رموز وأعلام الدولة في سورية (34) ساطع الحصري

وُلد ساطع الحُصري في اليمن عام 1879، أثناء عمل والده رئيساً لمحكمة الاستئناف في صنعاء. تنقّل مع أسرته بين صنعاء وطرابلس الغرب وقونية وأنقرة، حيث تلقى تعليمه في المدارس العثمانية، قبل أن يلتحق بالمعهد الملكي في إسطنبول ويتخرج منه عام 1900.

البدايات التعليمية:

عمل في التدريس بمدارس الدولة العثمانية في اليونان حتى عام 1906، ثم انتقل إلى السلك الحكومي وتولى مناصب إدارية رفيعة في اليونان وبلغاريا. عاد لاحقاً إلى التدريس في المعهد الملكي، وأسّس مدرسة خاصة في إسطنبول باسم "المدرسة الحديثة"، كما أطلق مجلة علمية فصلية بعنوان "أنوار العلوم".
وخلال الحرب العالمية الأولى عُيّن مديراً لدار المعلمين في العاصمة العثمانية.

من التتريك إلى القومية العربية:

في بداياته تأثر بالفكر التركي وكتب في مجلة "تورك أوجاني" داعياً إلى التتريك.
لكن بعد إعدامات 6 أيار 1916 في دمشق، بدأ يتعاطف مع الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين، وانتقل في تشرين الأول 1918 إلى دمشق للمشاركة في الحكومة العربية برئاسة الأمير فيصل بن الحسين.

دوره في حكومة الملك فيصل بدمشق:

عُيّن مديراً للمعارف، وعمل على تعريب المناهج وتطوير المدارس، كما أعاد افتتاح معهدي الطب والحقوق، وأدخل الأديبة لبيبة هاشم إلى سلك التفتيش التربوي لتكون أول سيدة في الإدارة التعليمية السورية.
وفي 1920 أصبح أول وزير للمعارف في حكومة الفريق رضا الركابي، ثم عاد للمنصب في حكومة هاشم الأتاسي.

عُرف الحُصري بمشاركته في المفاوضات مع الجنرال غورو قبل معركة ميسلون، لكنه عاد بخيبة أمل، لتسقط المملكة السورية بعد الهزيمة في 24 تموز 1920، ويرافق الملك فيصل في رحيله عن دمشق.

في العراق وبناء التعليم:

بعد تتويج فيصل ملكاً على العراق عام 1923، تولى الحُصري إدارة المناهج التربوية وتأسيس كلية الحقوق في بغداد. أصرّ على وضع مناهج قومية موحدة، ورفض إنشاء مدارس طائفية.
ومن أبرز إنجازاته إصدار كتاب "القراءة الخلدونية"، الذي فُصلت فيه التربية الدينية عن اللغة العربية.

الفكر القومي والتجربة العربية:

عُرف الحُصري بكونه أحد أبرز منظري القومية العربية في القرن العشرين.
حيث رأى أن وحدة اللغة هي أساس الأمة، وأن الثقافة القائمة على العربية هي الرابط الأعمق بين الشعوب. رفض الإقليمية والانعزالية، وحذّر من "العبودية الثقافية" للغرب.

في سورية، عاد عام 1943 مستشاراً لوزارة المعارف بدعوة من سعد الله الجابري، وقلّده الرئيس شكري القوتلي وسام الاستحقاق السوري. أصدر مقترحات إصلاحية جمعتها وزارة المعارف في كتاب "تقارير عن حالة المعارف في سورية واقتراحات إصلاحها".

وفي مصر، عمل عميداً لمعهد الدراسات العربية العليا بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر، وكان مستشاراً ثقافياً لجامعة الدول العربية.
دخل في سجالات فكرية مع طه حسين وأنطون سعادة، مؤكداً أن الأدب والهوية العربية تتجاوز حدود الأقاليم.

أبرز أقوال ساطع الحُصري:

  • إنَّ الدعوات الإقليمية الانعزالية تعوق وحدة الأمة العربية.
  • أوَّل ما يجب لتحقيق الوحدة العربية هو إيقاظ الشعور القومي.
  • إن التفكير في بعض الأمور مستقلاً عن الدين لا يعني إنكار الدين.
  • الاتحاد يولّد حياة جديدة وقوى جديدة، تفوق مجموع القوى المتفرقة.

وفاته وتكريمه:

توفي في بغداد يوم 23 كانون الأول 1968، ودُفن في مقبرة الخيزران بالأعظمية. كرّمته جامعة الدول العربية في مطلع السبعينيات، كما سُمّيت عدة مدارس سورية باسمه في دمشق والرقة ودير الزور. من أبرز مؤلفاته:

  • طريقة تعليم الألفباء: مرشد القراءة الخلدونية.
  • من تاريخ العرب الحديث.
  • العروبة بين دعاتها ومعارضيها.
  • العروبة أولاً!.

كما برز ابنه الدكتور خلدون الحصري كأكاديمي وكاتب، وحفيدته ميادة العسكري كصحفية ومترجمة عراقية.

تيار المستقبل السوري وساطع الحصري:

إننا في تيار المستقبل السوري، إذ نُحيي سيرة المفكر التربوي والقومي ساطع الحُصري، نؤكد على أهمية استلهام رموزنا الوطنية في بناء دولة سورية حديثة تقوم على العدالة والمواطنة الجامعة.
فالقادة الكبار ليسوا مجرد ذكرى من الماضي، بل نماذج مُلهمة في صياغة المستقبل، حيث تُبنى الجمهورية السورية الجديدة على أسس الانتماء والكرامة، لا على الولاءات الضيقة ولا التبعية.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع