقتصاد غير الرسمي الذي يُقدّر بأنه يشكل أكثر من 60% من النشاط الاقتصادي، ويصعب إخضاعه للضريبة.
٤- ضعف الثقة بين المواطن والدولة، نتيجة لغياب الشفافية في استخدام الإيرادات الضريبية.
هذه التحديات تتطلب إصلاحًا مؤسسيًا شاملًا، يتضمن تحديث التشريعات، تبسيط الإجراءات، وتفعيل الرقابة، إلى جانب ربط السياسات الضريبية بتحسين الأجور والخدمات العامة.
الفصل الثالث، التجارب الدولية في توظيف الضرائب لتحسين الأجور وتحفيز الاقتصاد:
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها سورية، من المفيد دراسة تجارب دول أخرى نجحت في استخدام السياسات الضريبية كأداة فعالة لتحسين الأجور وتحفيز النمو الاقتصادي. هذا الفصل يستعرض نماذج مختارة من دول نامية ومتقدمة، ويحلل السياسات الضريبية التي اعتمدتها، والنتائج التي حققتها، والدروس التي يمكن لسورية أن تستفيد منها في سياقها الخاص.
أولًا: التجربة الماليزية – الضرائب كرافعة للنمو الصناعي
في تسعينيات القرن الماضي، اعتمدت ماليزيا سياسة ضريبية محفزة للنمو الصناعي، تمثلت في:
١- تخفيض الضرائب على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
٢- تقديم إعفاءات ضريبية للمستثمرين في القطاعات التكنولوجية والصناعات التحويلية.
٣- ربط الحوافز الضريبية بتوظيف العمالة المحلية وتحسين الأجور.
أدت هذه السياسات إلى زيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، وتحسن ملحوظ في متوسط الأجور، خاصة في المناطق الصناعية الجديدة.
كما ساهمت في تقليص البطالة وتحقيق نمو اقتصادي تجاوز 7% سنويًا خلال عقدين.
ثانيًا: التجربة البرازيلية – الضرائب التصاعدية والعدالة الاجتماعية
اعتمدت البرازيل نظامًا ضريبيًا تصاعديًا منذ مطلع الألفية، حيث تم فرض ضرائب أعلى على الدخول المرتفعة، مع تخفيض الضرائب على السلع الأساسية والخدمات الاجتماعية. وقد ساهمت هذه السياسات في:
١- تمويل برامج دعم الأجور مثل "بولسا فاميليا".
٢- تحسين القدرة الشرائية للفئات الفقيرة.
٣- تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
ورغم التحديات السياسية، أظهرت الدراسات أن هذه السياسات ساهمت في خفض معدل الفقر بنسبة 30% خلال عشر سنوات، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي المحلي.
ثالثًا: التجربة الألمانية – الضرائب كأداة استقرار في الأزمات
أثناء الأزمة المالية العالمية 2008، استخدمت ألمانيا الضرائب كأداة استقرار اقتصادي، من خلال:
١- تخفيض مؤقت لضريبة القيمة المضافة لتحفيز الاستهلاك.
٢- تقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي حافظت على العمالة.
٣- زيادة الإنفاق العام الممول من الضرائب لتحفيز الطلب الكلي.
أدت هذه السياسات إلى تجنب الركود العميق، والحفاظ على مستويات الأجور، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الألماني، مما جعله من أسرع الاقتصادات تعافيًا بعد الأزمة.
رابعًا: التجربة الرواندية – الرقمنة الضريبية وتحسين الامتثال
رغم محدودية الموارد، نجحت رواندا في تحسين تحصيل الضرائب عبر الرقمنة، حيث:
١- تم اعتماد نظام إلكتروني لتقديم الإقرارات الضريبية.
٢- تم ربط الحوافز الضريبية بتحسين الأجور وتوظيف الشباب.
٣- تم تبسيط الإجراءات لتشجيع الشركات الصغيرة على الامتثال.
أدى ذلك إلى زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 60% خلال خمس سنوات، وتم توجيه جزء كبير منها لتحسين الرواتب في القطاع العام، خاصة في التعليم والصحة.
خامسًا: دروس مستفادة لسورية
من خلال تحليل هذه التجارب، يمكن استخلاص عدة دروس قابلة للتطبيق في سورية:
١- العدالة الضريبية شرط لتحسين الأجور: يجب أن يكون النظام الضريبي تصاعديًا، يفرض نسبًا أعلى على الدخول المرتفعة، ويخفف العبء عن الفئات الضعيفة.
٢- الحوافز الضريبية تحفز الاستثمار والتوظيف: يمكن تقديم إعفاءات ضريبية مشروطة بخلق فرص عمل وتحسين الأجور.
٣- الرقمنة تعزز الامتثال وتقلل التهرب: اعتماد أنظمة إلكترونية للتحصيل والتسجيل الضريبي يسهل الإدارة ويزيد الإيرادات.
٤- ربط الضرائب بالخدمات العامة يعزز الثقة: يجب أن يشعر المواطن أن الضرائب التي يدفعها تُستخدم لتحسين حياته، لا لزيادة العبء عليه.
الفصل الرابع، مقترحات عملية لإصلاح النظام الضريبي في سورية:
في ضوء التحليل النظري والتجارب الدولية، ومع فهم الواقع السوري، تبرز الحاجة إلى إصلاح ضريبي شامل يعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، ويحقق العدالة الاجتماعية، ويحفّز النمو الاقتصادي. هذا الفصل يقدم مجموعة من المقترحات العملية، مستندة إلى الأدبيات الاقتصادية، والتجارب المقارنة، وتوصيات تيار المستقبل السوري، الذي يرى أن الإصلاح المالي هو نقطة الانطلاق في عملية التعافي الوطني.
أولًا: إعادة هيكلة النظام الضريبي
١- تبسيط النظام الضريبي عبر دمج الضرائب المتعددة في رسم ضريبي موحد، يسهل فهمه وتطبيقه.
٢- إلغاء نظام الدخل المقطوع واستبداله بنظام يستند إلى الدخل الحقيقي، مع اعتماد الفوترة الإلكترونية وربط البيانات مع وزارة المالية.
٣- إلغاء الرسوم غير المنتجة التي تُفرض دون معايير واضحة، وتُرهق صغار التجار والمواطنين.
ثانيًا: تعزيز العدالة الضريبية
١- فرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة، بما يضمن مساهمة عادلة من أصحاب الثروات في تمويل الإنفاق العام.
٢- إعفاء الأفراد ذوي الدخل المحدود من ضريبة الدخل، كما اقترح مشروع القانون الجديد بإعفاء من يقل دخله السنوي عن 12,000 دولار.
٣- إلغاء ضريبة الإيجارات السكنية للمواطنين السوريين، لتخفيف العبء على الأسر ذات الدخل المحدود.
ثالثًا: تحفيز الاستثمار والإنتاج المحلي
١- تخفيض الضرائب على القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، لتشجيع النمو المحلي، حيث نوصي بخفض ضريبة النشاط الصناعي من 20% إلى 10%.
٢- تقديم إعفاءات ضريبية مشروطة للشركات التي تخلق فرص عمل وتلتزم بتحسين الأجور.
٣- دعم الصناعات الواعدة مثل التكنولوجيا والنسيج، عبر تخفيض الضرائب وتوفير بنى تحتية مناسبة.
رابعًا: ربط الإيرادات الضريبية بتحسين الأجور
١- تخصيص جزء من الإيرادات الضريبية لتمويل زيادات في الرواتب، خاصة في القطاع العام، مع التركيز على التعليم والصحة.
٢- إنشاء صندوق وطني لتحسين الأجور يُموّل من الضرائب التصاعدية، ويُدار بشفافية، ويُخصص لدعم الفئات الأكثر تضررًا من التضخم.
٣- ربط السياسات الضريبية بمؤشرات العدالة الاجتماعية، مثل معامل جيني، ونسب الفقر، لضمان أن الإصلاحات تحقق أثرًا ملموسًا.
خامسًا: تعزيز الامتثال الضريبي والثقة العامة
١- رقمنة الإدارة الضريبية بالكامل، واعتماد الفوترة الإلكترونية، لتقليل التهرب الضريبي وزيادة الشفافية.
٢- إطلاق حملة وطنية للتوعية الضريبية، تشرح للمواطنين كيف تُستخدم الضرائب لتحسين حياتهم.
٣- إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في صياغة السياسات الضريبية، لضمان التوافق والفعالية.
سادسًا: التوصيات الخاصة بتيار المستقبل السوري
تيار المستقبل السوري، في رؤيته للإصلاح المالي، كان قدم دراسة قبل التحرير وسقوط الأسد، بتاريخ 28/03/2024م، بعنوان "رفع الأجور في سورية"، وبالاضافة لما قدمناه بذلك السياق، فإننا بهذه المرحلة في المكتب الإقتصادي لـ تيار المستقبل السوري نوصي بما يلي:
١- اعتبار الإصلاح الضريبي مدخلًا أساسيًا لتحقيق التوازن في الموازنة العامة، وتنشيط الصادرات، وزيادة الاستثمارات والادخار.
٢- استخدام الضرائب كأداة لضبط الاستهلاك، عبر فرضها على السلع غير الضرورية، وتخفيضها على السلع الأساسية.
٣- كبح جماح التضخم من خلال ترشيد الإنفاق العام، وربط الضرائب بالقدرة على الدفع.
٤- دعم القطاع الخاص ليكون شريكًا في التنمية، لا مجرد جهة خاضعة للجباية.
الخاتمة:
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بسورية، تبرز الضرائب كأداة مركزية يمكن توظيفها ليس فقط لتمويل الإنفاق العام، بل أيضًا لإعادة بناء العقد الاجتماعي، وتحقيق العدالة، وتحفيز النمو.
لقد بيّنت هذه الورقة، من خلال تحليل نظري وواقعي وتجريبي، أن السياسات الضريبية ليست مجرد إجراءات مالية، بل هي تعبير عن رؤية الدولة لدورها في حياة مواطنيها، وقدرتها على إعادة توزيع الموارد بما يضمن الكرامة والاستقرار.
إن تحسين الأجور في سورية لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن إصلاح ضريبي شامل، يعيد هيكلة النظام المالي، ويعزز الثقة بين المواطن والدولة، ويضع العدالة الاجتماعية في صلب السياسات الاقتصادية. وقد أظهرت التجارب الدولية أن الضرائب التصاعدية، والحوافز الضريبية المشروطة، والرقمنة، وربط الإيرادات بتحسين الخدمات، كلها أدوات فعالة يمكن أن تُحدث تحولًا حقيقيًا في الاقتصاد والمجتمع.
وفي هذا السياق، تتقاطع توصيات الورقة مع الرؤية السياسية لتيار المستقبل السوري، الذي يرى أن الإصلاح الضريبي هو مدخل أساسي لإعادة بناء الدولة السورية على أسس حديثة.
فتيار المستقبل السوري لا ينظر إلى الضرائب كعبء، بل كوسيلة لتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وكأداة لإرساء قواعد العدالة والمواطنة. وتتمثل رؤيته في بناء نظام اقتصادي يضمن تكافؤ الفرص، ويحفّز الإنتاج، ويعيد الاعتبار للطبقة الوسطى، التي تُعد العمود الفقري لأي نهضة وطنية.
كما يؤمن التيار بأن المرحلة المقبلة تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، تقوم على الشفافية، والمساءلة، والتوزيع العادل للثروات.
ومن هنا، فإن تبني إصلاح ضريبي جريء، يربط الإيرادات بتحسين الأجور والخدمات، ويُشرك المواطن في صياغة السياسات، يُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وفتح الطريق أمام سورية جديدة، قائمة على الكفاءة والعدالة والكرامة.
إن هذه الورقة، إذ تُقدَّم إلى صناع القرار في دمشق، تأمل أن تكون مساهمة علمية وعملية في بناء رؤية اقتصادية وطنية، تُعيد الاعتبار للإنسان السوري، وتضعه في قلب السياسات، لا على هامشها.
المراجع:
- قومان، مناف. "السياسات الضريبية في سورية: واقعها والتحديات التي تواجهها." المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018.
رابط الدراسة - الصطوف، محمد الحسين؛ الخلف، محمد؛ ركاج، يحيى محمد. "دراسة تحليلية لضريبة الرواتب والأجور في سورية." مجلة جامعة تشرين – سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية، العدد 25، 2003.
رابط الدراسة - الهيئة العامة للضرائب والرسوم السورية. الموقع الرسمي.
syriantax.gov.sy - ابن خلدون. المقدمة. تحقيق: علي عبد الواحد وافي. دار نهضة مصر، القاهرة، طبعة 2004.
- International Monetary Fund (IMF). "Coordinating Tax Policies for a Fairer Global Economy." IMF Blog، 2022.
IMF Blog - World Bank. "Effective Tax Administration Is Critical in Enhancing Growth and Creating Jobs." World Bank Blogs، 2023.
World Bank Blog - OECD. Tax Policy Reforms 2023: OECD and Selected Partner Economies. OECD Publishing, Paris, 2023.
OECD Report